- 4 جهات حكومية تنصلت من مسؤوليتها.. والحمامات «ملهاش صاحب» - القاهرة بها 141 حماما عموميا.. بمعدل دورة مياه واحدة لكل 117 ألف مواطن - أنت ازاي تعمل كده في الشارع؟ - معلش أصلي كنت محصور ومفيش حمامات في الشارع. - دي حجة بيطلعها الناس الزبالة اللي زيك يا سعيد. الحوار السابق، دار بين الفنان أحمد حلمي والفنان إدوارد في فيلم "عسل أسود" الذي عُرض عام 2010، حيث وجه «مصري» الذي قام بدوره أحمد حلمي الانتقاد لسعيد، الشخصية التي جسدها إدوارد؛ لأنه تبول في الشارع، ثم تمر أحداث الفيلم ويظهر مصري وهو يفعل نفس ما رفضه من قبل بنفس المبرر. كان الفيلم يشير لمشهد متكرر، نراه في العديد من ميادين وشوارع مصر، لهؤلاء المتراصين أمام الجدران يؤذون المارة بالروائح الكريهة، لكن لديهم دائمًا أعذار. "بوابة الشروق" ترصد هذه الظاهرة، وتسأل عن الأسباب التي تجبر الناس على التبول في الشوارع، كما قمنا برحلة بحث في متاهات الحكومة عن الجهة المسؤولة عن الحمامات العمومية لنجد في النهاية أن الجميع تنصل من المسؤولية، لتبقى الحمامات "بلا صاحب". مراحيض خارج نطاق الخدمة بالقرب من ميدان التحرير، يوجد مرحاض عام، قد أغلقت أبوابه وتفوح منه رائحة كريهة، فيما تخرج من نوافذه الحشرات. على بعد أمتار منه تظهر دورة مياه بميدان عبد المنعم رياض، تديرها إحدى الشركات الخاصة، يقول الحاج عبد الحليم، أحد المشرفين عليها: "شركتنا أخذتها من الحكومة ونظفتها وقامت بتشغليها" مشيرًا إلى أنهم ينظفونها مقابل أن يدفع الفرد خمسين قرشًا لاستخدامها. وخلال ربع ساعة استغرقناها في الحديث مع المشرف دخل عشرة أشخاص دورة المياه، واعتبر المشرف أن هناك إقبالًا من المواطنين على استخدام الحمامات بدلًا من التبول في الشوارع. بدأنا رحلة البحث عن الجهة الحكومية المسؤولة. المحطة الأولى.. جهاز شؤون البيئة: «ملناش دعوة» على أحد المراحيض المتواجدة بشارع رمسيس، شاهدنا لافتة كُتب عليها "جهاز شؤون البيئة". اتصلنا برقم الخط الساخن للجهاز 19808 وسألنا محدثتنا التي ردت على الهاتف، فقالت إنها لا تعرف شيئًا عن الموضوع، وطلبت الانتظار حتى تسأل رئيس الجهاز، ثم عادت وأخبرتنا أنه قال لها "إحنا ملناش دعوة بالمراحيض، ودي أول مرة نسمع الكلام ده". المحطة الثانية.. محافظة القاهرة: «لا نعرف المسؤول» ذهبنا إلى مقر محافظة القاهرة في ميدان عابدين، حيث قابلنا خالد مصطفى، المتحدث الإعلامي بالمحافظة، والذي أخبرنا أنه لا يعرف من المسؤول عن الخدمات العامة في شوارع العاصمة، مضيفًا أنه "من المؤكد أن دورات المياه مسؤولية رؤساء الأحياء"، وأشار إلى أنها كانت في فترة سابقة تابعة للهيئة العامة للنظافة. وأضاف مصطفى أن القاهرة اهتمت في عام 2005 بالمراحيض العامة أثناء تقدمها لاستضافة بطولة كأس العالم، والتي استضافتها جنوب أفريقيا في 2010، لافتًا إلى أنه لكي تفوز مصر باستضافة كأس العالم كان لا بد من إنشاء مراحيض عامة في الشوارع، ولكن بعد أن حصلت مصر على صفر المونديال الشهير، قامت محافظة القاهرة بتأجير بعض دورات المياه لشركات خاصة، بينما تم إهمال الدورات الأخرى. المحطة الثالثة.. الهيئة العامة للنظافة: المسؤولية عند «الأحياء» ذهبنا إلى مقر الهيئة العامة للنظافة والتجميل بالقاهرة، وهناك قابلنا رئيس الهيئة المهندس حافظ السعيد، الذي نفى بدوره أن يكون المسؤول عن المراحيض العامة، "لسنا مسؤولين عنها، بل هي من مسؤولية رؤساء الأحياء". طلب رئيس الهيئة من مدير غرفة العمليات، المهندس جمال راشد، عمل رصد لدورات المياه في القاهرة. قام المهندس راشد بعملية الرصد، حيث أرسل لفروع الهيئة في الأحياء والتي قامت بحصر حالة المراحيض في كل حي، وقد حصلت "بوابة الشروق" على نسخة من التقرير الذي أوضح أن محافظة القاهرة بها 141 دورة مياه، يعمل فقط منها 68، فيما لا تستخدم 73 دورة مياه لأسباب عدة من بينها عدم وجود عمال أو استيلاء البلطجية عليها أو لحاجتها لرفع الكفاءة. وإذا ما تم توزيع ال68 دورة مياه الصالحة للاستخدام على عدد سكان مدينة القاهرة الذي وصل تعدادها، وفقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الصادر العام الماضي، لثمانية ملايين نسمة، فإن لكل 117 ألف و647 مواطنًا دورة مياه