باكستان: على طالبان أفغانستان اتخاذ خطوات فوريبة لتفكيك الشبكات الإرهابية    إسرائيل تتسلم جثتى رهينتين من حماس عبر الصليب الأحمر    إصابة 12 شخصا في انقلاب ميكروباص ب«صحراوي المنيا»    وفاة ضابط شرطة في حادث مأساوي على طريق الإسماعيلية الصحراوي    المعاينة: تسرب غاز وراء وفاة زوجين فى مدينة بدر    مصرع شخصين وإصابة آخرين إثر حادث تصادم سيارتين فى النزهة    زيلينسكي: ترامب لم يعطني ردًا حاسمًا لصواريخ توماهوك    وائل جسار يطرب جمهوره بأغنية "غريبة الناس" في مهرجان الموسيقى العربية    «العمل العربية» تشارك في الدورة ال72 للجنة الإقليمية بالصحة العالمية    توابع زيادة البنزين، ارتفاع جديد في أسعار الجبن الأبيض والرومي والشيدر بالأسواق    التعليم توضح الفئات المستفيدة من أجهزة التابلت 2025-2026.. من هم؟ (إجراءات وضوابط التسليم)    شبانة: أداء اليمين أمام مجلس الشيوخ مسئولية لخدمة الوطن والمواطن    رئيس مصلحة الجمارك يتفقد قرية البضائع بمطار القاهرة    موعد مباراة منتخب المغرب ضد الأرجنتين في نهائي كأس العالم للشباب والقنوات الناقلة    يسرا وإلهام شاهين يشاركان نانسى عجرم الغناء على هامش مهرجان الجونة    «بين الأهلي والزمالك».. خالد الغندور يثير الجدل بسؤال: «بيراميدز خد مكان مين؟»    عملوها الرجالة.. منتخب مصر تتوج بكأس العالم للكرة الطائرة جلوس    نتنياهو: الحرب ستنتهي بعد تنفيذ المرحلة الثانية بما يشمل نزع سلاح حماس    نتنياهو يعلن نيته الترشح مجددًا لرئاسة الوزراء في الانتخابات المقبلة    أتلتيكو مدريد ينتصر على أوساسونا بالدوري    تراجع عيار 21 الآن بالمصنعية.. سعر الذهب اليوم الأحد بالصاغة بعد الانخفاض الكبير عالميًا    "عام الفضة " دلالة على انهيار المنظومة الاقتصادية ..تدهور الجنيه يدفع المصريين إلى "الملاذ الفضي"    مكافأة على سجله الأسود بخدمة الانقلاب .. قاضى الإعدامات المجرم "عصام فريد" رئيسًا ل"مجلس شيوخ العسكر" ؟!    زيكو: بطولتي الاولى جاءت أمام فريق صعب ودائم الوصول للنهائيات    أحمد ربيع: نحاول عمل كل شيء لإسعاد جماهير الزمالك    اتحاد الكرة يهنئ نادي بيراميدز بعد التتويج بكأس السوبر الإفريقي    ذات يوم مع زويل    «الشيوخ» يبدأ فصلًا تشريعيًا جديدًا.. وعصام الدين فريد رئيسًا للمجلس بالتزكية    ارتفاع يصل إلى 37 جنيهًا في الضاني والبتلو، أسعار اللحوم اليوم بالأسواق    تحالف مصرفى يمول مشروع «Park St. Edition» باستثمارات 16 مليار جنيه    رابط المكتبة الإلكترونية لوزارة التعليم 2025-2026.. فيديوهات وتقييمات وكتب دراسية في مكان واحد    تفاصيل محاكمة المتهمين في قضية خلية مدينة نصر    المشدد 15 سنة لمتهمين بحيازة مخدر الحشيش في الإسكندرية    شبورة كثيفة وسحب منخفضة.. بيان مهم من الأرصاد الجوية بشأن طقس مطروح    سيتغاضى عنها الشركاء الغربيون.. مراقبون: تمثيل كيان العدو بجثامين الأسرى والشهداء جريمة حرب    ستيفن صهيوني يكتب: مساعٍ جدية لبدء عصر جديد في العلاقات بين دمشق وموسكو بعد زيارة الشرع لروسيا.. فهل تنجح هذه المساعي؟    