يحكى أن أهل بيزنطة زمان كان يحاصرهم الأعداء من كل جانب.. وبدلاً من أن يعدوا العدة لمواجهة الأعداء الذين يحاصرونهم انشغلوا بقضية فرعية تافهة هى: هل الفرخة هى التى جاءت أولاً أم البيضة..؟! وأحتدم الخلاف حتى نشبت بينهم معارك يشيب لهولها الولدان.. وانتهزها الأعداء فرصة فدخلوا بيزنطة دون أية مقاومة.. ومن وقتها وحتى الآن ضرب المثل "بالجدل البيزنطى"، الذى لا طائل منه ولا نهاية له..!! بدون زعل: ألا ترون أننا تحولنا جميعاً، وأنا معكم طبعاً، إلى أهل بيزنطة الذين يتجادلون على كل شىء وأى شىء.. فى الوقت الذى يتربص فيه الأعداء بنا من كل جانب..! ألا ترون معى أن الجدل الدائر الآن على الساحة السياسية حول "الرئيس التوافقى"، وعلى الدستور أولاً أم الرئيس، بل والجدل حول التهديد الأمريكى بقطع المعونة عن مصر قد تحول فى مجمله إلى جدل بيزنطى أشبه بالجدل حول "البيضة أولاً أم الفرخة"؟! ففى مسألة الرئيس أولاً أم الدستور.. هناك معارك دائرة لا تنتهى، و"كلام كبير" يسوقه كل طرف، على أن القيامة ستقوم، وأنه ينتظرنا الويل والثبور وعظائم الأمور لو بدأنا بأيهما سواء الدستور أو الرئيس..! وعلى الرغم من أن هذا الجدل قد حسم فعلياً على أرض الواقع بالإعلان عن فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة فى العاشر من شهر مارس القادم، ولمدة شهر، أى أن الرئيس سيكون أولاً وليس الدستور.. إلا أن البعض مازال، حتى هذه اللحظة، يشكك فى جدوى هذه الخطوة وخطورتها على مستقبل مصر.. وحتى أيام قليلة مضت كنت أعتقد أن المصريين جميعاً على قلب رجل واحد فى رفض التهديد الأمريكى بقطع المعونة عن مصر، والاعتماد على قدراتنا الذاتية.. والاستغناء عن أية أموال أمريكية، إلا أننى فوجئت أن هناك جدلاً بيزنطياً حولها.. فالبعض وإن كان قد دعا بالفعل إلى رفض المعونة الملعونة، وبدأ فى جمع الأموال لدعم اقتصاد مصر، حتى يصبح قرارنا السياسى والاقتصادى مستقلاً، وحتى لا تصبح مصر دولة تابعة أو رهينة لأهواء السياسة الأمريكية، إلا أن المعارضين لهذا الطرح، يرون أن رفض المعونة هو سقوط سياسى، خدوا بالكم سقوط سياسى، وأمنى لمصر وأن ذلك يعنى عدم موافقة صندوق النقد الدولى على منح مصر أية قروض لا من الدول الصديقة ولا الدول الشقيقة..! يضاف إلى كل هذا وذاك، كما يقولون، أن إسرائيل ستنتهزها فرصة وستعمل على العودة لاحتلال أجزاء من سيناء مرة أخرى.. شوفوا إزاى..؟! إن هذا وغيره غيض من فيض الجدل البيزنطى الدائر الآن على الساحة السياسية، والذى لا يبدو أن له نهاية قريبة، وهو يشغل البلاد والعباد عن قضايا أهم وتحديات أخطر خاصة فى هذه المرحلة الحرجة فى تاريخ مصر.. إننى أدعو الشعب المصرى العظيم بكل فئاته.. بمفكريه وفلاحيه.. بشيوخه وشبابه.. بقادته السياسيين العظام إلى أن يتوقف عن الجدل العقيم الدائر الآن، وأن يبدأ فى عملية البناء الديمقراطى وتحريك الاقتصاد بعد أن يستلهم دروس التاريخ ويستفيد منها لبناء الحاضر والمستقبل على أسس سليمة، ويجب عليه ألا يغرق فى توافه الأمور حتى لا نتحول جميعاً إلى أهل بيزنطة فننشغل "بتقطيع هدوم" بعضنا البعض فى الوقت الذى يتحين فيه "الجميع" الفرصة ليلتهمونا.. وبالطبع لا أقصد "بالجميع" هنا الأعداء فقط لكننى أقصد من قبلهم ومن بعدهم الأصدقاء والأشقاء العرب.. للأسف..!