حشمت: تتحقق باحترام القانون وإعادة صياغة القوانين المُفصَّلة ثابت: لا بد من اتفاق كامل ورؤية موحدة للقوى السياسية لتحقيقها الشوبكى: المصالحة لا تعنى إتاحة الفرصة للجناة للإفلات من العقاب السادات: نحن فى أمسّ الحاجة لتطبيقها بشرط ألا تتحول لانتقامية الدعوة التى أطلقتها القيادة السياسية المنتخبة فى مصر بخصوص المصالحة منذ توليها المسئولية تدفع نحو البحث فى آليات هذه المصالحة، خاصة فى ظل ما شهدته البلاد من حالة انقسام خلال إدارة المجلس العسكرى لشئون البلاد، ولا شك أن المصالحة حتى تستطيع تحقيق أهدافها المنشودة فى إعادة بناء المجتمع على أسس صحية سليمة تحقق التناغم ووحدة النسيج السياسى الوطنى، رغم وجود تعددية فى الفكر السياسى، فلا بد أن يقترن بها مفهوم العدالة، وتحديدا ما يطلق عليه المحللون والساسة العدالة الانتقالية. والعدالة الانتقالية مصطلح يظهر خلال التحولات السياسية للمجتمعات، أو تغيير النظم الحاكمة بشكل جذرى، سواء عن طريق الثورات أو صعود تيارات سياسية تختلف فى مرجعيتها عن تلك التى كانت سائدة فى البلاد، أو عند الانتقال من حالة الحرب إلى السّلم؛ أو من أجواء الشمولية والاستبداد إلى الممارسة الديمقراطية؛ كما هو الحال فى مصر. وعلى ذلك فالعدالة الانتقالية وسيلة لتجاوز الكراهية والمشاكل بمختلف أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى عانت منها الدولة والمجتمع، فهى آلية فعالة للتخلص من التراكمات السلبية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بصورة تسهم بانتقال متدرج إلى الديمقراطية بناء على أسس متينة؛ توفر شروط التسامح والمصالحة والشرعية والتعددية والاستقرار داخل المجتمع؛ بعيدا عن ثقافة الثأر والانتقام، وذلك حتى لا تتحول العدالة الانتقالية إلى عدالة انتقامية. وحول فكرة المصالحة المرتكزة على العدالة أكد المتحدث باسم رئاسة الجمهورية الدكتور ياسر على أنه لم يتم حتى الآن بحث تفاصيل ما يثار بشأن المصالحة مع رموز النظام السابق، التى يطرحها الدكتور محمد سليم العوا عضو الفريق الاستشارى للرئيس محمد مرسى. وأضاف ياسر على -فى تصريح له اليوم أول أمس السبت- أن هناك أكثر من نموذج فيما يتعلق بالعدالة الانتقالية؛ حيث إن هناك نموذج جنوب إفريقيا عند ما شكل نيلسون مانديلا لجنة قانونية رأسها القس أدمين توتو، وحصل على صلاحيات كلجنة قضائية مستقلة لبحث قضية العدالة الانتقالية والمصالحة. وأوضح المتحدث أن هناك نماذج أخرى، ومن يتولى هذا الملف سيبحث هذه القضايا، ويرى الشكل المناسب للوضع المصرى، ولكن لم يتبلور النقاش بشأن شكل قضية التصالح مع رموز النظام السابق. من جانبه أكد محمد أنور السادات -رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب السابق ورئيس حزب الإصلاح والتنمية، أننا فى حاجة ماسة الآن لتطبيق العدالة الانتقالية الحقيقية كى لا تتحول لعدالة انتقامية، فى ظل الظروف الراهنة وحالة البلبلة التى تمر بها البلاد، مطالبا بأن يكون هناك أحد الأشخاص المشهود لهم بالكفاءة والمصداقية والحيادية مسئولا عن هذا الملف المهم على أن تكون له خلفية قانونية، وأن تكون هناك لجنة قضائية منوط بها تقديم المساعدات الممكنة له، وبالتالى يكون هناك فريق عمل قانونى متكامل على أعلى مستوى يستطيع تحقيق هذه العدالة. وأوضح أن العدالة الانتقالية تختص أيضًا فى إعادة النظر للمحاكمات التى تمت وتتم لرموز النظام السابق، مشدِّدًا على أهمية التصالح مع بعض الذين تم اتهامهم فى قضايا فساد مالى أو نزاعات مدنية، من خلال إصدار تشريع بقانون يكفل لهم المصالحة بعد أن يدفعوا جزءا كبيرا من الأموال التى يمتلكونها للدولة، وينتهى الأمر كى تمضى مصر فى طريقها قُدُمًا للأمام. وأشار السادات إلى أنه ينبغى على النظام الجديد تبنى "العدالة الانتقالية" وأن يعمل على إخضاع مؤسسات الدولة لتبنى هذه الرؤية، خاصة أن هناك صعوبة كبيرة فى إحداث تغيير