كان لابد أن تنفجر الثورة مرة أخري .لقد بدا أن الأمور تمشي في غير طريقها . ودخل المجتمع الذي بدا مرتاحا جدا وواثقا جدا في أن الثورة ستحقق اهدافها في قضايا خلافية مثل أيهما أولا ، الدستور أم الانتخابات التشريعية والرئاسية . وبدا أن هذا هو السؤال الأعظم ، وهو بالفعل كذلك . لكن فجأة تغير الحال وخرج الثوار إلي الشوارع والميادين في الاسكندرية والقاهرة والسويس ثم امتد الأمر إلي أسيوط وسوهاج وغيرها من المدن . وكان السبب المباشر طبعا هوالهجوم الغبي علي أهالي الشهداء ومن ناصرهم في مسرح البالون أو في طريقهم إلي وزارة الداخلية والمعركة التي استمرت ليلة ونصف نهار في ميدان التحرير بين هؤلاء وبين جنود وضباط وزارة الداخلية والإطلاق الكثيف للقنابل والرصاص المطاطي واستخدام البلطجية بين قوات الشرطة ضد الناس ، ثم حكم إخلاء سبيل الضباط المتهمين بقتل الثوار في السويس ، وتأجيل جميع المحاكمات للضباط المتهمين في كل المدن إلي سبتمبر القادم ، مما جعل القضاء في محل شك أو اتهام . لقد كشفت هذه الأحداث عما كان يغفل عنه الجميع . وهو أن جميع الضباط المتهمين بقتل الثوار مازالوا باقين في أعمالهم ، بل وترقي بعضهم في مناصبه . وهنا تثار اسئلة تحتاج إلي إجابات طال الوقت أكثر مما ينبغي عليها ، ولو كانت هناك إجابات حقيقية قدمت من قبل في هذا الأمر بالذات ما جري هذا كله . السؤال الاول يدور حول تحريات النيابة حول الضباط المتهمين ، فالقاضي في النهاية يحكم بما يتوافر له من تحريات النيابة . هذه التحريات تتم عادة عن طريق الشرطة نفسها ، وإذا كانت الشرطة لا تزال تحتفظ بالمتهمين وترقيهم فكيف ستقدم تحريات محايدة ؟ هذا سؤال لم يجب عليه أحد ولا يستطيع أن يقول أحد أن التحريات في هذه الحالة تكون محايدة . السؤال الثاني هو كيف مضي كل هذا الوقت ولم يصل أحد ، لا النيابة ولا الشرطة ولا المجلس العسكري بما لديه من مخابرات وشرطة عسكرية ، إلي القناصة الذين مارسوا القتل يوم 82 يناير وحتي صباح الأحد 03 يناير ليلا ونهارا . وأقول صباح الأحد لأنه في ذلك الصباح . وكنت أبيت في منطقة عابدين . استيقظنا جميعا فزعين علي صوت رصاص متواصل الساعة السابعة صباحا ، وحين نظرنا من خلف النوافذ رأينا أربع عربات أمن مركزي في وسط كل منها من أعلي فتحة يقف فيها شرطي يطلق رصاصه في الهواء وتجري العربات بلا توقف قادمة من شارع الشيخ ريحان تدور أمام قصر عابدين وتختفي من الميدان وتوسع لها الشرطة العسكرية الطريق .كان واضحا أن بها عددا من قيادات وزارة الداخلية لم تبرحها منذ الأيام السابقة . بعد اختفاء هذه العربات بساعتين ظهر عدد كبير من جنود الأمن المركزي ممن كانوا يخدمون داخل الوزارة في الشارع وعند الميدان وقد خلعوا ملابسهم وبعضهم يبكي وبعضهم يسأل الناس عن الطريق إلي محطة رمسيس . وعرفنا أنهم بعد هروب قادة الداخلية لم يعد هناك عمل لهم ، وأن الجيش الآن قد استولي علي الوزارة ويحرسها . من هم هؤلاء القادة الذين ظل القناصة يعملون في وجودهم ومن فوق وزارة الداخلية منذ الجمعة 82 يناير الي الأحد 03 يناير ؟ الإجابة عن هذا السؤال تصل بنا إلي قناصة هذين اليومين الذين بلا شك لهم علاقة بالقناصة الذين سيظهرون مرة أخري في موقعة الجمل . هل الإجابة علي هذا السؤال صعبة ؟ وهل تحتاج كل هذا الوقت. السؤال الثالث هو أنه في قانون الشرطة نفسها ما يتيح للوزير إيقاف المتهمين من رجاله في القضايا فلماذا لم يوقفهم الوزير منذ وقت مبكر ؟ لقد أعلن الوزير في مواجهة طلب رئيس الوزراء ان يخرج هؤلاء من الخدمة ، أعلن أن القانون لا يتيح إلا ايقافهم فكيف بالله لم يفعل ذلك بل وترقي الكثير منهم ؟ كيف كانوا يعملون بغير مقتضي القانون . قد يكون بعضهم خرج الي التقاعد الآن مع حركة الشرطة التي أعلن انها ستتم مع ظهور هذا المقال لكن يظل السؤال له مشروعيته . استمرارهم في العمل أتاح لهم الفرصة لتغيير معالم الجريمة. السؤال الرابع كيف غاب عن جميع المسئولين ، المجلس العسكري أو الحكومة أن كل شئ يمكن تحمل الإبطاء فيه إلا دم الشهداء . وكيف راح الإعلام الرسمي ، التليفزيون بالذات ، يعمل بنفس الطريقة التي كان يعمل بها أيام مبارك وعادت مفردات مثل أجندة خارجية وغيرها والأخطر هو وصف الثوار وأهل الشهداء والشهداء بالبلطجة. أجل الشهداء أنفسهم ، فمما يعمل عليه المحامون عن المتهمين من الضباط هو فكرة أن الشهداء قتلوا وهم يهاجمون أقسام البوليس أيام الثورة . ياسلام . :كأن المئات منهم لم يسقطوا أمامنا في الشوارع والميادين. والسؤال هنا هو كيف يعود الحكام الي نفس مقولات العهد البائد ويتصورون أن الثوار أو الشعب بالبلاهة التي تجعله يصدقهم . هل يعكس هذا شيئا غير الاستهانة بالثورة والثوار ؟ وهل يفكر عاقل علي وجه الأرض انه يمكن لنفس الأحاديث والاتهامات القديمة أن تأتي بنتيجة. الإجابات عن الاسئلة الثلاثة الأولي لو جاءت في وقتها لتفادينا ما جري . والإجابة عن السؤال الرابع يجب أن تظهر في شكل عملي أساسه سياسة إعلامية تحترم نفسها وليست هذه الأحاديث المنحطة عن البلطجية الذين يثورون في الميدان.