السيسي يجتمع مع رؤساء الهيئات الإعلامية.. 4 توجيهات وزيادة للصحفيين    موعد إجازة المولد النبوي 2025 وأبرز مظاهر الاحتفال في مصر    محافظ الأقصر يناقش خطة مشروع القطار السريع    قفزة تاريخية فى أسعار الذهب عالميًا.. والشعبة تكشف تأثيرها على الصاغة المصرية    جيش الاحتلال: ستبقى قواتنا منتشرة في مخيمات اللاجئين شمال الضفة الغربية    «إبادة جماعية مكتملة الأركان».. «المنظمة العربية» تحذر من خطة الاحتلال الكامل لغزة    4 دول أخرى تنضم لبيان غربي يدين خطة إسرائيل لاحتلال غزة (تقرير)    الموعد والقناة الناقلة لمباراة كريستال بالاس وليفربول    كهرباء الإسماعيلية يتعاقد مع لاعب الزمالك السابق    لتعويض مالك ثياو.. ميلان يستهدف ضم مدافع من داخل الدوري الإيطالي    «الداخلية»: ضبط قائد سيارة سار عكس الاتجاه بطريق القاهرة الإسكندرية الزراعي    موعد تنسيق المعاهد والكليات لطلاب الدبلومات الفنية 2025.. الحد الأدنى «صناعي- تجاري- زراعي- فنادق» نظام 3 و5 سنوات    "الثقافة" و"الزراعة" تطلقان فعاليات ورسائل توعوية احتفاءً بوفاء النيل    شباب ولياقة.. أحمد عز يمارس التمارين والجمهور يعلق    وزير الثقافة يفتتح الدورة الثالثة لبينالي القاهرة الدولي لفنون الطفل.. الثلاثاء    إعدام 300 ألف بيضة و170 ألف طن صادرات.. التقرير الأسبوعي ل"سلامة الغذاء"    أب يجبر ابنه على الركوب داخل حقيبة السيارة لتأديبه بالشرقية    الداخلية: ضبط 121 ألف مخالفة مرورية و184 حالة تعاطٍ للمخدرات في يوم واحد    رئيس اتصالات النواب يكشف تفاصيل تشريع بشأن أرباح تيك توك    صندوق إعانات الطوارئ: 2.3 مليار جنيه دعمًا لأكثر من 429 ألف عامل    محافظ الجيزة: تفتيش عمالي على 701 منشأة من خلال مديرية العمل وتحرير 209 محاضر لضبط المخالفات    موعد مرتبات شهر أغسطس 2025 للعاملين بالدولة    أمين الفتوى يوضح حكم الصلاة أو الصيام عن المتوفى غير الملتزم وطرق إيصال الثواب له    لست قادرا على الزواج ماذا افعل؟.. يسري جبر يجيب    حكم قضاء المرأة الصلاة التي بدأ نزول الحيض في أول وقتها.. المفتي السابق يوضح    ملتقى المرأة بالجامع الأزهر: تجربة المدينة المنورة في العهد النبوي نموذجا يحتذى به في جهود النهوض بالأمة    لترشيد الكهرباء.. تحرير 125 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق    مركز كليو ألفا كيور بمستشفى النيل بدراوي يعقد أول لجنة طبية متعددة التخصصات لأورام الكبد والقنوات المرارية والبنكرياس    محافظ المنوفية يلتقي مدير التأمين الصحي الجديد.. ويشدد على تحسين جودة الخدمات    إبعاد 6 أشخاص خارج البلاد لأسباب تتعلق بالصالح العام بقرارات من الداخلية    «الصحة» تنظم 146 دورة تدريبية وورشة عمل لتطوير الكوادر التمريضية    وزير الصناعة والنقل يتفقد 6 مصانع متخصصة بمدينة العاشر من رمضان الصناعية    إزالة 12 حالة تعد وقطع المرافق عن غير الملتزمين بسداد أقساط التقنين بأسوان    مسرح الجنوب يطلق استمارة دورته العاشرة    مهرجان القلعة يعود في دورته ال33.. ليالٍ موسيقية بنكهة عربية وعالمية    «الإحصاء السعودي»: ارتفاع مؤشر الرقم القياسي لكميات الإنتاج الصناعي 7.9%    وزير الدفاع يلتقي بعدد من مقاتلي القوات الخاصة من المظلات والصاعقة| صور وفيديو    جهود منظومة الشكاوى الحكومية في يوليو 2025 |إنفوجراف    الرد فى الصندوق لا فى الهاشتاج    «جوتيريش» يرحب بالإعلان المشترك الشامل بين أرمينيا وأذربيجان    محاولة تفجير فاشلة.. محاكمة المتهمين في قضية «خلية المطرية الإرهابية»    الداخلية: خدمات شرطية ميسرة لدعم الحالات الإنسانية في جميع المحافظات    التأمين الصحي بالأقصر يتابع تنفيذ خطط التطوير ورفع كفاءة الخدمات الصحية    انطلاق حملة «حياة بلا إدمان» بالمدارس ومراكز الشباب والمساجد بسيناء    عائلات المحتجزين الإسرائيليين بغزة تدعو لإضراب اقتصادي في ال17 من أغسطس الجاري    وزير الري يتابع حالة المنظومة المائية بالمحافظات وموقف إيراد نهر النيل    محمد صلاح يضع الأوروبيين في مأزق بعد استشهاد "بيلية فلسطين".. كيف ولماذا وأين مات؟!    طائرات مسيرة أوكرانية تهاجم مصفاة نفطية في مدينة ساراتوف الروسية    جيش الاحتلال يعلن اعتقال 70 فلسطينيا في الضفة الغربية    طارق يحيى: ريبيرو يعاني في قراءة المباريات.. والزمالك حقق انطلاقة موفقة    لهذا السبب.. أنغام تتصدر تريند "جوجل"    النصر السعودي يعلن التعاقد مع لاعب برشلونة    حظك اليوم الأحد 10 أغسطس 2025 وتوقعات الأبراج    منة تيسير عن استبعادها من مهرجان نقابة المهن التمثيلية: مشيت بإرادتي.. واللي بيتقال كذب ورياء    الجيش اللبناني يغلق بعض المداخل المؤدية للضاحية الجنوبية    ريبيرو: كنا الأفضل في الشوط الثاني.. والتعادل أمام مودرن سبورت نتيجة طبيعية    دعاء صلاة الفجر.. أفضل ما يقال في هذا الوقت المبارك    «أراهنكم الرابطة تعمل كده».. رسالة نارية من رئيس تحرير الأهلي بعد هجوم جماهير الزمالك ضد زيزو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى لزوم ما كان يلزم..واجب الوقت الضائع
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 02 - 2013

