قبل أن تقرأ الفارق بين «مرسى» و«السيسى» هو أن الأول حصن قراراته بإعلان دستورى «استبدادى» والثانى حصن قراراته ب«تفويض شعبى» جارف. فأيهما إذن «الانقلابى» و«الدموى»؟ قلائل هم الذين انفطرت قلوبهم لأحداث «المنصة» التى تأكد أن ضحاياها بالعشرات.. لكن من الذى قتلهم هل هى الشرطة والجيش كما يقول الإخوان.. وعدد من الثوار والنشطاء, الذين رفعوا صورا على «فيسبوك» لضباط شرطة قرب المنصة يصوبون مسدساتهم, وبنادقهم المحملة بقنابل الغاز أثناء المصادمات! وحسنا فعل النائب العام بمنع دفن الجثث قبل مناظرتها من الطب الشرعى, ولكن السؤال البديهى الأول هنا هو من قتل هؤلاء؟ لكن قبل أن نسأل عن «القتلة».. نطرح سؤالا آخر: هو لماذا ذهب متظاهرو رابعة الى كوبرى أكتوبر للسيطرة عليه وقطعه أمام المارة؟ وهل هذا تظاهر «سلمى» (يامستر جون كيرى؟).. إذن فكيف يكون التظاهر غير السلمى؟ والمعروف أن الدكتور مرسى وقنديله المنطفئ ملآ الدنيا طنينا وعجيجا حول تجريم قطع الطرق وكيف أنها ستواجه - أيام حكمهما البائد - بكل حسم.. فماذا عن ذلك الذى حدث يوم السبت عند «المنصة»؟ المتظاهرون يندفعون الى منطقة الخطر بأنفسهم.. مستجيبين لتحريض قيادات «رابعة», وينذرون أنفسهم للموت ليكونوا عند حسن ظن قياداتهم «ياسين» الذى تردد أنه قادهم ونفذ مخططهم, وبينما مات العشرات منهم عاد هو معافى مجللا بأردية الموت البارد السوداء, ينعى انقلاب «الديكتاتور السيسى الدموى».. و«صفوت» - عالقدس مش رايحين الحين!- والذى قال الجمعة إن حدثا جللا سيحدث يوم السبت وسوف يعيد الدكتور مرسى الى عرشه فى اليوم التالى؟!..وإذا فهمنا جيدا تصريحات البلتاجى والعريان والحداد.. سنجد أنها تصب فى اتجاه واحد هو استدعاء «التدخل الأجنبى» ضد مصر لمواجهة «الانقلابيين الدمويين»..استدعاء «وقح».. لا بل «قبيح».. تسانده مع الأسف قيادات كانت تقدم نفسها على أنها رموز وطنية.. وكنا نتغنى بها ونعلى قدرها وكنا «مخطئين»! وليس هذا وحسب هو الموقف المشين ل«الإخوان».. فالأكثر سوءا هنا هو موقف رموز إسلامية مما يفعله الإخوان؟ ولست أدرى مثلا كيف يشيح «العوا» بوجهه عن الخروج المليونى للمصريين فى 30-6 ثم فى 26-7.. وكيف تجاهل أن انقضاض الإخوان على السلطة فى عهد مرسى أدى لإفساد الدولة.. وكيف يا دكتور عوا - ويا شيخ قرضاوى - تتجاهلان «حبس» المعتصمين فى رابعة قسرا وجورا.. وكيف أمكن أن تسكتا على استدعاء الإخوان ل«التدخل الأجنبى»؟ آسف نسيت أن هذا تفكير «قرضاوى», لكنى أستغرب موقف «العوا» الذى لم ينتبه الى أن بين أهم بنود مبادرة «قنديل» «شرط عدم تجميد أموال الإخوان؟ ولم يفكر الرموز التى اجتمعت لأجل المبادرات التى تناقشها وتطرحها الى إدانة حرب العصابات التى تستهدف جيش مصر وتسقط الشهداء فيه كل يوم, على أيدى جماعات الجهاد والتكفير التى وجدت طريقها عبر الأنفاق «الحمساوية» التى تطعن مصر مرتين واحدة بضرب الاقتصاد بالتهريب والثانية بتوريث سيناء للمتطرفين الذين حولوها «قاعدة» ضخمة لهم؟ مبادرة «القنديل المنطفئ» الذى كان يحكم مصر بغباء شديد.. تكشف أنه يمكنه أن يتذاكى لأجل «جماعته, إذ يعرف أهمية «المليارات» لهم.. وهذا يفسر تماما الأهمية التى كانت تمثلها السلطة لهذه الجماعة.. كانت تمثل لهم حماية الأموال الطائلة التى امتلكوها ليشتروا بها كل شيء. بعيدا عن هذه المبادرة «التافهة» يأتى الدكتور «العوا».. الذى يكفيه فخرا دعاءه أن يفك الله كرب مدير جهاز أمن الدولة «أثناء سجنه» وهو الذى كان جهازه وضباطه يذيقون السياسيين والإسلاميين صنوف العذاب فى عهد مبارك! يأتى «العوا» ليشن هجوما كاسحا على الإجراءات التصحيحية التى قام بها الجيش, والتى تحولت بفضل «التحصين» الشعبى الى «أسطورة. كان هدف الإخوان - بعد أن فشلت مليونياتهم التى كانوا يحشدون لها - أن يفسدوا «عرس التفويض» باستدراج الشرطة والجيش الى «مذبحة» لصرف الأنظار العربية والدولية عن هذا الخروج الشعبى, خسة ما بعدها خسة.. ثم إطلاق حملة أكاذيب إعلامية فى عالم مستعد لأن «ينهش لحم مصر.. ثم يتيحون فرصة موازية للتفاوض.. يشيع مناخها حالة من حالات الدعوة الى «مبادرات» من نوعية خاصة, تزعم أنها تمثل حلولا متوازنة للوضع الراهن.. مثل اختيار رئيس وزراء جديد توافقى يفوض «مرسى» صلاحياته «المعزول عن ممارستها» اليه؟ ولم يكلف نفسه السؤال.. ماذا يقول الجيش إذن للملايين التى خرجت الآن؟ وهل لمجرد أنها لا تقتل ولا تسفك الدماء ولا تقوم بالإرهاب.. يجب أن نتجاهل إرادتها؟ وماذا يمكن أن يقول لمن استدعوا تدخله فى 30-6 وفوضوه فى 26-7؟. هؤلاء قوم مغيبون.. يغيبون عن الساحة التى فشلوا أن يكونوا ممن يتصدرون مشاهدها.. فقد اتوكسوا وكسة كبرى أمام صناديق الانتخاب ولم يزد عدد من صوتوا لصالحهم عن مائة ألف.. لكنهم بمبادرتهم وهجومهم الكاسح على الجيش يوفرون فرصة جيدة للتدخل الأجنبى.. وها هو أوباما «يلاعب» مصر مرة بتعليق تسليمنا «إف 16» ومرة بإعلان استمرار مساعدة مصر, ثم يأتى «كيرى» لكى يتحدث عن ضرورة احترام المظاهرات السلمية؟ والأسئلة المهمة هنا هى أين هذه السلمية المزعومة وبركان الغضب الإخوانى يفيض بالبارود و«الآر بى جى» و«الجراد» وحتى الحجارة والزلط والمولوتوف.. وينفجر فى مصر من سيناء - الى حادث المنصة وشبرا وحلوان, وحمام دم «بين السرايات» وسيدى جابر والمنصورة.. وهى ما يعتبرها الشيخ القرضاوى «احتجاجات» تملأ (35) ميدانا فى مصر - لا يزال الرجل قادرا على الإحصاء والعد فى أرذل العمر - مقابل ميدانين فقط لخصوم الاخوان.. هما التحرير والاتحادية؟! بعد أن قرأت: كان لافتا وسط كل هذه القامات(!!) المصرية أن يتعملق «القزم القطرى» على «الجرح المصري» ويطالب (...) بالعودة الى المسار «السلمى» الذى حققته ثورة يناير؟! وكأن مرسى كان رسول الليبرالية السياسية وكأن هم أنبياء الديمقراطية وحراس الدستور الذى يرى «العوا» أنه أصبح «معمدا» بالدم وكان الإخوان هم من يلاحقون وليسوا هم من يلاحق رجال الأمن ويطاردون رجاله فى طول مصر وعرضها مصر من أجل جرهم الى حرب عصابات نهايتها «تدخل أمريكى بامتياز»!