أهم ما فى الفيلم الوثائقى «الميدان» «The square»، هو قدرته على اختزال واقع مصر منذ ثورة 25 يناير، وحتى ثورة 30 يونيو، عبر صورة واقعية طازجة، شديدة التشويق والمتعة البصرية والأداء التلقائى لأبطال الحكاية. شاهدنا وقائع لميدان ملتهب بالشعارات، مفعم بالمشاعر المرتقبة لحدث عظيم، موحى بأن مصر على أبواب عصر جديد. الفيلم بحق أذاب رواسب تجارب سينمائية كثيرة سابقة عن الثورة، كانت بمثابة السبوبة لاستغلال الحدث الكبير بمغازلتها المشاهد الغربى دون فكر ولا رؤية فنية. فما كنا نراه كان بداية للديمقراطية، إذا تخيلت أناسا لم يجر بينهم مثل هذا النوع من الحوار علنا من قبل على مدى 30 عاما فى ذلك العهد الاستبدادى، وها أنت ترى فى هذا العمل صورا لأناس يتعلمون كيف يجرون هذه الحوارات عن مستقبل بلد، حوارات سياسية نتعلم من خلالها أننا يمكن أن يختلف بعضنا عن البعض الآخر، وأن تختلف انتماءاتنا اختلافا جذريا، ونستطيع رغم ذلك أن نتبادل الحديث عن المستقبل. ركز الفيلم على الثورة ضد الرئيس السابق «حسنى مبارك» وتوجيه أنظار العالم إلى ميدان التحرير المشتعل فرحا وابتهاجا باندلاع ثورة يناير 2011، ونزول جموع الشعب المصرى احتفالا بسقوط مبارك من حكمه الذى استمر 30 عاما، وتحقيق الديمقراطية وسلطة الشعب المفقودة منه منذ زمن طويل. وأظهر الاعتداءات العنيفة، التى تعرض لها المتظاهرون بميدان التحرير وشارع محمد محمود وماسبيرو وخاصة اعتداء قوات الأمن على الثوار، وكذلك مدى ترابط المصريين بجميع طوائفهم وميولهم السياسية فى الثورة على الظلم من أجل تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية، «فميدان التحرير» كان هو البطل الرئيسى فى فيلم «الميدان». وأظهر «الفيلم» أن بخروج «حسنى مبارك» من الحكم، وعلى مدى حوالى ثلاث سنوات فيما بعد الثورة انتقلت مصر من أزمة إلى أزمة جديدة بوصول الإخوان المسلمين للسلطة».. حيث تحولت وعود الرئيس المعزول «محمد مرسى» إلى أكاذيب فبدلا من أن يحقق مطالب الثورة للمصريين حقق مطالب المرشد وجماعته الإسلامية وأكدت مشاهد الفيلم أن تجربة مرسى والإخوان المسلمين أساءت للديمقراطية فى مصر. وتأتى نهاية فيلم «الميدان» بالمظاهرات التى اندلعت فى عهد الرئيس المعزول «محمد مرسى» والإعلان عن إسقاطه وتحقيق إرادة الشعب المصرى على يد الفريق «السيسى». وقالت المخرجة المصرية الأمريكية «جيهان نجيم» فى فيلم «الميدان» إن الثورة ليست حدثا منفردا، وإنما هى ثقافة شعب يتكاتف ليدافع عن حريته وإن الثوار فى الميدان لا يسعون الحصول على زعيم وطنى جديد وإنما الحصول على ضمير وطنى جديد. الفيلم يثير الدهشة وخاصة عند مشاهد مقاطع فيديو ل«الإخوان المسلمين» وتهديداتهم للشعب المصرى بارتكابهم مذابح ضد الشعب المصرى إذا تم سقوط مرسى من الحكم. وتكمن الأهمية فى رصد التفاصيل الكاملة للأحداث التى تدور فى مصر، وكيف كان وضع الثورة المصرية فى ذلك الوقت بالتحديد، حيث أوضح مدى شجاعة الشعب وإصراره على تحقيق آماله فى الحصول على الحرية التى سلبت منه أكثر من 30 عاما. بعد ثلاث سنوات من تواجد المخرجة بين الحشود فى ميدان التحرير لتوثيق الأحداث المبكرة للثورة تقول عبر فيلمها إن مصر لم تعد كما كانت برغم صعوبة الفترة، والجميع يشعر بأن هذه عملية شديدة الأهمية كان ينبغى أن تحدث، ولن نعود أبدا إلى ما كنا عليه قبل ثلاث سنوات فقد تلقى الشعب كله وجبة من الثقيف السياسى. ربما يبدو فيلم «الميدان» دورة دراسية مكثفة فى فهم مصر اليوم يقوم بالتدريس فيها المحتجون الذين بدأوا التجمع أول الأمر فى ميدان التحرير فى يناير 2011 للمطالبة بإنهاء حكم مبارك، فى هذا الصراع وجدت جيهان مجموعة من الشخصيات فى ميدان التحرير من خلفيات مختلفة مما سمح لها بأن تبنى من البداية سردا قائما على شخصيات من الواقع، فالفيلم يركز على أربع شخصيات: راوى الفيلم أحمد حسن، وهو شاب من الطبقة العاملة فى أواسط العشرينات يتسم بالدهاء، لكنه يواجه صعوبة فى الحصول على وظيفة، وخالد عبدالله وهو ممثل بريطانى مصرى فى أواسط الثلاثينات، ويمثل جسرا بين النشطاء والإعلام الدولى، ومجدى عاشور وهو عضو فى جماعة الإخوان المسلمين فى منتصف الأربعينات تعرض للتعذيب فى عهد مبارك، ويمر بأزمة ثقة بخصوص الثورة والاخوان ورامى عصام مطرب الثورة. جمعت نجيم، التى نشأت فى مكان يبعد عشر دقائق من ميدان التحرير طاقم العمل معها من الميدان مدركة أنه لا يمكنها الاستعانة بأناس من الخارج، وتطلب منهم تحمل مخاطر التصوير فى وسط الثورة. وقالت: «كل واحد من فريق فيلمنا إما طاردته الشرطة فى الشارع أو قبض عليه أو تعرض لإطلاق النار فى مرحلة ما». وأذكر هنا وصف الناقد السينمائى بصحيفة لوس أنجليس تايمز كينيث توران بأن الفيلم «نظرة ثاقبة من الداخل»، وقال إنه «ما كان ليوجد لولا عزيمة المخرجة جيهان نجيم وحماسها». وربما كان الأكثر أهمية أنه صعد ضمن 15 فيلما وثائقيا تأهلت لقائمة ال15 للمنافسة على جائزة الأوسكار قبل إعلان الترشيحات فى 16 يناير بعد أن نال جائزة الفيلم الوثائقى بمهرجان تورونتو ، وعلى جائزة أفضل فيلم من الرابطة الدولية للأفلام الوثائقية الشهر الماضى وأفضل فيلم وثائقى عربى بمهرجان دبى السينمائى، كما أنه أول فيلم وثائقى كبير تستحوذ عليه نتفليكس وهى شركة للنشر الإلكترونى للأفلام تسعى لاجتذاب مزيد من المشتركين لبرامجها عبر الإنترنت. وتبدأ نتفليكس عرض الفيلم فى جميع المناطق فى 17 يناير، ووافقت على السماح بعرضه فى دور العرض السينمائى فيما يتراوح بين ثمانى عشر مدن أمريكية. وسيتم توزيعه أيضاً فى البلدان التى لا تعمل فيها نتفليكس. لكن من ناحية أخرى ثمة مكان واحد بات من المهم عرضه فيه.. وهو مصر.