أعتذر بداية للقارئ الكريم، فهذا ليس مقال «رأى»، بقدر ما هو محاولة لإلقاء ضوء على مصطلح أخشى أن يكون قد شابه لدينا بحسن نية أو بغيرها بعض الضرر. وأقصد به مصطلح «العدالة الانتقالية» أو بالإنجليزية Transitional Justice ولأن للغة ايحاءاتها، فقد يكون بعض مشكلة «الفهم الخاص» للمصطلح أو المفهوم عائدا إلى الترجمة، فرغم أن دارسى القانون يعلمون أن مفهوم «العدالة» لا يقتصر على النصوص وتطبيقاتها، بل يعنى فى جوهره «الشعور بالعدل». إلا أن اللفظة قد تذهب بأذهان البعض قسرا إلى القوانين والمحاكم والنيابات فيتصور أن المفهوم يقصد «أو يقتصر» على إنشاء محاكم استثنائية «أو نيابات خاصة» تضمن تحقيق العدالة «أو القصاص» أثناء الفترة الانتقالية. كما قد تأخذ البعض رغبتُه «أو مصالحُه» فيعمل على اختصار المفهوم فى «المصالحة» مع رموز النظام السابق؛ سياسية كانت أو مالية، مستحضرا تجربة جنوب افريقيا فيما بعد العنصرية، متناسيا رغم ثقافته الدينية أن «معنى الآية» لا يكتمل بقراءة شطر واحد منها، كما أن تفسيرها لا يمكن أن ينفصل عن السياق وأسباب النزول... الخ.

