ثمانى أسئلة.. وإجابات»، تحت هذا العنوان. كتبت فى هذا المكان (الشروق: 3 فبراير 2013)، محاولا «الاجتهاد» فى إجابة ثمانى أسئلة، حسبت أنها «أسئلة اللحظة» وقتها. وكان من الطبيعى، وبحكم طبائع الأمور، وما علمناه بعد ذلك من طبائع البشر أن يكون هناك من آثر يومها «فى دوائر الحكم» وخارجها، أن يتجاهل الأسئلة، إنكارا للإجابات، أو بالأحرى لكون الإجابات قد تهز بعض قناعاته «المتساندة كأحجار الدومينو». ولذا فقد اخترت أن أكتفى اليوم بأسئلة بلا إجابات. وأظن أنها هذه المرة أيضا «أسئلة اللحظة»؛ لحظة مضطربة لا تريد أن تفارقنا. لأننا ببساطة أقل شجاعة من أن نفارقها. عزَمت.. وتوكلت على الله، وحسبما تقول الحكمة الانجليزية الشهيرة، «وضعت قدمى فى حذاء» أحد الذين استقر بهم المقام فى «رابعة»، قلقا على المستقبل، أو الأمن الشخصى، أو استجابة لشعارات تقول «إنها الثورة»، أو دفاعا عن «الشرعية» دون تدقيق فى تعريف، أو إيمانا بأنه «الجهاد ضد أعداء الدين»، أو تصديقا «وتسليما» لأولئك الذين يقولون لنا على المنصة كل يوم أن مرسى سيعود فى المساء، أو صباح اليوم التالى، أو «ليصلى معنا العصر» كما قال أحد «الزاعقين». وإذا كان الله يأمرنا أن «نتبين» قبل أن نتخذ القرار. وإذا كان القرار «تعريفا» هو اختيار بين بدائل. وإذا كانت المعرفة، التى هى لازمة لاختيار سليم تبدأ بالأسئلة (... قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى) البقرة 260، فاسمحوا لى أن أضع نفسى مكان الإخوان، أو الذين أتوا بهم إلى «رابعة»، وأطرح الأسئلة؛ ثمانية أيضا هذه المرة.. وأترك لهم الإجابات. ●●● 1 السؤال المكرر والمزمن، ولكنه الافتتاحى، بحكم طبيعته: طالما أننا الأكثر شعبية، ولدينا «الملايين فى الميادين» (فضلا عن خمسة آلاف جريح فى) «المستشفى الميدانى» !!)، ألم يكن بيد «الرئيس»، والذين يستمع اليهم، أن يجنبوا «الجماعة» والوطن.. ودينهم كل هذه الدماء، لو أنصتوا لنصيحة رفيقهم فى مكتب الإرشاد لمدة 22 سنة «عبدالمنعم أبو الفتوح»، والذى تربطهم به أواصر قربى، وذكريات زنارين، حين كان أول من دعا (يناير 2013) السلطة المنتخبة «العاجزة عن أداء واجبها» حسب تعبيره إلى انتخابات مبكرة؟ أو على الأقل إلى استفتاء كان يمكن أن يكون قرار «حكمة اللحظة الأخيرة». 2 مع الإقرار الكامل بأن هناك من هم موجودون فى الشارع الآن، وبينهم إخوة وأصدقاء، ولهم كامل احترامهم «طالما احترموا الآخرين»، يبقى السؤال: مَن أولئك الذين نزلوا إلى الشوارع فى الثلاثين من يونيو والثالث من يوليو؟ هل نصدق حقا ما يردده البعض، أو يتداولونه على مواقع التواصل الاجتماعى من أنهم ليسوا أكثر من ضباط أمن الدولة وعائلاتهم وجنود الأمن المركزى بزى مدنى إلى جانب المسيحيين «المواطنين بالمناسبة» فضلا عن بعض المخدوعين؟ وهل يعلم من يحاول تزييف وعينا بهذا القول، أن الشهادة لله؟ 