أكاديمية الشرطة تنظم دورة تدريبية حول مكافحة شبكات تهريب المهاجرين    جماعة تحت الطلب| العالم يواصل تعرية عمالة «التنظيم» وفضيحة أمل كلونى كشفت المستور    أسعار العملات الأجنبية في ختام تعاملات اليوم 20 ديسمبر 2025    "بحوث الصحراء" يستقبل ممثلي شركة إيني الإيطالية لتعزيز التعاون المشترك    على هامش المؤتمر الروسي-الأفريقي.. وزير الخارجية يلتقي نظيره بدولة جزر القمر    وزير الخارجية: إجماع روسي أفريقي على أهمية التحضير لقمة 2026 وخطة عمل حتى 2029    وزير الرياضة يشيد بإنجاز بعثة مصر في دورة الألعاب الأفريقية للشباب    تشكيل ليفربول أمام توتنهام في البريميرليج    تقرير – من بينهم مصر.. 5 منتخبات خسرت افتتاح أمم إفريقيا على ملعبها    أجواء شديدة البرودة والصغري بالقاهرة 11 درجة.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس غدًا    وداعا سمية الألفي    السفير صلاح حليمة: المنتدى الوزارى الروسى الأفريقى آلية مهمة لتعزيز الشراكة قبل قمة 2026    تشيلسي ينجو من فخ نيوكاسل يونايتد في الدوري الإنجليزي    8 أطفال شهداء لقمة العيش بحادث "أكتوبر".. إهمال الدولة يحوّل معصرة الفيوم إلى بيت عزاء جماعي    المركز القومي يطلق مسابقة زكريا الحجاوي لدراسات الفنون الشعبية    أهالى البلد اتبرعوا بسيارة هدية فوزه بالمركز الأول عالميا فى حفظ القرآن.. فيديو    رئيس جامعة بنها يحيل طبيبين بالمستشفى الجامعى للتحقيق    متحدث النيابة الإدارية: التصويت الإلكتروني للأندية الرياضية ضمانة قضائية للتعبير عن آراء الناخبين    مواجهات عنيفة بين الجيش السوداني والدعم السريع في جنوب كردفان    صفاء أبو السعود تنعى سمية الألفي: صديقة عزيزة وراقية قدمت مسيرة فنية خالدة    وزيرتا التخطيط والتنمية المحلية ومحافظ الأقصر يتفقدون تطوير كورنيش ومناطق إسنا    أمن الجيزة يلقي القبض على "راقص المطواة" بالبدرشين    وزير التعليم العالي يشهد حفل تخريج أول دفعة من خريجي جامعة المنصورة الجديدة الأهلية    وزير الصحة يتفقد مستشفى الخانكة للصحة النفسية ويوجه بسرعة الانتهاء من أعمال التطوير    انهيار مبنيين متضررين من قصف للاحتلال الإسرائيلي على غزة    وزير الشباب من داخل ملتقى التوظيف بالمنيا: نطالب الشباب بالتفاعل لبناء الذات ولا وقت للكسل    ماذا جاء في وثائق إبستين عن ترامب؟    وزير الإسكان يختتم جولته اليوم بتفقد مشروع طريق محور سفنكس    خبير: إسرائيل حولت الهدنة إلى حرب صامتة ومخطط قوة الاستقرار تخدم أهدافها    «مصر للسياحة» تخطط لتطوير الفنادق التابعة والتوسع في تطبيقات التحول الرقمي    تعليم جنوب سيناء تعلن جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول لمرحلة الثانوية العامة صباحي ومسائي    500 ألف نسمة في 4 أشهر.. الإحصاء: عدد سكان مصر بالداخل يصل 108.5 مليون    النيابة الإدارية تواصل تلقى طلبات التعيين بوظيفة معاون نيابة إلكترونيا.. المواعيد    بعد إعلان ارتباطه رسميا.. هذا هو موعد زفاف أحمد العوضي    اتحاد الكرة يحتفي ب أيمن منصور: أسرع هدف فى تاريخ أمم أفريقيا مصري    محمد عنتر: الزمالك "اختياري المفضل" دائما على حساب الأهلي.. والأندية الشعبية في خطر    حقيقة فيديو تجاوز إحدى الرحلات الجوية طاقتها الاستيعابية من الركاب    رئيس هيئة التأمين الصحي في زيارة تفقدية لمبنى الطوارئ الجديد بمستشفى 6 أكتوبر    رئيس هيئة التأمين الصحى فى زيارة تفقدية