حسناء الجريسى خلال الأيام القليلة الماضية ظهرت بعض المؤشرات حول مدى فاعلية التسعيرة الودية «الاسترشادية»، التى تمكننا من تقييم التجربة بصورة مبدئية خصوصا، بعد تصريحات وزير التموين د. محمد أبو شادي بضرورة تطبيق التسعيرة الجبرية إذا لم يلتزم التجار بالتسعيرة «الودية» إن لم يحدد مدة تطبيق التسعيرة الجبرية، مما أثار حفيظة خبراء الاقتصاد والعاملين في الغرف التجارية واتحاد الصناعات. يري الخبير الاقتصادي د. عبدالخالق فاروق أن محاولة تطبيق التسعيرة الجبرية التي بدأ بها وزير التموين وتراجع عنها تحت عنوان ما يسمي «بالتسعيرة الاسترشادية» تعكس ضعف الدولة تجاه قوي وجماعات المصالح المسيطرة علي الأسواق، ولكي يحدث تمثيل صحيح للتسعيرة الجبرية في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها مصر لابد على الحكومة توفير أربعة عناصر أساسية، بدونها يصبح أي قرار لا معني له، العنصر الأول وجود جهاز علمي قوي يسمي تخطيط الأسعار وهذا مهمته حصر تكاليف إنتاج كل سلع وخدمات السوق المحلية وتحليلها بهامش ربح لا يزيد على 30 ٪ ويتبع قوائم كاملة لمتخذي القرار لتكاليف الإنتاج وهوامش الأرباح. أما العنصر الثاني فيتمثل في وجود منافذ بيع للتوزيع تكون تابعة للقطاع الحكومي لتمكن من السيطرة علي الأسواق لتسويق السلع التي تهم المواطن..بالإضافة إلى وجود حكومي في مجال الإنتاج بحيث يكون للدولة دور فيه يتمثل بنسبة 30 إلي 40 ٪ في معظم السلع الموجودة في الأسواق بما يمكنها من توجيه الأسعار الأساسية. مشيرا إلي ضرورة وجود قوانين قوية تمنع الاحتكارات وتقلص نفوذ المحتكرين علي الأسواق، وهنا يأتي دور وزارة التموين في حظر استيراد القطاع الخاص للسلع الأساسية لحين استعادة القطاع العام لعافيته، لافتا النظر أنه إذا لم تتوافر هذه العناصر في يد الحكومة، ويشارك فيها وزير التموين يكون هذا القرار مجرد شو إعلامي. ويتفق معه فى الرأي الخبير الاقتصادي د. عبد المطلب عبد الحميد قائلا:"تطبيق التسعيرة الجبرية يتوقف علي عدة عوامل منها عامل الظروف كتكلفة النقل نتيجة فرض الحظر وانتقال السلع من مناطق الإنتاج إلي مناطق الاستهلاك، مما يرفع تكلفة النقل». لافتا النظر أن السلع تتأثر بالعوامل البيئية مما يؤثر بدوره علي العرض والطلب، بالإضافة إلي العمل في ظروف طبيعية، مشيرا إلي الممارسات الاحتكارية من قبل تجار الجملة كل هذه عوامل كل هذه العوامل تؤدي إلي فشل التسعيرة الودية"وبالتالي تضطر الحكومة إلي تطبيق التسعيرة الجبرية، وبذلك فهي تدفع السوق السوداء إلي أن تلعب دورا كبيرا وهذا يزيد الطين بلة" وتزداد المضاربات وبالتالي يقل العرض وفي هذه الحالة يتم تخفيض السعر وتتفاقم المشكلة، ويطالب د. عبد الحميد لذلك بتغليظ العقوبة على التجار المخالفين للتسعيرة "الودية" وفرض عقوبات رادعة وضرورة رفع حد أقصي هامش الربح. ويلفت د. عبد الحميد الانتباه أن تطبيق التسعيرة الجبرية يخالف آليات السوق وعند تطبيقها ستثور الغرف التجارية واتحاد الصناعات لذلك لابد من تحديد هامش ربح بالتفاوض مع التجار والغرف التجارية بدلا من فرض التسعيرة، مطالبا بتطبيق قانون الطوارئ علي المخالفين. ويشاركه الرأي د. رشاد بيومي رئيس المنتدي المصري للدراسات الاقتصادية قائلا: وزير التموين لا يستطيع تنفيذ التسعيرة الجبرية عمليا وحتي يتم تطبيقها لابد من وجود مفتش التموين وشرطة التموين، خصوصا ولدينا أعداد كبيرة من التجار منتشرة بطول البلاد وعرضها، منوها أن التسعيرة الجبرية طبقت أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ووقتها كنا اشتراكيين مع وجود مفتشي وشرطة التموين، ولهذا نجحت وقتها. ويعترض د. بيومي علي فكرة تطبيق قانون رقم 50عام 2013، وأكد أن تصاريح وزير التموين تؤكد أنه سيطبقها لمدة معينة لكنه لم يحدد لنا هذه المدة وتركها مفتوحة،كما أن اتحاد الغرف التجارية والصناعات أعلن رفضه لهذه التسعيرة..