شركة رايثيون الأمريكية تفوز بتوريد أنظمة باتريوت بقيمة 1.7 مليار دولار لإسبانيا    مودرن سبورت يعلن فسخ التعاقد مع مجدي عبد العاطي    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم سيارة ملاكي وربع نقل بقنا    حسام الحداد يُعيد فتح التساؤل في «هكذا تكلم فرج فودة».. حين يصبح الفكر قدرًا    أوضاع العالم في 2025.. توترات أوكرانيا، الملف الأميركي‐الروسي، والأزمات في غزة    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تجربة إطلاق صاروخ "سطح-جو" بعيد المدى    بعد تصريح مدبولي: "لا أعباء جديدة حتى نهاية برنامج صندوق النقد الدولي".. كيف طمأنت الحكومة المواطنين؟    أمم إفريقيا، ترتيب المجموعة السادسة بعد ختام الجولة الأولى    أمم إفريقيا - أبو زهرة: مصطفى وحمدي يشاركان في المران.. والشناوي حقق بطولات أكثر من دول    العودة من جديد.. اتحاد طنجة يعلن ضم عبد الحميد معالي    حل اتحاد السباحة بسبب وفاة اللاعب يوسف محمد وتعين لجنة موقتة    اليوم، البنك المركزي يحدد أسعار الفائدة الجديدة    محافظ الدقهلية ونائبه يطمئنان على حالة المصابين بحادث العقار المنهار اجزاء منه بسبب انفجار غاز    لم يرحم إعاقته، القبض على مدرس لغة عربية هتك عرض تلميذ في الهرم    براءة المدعي عليه لانتفاء أركان الجريمة.. حيثيات رفض دعوى عفاف شعيب ضد محمد سامي    كارم محمود: لم أجد صحفيا مهنيا تورط يوما في انتهاكات أثناء تغطية العزاءات    صفاء أبو السعود من حفل ختام حملة «مانحي الأمل»: مصر بلد حاضنة    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم قريتي اللبن الشرقية ومادما جنوب نابلس    التعليم وتغير قيم الإنجاب لدى المرأة.. رسالة دكتوراه بآداب السويس    مجلس الوزراء: برنامج مصر مع صندوق النقد ينتهي في ديسمبر 2026.. ولا أعباء إضافية    قفزة تاريخية في أسعار الذهب بمصر اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025    رئيس الوزراء: العاصمة الإدارية الجديدة تسجل أعلى معدل إشغال مقارنة بالمدن الجديدة السابقة    بالأسماء، أحكام الإدارية العليا في 49 طعنا على نتائج ال 30 دائرة الملغاة بانتخابات النواب    ترتيب أمم إفريقيا - رباعي عربي في الصدارة عقب الجولة الأولى    محافظ الجيزة يزور الكنيسة الكاثوليكية لتهنئة الأقباط بعيد الميلاد المجيد    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: انتهاء برنامج مصر مع صندوق النقد الدولي بعد عام    كيم جونج أون يشرف على اختبار صاروخ بعيد المدى وبناء غواصة نووية    فوز نصري عصفورة المدعوم من ترامب برئاسة هندوراس بعد تأخير إعلان النتائج    بسبب انفجار أنبوبة بوتاجاز.. انهيار جزئي بعقار سكني بحي شرق المنصورة| صور    لم تحدث منذ 70 عاما، محمد علي خير يكشف "قنبلة مدبولي" للمصريين في 2026    ربة منزل تُنهي حياة طليقها داخل محل عمله بشبرا الخيمة.. التفاصيل الكاملة    خبير مروري لتليفزيون اليوم السابع: تغليظ عقوبات المرور يعالج سلوكيات خطرة    الكرملين يؤكد تمسكه بالمفاوضات السرية لحل النزاع الأوكراني    رابطة العالم الإسلامي تدين الهجوم الذى استهدف أفرادًا من الشرطة الباكستانية    وزير الثقافة: الفنون الشعبية أداة لترسيخ الهوية الثقافية.. والتحطيب تراث إنساني يجسد قيم الشجاعة والاحترام    صاحب فيديو صناديق الاقتراع المفتوحة بعد خسارته: لم أستغل التريند وسأكرر التجربة    العالمي فيديريكو مارتيلو: الموسيقى توحد الشعوب ومصر وطني الثاني    صفاء أبو السعود: 22 دولة شاركت في حملة مانحي الأمل ومصر تلعب دور عظيم    سكرتير بني سويف يتابع أعمال تطوير مسجد السيدة حورية للحفاظ على هويته التاريخية    تحت عنوان: ديسمبر الحزين 2025.. الوسط الفني يتشح بسواد الفقدان    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    الوطنية للانتخابات: انتهاء اليوم الأول للإعادة ب19 دائرة في الخارج    محافظ القليوبية: انتهاء توريد الأجهزة الطبية لمستشفى طوخ المركزي    وسرحوهن سراحا جميلا.. صور مضيئة للتعامل مع النساء في ضوء الإسلام    بحضور مستشار رئيس الجمهورية.. تنظيم اليوم السنوي الأول لقسم الباطنة العامة بطب عين شمس    رئيس جامعة الأزهر: لدينا 107 كليات بجميع المحافظات و30 ألف طالب وافد من 120 دولة    رئيس جامعة المنصورة ونائب وزير الصحة يوقِّعان بروتوكولًا لتعزيز التطوير والابتكار    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن :شكرا توتو وتوتى ..!؟    بعد الاعتداءات.. ماذا فعل وزير التعليم لحماية الطلاب داخل المدارس؟    هل يجوز استخدام شبكات الواى فاى بدون إذن أصحابها؟.. الإفتاء تجيب    ميناء دمياط يستقبل 76 ألف طن واردات متنوعة    190 عامًا من التشريع لرعاية الأطفال.. كيف تصدرت مصر حماية الطفولة عالميا؟    قرار جمهوري بتجديد ندب قضاة للجنة التحفظ على أموال الجماعات الإرهابية    «الصحة» تعلن تقديم أكثر من 1.4 مليون خدمة طبية بمحافظة البحر الأحمر خلال 11 شهرًا    محافظ الجيزة يتابع الاستعدادات النهائية لإطلاق القافلة الطبية المجانية إلى الواحات البحرية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    مواجهة النار.. كوت ديفوار تصطدم بموزمبيق في مباراة حاسمة بأمم إفريقيا 2025    الأسود غير المروضة تواجه الفهود.. مباراة قوية بين الكاميرون والجابون في كأس أمم إفريقيا 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثم ماذا بعد؟ البيزنطيون الجدد
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 07 - 2013