لمبنى الطوارئ الجديد بمستشفى 6 أكتوبر    حزب حركة الإنصاف الباكستانية يرفض حكم السجن الصادر بحق عمران خان    ضبط طن ونصف استربس دواجن وبسطرمة مجهولة المصدر بشبرا الخيمة    سحب 666 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    وزارة العمل: 664 محضرا خلال 10 أيام لمنشآت لم تلتزم بتطبيق الحد الأدنى للأجور    دار الإفتاء تعلن نتيجة رؤية هلال شهر رجب لعام 1447 هجريا بعد المغرب    الدفاع الروسية: تحرير بلدتي فيسوكويه في مقاطعة سومي وسفيتلويه بدونيتسك    مستشار الرئيس للصحة: الوضع الوبائي مستقر تمامًا ولا يوجد خطر داهم على أطفالنا    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : لعنة الله على تلك .. المسماة " ديمقراطية !?    إنبي في مواجهة خارج التوقعات أمام طلائع الجيش بكأس عاصمة مصر    البحوث الفلكية: نشهد غدا ظاهرة الانقلاب الشتوى وبعدها يبدأ النهار فى الازدياد    محاكمة 37 متهما بخلية التجمع.. اليوم    قفزة قياسية متوقعة لأسعار الذهب في 2026.. وتراجع محتمل للنفط    إزالة 10حالات تعد وبناء مخالف في الغربية    أزهري يعلق علي مشاجرة الرجل الصعيدي مع سيدة المترو: أين هو احترام الكبير؟    مواقيت الصلاه اليوم السبت 20ديسمبر 2025 فى المنيا    الأنبا فيلوباتير يتفقد الاستعدادات النهائية لملتقى التوظيف بمقر جمعية الشبان    القبض على إبراهيم سعيد لاعب كرة القدم السابق وطليقته داليا بدر بالقاهرة الجديدة    نائب وزير الخارجية يلتقي الممثل الخاص لسكرتير الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث    طائرات ومروحيات أمريكية تشن هجوما كبيرا على عشرات المواقع لداعش وسط سوريا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على هامش «المحاكمة»
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 11 - 2013

كغيرى، لا أعرف ماذا سيحدث غدا، أو بالأحرى إلى أين ستصل الأمور غدا. ولكنى، كغيرى أعرف أن هناك قاعة محاكمة، وأرواب سوداء، وصحيفة إدعاء.. وقفص.
لكم تتسارع بنا الأحداث.. والمشاهد.
بعد ثلاثين عام لرئيس واحد، حاكمنا رئيسين فى ثلاثة أعوام.
كسابقتها، ستزدحم القاعة بالكاميرات، وتزدحم الصحف بالصور. وتنته الجلسة.
وكسابقتها، وتحت وهج الأضواء وصخب العامة، ستشكو العدالة من ترقب الخصوم، ومن الأحكام التى تسبق المداولة.
وبعد أيام أو شهور لا أحد يعلم. ستحلق على رءوسنا الطير، وتتوقف قلوبنا عن الخفقان، فى انتظار ما سينطق به القاضى. حكما، يصيح بعدها بالقولة المعهودة «رُفعت الجلسة». والثابت أنه رغم الحكم «أيا ما كان»، ورغم «رُفعت الجلسة»، فإن السؤال سيظل قائما: حاكمنا الرئيس، أو للدقة رئيسين.. فهل تغير النظام.

أدمنا اختزال السياسة فى الأشخاص؛ هتافات ومواقف وشعارات، بل وأحيانا «بذاءات» على الجدران.. وظننا خطأ أن تغيير الأشخاص، أو حتى محاكمتهم تعنى تغيير الأنظمة «إلى ما نريد».. ولم يكن ذلك أبدا صحيحا.
أُعدم صدام حسين بعد محاكمة لم يعترف بقاضيها، وأُعدم معمر القذافى وسط الهتاف والتكبير دون محاكمة ودون قاضٍ. كان المشهدان اللذان صُورا بكاميرات الهاتف النقال كافيين ليتأكد الجميع، مما اعتقدوا لعقود أنه مستحيل. ولكنهما لم يكونا كافيين أبدا لإنجاز «تحول ديموقراطى حقيقى» وبناء دولة عصرية تستحقها هذه الشعوب. فمازال العراق بعد عشر سنوات يبحث عن طريق للخروج من نفق يحاول الليبيون ألا يدخلوا فيه. نزاعات مسلحة، وتفجيرات، ومخاطر انقسام.