انجذاب لشخص في محيط عملك.. حظ برج العقرب اليوم 19 أكتوبر    لا تتردد في استخدام حدسك.. حظ برج الدلو اليوم 19 أكتوبر    منة شلبي: أنا هاوية بأجر محترف وورثت التسامح عن أمي    ياسر جلال: أقسم بالله السيسي ومعاونوه ناس بتحب البلد بجد وهذا موقف الرئيس من تقديم شخصيته في الاختيار    بشأن الإسورة الأثرية.. «السياحة والآثار» تنفي ما تم تداوله بشأن التقدّم ببلاغ ضد أحد الصحفيين    اليوم، ختام زيارة قاعة الملك توت عنخ آمون بالمتحف المصري بالتحرير    محمود سعد يكشف دعاء السيدة نفيسة لفك الكرب: جاءتني الألطاف تسعى بالفرج    غضب ومشادات بسبب رفع «الأجرة» أعلى من النسب المقررة    لا مزيد من الإحراج.. طرق فعالة للتخلص من رائحة القمامة في المطبخ    الطعام جزء واحد من المشكلة.. مهيجات القولون العصبي (انتبه لها)    فوائد شرب القرفة باللبن في المساء    أتلتيكو مدريد يتخطى أوساسونا في الدوري الإسباني    أخبار 24 ساعة.. زيادة مخصصات تكافل وكرامة بنسبة 22.7% لتصل إلى 54 مليار جنيه    إبراهيم العامرى: والدى كان يعشق تراب الأهلى.. وأنا مشجع درجة ثالثة للأحمر    هل يجوز للزوجة أن تأخذ من مال زوجها دون علمه؟.. أمين الفتوى يوضح    توجيهات عاجلة من وكيل صحة الدقهلية لرفع كفاءة مستشفى جمصة المركزي    البحوث الفلكية: 122 يوما تفصلنا عن شهر رمضان المبارك    الجارديان عن دبلوماسيين: بريطانيا ستشارك في تدريب قوات الشرطة بغزة    الوطنية للانتخابات: إطلاق تطبيق إلكتروني يُتيح للناخب معرفة الكثافات الانتخابية    "الإفتاء" توضح حكم الاحتفال بآل البيت    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    أعضاء مجلس الشيوخ يؤدون اليمين الدستورية.. اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الجنزوري» فى مذكراته: زكريا عزمي نقل كلامًا لم أقله ومبارك صرخ في وجهي رئيس الديوان لا يكذب
«الشروق» تنشر مذكرات «الجنزورى» (16)
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 01 - 2014

عن سنوات النشأة والكفاح والانتقال من القرية إلى القاهرة مرورا بسنوات الدراسة ونهاية بتولى المناصب المرموقة حتى نهاية حكومته الأولى عام 1999، تدور أحداث الكتاب الذى بين أيدينا، والصادر حديثا عن دار «الشروق»، (طريقى.. سنوات الحلم.. والصدام.. والعزلة.. من القرية إلى رئاسة مجلس الوزراء ) للدكتور كمال الجنزورى، رئيس وزراء مصر الأسبق.
فى هذه الحلقة يتحدث صاحب هذه المذكرات عن آخر أيامه التى قضاها رئيسا للحكومة وما واجهه خلالها من مؤامرات ودسائس انتهت بإقالته.
فى عام وداع العمل العام، تصاعدت تدابير أهل الإثارة، وأترك هذا قليلا. وأعود مؤكدا على أولوية العمل فى العام الرابع. كانت كما كانت عليه خلال السنوات الثلاث السابقة (1996 – 1998). إذ ارتكزت على دفع قطاعات الإنتاج فى الزراعة والصناعة والتشييد، وما تطلبه ذلك كله من دعم أنشطة الخدمات الإنتاجية كالنقل والاتصالات، وأنشطة دافعة ومحركة كالبترول والكهرباء.