يُحكى أن العدو كان يحاصر المدينة ويدق الأبواب، فى حين كان أهل بيزنطة (1453م) مجتمعين حول الكنيسة منشغلين بجدال عقيم حول الملائكة؛ وإذا ما كانوا ذكورا أو إناثا. فكان الطبيعى أن تسقط المدينة التى كانت قد صمدت فى وجه أعدائها أحد عشر قرنا كاملة.

شىءٌ من هذا يحدث فى مصر الآن، التى انشغلت بتوصيف ما حدث، غير عابئة بأن «الدولة» ذاتها فى خطر، وأن العدو يحاصر المدينة ويدق الأبواب. وأننا مهددون بالعطش والإرهاب فضلا عن عودة نظام فاسد قديم يكشر عن أنيابه بلا خجل أو حرج. بل وأسوأ من كل ذلك «سيناريو سوري» يلوح به ويهدد من أفقدته الصدمة ليس فقط حكمة واجبة، بل وما هو أكثر من ذلك بكثير.

إنقلابٌ.. أم ثورةٌ.. أم استكمالٌ لطريق بدأ فى يناير 2011 ولم يصل غايته بعد؟

سيعكف على الأمر الأكاديميون، وقد فعلوا. أما نحن فسنختلف طبعا، وسيأولها قطعا كلٌ حسب المربع الذى يقف فيه. وسيبقى الثابت الوحيد أن السؤال، هو فى هذه الظروف، ووسط هذه المخاطر والدماء.. «بيزنطي» بامتياز.

لست منشغلا بالبحث فى القواميس عن تعريف لهذا المصطلح أو ذاك. إذ أحسب أن المعانى والنتائج على الأرض أهم بكثير من الأسماء. فليست كل هيفاء دَقَّ خِصْرُها، ولا كل نجلاء واسعة العينين؛ كما تقول معاجم العرب. فضلا عن حقيقة أن تاريخنا السياسى حافل هو أيضا بالأمثلة. فحسب مرويات كُتبت بحبر التعصب والذهب والمذهبية، لم يكن، قديما كل «أمير للمؤمنين» جديرا باللقب، ولا كان حديثا «لملك ملوك أفريقيا» من اسمه أى نصيب.