نخطئ جميعا «الخطأ القاتل»، حين نظن أن «إخراج» الرئيس، أو محاكمته.. أو حتى إعدامه. «يكفى وحده» لتحول ديموقراطى سليم أو صحيح. لا أحد يجادل فى أهمية المساءلة، أو المحاسبة. فلا عدل بلا قصاص. ولكننا نخطئ لو اعتقدنا أن الله بهذا «وحده» قد كفى المؤمنين القتال.

أكتب هذا المقال فى طريقى إلى وارسو، صاحبة التجربة المتميزة فى التحول الديموقراطى بعد سقوط الاتحاد السوفييتى 1989 والتى كان التزامها بالمعايير المتعارف عليها للعدالة الانتقالية Transitional Justice خارطة طريق صعبة «وطويلة»، ولكن حقيقية للانتقال بمواطنيها إلى دولة معاصرة ديموقراطية حديثة. تلك المعايير الذى ربما كان علينا أن نعترف أولا وبعد ما يقرب من سنوات ثلاث من الارتباك والتخبط «والحركة فى المكان» أنها كانت ضرورية وحتمية، كما هى دائما ضرورية وحتمية لإنجاح المراحل الانتقالية. كما أن علينا أن نلحظ ثانيا، بأن المفهوم؛ «العدالة الانتقالية»، رغم استقراره بالتجربة فى العلوم السياسية الحديثة قد جرى تشويهه لدينا، بحسن نية أحيانا، وربما بسوء نية أحيانا أخرى، بقصد استخدامه فى دفع الأمور إلى اتجاهات معينة، انتقاما أو تمييزا، أو محاولة لطمس ما جرى ونسيانه، مما لن يحول للأسف دون تكراره وإن اختلفت اللافتات أو الشعارات أو أصحاب المصلحة. فكان، كما أشرنا من قبل، أن غاب المفهوم، كما غاب معناه ومقتضياته، عمن أوكلت إليه إدارة البلاد، سواء بقرار من رئيس الجمهورية تلاه رجل مخابراته (11 فبراير 2011) أو بقرار من ناخبين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع بعد سبعة عشر شهرا كاملة مستنزفين ومرهقين «ومضطرين» للاقتراع استبعادا لمن لا يريدون، وليس رغبة فيمن حقا يريدون (يونيو 2012)، ونتمنى أن لا يغيب ثالثة عن اهتمامات مرحلة جديدة نحاول فيها «بصعوبة» أن نمضى قدما نحو ما كان الناس قد خرجوا فعلا يطالبون به فى الخامس والعشرين من يناير.
كنا قد حاولنا هنا قبل نحو العام أن نلق بعضا من الضوء على مفهوم «العدالة الانتقالية» الذى مازال ملتبسا عند كثيرين. وأظن، أن التذكير بالمفهوم ومقتضياته وآلياته قد يكون واجبا الآن أكثر من أى وقت مضى.
لن نضيف جديدا، وإنما نذكر بما يشير إليه المفهوم، حسب تعريف الأمم المتحدة (2004) وحسب ما تذهب اليه الخبرة المتراكمة لدارسى تجارب الانتقال الديمقراطى، سواء فى مرحلة ما بعد الحرب الثانية (1939-1945) أو سقوط جدار برلين (1989)، أو تلك المتميزة فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية. ويعنى المفهوم ببساطة: مجموعة الأساليب والآليات التى يستخدمها مجتمع ما فى فترة انتقالية فى تاريخه (بعد اندلاع ثورة أو انتهاء حرب) للتعامل مع تركة من تجاوزات الماضى، تضمن عدم تكرارها، ولضمان تحقيق العدالة «بمفهومها الأوسع»، ولتوفير مقتضيات الانتقال «السلمى والآمن والحقيقى» من الحكم السلطوى لنظام قمعى داخل البلاد إلى نظام ديمقراطى حقيقى يشعر فيه المواطنون «بالعدالة».
ليس فى ذلك جديد، كما لا قد يوجد جديد فى التذكير بما أشرنا اليه قبل ذلك، من أنه ورغم حقيقة أن هناك «خصوصية» لكل حالة، وأن لا دواء واحدا يمكن وصفه ب«الجرعة ذاتها» لكل المرضى وإن تشابهت الأعراض. إلا أن هناك دائما عناصر أساسية لابد من الأخذ بها، وإن اختلفت التفاصيل. وللعدالة الانتقالية (الانتقال الديموقراطى)، حسب ما تقوله الكتب خمسة عناصر (أستأذنكم فى التذكير بها كما هى):
أولا: الكشف عن الحقيقة «الكاملة» على قسوتها، ليس بهدف التشهير أو الانتقام، وإنما بهدف بناء وعى جمعى «مستَنكِر» لما جرى من انتهاكات بشكل يجعل من الصعب تكرارها فى المستقبل. وكذلك بغية التوثيق لمرحلة مهمة فى تاريخ المجتمع حتى يمنع تزويرها أو إعادة كتابتها مستقبلا.