•••

قد يفاجأ البعض عندما يعرف أن أكثر من ألف كتاب فى العلوم السياسية والقانون صدر حول الموضوع؛ مفهوما وتعريفا ودراسات مقارنة للآليات التى جرى اعتمادها هنا وهناك فى الدول التى شهدت مراحل «انتقال» من حالة استبداد أو صراع، إلى دولة معاصرة تتوافر لها عناصر الديمقراطية والاستقرار. كما قد لا يعرف الكثيرون أن الأمم المتحدة أولت الموضوع اهتماما خاصا وصل إلى درجة أن سكرتيرها العام السابق «كوفى أنان» أصدر فى أغسطس 2004 تقريرا خاصا عرف فيه مفهوم العدالة الانتقالية بأنه «الآليات التى يجب أن يقوم بها المجتمع للتعامل مع تركة تجاوزات الماضى واسعة النطاق، بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة». وتذهب الخبرة المتراكمة لدارسى تجارب الانتقال الديمقراطى، سواء فى مرحلة ما بعد الحرب الثانية (1939-1945) أو سقوط جدار برلين (1989)، أو تلك المتميزة فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية إلى أن مفهوم «العدالة الانتقالية» يعنى ببساطة: مجموعة الأساليب والآليات التى يستخدمها مجتمع ما فى فترة انتقالية فى تاريخه (بعد اندلاع ثورة أو انتهاء حرب) لضمان تحقيق العدالة «بمفهومها الأوسع»، ولتوفير مقتضيات الانتقال «السلمى والآمن والحقيقى» من الحكم السلطوى لنظام قمعى داخل البلاد إلى نظام ديمقراطى حقيقى يشعر فيه المواطنون «بالعدالة».

وهو عمليا مفهوم يشير إلى مجموعة التدابير القضائية «وغير القضائية» التى قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات.

وبغض النظر عن جدل «أكاديمى» معتاد حول المصطلح، ومعنى «انتقالية»، والتساؤل «النظرى» حول عدالة الاختلاف بين هذا المفهوم للعدالة وبين ما ألفناه من مفاهيم العدالة التقليدية المرتبطة بأحكام القضاء واللجوء إلى المحاكم بأنواعها ودرجاتها، إلا أن التجارب «العملية» لأكثر من ثلاثين دولة من تيمور الشرقية شرقا، وحتى تشيلى والأرجنتين وبيرو غربا وفرت رافدا خصبا لدارسى العلوم السياسية لتقنين المفهوم وإحكامه.

وتذهب تلك الدراسات إلى أنه على اثر انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، يحقّ للضحايا أن يروا معاقبة المرتكبين ومعرفة الحقيقة والحصول على تعويضات. ولأنّ الانتهاكات المنتظمة لحقوق الإنسان لا تؤثّر على الضحايا المباشرين وحسب، بل على المجتمع ككلّ، يصبح من مقتضيات نجاح المرحلة الانتقالية أن تضمن الدولة أو بالأحرى القائمون على إدارة المرحلة الانتقالية عدم تكرار تلك الانتهاكات، مما يقضى بضرورة القيام بإصلاح المؤسسات التى إما كان لها يد فى هذه الانتهاكات أو كانت عاجزة عن تفاديها. وتقول تجارب السابقين التى تشير اليها الدراسات أن تاريخا حافلا بالانتهاكات الجسيمة التى لم تُعالج سيؤدى حتما إلى انقسامات اجتماعية ويكرس غياب الثقة بين جماعات المجتمع المختلفة، بل وفى مؤسّسات الدولة ذاتها، فضلا عن عرقلة الأمن والأهداف الإنمائية أو إبطاء تحقيقهما. كما أنّه سيطرح تساؤلات بشأن الالتزام بسيادة القانون وقد يؤول فى نهاية المطاف إلى حلقة مفرغة من العنف فى أشكال شتّى.. هل نتحدث عن «مصر الآن»؟ كأننا كذلك.

•••

وكما يَعرف دارسو العلوم الاجتماعية كافة، فلا توجد وصفة سحرية، كما لا يوجد دواء واحد يمكن وصفه ب«الجرعة ذاتها» لكل المرضى وإن تشابهت الأعراض. ولكن توجد دائما عناصر أساسية لابد من الأخذ بها، وإن اختلفت التفاصيل. وللعدالة الانتقالية «تبسيطا» واختصارا خمسة عناصر:

أولا: الحقيقة وبناء الوعى:

الكشف عن الحقيقة «الكاملة» على قسوتها ضرورى لبناء الوعى الجمعى «المستَنكِر» لما جرى من انتهاكات بشكل يجعل من الصعب تكرارها فى المستقبل. ولأن لا أحد يعلم بالتحديد حجم ومستوى الانتهاكات التى ترتكب إبان حكم الأنظمة الاستبدادية، يصبح من الضرورى تأسيس لجان مستقلة هدفها الأساسى الكشف عن حقيقة ما حدث. وإطلاع المواطنين بشكل ممنهج على الملفات ذات الصلة. كذلك تعمل لجان الحقيقة على التوثيق لمرحلة مهمة فى تاريخ المجتمع حتى يمنع تزويرها أو إعادة كتابتها مستقبلا. (ماذا جرى للإسلاميين فى المعتقلات على مدى ثلاثين عاما، وكيف جرى تفجير كنيسة القديسين، وهل كان يجرى التجسس على هواتف المواطنين، وأين ذهبت تلك التسجيلات؟ …الخ)

