تحاول الحكومة الحالية السيطرة على زيادة أسعار الغذاء، من خلال ما أعلنته حول تطبيق نظام «الأسعار الاسترشادية» لبعض السلع مثل الخضر والفاكهة، وتهديدها بتطبيق التسعيرة الجبرية فى حال عدم التزام التجار. لكن هذا لم يمنع الأسعار من الارتفاع رغم إصرار بعض قيادات التموين على الإعلان عن «نجاح التجربة». ويبدو أن الحكومة تطرق الباب الخاطئ. فمن المتعارف عليه أن انخفاض الطلب ينعكس على تراجع أسعار السلع، وأن الأسواق المحلية تتأثر بحركة الأسعار العالمية، خاصة إذا كانت الدولة تعتمد على استيراد مجموعة كبيرة من السلع الأساسية، إلا أن الوضع فى مصر يسير فى اتجاه مختلف. يتراجع الطلب من جانب المواطنين الذين ضربتهم الأزمات الاقتصادية المتتالية خلال السنوات الأخيرة، ويلجأ الكثير من المصريين إلى الاستغناء عن بعض احتياجاتهم وتغيير أولوياتهم فى الاستهلاك، ومع ذلك فإن اتجاه الأسعار يستمر فى الصعود، بنسب كبيرة تعكس خللا حقيقيا فى الاقتصاد. ويظهر الميل لارتفاع معدلات زيادة الأسعار بشكل أكثر وضوحا فيما يتعلق بالسلع الغذائية، الأمر الذى يزيد من معاناة المواطنين، خاصة الأكثر فقرا، والذين ينفقون على الغذاء نسبة كبيرة من دخولهم. وقد اعترف مسئولون فى الدولة بوجود هذا الخلل، مثل هشام رامز محافظ البنك المركزى الذى أشار فى تصريحات له الأسبوع الماضى إلى ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن فى مصر وزيادتها عدة أضعاف عن المعدلات العالمية. وتشير العديد من الدراسات الاقتصادية إلى أن الاحتكارات تلعب دورا رئيسيا فى ارتفاع أسعار الغذاء بالسوق المصرية، وهى الاحتكارات التى نشأت مع انسحاب الدولة تدريجيا من انتاج وتوزيع المنتجات الغذائية، وهو الانسحاب الذى كان يتماشى مع تبنى مصر لسياسات السوق الحرة، إلا أنها انسحبت أيضا من دورها الأساسى فى مراقبة الأسواق ووضع التشريعات والآليات الملائمة لمنع الاحتكارات التى تحكمت فى حركة تجارة المواد الغذائية، لتحقق مكاسب هائلة على حساب المستهلكين من جهة وصغار المنتجين من جهة أخرى. وبدلا من التدخل لتفكيك حلقات الاحتكار وتيسير العقبات أمام المنتجين لزيادة المنافسة فى السوق، فإن الحكومة لجأت للحديث عن تسعيرة لا تملك فعليا تطبيقها. ذلك فى ظل تراخى أجهزة الرقابة على الأسواق لعقود، وتدهور الحالة الأمنية العامة فى البلاد بشكل عام.