3 هل سيكون داخل الجماعة من هم بشجاعة الأمريكيين حين قرروا بعد الحادى عشر من سبتمبر أن يسألوا أنفسهم «لماذا يكرهوننا؟» أم أن هناك من لم يلحظ بعد كيف تبدلت مشاعر كثير من الناس تجاه الجماعة وشعاراتها والمحسوبين عليها؟ وبالمناسبة، ماذا سيكون عمليا أثر قطع الطريق، الذى وصفه مرسى فى خطب علنية بأنه «مرفوض.. مرفوض»، كما كان قد قال أيضا بعض من نستمع اليهم الآن على المنصة أنه من قبيل «الحرابة». 4 ما هو الفارق «الجوهرى» بين ما جرى فى 25 يناير، الذى أتى بالمجلس العسكرى «وحده» إلى الحكم، لمدة عام ونصف، وبين ما جرى فى ثلاثين يونيو، الذى أعلن عشيته عن «خارطة طريق إلى صناديق الاقتراع» واضحة محددة، لا تستثنى أحدا أو تقصيه، ولا يربكها حاليا غير ذلك الذى يجرى فى الشوارع والميادين. 5 إلى أى مدى ندرك حقيقة أن كثيرا من الذين لديهم حساسية مع تجربة المجلس العسكرى (11 فبراير 2011 − 30 يونيو 2013) أو يقلقهم وجود شخصيات «مباركية» فى المشهد، أو أزعجهم مصطلح «الانقلاب» هم أيضا لا يريدون العودة إلى حكم الإخوان؛ الذى يرونه (وأنا هنا ناقل لما يتردد فى المنتديات، وفى البيوت، وعلى المقاهى، ومواقع التواصل الاجتماعى) حاول أن يعيد انتاج النظام القديم «ولكن لصالحه»، أو حاول أن يأخذهم بعيدا عن «ثقافتهم المتوارثة» أو اتسم «بالاستئثار والاستكفاء والاستغناء والاستعلاء والاستقواء».. والتعبير العبقرى بالمناسبة هو للدكتور سيف عبدالفتاح. 6 إذا كانت «هى معركة» كما تقول المنصة، وكما اختار البعض «بعنادهم» أن تكون «صفرية»، فمن هم أطرافها؟ وإذا كان الطرفان هما جماعة الإخوان المطالبة بعودة مرسى، وقوات الجيش صاحب خارطة الطريق المؤدية إلى الانتخابات. فمن الأقوى واقعيا بمقاييس المعارك؟ ولمن «النصر»؟ وهل هناك من يقبل استخدام تعبير «معركة»، حين يكون الطرف الآخر جيش البلاد؟ وإذا كان الانتصار فى المعارك يعنى تعريفا إجلاء العدو، أو القضاء عليه، أو قهره، فكيف يتأتى مثل ذلك فى مثل هذه معركة؟ وبماذا نصف من يسمح لنفسه أصلا أن يسعى «لهزيمة جيش بلاده»؟ 7 بعد تصريحات جون كيرى نائب الرئيس الأمريكى؛ الواضحة والصريحة بأن «الجيش لم يستول على السلطة، وإنما اضطر للتدخل لاستعادة الديمقراطية»، هل ما زال هناك، بين الحريصين على رفع اللافتات بالانجليزية من يراهن على التدخل الأجنبى، وعلى «البوارج الأمريكية» التى هلل المحتشدون فى رابعة تكبيرا لإعلان المنصة اقترابها من السواحل المصرية؟! أم أن هناك من أسكرته تصريحات جون ماكين؛ عَرَّابُ الحرب على العراق فأخذته أحلامه بعيدا؟ 8 ثم يبقى السؤال الختامى والأهم «أكرره»: ماذا لو عاد مرسى، الذى لا تقبل منصة رابعة بغير عودته؟ وهل يستطيع «واقعيا» أن يحكم الآن، أو أن تحكم جماعته بعد أن وصل ما بينهم وبين كل مؤسسات الدولة إلى ما وصل اليه؟ ماذا سيفعل «واقعيا» الرئيس العائد مع الشرطة التى احتفل رجالها مع المحتفلين بعزله؟ وماذا سيفعل مع الجيش الذى اتهمه بالخيانة والانقلاب عليه؟ وماذا سيفعل مع القضاء الذى ما فتئ يتهمهم بالمشاركة فى المؤامرة؟ وهل هناك، فى العالم «الحديث» كله دولة بلا مؤسسات (!) يعتقد البعض، إجابة عن السؤال بأنه بالإمكان إلغاء الشرطة النظامية، والاعتماد على اللجان الشعبية. ولا يسأل هؤلاء أنفسهم عن ماذا سيكون شكل اليوم التالى؟ أو ماذا سيكون رد الآلاف من رجال الشرطة «المسلحين» على قرار مثل هذا؟ لا يقرأ البعض كثيرا. ولا يتذكرون ماذا فعل بول بريمر بالعراق. وكيف أن الأمريكيين أنفسهم اعتبروا أن بعض إجراءاته كان جريمة كبرى. ويتهور البعض فيتحدث عن تجربة الخمينى فى إنشاء الحرس الثورى، كفصيل موازٍ لجيش الشاه. ولا تستحق الفكرة مجرد التعليق. ثم يستعيد آخرون ما قالوه قبل أشهر عن «المجالس العرفية» التى تحكم بشرع الله، كبديل عن مؤسسة القضاء «الفاسدة»، والفكرة أيضا لا تستحق التعليق. أتفهم مشاعر الصدمة «الكاشفة»، ولكننا، حين نتحدث عن «وطن» سيقلقنا بلا شك كثير جدا مما اكتشفناه. ●●● أما وقد كان ما كان، فأحسب أننا إذا كنا صادقين مع الله ومع النفس فى الإجابة عما سبق من أسئلة «يهرب منها الذين أتوا بالوطن إلى هنا»، فأظننا سنعرف ما هو الحل «الواقعى» للمأزق الذى أدخلونا فيه. قد نختلف فى الإجابات، سواء على الأسئلة الثمانية، أو فى طريق الخروج من النفق. ولكننى أحسب، أو «أتمنى» أننا نتفق على أن الحل لابد وأن يتقيد باشتراطات ثلاثة، ذكرتها هنا مع بداية الأزمة مرارا وتكرارا، ومازلت أراها أساسا «أتمنى» أننا جميعا نوليه ما يستحق من اعتبار: ● أن أمن مصر القومى ووحدة أراضيها فوق كل اعتبار. وأن «تماسك جيشها» وقوته هما الضمان الأول لأمن مصر وشعبها. وعلى الجميع مصريين «وأشقاء» أن يدرك حقيقة أن جيش مصر هو الجيش «العربى» الوحيد الباقى فى المنطقة، بعد أن جرى ما جرى فى العراق وليبيا وسوريا. ● إن عثرات طريق سرنا فيه بعد الخامس والعشرين من يناير لا ينبغى أن تثنينا عن المضى قدما على طريق الديمقراطية الحقيقية لنبنى دولة حديثة معاصرة «لجميع أبنائها بلا استثناء» تليق بمصر فى عالم اليوم. ● إن الاشتراطات الخمسة المتعارف عليها للتحول الديمقراطى Transitional Justice والتى غابت «أو غُيبت» عن المرحلة الانتقالية الطويلة (عامان ونصف حتى الآن) ينبغى أن تعود لمكانها الطبيعى؛ فهما وإدراكا وسياسات، أملا فى أن نلحق بما فاتنا، وحتى لا نبكى مرة أخرى على اللبن المسكوب (راجع «الشروق»: 24 فبراير 2013) ●●● وبعد.. فهذه ثمانى أسئلة، أحسبها، دون تزيد «أسئلة الإخوان الغائبة.. والواجبة». كان بعضها موضوعا لنقاش مع بعض قياداتهم من جيل الوسط، بعد أن فشل أحدهم فى إقناع «أسرى هواجسهم القديمة» بالاستماع إلى صوت العقل، فشكا لى قبل أيام كيف اضطره هؤلاء إلى رفض دعوة «المسئول الكبير جدا» لمشاركة الإخوان «رسميا» فى كل الخطوات المقبلة لبناء دولة مدنية عصرية جديدة لا تسمح بعودة نظام مبارك. ولله وحده الأمر جميعا. وهو وحده (يَهْدِى السَّبِيلَ).