في بداية حديثه، تكلم عن كرة القدم رياضته المفضلة فى سن الشباب، وتحديدًا حبه للوقوف كحارس مرمى، ونسب لتلك الرياضة الفضل في اعتياده على الاستيقاظ مبكرًا وإنجازه عمله حتى الآن. ومع الدخول في تفاصيل المشكلات القانونية التي تواجه المستثمرين في الملفات التي يتولاها المحامي البارز، ورئيس هيئة الرقابة المالية الأسبق، هاني سرى الدين، بدا أنه يعرف جيدًا كل الثغرات في مرمى الشركات الكبرى وكيفية قطع الطريق عليها، كما يعرف أوجه القصور في التشريعات القائمة، التي لا يناسب بعضها بيئة الاستثمار في رأيه. - يتحدث مجتمع الأعمال كثيرًا عن تأثير المنازعات بين الحكومة والمستثمرين على بيئة الاستثمار في مصر سلبًا، فما هو تقييمك لتلك الآراء؟ هناك بالفعل العديد من المنازعات والكثير منها يتم مقاضاة الحكومة بسببه أمام جهات دولية، وبلغ حجم التعويضات التي تطالب بها الشركات مصر دوليًا من بعد 2011 نحو 40 مليار دولار. هذه المطالبات في حد ذاتها مبالغ فيها جدًا وهناك قضايا بالتأكيد سيصدر الحكم فيها لصالح الحكومة المصرية، لكن المشكلة أنها تعطي انطباعًا سلبيًا عن بيئة الاستثمار في البلد. - وما هو السبب في تفاقم تلك المشكلات القانونية بعد الثورة من وجهة نظرك؟ ظلت الحكومة لفترة طويلة متخوفة من اتخاذ قرارات بتسوية تلك المنازعات في ظل المسئولية الجنائية الملقاة عليها، وضغوط الرأي العام الذى رأى أن هناك فسادًا في جميع الاستثمارات، بل صدور أحكام قضائية بإلغاء عقود بيع لشركات عامة، مما زاد من تعقد المشكلة. بالطبع كانت هناك محاولات جدية من الحكومة لغلق بعض الملفات، لكن لم تكن هناك سياسة واحدة لحسم هذه المسألة. - لماذا ظهرت منازعات الاستثمار بشكل كبير في القطاع العقاري؟ القطاع العقاري لم يكن الوحيد فهناك منازعات أيضًا في القطاع السياحي وقطاع البترول، ولكن القطاع العقاري من أسهل القطاعات التي يمكن تقديم بلاغات فيها ضد المستثمرين بسبب التشريعات القائمة، فبعضها قديم جدًا وغير ملائم لبيئة الاستثمار. ومن أبرز الأسباب التي خلقت منازعات مع الشركات العقارية الكبيرة هو التعثر في سداد أقساط من مستحقات الدولة، والواقع أن التشريعات تنص على أنه في حال تأخر الشركات في سداد قسطين تلتزم الجهة الإدارية بفسخ العقد وسحب الأرض أيًا كانت نسبة هذين القسطين من إجمالى الأقساط المسددة وأيًا كان حجم إنجاز الشركة للمشروع، فإذا لم تسحب الجهة الإدارية الأرض فسيتم اعتبارها مسئولة جنائيًا وأنها أضرت بالمال العام، وسيتناول البلاغ المقدم ضدها حساب سعر الأرض الافتراضي إذا ما كانت الحكومة سحبته من المستثمر وأعادت طرحه. هذه هى المليارات التى يتحدثون عنها فى الصحف على أنها مبالغ مهدرة على الدولة. من المشكلات الشائعة أيضًا مع الشركات العقارية الكبرى التأخر فى تنفيذ المشروع فى الموعد المتفق عليه، وهذه من النقاط الأكثر خطورة لأنه أحيانًا تكون الدولة قد ساهمت فى ذلك نتيجة لتأخرها فى إدخال المرافق أو منح التراخيص، هذا بالإضافة للظروف التى يمر بها المستثمرون فى مصر، حيث شهد البلد فى الفترة الماضية «أزمة مالية عالمية» و«ثورتين». هذه المشكلات بصفة عامة تعاقدية ويجب ألا تدخل فى نطاق القانون الجنائى، حيث يمكن تسويتها بإعادة التوازن المالى للتعاقد، ولكن المبالغة فى تقدير أن هناك إهدارًا للمال العام يجعل الحكومة أحيانًا تعيد التسوية على أساس أسعار عالية، والمستثمر قد يرى أن الموافقة على التسوية اعتراف منه بأنه ارتكب خطأ ما. ولكنى أعتقد أننا من الممكن أن نتوصل لتسوية تلك الملفات إذا تم التنسيق بين أجهزة الدولة والتواصل مع الرأى العام لتوضيح حجم المشكلة، فتشغيل تلك المشروعات سيعود بالنفع على الاقتصاد لأنه يشغل العمالة وأنشطة المقاولات. - أشرت إلى وجود منازعات أيضًا فى قطاع البترول فما هى أسبابها؟ نفس المشكلات تقريبا، فهى تتعلق مثلا بعدم البدء فى الإنتاج بالكميات التجارية المتفق عليها فى مشروعات البترول، كما أنه فى ظل أزمة الطاقة الحالية إذا ما اتفقت الدولة مع المستثمر على توصيل كميات معينة لمصنعه وبسعر معين ولم تلتزم بذلك فهذا يفتح الباب لمنازعات قانونية. أعتقد أننا نحتاج فى مجال اعادة هيكلة الطاقة إلى تسوية على أساس مصالح الطرفين بما يجنبنا أية منازعات قادمة. - ما هى القاعدة التى يحتكم اليها المستثمرون والحكومة فى تسوية المنازعات فى رأيك؟ لا بد أن تتم التسوية على أسس موضوعية، وأن يتم طرح تلك الأسس على الرأى العام، ولا بد من الشفافية وتوضيح لماذا تأخذ الحكومة مثلا فى تلك الحالة تعويضا ماليا معينا ولماذا تستقطع جزءا من المشروع فى حالة أخرى. ولكن المشكلة أنه احيانا ما يكون الحديث بشفافية أمرا صعبا لأنه فى أثناء التفاوض يصعب على أى طرف، قبل الوصول لاتفاق، أن يقر بمسئوليته عن بعض الأمور حتى لا يؤثر ذلك على موقفه القانونى، هذا ما يجعلنا نرى فى بعض الحالات أن كل طرف متشدد ثم فجأة يتم الإعلان عن تسوية ما. ولكن بصفة عامة هناك جدية من الحكومة الحالية فى تسوية المنازعات، وإنما ما يؤثر سلبا على هذه الجهود هو عدم وجود إطار قانونى وسياسى واضح لمساعدة تلك التسويات. - ما الذى تعنيه بالإطار القانونى والسياسى؟ لا تزال هناك ملفات جنائية للمسئولين متعلقة بالاستثمار قيد التحقيق، وهذا يؤثر سلبا على جهود التسوية، وبينما قامت الحكومة الحالية بتعديلات تشريعية تمكن معظم الجهات الإدارية من تخصيص الأراضى بالأمر المباشر، بدلا من الخضوع لقانون المناقصات، فان هذا التعديل وحده لن يشعر المسئولين بأنهم مؤمّنون من الاتهامات الجنائية فى حال اتخاذ قرارات بالتعاقد مع المستثمرين. ويحاسَب الموظفون قانونيا فى بعض الحالات لأنهم لم يتخذوا إجراءات ضد المستثمرين، الأمر الذى جعل الوضع الآمن للمسئول الحكومى هو أن يتخذ إجراءات ضد المستثمر، وبالتالى فالمناخ العام لم يتغير. هذا إلى جانب أن الدولة من جهة أخرى لم تطبق آليات للحد من الفساد المالى والإدارى، علاوة على أنه لو قام مستثمر ببيع جزء من مشروعه العقارى قبل استكماله فمن حق الدولة أن تشاركه فى ربحه من تلك العملية، لأن الهدف من المشروع فى الأصل التنمية وليس تجارة الأراضى، ولكن حتى هذه اللحظة الدولة لا تأخذ نسبة من تلك الصفقة إذا تم اعتبار أن المستثمر تنازل عن الشركة. كما يجب أن تكون هناك تفرقة واضحة فى سياسات تخصيص الأراضى بين قطاع وآخر ففى مجال الإسكان للفئات مرتفعة الدخل يجب أن تسعر الأراضى على أساس أن نسبة كبيرة من العائد الذى سيدخل لصاحب المشروع مصدره قيمة الأرض، بينما فى مجال الصناعة نسبة كبيرة من العائد تأتى من عوامل الإنتاج، وبالتالى لا يعقل أن نبيع الأراضى للمصانع بسعر مرتفع للغاية، ولكن يمكن مثلا أن نؤجرها لهم أو نبيع بحق انتفاع. بصفة عامة يجب أن تتدخل الدولة للدفاع عن المال العام ولكن «على أساس عقلانى». - تطرح الحكومة تعديلات تشريعية لم تعلن عن تفاصيلها بعد، ولكنها تحمى المسئولين من توجيه الاتهام الجنائى فى الحالات التى لا يثبت فيها الفساد. فما هو تقييمك للمبادرة؟ نحن فى حاجة لتعديل التشريعات الخاصة بمحاسبة الموظف العام، تحديدا المواد 116 و117 و118 من قانون العقوبات لأنها مواد فضفاضة جدا، هذا لا يعنى أننا نشجع على الفساد، ولكن نريد أن نمكن الموظفين من اتخاذ القرارات، لذا يجب أن تفرق التشريعات بين الموظف الذى يثبت أنه اتخذ قرارا للحصول لنفسه او لغيره على منفعة، وبين موظف ثبت أنه لم يكن كفئا إداريا وأخل إخلالا جسيما بواجباته الوظيفية. وأنا لا أقول إنه فى الحالة الثانية لا تتعرض للعقوبة ولكن تكون عقوبات كالعزل من الوظيفة مثلا. وبصفة عامة فإن إصلاح بيئة الاستثمار لن يتم فقط بتعديل القوانين ولكن بإنفاذ القانون وإصلاح أحوال البيروقراطية الحكومية المنفذة لتلك القوانين. - ما هى أبرز الملفات التى تتوقع تسويتها مع الحكومة فى الفترة المقبلة؟ أتوقع انفراجة قريبة خلال شهر فى ملفات شركات سوديك والفطيم وبالم هيلز.