واحدة فقط. وبينما لا تتواجد أي دورات مياه في أحياء السلام ثانِ، المرج، ودار السلام، فإن أغلب دورات المياه لم تعد تعمل في كل من الأحياء التالية: الأزبكية، باب الشعرية، البساتين، المقطم، منشأة ناصر، المطرية، مصر الجديدة، عين شمس، الزاوية، والزيتون. ويشير مدير غرفة العمليات بالهيئة، إلى أنه في العام 2000 سحبت محافظة القاهرة مسؤولية تطوير دورات المياه من الهيئة وأوكلتها إلى الأحياء، التي لم تهتم هي الأخرى بتطويرها. المحطة الرابعة.. الأحياء: لا نعلم شيئًا. نفى اللواء ياسين عبد الباري، رئيس حي غرب القاهرة، الذي يضم منطقة وسط البلد وشارع رمسيس أي علم له بالمراحيض العامة. وقال اللواء ياسين في اتصال هاتفي: "المحافظة هي اللي مسؤولة عنها، أو ممكن هيئة النظافة.. هي صحيح على أرض الحي بس مش إحنا المسؤولين عنها". لتنتهي بذلك رحلتنا بتنصل الأطراف الأربعة، هيئة البيئة، محافظة القاهرة، الأحياء، والهيئة العامة للنظافة، من مسؤوليتهم عن المراحيض، وتظل "ملهاش صاحب". تعليقات المارة: «الموضوع محرج جدًّا» سارة، فتاة عشرينية، تؤكد حاجة الناس للحمامات العامة، "الناس في الشارع وبتوع الميكروباصات مش هيقفوا عند كل محل علشان يدخلوا الحمام" وتضيف "ولازم تكون ببلاش" مؤكدة أنه "موضوع محرج جدًّا" لها أن ترى شخصًا يتبول في الشارع، معتبرة ذلك بأنه يعمل على نشر الميكروبات والأوبئة. "على حسب التربية لو واحد مرتبي مش هيعمل كده، أنا لو مكانه هعمل في أي كافيه، المشكلة في عقلية الناس" يقول "أحمد" مضيفًا "برضو فيه تقصير من الدولة". "عبد لله" كان يمر مع ابنتيه في ميدان طلعت حرب، عندما قال لنا: إن السبب يرتكز في المقام الأول على "السلوكيات الخاطئة". ويعتبر عبد الله أن من البديهي أن توفر الدولة دورات مياه خاصة في الأماكن التي بها باعة جائلون. مضيفًا "نادرًا لما بلاقي مراحيض عامة، ولو موجودة الواحد بيقرف يدخلها حتى لو الواحد معاه أطفال؛ لأنها غير لائقة آدميًّا". س: لماذا تتبول في الشارع؟ ج: غصب عننا يقول إبراهيم، بائع متجول، في وسط البلد أنه اعتاد على قضاء حاجته في الشارع: "غصب عننا.. لو عملوا حمامات عمومية مكانش حصلت حاجة زي دي". ويشير إبراهيم إلى أنه في أحيان كثيرة يذهب لقضاء حاجته في بعض المتاجر القريبة من الشارع الذي يعمل به، ولكنه عندما يكون في منطقة ليس بها أماكن "بعملها في أي حتة". هل يضطر بعض الناس للتبول في الشارع؟ أجابنا على هذا السؤال الدكتور محمود سعد، أخصائي أمراض باطنة وكلى وعضو مجلس نقابة أطباء القاهرة. قال الدكتور سعد: إن هناك أمراضًا تجبر الإنسان على قضاء حاجته "فيه ناس عندها ظروف طبية تمنعها من التحكم في نفسها، مثل مرضى السكر لو السكر مش متظبط، واللي عندهم مشكلة في مجرى البول أو التهابات في الكلى". وتابع الدكتور سعد: "لو إنسان تحكم في نفسه لفترة طويلة سيتعرض لضرر صحي، وقد يؤدي لاحتقان البروستاتا". ولكنه يرى في الوقت نفسه" بعيدًا عن الحالات الملحة، هناك سوء تصرف وسوء سلوك" وأن الأمر برمته يعتمد على التربية والثقافة. وآخرون لديهم "بيوت راحة" وهنا يمكن الحديث عن المراحيض باستخدام مصطلح آخر ألا وهو "بيت الراحة" فدورات المياه في دول أخرى تحمل هذا المصطلح عن جدارة. فهي بيوت للراحة أكثر منها مجرد مراحيض عامة؛ حيث تحرص الدول الأوروبية على وجود "بيوت الراحة" في شوارعها، وفي مقاطعة ويلز في بريطانيا، قررت السلطات فرض غرامة قدرها 75 جنيهًا استرلينيًّا لمن يضبط وهو يتبول في الشارع، وفي ذات الوقت وفرت المقاطعة مراحيض متنقلة إلى جانب المراحيض العامة التي تنتشر هناك. وفي تقرير نشره موقع "فيرتشوال توريست" اختار فيه أفضل عشر دورات مياه عمومية في العالم. يقول عن دورة مياه "براينت بارك" في ولاية نيويوركالأمريكية، والتي احتلت المركز الأول" من ذا الذي يتخيل أنه في وسط مدينة صاخبة قذرة كنيويورك سيوجد بها "تواليت" به موسيقى كلاسيكية وزهور خضراء إلى جانب النظافة". ويقول التقرير عن دورة مياه "بلاس دي لا ماديلين" في العاصمة الفرنسية باريس: "على الرغم من مرور قرن على إنشائها، حيث أنشئت العام 1905، فهي لا زالت تحتفظ بروائع الفن الحديث". يمكن الاطلاع على "بيوت الراحة" السابق ذكرها من «هنا»