كما استمر الإسراع فى التنمية للخروج من الوادى القديم الذى ضاق بأهله منذ عقود، ولم يعد قادرا على توفير ما يلزمهم من الحد الأدنى من الغذاء والمسكن، ولا على الحركة الطبيعية فى مدنه وقُراه حتى سيرا على الأقدام، ولا على أمن أبنائه، فالمكان الضيق يؤثر رويدا رويدا على الأعصاب وتصرفات الإنسان.
لهذا كله، سارعت الحكومة بالعمل على الخروج إلى شمال مصر شرقا وغربا وإلى الجنوب شرقا وغربا، استمرارا لما بدأته من خطى خلال الثمانينيات والنصف الأول من التسعينيات.
• أعددت 3 مشروعات قومية فى سيناء وشمال وجنوب الصعيد حتى لا يضيع جهدى بعد ترك موقع المسئولية
لقد سعيت كوزير للتخطيط فى الحكومات المتتالية خلال تلك المدة، إلى تضمين الخطط القومية، ما يتطلبه ويحتاجه المجتمع من إقامة بنية أساسية فى الوادى المأهول، شاملة الطرق والكبارى والموانئ ومحطات وشبكات الكهرباء، والصرف الصحى ومياه الشرب، والمدارس، والمستشفيات، بقدر ما سمحت به موارد الدولة، وإلى بذل كل الجهد استعدادا للخروج من الوادى القديم إلى سيناء والصحراء الشرقية والصحراء الغربية، بمد شبكات الطرق المرصوفة، وتوفير الطاقة فى كثير من هذه المناطق.
وحتى لا يضيع هذا الجهد أو يتشتت إن لم أستمر فى موقع المسئولية العامة، أعددت ثلاثة مشروعات قومية:
أولها: المشروع القومى لتنمية سيناء فى سبتمبر 1994.
وثانيها: المشروع القومى لتنمية جنوب الصعيد فى أبريل 1996.
وثالثها: المشروع القومى لتنمية شمال الصعيد فى مايو 1996.
وتضمنت هذه المشروعات، الحلول اللازمة لحل المشكلات التى تواجه هذه المناطق، وآفاق العمل لتنميتها وتعميرها، والاعتمادات المالية الكافية لذلك، سواء لما يمكن أن يقوم به القطاع العام والدولة، وما يمكن أن يتولاه القطاع الخاص بعد التأكد من إقباله عليها مباشرة بتوفير الحوافز اللازمة لذلك، والجدول الزمنى لتحقيق ما هو مستهدف. وعرضت هذه الوثائق على مجلس الوزراء وبعد إقرارها، عُرضت على مجلسى الشعب والشورى وأقرّاها..
وفى نهاية التسعينيات (1999) السنة الرابعة للحكومة، تم الإسراع فى استصلاح أراضى شمال الدلتا المتاحة على ترعة السلام رقم (1)، والانتهاء من السحارة الرابعة تحت قناة السويس، لتضخ المياه إلى ترعة السلام رقم (2) بمنطقة سيناء، مع الإسراع فى شق الترعة الرئيسية، والانتهاء من إقامة جسرين فوق قناة السويس، ودفع العمل فى خط السكة الحديد من مدينة القنطرة شرق إلى رفح.
وفى الشمال الغربى، بذل الجهد للانتهاء من شق ترعة الحمام رقم (2)، بعد أن انتهى العمل فى ترعة الحمام رقم (1)، المتفرعة من ترعة النصر. وبهذا تمكنا من وصول المياه إلى منطقة العلمين بالساحل الشمالى. وزاد الجهد للانتهاء من مشروع إقامة ميناء شرق التفريعة على البحر الأبيض، ومشروع إقامة ميناء العين السخنة على البحر الأحمر. وتسارع الجهد بعيدا إلى الجنوب حيث مشروع الحديد والصلب شرقا، ومشروعات توشكى ودرب الأربعين وشرق العوينات غربا.
