حجم المصالح الخاصة فى مصر مرتفع للغاية. بعض المصريين استفاد ومازال يستفيد من أوضاع خاطئة أهمها استمرار دعم الطاقة ودعم المنتجات الوسيطة وفتح باب الاستيراد للسلع الكمالية بجمارك ضئيلة واستمرار دعم السفر إلى الخارج عن طريق أسعار تذاكر سفر مدعمة وعدم دفع ضرائب كافية...إلخ. ولا أتصور أن يقل حجم هذه الاستفادة عن عشرات المليارات من الجنيهات سنويا. وبالتالى فهناك فئة من المجتمع عندها الحافز لاستمرار الأوضاع على ما هى عليه. وعند أول تهديد لهذه المصالح فإن الأصوات المرتفعة لهؤلاء تكون «كارت إرهاب» ضد العاملين فى الهيئات الاقتصادية للدولة. من يحمى هؤلاء إذن من الطغيان؟ ويزيد من قوة هذا العامل أن الثقافة الاقتصادية لعموم الناس فى مصر ضعيفة للغاية وبالتالى فإن المواجهة فى غير صالح الموظف العام. فإذا كان صاحب المصلحة الخاصة عالى الصوت وصاحب المال (الشعب) لا يعرف شيئا عما يملك والمدير (وكيل صاحب المال) فى الهيئات الاقتصادية يعرف أن لا أحد يحميه. إذن نحن أمام أوضاع خاطئة سوف تستمر وسوف تُضيع على الدولة فرصة أن يصبح اقتصادها أكثر قوة وأكثر كفاءة. وقبل أن يتهمنى بعض القراء بأننى شيوعى أقول إننى من أنصار اقتصاد السوق ولكن مع تشجيع المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وأوافق أيضا على إعطاء دعم نقدى مؤقت ولكن علينا أن نجعل اقتصادنا أكثر كفاءة (Efficient) وذلك لن يتأتى إلا عن طريق تسعير المنتجات بصورة صحيحة مع إعطاء الدعم لمن يستحقه بصورة نقدية. ولنعطى مثالا فعليا حتى لا يتوه القارئ. لم نسأل أنفسنا مثلا عن الأسباب التى تجعل نسبة نقل المنتجات بالسكة الحديد ضئيلة للغاية. والسبب الرئيسى هو أن سعر السولار مدعم إلى أقصى الحدود (110 قروش فى مصر مقابل 850 قرشا للسعر العالمى). وبما أن النقل بالسكة الحديد بالمقارنة بالنقل البرى يستخدم حوالى نصف كمية السولار، لذلك فإن سعر تقديم النقل بالسكة الحديد فى ظل دعم السولار لن يكون ذا جدوى حتى يتحقق ربح للمستثمر. إذن دعم السولار هو السبب الرئيسى لاقتصاد أقل كفاءة (لا يعمل بالسكة الحديد والنقل النهرى). وهذا ما يطلق عليه الاقتصاديون لفظ التشوهات (Distortions) أى أن دعم السولار شوه الاقتصاد بحيث جعل النقل البرى أقل سعرا من النقل بالسكة الحديد وهو الخطأ بعينه. وإذا حاولت وزارة أو موظف حكومى مواجهة هذه التشوهات وهو حتمى فإن تحالف المصالح الخاصة من جهة وبعض الإعلاميين الذين لا يعرفون فى الاقتصاد من جهة أخرى يفتح عليه نار جهنم بادعاءات من نوع «حماية محدودى الدخل». مع أن هذه الحماية لن تتأتى بدون خلق فرص عمل جديدة تأتى فقط عندما يتم تخفيض حجم التشوهات فى الاقتصاد. إن أى قرار اقتصادى له آثار جانبية وجزء منها حقيقى ولكن يمكن معالجتها بإجراءات أخرى تنفذ فى نفس الوقت. فارتفاع أسعار السولار إلى الضعف (220 قرشا للتر) سوف يرفع سعر المنتجات الغذائية فى المتوسط بحوالى 8%. ولكن تعويض رفع سعر الطاقة وتأثيره على سعر المنتجات الغذائية ممكن أن يتم عن طريق دعم نقدى شهرى مباشر يضاف إلى أصحاب البطاقات. سوف نضطر قريبا إلى مواجهة أخطاء الماضى ولكن علينا فهم أدوات المواجهة. ممكن أن نصل إلى حيث نريد من حيث مستوى التعليم ومستوى الخدمات الصحية ووفرة فرص العمل ومعاش يتيح حياة حرة كريمة ولكن علينا تقليل حجم التشوهات فى الاقتصاد ليصبح أكثر كفاءة. مصر فعلا تستطيع أن تكون «قد الدنيا» ولكن مواجهة كل أوجه عدم كفاءة الاقتصاد المصرى هو جزء من الحل.