ويقترح د. بيومي قيام بشراء الخضر والفاكهة من الفلاحين حتي تقطع الطريق علي جشع التجار الذي يجنى ربحا مقداره 800 ٪ من أسعار الخضر مع إلغاء الوساطة وهنا يستفيد المستهلك، لافتا النظر إلي أن معدل التضخم في أمريكا 1 ٪ أما في مصر فيصل 11,5، وهذا كله ناتج عن عدم قيام الحكومة بدورها الرقابي الجيد وتركها الأمر للتاجر الجشع..بينما يوضح د. حمدي عبد العظيم رئيس أكاديمية السادات الأسبق، أن التسعيرة الاسترشادية لها حد أدني وحد أقصي بالنسبة لكل سلعة، ودور الرقابة يتمثل في التأكد من أن التاجر لا يزيد السعر على الحد الأدني، لافتا النظر إلي اختلاف كل مكان عن الآخر وفقا لتكاليف النقل والعرض والطلب، وفي حالة عدم التزام التجار بتطبيق التسعيرة الاسترشادية ستطبق التسعيرة الجبرية وإذا لم يلتزموا سيتم تحويلهم إلي النيابة الإدارية. ويري د. عبد العظيم ضرورة توفير السلع في المجمعات الاستهلاكية لخلق نوع من التوازن، بحيث تكون الجودة مماثلة للسلع الموجودة في السوق..منوها أن التسعيرة الجبرية مرتبطة بالطورائ وطبقتها بريطانيا من قبل إبان الحرب العالمية الثانية كما قامت بإنشاء وزارة التموين، وأخذنا عنهم هذه الوزارة لكن سرعان ما ألغتها بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية،واستمرت عندنا للآن..ويبين د. عبد العظيم أن القانون 3 رقم 205 المادة 10 يعطي الحق لجلس الوزراء لتحديد أسعار السلع لفترة مؤقته وإذا احتكر التجار الأسعار سيطبق عليهم هذا القانون وهذه آلية قانونية موجودة في قانون حماية المستهلك، لكن لم يتم تطبيقها حتي الآن، مشيرا أن الدول الأوروبية تضع أسعار موحدة للكهرباء والنقل والأدوية وفاتورة التليفون وكلها مسعره لكن يختلف السعر باختلاف الجودة، ويتم تحديد الحد الأقصي من الأرباح بمعني لو زادت تكلفته يزداد السعر وهذا يرتبط بالعرض والطلب وليس فيه ظلم للتاجر أو المنتج بل يلزم التاجر بتقديم ضرائب المبيعات، ويقترح د.عبد العظيم وجود قاعدة بيانات في وزارة المالية وتتعاون معها وزارة التموين لتحدد الحد الأقصي لكل سلعة سواء كان إنتاجاً محلياً أم استيراداً..ويري ضرورة أن تكون للدولة هيبة في تنفيذ القرار بحزم ومن لا يلتزم تعاقبه عن طريق الضبطية القضائية، لافتا النظر إلي أن زيادة أسعار البطاطس هذا العام ترجع إلي تصديرها للاتحاد الأوروبي, أما زيادة أسعار اللحوم فترجع إلي غلاء أسعار العلف مثل الكسب والعلف الأخضر. لذلك لابد من إنشاء شركة لتسويق السلع الزراعية، خصوصا أن سعر الخضر في الأرض يصل إلي ربع السعر الذي يبيعه التاجر والذي أدخل فيه مصاريف النقل والمشال والتوزيع وكل هذه الحلقة يزداد السعر حتي يشتريه المستهلك بثلاثة أضعاف خروجه من الأرض. أما في حالة تعاقد الشركات الحكومية مع الفلاحين مباشرة مع هامش ربح بسيط بدلا من تكاليف النقل وإلغاء حلقات التوزيع وتنظيم عملية التسويق سينخفض السعر وتصبح السلع متاحة لجميع المستهلكين.