●●●

لا شيء يسُر فى الإطاحة «هكذا» برئيس مدنى «منتخب»، بعد أن رفضت جماعته «بعناد» العودة «الى الصناديق» فى انتخابات مبكرة كان أول من دعا إليها قياديها القديم عبدالمنعم أبوالفتوح. ثم كان أن رفضت أيضا فى الساعات الثمانية والأربعين الأخيرة «الاحتكام الى الصناديق» فى استفتاء يخرجنا من «حتمية» ما جرى، بتفاصيله التى ما كان يرغب فيها أحد، والتى كان لها أكثر من بديل. ولكنها حالة الإنكار Case of Denial التى تعرفها كتب الطب.

ولا شيء يسُر فى أن ينتهى بنا الأمر الى آخر طريق استقطابٍ خطرٍ حذرنا منه مرارا وتكرارا. فتضيق بنا السبلُ فلا نجد أمامنا حلا «واقعيا» يضمن استقرار هذا البلد ووئام أبنائه.

ولا شيء يسُر فى أن يصبح خطاب المنصات الأهوج، وتفجيرات ورصاصات مريبة هنا وهناك، مبررا لاستدعاء إجراءات استثنائية ستعصف حتما بالحريات وحقوق الإنسان.

وفوق كل ذلك، لا شيء قطعا يسر فى هكذا استهانة؛ «كلمة تحريض أو رصاصة غير منضبطة» بدماء بريئة، سنُسأل عنها حتما يوم نقف جميعا أمام الواحد الديان.

كل ذلك صحيح قطعا. وصحيحٌ أيضا أننا سنختلف؛ بحكم الثقافة والأهواء وزاوية النظر حول التعريف «النظري» لما جرى، أو حول غرور القوة أو العناد الأحمق الذى جرنا اليه، ولكنى أحسب أننا نتفق جميعا على أن البكاء على اللبن المسكوب، أو الانشغال «كليا» بمن سكبه، لا يأتى بالضرورة فى مقدمة أولويات «عاقلة» قد لا تنشغل «الآن» بمن سكب اللبن، أو بالأحرى كسَر الجرة، بل تنشغل «أولا» بالحيلولة دون إراقة مزيد من الدماء، فضلا عن إنقاذ ما تبقى من مكتسبات ليناير 2011 بدا أنها ضاعت بعد عامين ونصف من المؤامرات والأنانية وقصر النظر والعناد، فضلا عن الإدارة «غير الحكيمة» للمرحلة الانتقالية.

●●●

أما وقد انتهى فقيهُنا البشرى (الشروق : 10 يوليو 2013) إلى أننا بتنا أمام «معضلة» تتمثل اختصارا فى استحالة العودة الى ما قبل الثالث من يوليو، والى خطورة التفريط فى المسار الديمقراطى فى آن واحد. فأظن إدراكا «واعيا» بذلك؛ غاب للأسف ربما عن الزاعقين والمتاجرين بدماء أبنائهم، بل وأيضا عن بعض المنزلقين «على الناحية الأخرى» الى أبعد مما قد لا يدركون آثاره ونتائجه، وأحسب أن إدراكا «غير زائفٍ» لحتمية الواقع ومخاوف المستقبل «معا» من شأنه أن يدفع الى الطاولة بالسؤال الأهم. ولعله الوحيد الأولى بالاهتمام الآن: ثم ماذا بعد؟

واقعيا.. ها نحن، وبغض النظر عن تفاصيل «حاولنا تفاديها»، فى طريقنا الى الصناديق فى انتخابات رئاسية وبرلمانية أُعلن عنها وعن توقيتاتها. وعلينا، وبغض النظر عن مرارات تراكمت، وإن كنا نبحث حقا عن مستقبل لنا «جميعا» فى وطن يليق بالقرن الواحد العشرين، أن نذهب اليها «جميعا»؛ بلا تخوين أو تكفير، وأن نحرص على نزاهتها «جميعا». باحثين عن مكان للجميع فى الشمس «الكاشفة» بدلا من خلق مناخ يسمح بعودة النظام المشوه القديم، أو يجد فيه البعضُ ضالته مرتاحا الى لعب دور «الضحية». وهى حالة أيضا يعرفها علم النفس.