ثانيا: المحاكمات:

أخذا فى الاعتبار أن المحاسبة هنا ينبغى أن تتجاوز ما هو جنائى «له اشتراطاته» إلى ما هو سياسى، من قبيل الفساد والرشوة وتزوير الانتخابات وإفساد الحياة السياسية… الخ. وإذا كنا نعرف أن «فى القصاص حياة» فلسنا بحاجة إلى التأكيد على أن غياب مبدأ المحاكمات «العادلة والناجزة» من الممكن له أن يؤدى إلى زعزعة الثقة فى الدولة والقانون، وكما هو الحال فى ليبيا يؤدى أيضا إلى انتشار العشوائية والارتجالية والأخذ بالثأر والانتقام وأخذ زمام المبادرة من قبل الأفراد فى تحصيل الحقوق الفردية. (النتيجة ذاتها يؤدى اليها زعزعة الثقة بمؤسسة القضاء على عمومها، وبعض نتائج ذلك رأيناه فى بورسعيد).

ثالثا: التعويض وجبر الضرر:

ولا بد هنا للأسف أن نأخذ بالحسبان أن الكثير من الانتهاكات التى حصلت فى الماضى لا يمكن بالضرورة استرجاعها، أو التعويض عنها. كما لا بد من أن ندرك أن جبر الضرر يتجاوز بكثير «التعويض المادى» أيا ما كانت قيمته. وفى هذا تفصيل كثير.

رابعا: الإصلاح المؤسسى:

لا يمارس النظام ظلمه أو تجاوزاته الا بالاعتماد على مؤسسات الدولة التى تصبح تدريجيا أدوات لقمعه؟ وتقول التجارب إنه لا يمكن استيفاء متطلبات التحول الديمقراطى دون وجود تصور متكامل وواقعى لإصلاح ثلاث مؤسسات (الأمن والقضاء والإعلام)، مع ملاحظة:

1 ألا يعنى هذا الإصلاح «هدما» لتلك المؤسسات.

2 ألا يكون معنى الإصلاح مجرد «تغيير للولاءات» من السلطة القديمة إلى السلطة الجديدة.

كيف يكون الإصلاح إذن؟ لن نحتاج إلى «إعادة اختراع العجلة»، فالدراسات كثيرة جدا فى الموضوع. وهى بالتأكيد تتجاوز «مراهقات» محاصرة المحاكم أو استديوهات البث التليفزيونى.

خامسا: المصالحة:

وتأتى فقط بعد استيفاء المتطلبات الأربعة السابقة. وتشير تجارب السابقين إلى أن «إحراق المراحل» بمعنى الحديث عن المصالحة «مادية كانت أو جنائية» قبل أوانها، من شأنه إشاعة شعور كامن بالإحباط، لابد وأن ينفجر فى لحظة غير متوقعة، ليهدد تجربة التحول بأكملها.

هل نتحدث عن «مصر الآن»؟ كأننا كذلك.

•••

وبعد…

فأحسب أن «العلم» والمعرفة بالمفهوم ومعناه ومقتضياته، قد غابا عمن أُوكلت اليه إدارة البلاد «بعد ثورة»؛ سواء بقرار من رئيس الجمهورية، تلاه رجل مخابراته، أو بقرار من ناخبين ذهبوا إلى صندوق الاقتراع بعد سبعة عشر شهراً كاملة؛ مستنزفين ومرهقين «ومضطرين» للاقتراع «استبعادا» لمن لا يريدون، وليس رغبة فيمن حقا يريدون.

غاب المفهوم إذن، وغابت سياساته، رغم أنه خارطة الطريق الوحيدة «فى تجارب السابقين» الكفيلة بضمان التحول الديمقراطى «السليم والآمن». وعندما تغيب الخارطة، يتوه المسافرون.. وأحسب أن هذا للأسف ما كان.

لماذا.. وكيف؟ وهل من سبيل لاحتساب «وقت بدل الضائع» كما يقول لاعبو الكرة؟

ضاقت بنا المساحة… فليكن هذا «اجتهاد» المقال القادم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.