ثانيا: المحاكمات: أخذا فى الاعتبار أن المحاسبة هنا ينبغى أن تتجاوز ما هو جنائى «له اشتراطاته» إلى ما هو سياسى، من قبيل الفساد والرشوة وتزوير الانتخابات وإفساد الحياة السياسية... إلخ. ولنظام يوليو 1952 تجربة مهمة فى هذا المجال، بقانون أحكم السنهورى صياغة مواده قبل ستين عاما (قانون رقم 344 لسنة 1952 المعدل بالقانون رقم 173 لسنة 1953، والمسمى بقانون الغدر»
ثالثا: التعويض وجبر الضرر: ولا بد هنا للأسف أن نأخذ بالحسبان أن الكثير من الانتهاكات التى حصلت فى الماضى لا يمكن بالضرورة استرجاعها، أو التعويض عنها. كما لا بد من أن ندرك أن جبر الضرر يتجاوز بكثير «التعويض المادى» أيا ما كانت قيمته. وفى هذا تفصيل كثير.
رابعا: الإصلاح المؤسسى: لا يمارس النظام ظلمه أو تجاوزاته الا بالاعتماد على مؤسسات الدولة التى تصبح تدريجيا أدوات لقمعه؟ وتقول التجارب إنه لا يمكن استيفاء متطلبات التحول الديمقراطى دون وجود تصور متكامل وواقعى لإصلاح ثلاث مؤسسات يعتمد عليها النظام المستبد عادة، فتصبح تدريجيا أدوات لقمعه. وهى مؤسسات (الأمن والقضاء والإعلام)، مع ملاحظة ما أيدناه سابقا:
1 ألا يعنى هذا الإصلاح «هدما» لتلك المؤسسات.
2 ألا يكون معنى الإصلاح مجرد «تغيير للولاءات» من السلطة القديمة إلى السلطة الجديدة.
كيف يكون الإصلاح إذن؟ لن نحتاج إلى «إعادة اختراع العجلة»، فالدراسات كثيرة جدا فى الموضوع. ومنها بالمناسبة الجهد المتميز للصديق حسام بهجت (من المبادرة الشخصية للحقوق الشخصية) لكيفية إصلاح الأجهزة الأمنية، وهى المحاولة التى ضلت طريقها رغم تقديمها لكل مسئولى الإخوان عندما كانوا فى الحكم. كما أن منها مشروع قانون «السلطة القضائية» الذى كان قد أعده (مع آخرين) المستشاران مكى والغريانى قبل سنوات، وضل طريقه أيضا فى مجالس الإخوان التشريعية التى اختارت أن تشغلنا بدلا من ذلك بمعركة «وهمية» حول قانون المواد الأربع الشهير.

وبعد..
نتهم مبارك باستغلال نفوذه للحصول على فيللتين بشرم الشيخ.
ثم نتهم مرسى باستغلال منصبه «للتخابر مع حماس».
ننشغل بتكييف الاتهامات والدفوع والمذكرات. ويبحث المحامون عن قانون مهجور هنا، أو فقرة منسية فى قانون هناك. ننقسم يوميا حول إجراءات المحاكمة، ثم حول الحكم، الذى يريده كل منا بالطبع «على هواه». وننسى، كما نسينا من قبل أن «النظام لم يتغير بعد، وأن «الثورة»، إن أردنا تعريفا أكبر من ذلك بكثير، والتغيير، إن أردنا تحقيقا، أبعد من ذلك بمراحل.
ننشغل بالمحاكمتين؛ صورا ومشاهد ومشاجرات. وننسى أن الأولى بالانشغال هو النظام الذى طالب الناس بتغييره فى 25 يناير فلم يتغير، لا بانتخاب مرسى ولا بخروجه، رغم احتفالات الحادى عشر من فبراير 2011، أو تلك المماثلة فى الثالث من يوليو 2013 وإن تمنى الكل ذلك. إذ لم تكن الأمنيات أبدا كافية «لحرث الأرض»، ناهيك عن إنباتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.