• الحكومة التى جاءت بعدى أفشلت مشروعاتى رغم مديح السلطة لها حين كنت فى المنصب
ولكن للأسف، سعى المسئولون فى الحكومة التالية ومعهم أجهزة الإعلام الحكومية، إلى إفشال تلك المشروعات، والتى سبق لهم الموافقة عليها وكالوا عليها المديح وأطلقوا مسميات عديدة عليها، مثل مشروعات نهضة مصر الكبرى، خريطة مصر الجديدة.
الحلم الدائم
أكد الواقع العملى أن المتابعة الميدانية، ضرورة فائقة ليس فقط لحل المشكلات التى تبرز فى حينها، ولكن لإيقافها والحد منها قبل أن تحدث. كان الهدف دفع معدلات النمو للناتج المحلى الإجمالى سنة بعد أخرى، فبعد أن كان المعدل نحو 3.5٪ فى العام الأخير للحكومة السابقة (1994/1995) أصبح 5٪ فى عام 95/1996 و5.1٪ فى العام التالى و6٪ فى العام الثالث، ووصل إلى نحو 6.2٪ فى العام الرابع (98/1999). وتطلب هذا دعم الاستثمارات الخاصة والعامة، سنة بعد أخرى، بما يمكن من تزايد معدلات النمو. ومع هذا الجهد المحلى، كان لابد من دعم العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية والأفريقية.
وأذكر السفر إلى تونس فى أول أبريل 1999 لعقد اللجنة الوزارية المشتركة بين مصر وتونس، إذ فوجئت مساء اليوم السابق، أن طلبنى الدكتور أسامة الباز ليخبرنى، بأنه أرسل إلى منزلى رسالة خطية من الرئيس لأسلمها للرئيس التونسى على زين العابدين. مثل هذه الأمور كنت لا أرضى بها، فكيف يقوم رئيس الوزراء بحمل رسالة مكتوبة، هذا دور سفير أو مساعد لوزير الخارجية، خصوصا أن هذه الرسائل، لا تخرج عن كلمات عامة تعبر عن عمق العلاقة الوطيدة بين البلدين الشقيقين، والأمنيات الطيبة للرئيس أو الملك أو الأمير. هل يصعب على رئيس وزراء أن يقول ذلك شفويّا؟.
لم أقل شيئا للدكتور أسامة الباز، حتى لا يفسر الأمر بشكل غير مناسب، وتقرر أن ألتقى بالرئيس على زين العابدين الساعة كذا على أن أكون منفردا، ولكن طلبت أن يكون معى المهندس ماهر أباظة بعد أن شرحت له، ضيقى من حمل الرسالة المكتوبة وقبل مشكورا وكان رجلا مهذبا للغاية حمل الرسالة. وعند المقابلة وبعد أن تم أخذ صور اللقاء، وبعد مرور بعض الوقت ذكرت أن السيد الرئيس بعث لسيادتكم هذه الرسالة، وأخذتها من الزميل المهندس ماهر أباظة وقدمتها للرئيس على زين العابدين.
وفى منتصف أبريل 1999، كنت مرافقا للرئيس فى زيارة كل من الصين وكوريا الجنوبية واليابان. وفى زيارة اليابان حدث شىء قد يبدو بسيطا ولكن غير مقبول. فعند النزول من طائرة الرئيس فوجئت بأن الرئيس وحرمه ونجله جمال والدكتور زكريا عزمى والسيد جمال عبدالعزيز، قد غادروا الطائرة بينما تم حجز بقية الوفد.
وبعد دقائق نزلنا بعد أن غادر الرئيس ومن معه المطار. وعند الوصول إلى الفندق شعرت بضيق لما حدث، فطلبت السيد نبيل فهمى سفير مصر فى اليابان، وأخبرته أننى لن أحضر اجتماع رجال الأعمال المصريين واليابانيين المقرر عقده بعد ظهر اليوم، وكان هذا هو الاجتماع الأول فى برنامج الزيارة، وأكدت أننى أرفض ما حدث لى فى المطار، فقال: ليست مسئوليتى لكن الأمر كله يقع على الجانب اليابانى.