وتفصيل ذلك أنه رغم حوار دائر ومهم حول ما كان غير مرة من «عسف» فى استحضار الدين بأفكاره اليقينية المطلقة الى ساحة السياسة بنسبيتها ومرونتها.. مما أساء فى نهاية المطاف الى صورة كليهما (حدث ذلك مثلا فى ربط قسرى بين شريعة الله وشرعية الرئيس، وفى معارضة البعض للرئيس لموقفه من السياحة الإيرانية، وفى ما جرى فى الصالة المغطاة لاستاد القاهرة، فضلا عن ربط «آثم» بين صحة إيمان المرء واتجاهاته التصويتية.. وغير ذلك كثير)، إلا أن إدراكا واعيا لحجم «ظاهرة» الإخوان المسلمين، يجعل من الخطورة التفكير فى استئصالٍ أو إقصاءٍ للمنتسبين اليها، أو إعادتهم مرة أخرى الى «صندوقهم المغلق» بعيدا عن الشمس والهواء. وهما بحكم قوانين الطبيعة الكفيلان بالقضاء على ما يتراكم عادة فى الأماكن الرطبة المظلمة.

يتصل بذلك (بعد أن نُحَذِّر كل من أعمته حساباته عن اعتبارات الأمن القومي) ضرورة أن نَحْذَر من كل ما من شأنه «مستقبلا» أن يمثل نكوصا عن مكتسبات ليناير 2011؛ ملاحقة على الهوية، أو اجراءات استثنائية، أو مصادرة لحريات اعلامية، أو تمهيدا لدولة بوليسية / عسكرية لا تعرف ما عرفه العالم الحديث من حريات وحقوق إنسان. أو عودة لنظام قديم تبدو شخوصه ماثلة تتراقص فى المشهد الغائم غير واضح الأفق.

ثلاث محددات أحسبها لازمة للمستقبل القريب والبعيد:

1 أن أمن مصر القومى ووحدة أراضيها فوق كل اعتبار. وأن «تماسك جيشها» وقوته هما الضمان الأول لأمن مصر وشعبها. وعلى الجميع مصريين «وأشقاء» أن يدرك حقيقة أن جيش مصر هو الجيش «العربي» الوحيد الباقى فى المنطقة، بعد أن جرى ما جرى فى العراق وليبيا وسوريا.

2 أن عثرات الحاضر وارتباكاته «وخطاياه» لا ينبغى أن تثنينا عن المضى قدما على طريق الديمقراطية الحقيقية لنبنى دولة حديثة معاصرة «لجميع أبنائها بلا استثناء» تليق بمصر فى عالم اليوم. ومما يقتضيه هذا أن يصبح الإعلان الدستورى الأخير «استثنائيا»، وألا يتسرب ما فيه من أفكار «استثنائية» الى دستور دائم نحلم به معاصرا وديمقراطيا.

3 إن الاشتراطات الخمسة المتعارف عليها للتحول الديمقراطى Transitional Justice والتى غابت «أو غُيبت» عن المرحلة الانتقالية الطويلة (عامان ونصف حتى الآن) ينبغى أن تعود لمكانها الطبيعي؛ فهما وإدراكا وسياسات، أملا فى أن نلحق بما فاتنا، وحتى لا نبكى مرة أخرى على اللبن المسكوب (راجع «الشروق»: 24 فراير 2013)

●●●

وبعد..

فقد نختلف، ولكننا بالضرورة نتفق على أن لكل نتيجة مقدماتها. وأن الأثر يدل على المسير. وأن من كان يريد رفعة الإسلام فإن «الإسلام حيٌ لا يموت». ومن كان يريد الحفاظ على الوطن، فمصر باقية الى أن يشاء الله. أما من كان يبحث عن شيء آخر فلكلٍ وجهة هو مُوَلِّيها.

هل ما زلنا ننشغل بتعريف ما جرى (!)

وقانا الله شر الجدال، وشر «بيزنطة» التى ما زالت تحلم بتاريخها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.