حقيقى دون إصلاحات كبيرة من النظام الجديد لكل المؤسسات المرتبطة بالإنسان والتعامل معها، خاصة المؤسسات العقابية كالسجون والمعتقلات والجهات القضائية كالنيابات والمحاكم. وقال رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب السابق: إن آليات العدالة الانتقالية متنوعة بين إحداث لجان لتقصى الحقائق بصدد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وكشفها بتفصيل أمام الرأى العام، أو بمحاكمة الجناة أمام القضاء، أو عبر تقديم تعويضات مادية ومعنوية للمتضررين، ومنع المتورطين من تولى مناصب القيادية. بدوره يرى د. أشرف ثابت -وكيل مجلس الشعب عن حزب النور- أن العدالة الانتقالية من الأمور المهمة جدًّا، لكن تحقيقها لن يتأتى إلا من خلال وجود رؤية موحدة بين القوى السياسية واتفاق كامل بينها حتى لا يتهم أى طرف أو قوة من القوى الطرف الآخر بالتخوين أو القول بأنه ينتمى للنظام السابق أو أشياء من هذا القبيل. وأضاف أنه لا بد أيضا أن يكون هناك اتفاق على كيفية التعامل مع النظام السابق، بحيث يتم استيفاء حقوق المواطنين التى سلبها هذا النظام، بالإضافة إلى استيفاء المظالم التى وقعت عليهم مع وجود رؤية للتعامل معها لمحاسبة المتورطين من هذا النظام. وقال: إنه لا بد من تحقيق الوعى بطبيعة المجتمع المصرى من حيث العلاقات الاجتماعية الوطيدة بين أطراف المجتمع ووضعها فى الاعتبار خلال التعامل مع النظام السابق، بحيث تكون هناك مصالحة وطنية بمعنى تحقيق العدالة لا بمعنى التجاوز عن انتهاكات الفاسدين من النظام السابق، مشيرا إلى أن الظروف الحالية فى مصر متاحة لتحقيق تلك العدالة الاجتماعية، وذلك على الرغم من أننا بدأنا فى تحقيقها بداية خاطئة بسبب عدم وضع القوى السياسية والمجتمعية لقواعد لتحقيقها. وأكد د. جمال حشمت -عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة- أن تحقيق العدالة الانتقالية يتحقق باحترام القانون وإعادة صياغة التشريعات التى فيها ظلم وتعسف للمواطنين. وأضاف أن احترام القانون يدعمه استقلال القضاء ووجود قانون للقضاة بحيث تكون هناك حالة من الجدية فى الأداء؛ لأن التراخى وعدم المحاسبة كانت نتيجته الظلم. وقال: إن ضبط الانفلات القانونى واجب حتى يكون هناك فارق بين الحرية وبين الفوضى، ومطالبا فى الوقت ذاته بإعادة صياغة بعض القوانين التى وُضعت خصيصًا فى عهد نظام سياسى كان لا يحترم الدستور ولا يقوم بتفعيل القانون سوى ضد مصالح الغلابى، مشيرًا إلى أن هذا النظام كان يطبق المثل البريطانى الذى يقول: "القانون كخيوط العنكبوت.. تعصف به الطيور الكبيرة.. وتقع فيه الحشرات الصغيرة". وأشار إلى أن الناس متعطشة لشىء من الحرية والانضباط والإحساس بالعدل، خاصة أن هذه الفترة تحتاج إلى تطبيق القانون بكل حزم وعدل؛ لأن الفساد تأصل واستشرى جزء كبير منه فى النظام السابق بسبب غياب العدالة. الدكتور عمرو الشوبكى الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية يرجع الفضل فى تطبيق مفهوم العدالة الانتقالية للزعيم نيلسون مانديلا، عقب تحرر جنوب إفريقيا عام 1994، حيث بدأ الرجل فى تطبيق هذا المفهوم منذ أن كان قابعًا فى السجن، بغرض التأسيس لمصالحة وطنية، من دونها سيكون البلد عرضة لمزيد من الاحتراق وإراقة الدماء. وقال الشوبكى: إن مفهوم العدالة الانتقالية يشمل المصالحة الوطنية بين الأطراف المختلفة حتى يمكن إعادة بناء الأمة على أسس شرعية قانونية وتعددية وديمقراطية فى الوقت ذاته، وبذلك يمكن القول: إن المصالحة هى أحد أهداف العدالة الانتقالية، بل هى فى الواقع شكل من أشكالها، لكن من المهم تأكيد أن استهداف المصالحة الوطنية لا يعنى إتاحة الفرصة للجناة للإفلات من العقاب، فقد أكدت تجربة جنوب إفريقيا وبعض تجارب أوروبا الشرقية أن المصالحة الوطنية قد تستدعى العفو عن بعض مرتكبى الجرائم كمقدمة لإجراء التحولات الديمقراطية ومعالجة آثار الانتهاكات السابقة.