ولكن قلت لن أحضر، وعلم الرئيس بالموقف فطلبنى مباشرة على رقم حجرتى دون الاستعانة بأحد من السكرتارية وقال: ما أخبار المطار يا كمال؟ فقلت: لا شىء. فقال: أراك فى الاجتماع، كان يريد أن يقول لا داعى لما فعلت، ولكن لم يقل.
ولقد اتضح فى النهاية، أنه كان يجمع كل هذا فى داخله، وكان يبدى عدم ضيقه من هذه التصرفات لمرءوس يحافظ على كرامته بشكل زائد كما يراه. وظل يحتفظ بضيقه من هذه التصرفات فى داخله، حتى يأتى يوم بقرار مفاجئ، دون أى تمهيد أو إشارة محذرة، بل كان العكس هو ما حرص عليه.
وفى نهاية يوليو 1999، كانت جلسة أخيرة استمرت أكثر من ساعتين، ناقشت خلالها الرئيس فى ثلاثة مشروعات للقوانين لإحالتها إلى مجلس الشعب، وكان آخرها مشروع خاص بوزارة العدل، وعند الخروج قال الرئيس للدكتور زكريا عزمى، أرسل هذه القوانين إلى مجلس الشعب، فرد الأخير إن مشروع القانون الخاص بوزارة العدل يعترض عليه السيد وزير العدل، فقال الرئيس محتدّا: ما شأنك؟! إن كمال رئيس الوزراء المسئول ورئيس وزير العدل.
وهذا القول، قد يبدو تقديرا لشخصى، ولكن تأكد فيما بعد أنه تمويه وتأجيل لما خطط له فى ذهنه، ليكون قرار عزلى مفاجئا تماما، وصادما إلى أبعد الحدود، ولا أعلم ما هى المتعة فى هذا؟!
• رئيس الديوان نقل كلامًا لم أقله.. وحين ناقشنا الأمر صرخ مبارك فى وجهى: زكريا عزمى لا يكذب
الوقيعة!
وفى آخر أغسطس 1999، وكان يوم أربعاء أذكره جيدا، إذ كانت زيارة إيهود باراك رئيس وزراء إسرائيل، وفى ذات اليوم كانت زيارة السيد سليمان ديميريل رئيس جمهورية تركيا، وكان الرئيس عائدا من الجزائر صباح ذات اليوم، وأخبرنا أنه لم ينم فى الليلة السابقة. وكان معلوما أن عدم نوم الرئيس مع زحام العمل يثير أعصابه، وهنا وجد الدكتور زكريا الفرصة بضرب العلاقة بينى والرئيس، وبدأ الأمر بأن قال لى:
باراك سيصل الساعة كذا وسيادتك ووزراء الدفاع والإعلام والخارجية ستكونون فى استقباله، وعند الوصول لقصر رأس التين سيلتقى الرئيس بالسيد باراك لمدة أربعين دقيقة، ثم تنضم للاجتماع، فما رأيك؟!
قلت: فيما يتعلق بالاجتماع أدخل مباشرة أو بعد أربعين دقيقة أو لا أدخل فهذا حق الرئيس، ولكن أعلق فقط على مرافقة باراك من المطار إلى القصر، هل هذا مطلب الرئيس أم يرجع إلى رأيى، فإذا كان لى رأى فلا أحب هذا ويكفى أحد الوزراء للمرافقة.
هنا قام الدكتور زكريا بما يحب وينتظره دائما، وعند دخول الرئيس إلى القصر، ونحن ما زلنا فى الطريق من المطار، أخبره أن الدكتور كمال، رفض، ولم يوضح «رفض إيه» حتى يزيد من غضبه. وعند الوصول إلى القصر ذهب باراك إلى الحمام، وهنا طلبنى الرئيس، وبمجرد دخولى ثار علىَّ ولم يحدث هذا من قبل طوال ما يزيد على عشرين عاما حتى بكلمة عتاب أو توجيه، وقال:
كيف هذا، لقد جاء بيجين رئيس وزراء إسرائيل إلى الإسماعيلية لمقابلة السادات وكنت نائبا للرئيس ولم أحضر الاجتماع.
