إن دعم الطعام للأسر الأكثر احتياجا يجب أن يبقى بل يجب أن يزيد، فهذا أحد مفاتيح السلام الاجتماعى، ولكن وقف دعم الدقيق أصبح ضرورة ملحة. والخلاف هنا كيف نوصل هذا الدعم إلى من يحتاجه بصورة جيدة لا تخلق تشوهات (distortions). إن السياسة الحالية لدعم الدقيق والتى تقوم على بيع الدقيق المدعوم إلى المخابز تخلق تسربات فى حدود من 20 % إلى 25 % أى حوالى 2 مليون طن تُهرب إلى «السوق الحرة» ويستفيد من فارق الدعم بعض أصحاب المخابز، وذلك يكلف الدولة حوالى 700 مليون دولار سنويا. إذا أردنا إصلاح هذه المنظومة فإن الحكومة يجب أن تشترى القمح من الفلاح بالسعر الذى تحدده (وليكن 3500جنيه للطن كما فى العام الماضى) ثم تبيعه فى الأسواق بالسعر المحلى للقمح (والذى يتأرجح حسب البورصات العالمية مضافا إليه نولون البحر ومصاريف النقل وهامش ربح التجار وسعر الصرف) ويبلغ هذا السعر حاليا حوالى 2500 جنيه للطن. إذا سوف تدعم الدولة الفلاحين بحوالى 7 مليارات جنيه (بافتراض إنتاج محلى 7 ملايين طن) وتكون هذه هى نهاية دعم المُنتج فى هذه السلسلة. فى هذه الحالة سوف يشترى أصحاب المخابز الدقيق بالسعر العالمى (حوالى 2500 جنيه) من الحكومة أو عن طريق الاستيراد المباشر ويبيعون الخبز مباشرة للجمهور. ويجب على الدولة أن تحتفظ بحصة إنتاج وبيع حوالى 40 % من الاستهلاك فى أيديها لضمان المنافسة خاصة بالنسبة لهذه السلعة الأساسية. وفى هذه المنظومة سوف تبيع المخابز العيش البلدى بسعر حوالى 25 قرشا للمستهلك وهو السعر الذى يحقق هامش ربح معقولا. المستهلك من جهة أخرى يجب حمايته من زيادة الأسعار عن طريق إعطائه دعما نقديا يحصل من خلاله من الدولة على فارق نقدى شهرى يعادل 4 أرغفة للفرد فى اليوم x 30 يوماً x عدد أفراد الأسرة x 25 قرشا وهو فارق السعر بين سعر البيع النهائى (وليكن 25 قرشا) والسعر الحالى (5 قروش). إذا أخذنا مثالاً رقميا، فإذا كانت هناك عائلة مكونة من 6 أشخاص فإن استخدامها اليومى 24 رغيفا واستخدامها الشهرى 720 رغيفا، بالتالى فإن الدعم النقدى 144 جنيهاً فى الشهر تضاف إلى رصيد بطاقة التموين شهريا. إذا حدث هذا فإننا سوف نوفر مبالغ كبيرة، ولكن الأهم فإن العيش لن يذهب لإطعام الماشية والدواجن لأن سعر العلف سوف يكون أقل من السعر الجديد للخبز والفاقد سوف يقل ولن «يُرمى فى الزبالة» لأن ربة المنزل سوف تشترى على قدر المطلوب وليس أكثر. لقد تركنا هذه المنظومة الخاطئة لسنوات وسنوات حتى أصبح حجم المصالح الخاصة خرافيا والمواجهة تأتى باتباع آليات السوق مع تشجيع المنافسة (وفى هذه الحالة بطريقة مباشرة من الدولة) كما هو موضح بالآليات أعلاه. مصر فعلا تستطيع أن تكون «قد الدنيا» ولكن توصيل الدعم لمستحقيه وبالطريقة الصحيحة هو جزء من الحل.