فقلت: لم أعترض على هذا، ولكنه لم يعطنى فرصة لذكر حقيقة الأمر،
وقال بصوت عالٍ: زكريا لا يكذب..
فقلت: وأنا لا أكذب.. اسمعنى يا ريس اسمعنى.. أعطنى فرصة.
فقال: لا.
قلت: لا.. لا..
وانتهى اللقاء، وغضبه شديد وغضبى وحزنى أشد، وتصورت بل أيقنت أن إقالتى ستتم اليوم أو غدا. ولكن العجيب قابلنى فى الأيام التالية ودودا أكثر من أى فترة مضت..
فقلت فى نفسى: فوضت أمرى لله
وبعد ذلك، زاد غضب الرئيس كثيرا دون أن يخطرنى أحد، بعد علمه أن التخطيط رفض طلبا بزيادة الاستثمارات المخصصة لرئاسة الجمهورية. فلقد عرضت مذكرة لزيادة الاستثمارات المخصصة لمشروع قصر رأس التين وجناح الأميرات للعام المالى 98/1999، فأشّرت على المذكرة بالآتى نصا: «لا يمكن اعتماد هذا إلا بعد التأكد من مفردات التنفيذ وهل تم بالأمر المباشر، وماذا قبل 98/1999، وماذا بعد 98/1999 أى التكلفة الكلية». وطبعا كانت فرصة ثمينة للدكتور زكريا عزمى، بأن يعرض فورا صورة من هذه التأشيرة.
يوم الأحد 3 أكتوبر 1999، صدرت جريدة الجمهورية والمقال الرئيسى للكاتب سمير رجب بعنوان المغرور، وكان الحديث عنّى، لم أهتم واعتبرته من باب المزايدة من جانب الكاتب، الذى رفضت منحه استثناء فى ارتفاع مبنى جريدة الجمهورية الجديد فى شارع رمسيس. ولكن علمت بل تأكدت فيما بعد أن المقال كتب بتوجيه من الرئيس.
كل هذه الشواهد وغيرها، لم تبعث على القلق، فالعمل يسير والقبول الشعبى مستمر.. حتى أننى أذكر أن اللواء عمر سليمان زارنى قبل أسبوع واحد، حيث تطرق الحديث عن التغيير الوزارى المنتظر، وقلت: هل يمكن أن يتم تغيير دون خروج فلان وفلان كما يطلب الشعب، فقال ربما يغير الرئيس رأيه كما حدث فى آخر دقيقة فى 15 أبريل 1993، ولم أفهم المقصود إلا فيما بعد، لقد أراد السيد عمر سليمان، أن يقول إن التغيير سيشملك وأرجو ألا يحدث، كما حدث فى آخر لحظة بالنسبة للدكتور عاطف صدقى وبقى، بعد أن تقرر خروجه فعلا صباح 15 أبريل 1993.
• الرئيس كتم مشاعره إزاء تصرفاتى حتى يكون قرار عزلى «مفاجئًا وصادمًا».. ولا أعرف ما المتعة فى هذا؟!
الخبر الذى أراده صادما
صباح الثلاثاء 5 أكتوبر 1999، حدث لى ما لم يكن متوقعا. لعله كان يريد خلال الشهر الأخير خاصة بعد النقاش الحاد فى قصر رأس التين، أن يعطنى الأمان، على أن يصل اليوم المحدد عنده، ليشفى ما فى داخله وتكون الطعنة أكثر جرحا.
• أخبرنى مبارك بالقرار فأجبته بكل هدوء: شكرًا.. وشعرت بأننى «أطول قامة» ..وعمر سليمان قال: رجال مبارك أقنعوه أنك أصبحت منافسًا له
كان النجاح الذى تحقق والرضا الشعبى المتزايد، هما السبب فى أن أغفل ما يدبره. المهم كنا فى صالون مجلس الشعب، الرئيس والدكتور أحمد فتحى سرور والدكتور مصطفى كمال حلمى وأنا، قبل الدخول إلى قاعة المجلس لإلقاء الرئيس خطابه فى الاجتماع المشترك لأعضاء مجلسى الشعب والشورى، إذ طلب السيد أشرف بكير كبير الأمناء أن ندخل جميعا إلى القاعة قبل الرئيس، إلا أننى بقيت لحظة منفردا بالرئيس، وقلت:
بعد الجلسة سيعقد مجلس الوزراء جلسة لتقديم الاستقالة، فهل ترى أن أحضر لمقر الرئاسة لتقديمها، أم ماذا أفعل؟!
فقال:
لا سيأتى إلى مجلس الوزراء من سيأخذها لأننى سأغير الوزارة، وسأراك الأسبوع المقبل.
فقلت:
شكرا، بصوت به كل الهدوء، ورضا لم يتوقعه.
نعم وأقسم بالله، أننى خرجت وقد غمرنى إحساس بالرضا لا يمكن أن أتصوره، فلقد أعطانى الله فى تلك اللحظة، قدرا هائلا من الطمأنينة حتى شعرت وأنا أسير إلى القاعة، أننى أطول قامة.
والغريب بل العجيب جدّا أن السيد حسن حافظ، كتب فى جريدة الوفد بعد يومين أى يوم الخميس فى العدد الأسبوعى للجريدة مقالا بعنوان «ودخل الجنزورى القاعة رافع الرأس» دون أن أراه من قبل أو أتحدث إليه تليفونيّا، سبحان الله على كل شىء.
بعد أن انتهى خطاب الرئيس، ذهبت إلى مجلس الوزراء لعقد جلسة لتقديم الاستقالة، فوجدت اللواء عمر سليمان، منتظرا بالصالون الملحق بالمكتب، وسألته: ماذا حدث؟!
فقال لى مباشرة وبكلمات محددة:
لقد أقنعه الذين حوله أنك أصبحت ندّا له.
• مكافأة نهاية الخدمة كانت 14 ألف جنيه ومعاشى بلغ 1500.. سمير رجب كتب مقالا عنى بعنوان «المغرور» بتوجيه مباشر من مبارك
مكافأة نهاية الخدمة
هناك الكثير والكثير يمكن أن يقال فى هذا الشأن. ولكن الحمد لله الذى منحنى الصبر والسكينة لمواجهته، ويكفى أن أذكر ما يلى:
- إنها بدأت بالتصفيق فى 13 أكتوبر 1999، عند الاحتفال بانتصار حرب 6 أكتوبر وذلك فى قاعة الصالة المغطاة، وصدر منشور إلى وحدات الجيش بعدم التصفيق لأحد إلا الرئيس.
- منع كل من القيادات السياسية والوزراء والمحافظين الاتصال بى، وأيضا رجال الأعمال، وفعلا تم الاتصال بى من ثلاثة منهم، وعُنّفوا عقب الاتصال فورا وطُلب منهم عدم الاتصال بى ثانية.
- بلغ المعاش الخاص بى 1500 جنيه فقط ومكافأة نهاية الخدمة 14 ألف جنيه، تم توزيعها على البسطاء المساعدين لى. علما بأن الأخوة والأبناء عمال شركات قطاع الأعمال العام، الذين تركوا الخدمة وفقا لنظام المعاش المبكر حصل كل منهم على الأقل على 35 ألف جنيه.
• الرئيس منع أى مسئول من التواصل معى.. وحال دون تكريمى من أحد القادة العرب
- مُنعت من التواجد فى أى مكان يمكن أن أمارس فيه القراءة، فلقد اعتدت طوال فترة عملى أن أذهب يوميّا لأماكن العمل دون توقف، ولهذا بحثت عن أى مكان آخر، وأخيرا اتفقت مع زميل لى من الوزارة لفترة تجاوزت عقدين من الزمان أن أذهب يوميّا إلى مكتبه فى أحد النوادى التابعة لوزارته، واستمر هذا نحو شهر، ولكن للأسف قال بألم وأسف شديدين إنهم يسألون لماذا أحضر هنا، وكان لابد لى أن أتوقف عن الذهاب لهذا المكتب.
- منع إتاحة أى عمل يمكن أن أمارسه، فرئاسة المصرف العربى منذ نشأته كانت لأحد رؤساء الوزراء السابقين، وكنت الأقدم ممن جاء لهذا المنصب، وأيضا رئاسة المجالس المتخصصة، كانت لأحد رؤساء الوزراء السابقين.
- مُنحت الأوسمة لبعض الزملاء الكرام وأكن لهم كل الاحترام، ولقد سبقونى فى شغل المنصب الوزارى، ولكن بعد سنوات قليلة تقدمتهم وصعدت إلى منصب نائب رئيس الوزراء ومنصب رئيس الوزراء، ولكن منحنى الله وساما شعبيّا وهو حب الناس.
لم يقف الأمر عند الحصار المحلى، بل ذهب إلى خارج البلاد، حيث علمت وبالتأكيد من بعض العاملين معهم، أن بعض القادة العرب طلب تكريمى، ولكن صاحب الأمر طلب الانتظار.. طلب الانتظار حتى أنسى! والحمد لله.
أذكر عندما زارنى أحد سفراء الدول العربية، طالبا بأن أكون مستشارا لرأس الدولة، اعتذرت على الفور بحجة ظروف خاصة لى. وكان هذا الاعتذار لتجنب الحرج إذا ما صعد المطلب إلى صاحب الأمر عندنا.
تجاوز الأمر ذلك كله لإيقاف ما ينفع الشأن العام، فلقد حاولت قيادات صندوق النقد الدولى والبنك الدولى عند زيارتها لمصر، الاتصال بى ومقابلتى، ولكن نصحوا بتغيير ذلك لتصورهم بأننى ربما أقول قولا يوقف الاتفاق الذى يسعون الوصول إليه.
الحلقات السابقة:
الجنزورى يروى لأول مرة.. «سنوات الحلم والصدام والعزلة» (1)
الجنزورى يروى لأول مرة.. «سنوات الحلم والصدام والعزلة» (2)
«الجنزورى» فى مذكراته: غضب مبارك على أكثر من أى رئيس وزراء لأنه أدرك أن الشعب راضٍ عنى
«الجنزوري» في مذكراته: عقدة نائب الرئيس التى سيطرت على مبارك
«الجنزوري» فى مذكراته: لماذا لم يطح المشير أبو غزالة بحسني مبارك أثناء أحداث الأمن المركزي؟
الجنزوري بمذكراته: رفضت تحويل القروض العسكرية إلى تجارية فهاجمني سفير أمريكا بدعم من وزراء مصريين
«الجنزوري» فى مذكراته: مبارك أقال عبد الحليم موسى لتبنيه المصالحة مع «الجماعات الإسلامية»
«الجنزوري» فى مذكراته: أهل السوء حاولوا إقناع مبارك أن شعبيتى خطر عليه
«الجنزوري» في الحلقة ال «9» من مذكراته يروي قصة الوزراء الذين ركضوا خلف «سوزان».. وبداية ظهور جمال مبارك
«الجنزوري» فى مذكراته: زكريا عزمي «المستفز» حاول التقليل من قدري.. ومبارك قال لي أخاف عليك من الشاذلي
الجنزورى فى مذكراته: الملك عبدالله قال إننى غيرت الكثير فى مصر للأفضل فصمت مبارك
الجنزوري في مذكراته: تاتشر قالت لمبارك لابد للحكام أن يستمعوا لشعبهم.. والصمت ليس حلاً لأنهم سينفجرون يومًا
«الجنزوري» يروي في مذكراته: كيف ضاعت مشروعات كبرى دون مبررات
الجنزوري في مذكراته: مشروع توشكى لم يبدأ بالمصادفة.. وأحتاج إلى 350 دراسة اقتصادية وفنية وبيئية
مذكرات الجنزوري: اقتربنا من خط الفقر المائي والإجابة سيناء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.