كلنا نأمل فى الوصول إلى نظام حكم جديد يكفل الحقوق والحريات وسيادة القانون على الجميع، وأن يجمعنا مبدأ «المواطنة» فى دولة مدنية تسودها الحرية والعدالة والمساواة، وأن يتم فيها تداول السلطة على أساس ديمقراطى سليم.. مع وجود مؤسسات دستورية محددة الاختصاصات ورئيس جمهورية يحقق ويضمن التوازن بين السلطات المختلفة. والمعنى أن هدف المصريين واحد.. واستراتيجيتهم متفق عليها ولكن تكتيكات الوصول لذلك قد تختلف من فصيل سياسى لآخر حتى بين الأشقاء والأزواج وهو ما كشفت عنه الطوابير الطويلة من المواطنين الذين حرصوا على الإدلاء بأصواتهم على التعديلات الدستورية والتى تحدد السيناريوهات السياسية فى الفترة المقبلة. نعم.. هناك من قالوا نعم وهناك من قالوا لا ولكل دوافعه وأسبابه وكلهم مصريون وطنيون وإنما الاختلاف كان بشأن التكتيكات المرحلية للوصول إلىالهدف الواحد.. وهو استقرار البلاد وإقامة حياة سياسية على أسس ديمقراطية سليمة. ولكن أهم ما كشف عنه الاستفتاء هو ظاهرتان هامتان الأولى تتعلق بالصحوة السياسية التى شملت كافة الأعمار والفئات فى مصر ورغبة الجميع فى المشاركة فى تحديد الخطوات المقبلة. وكنا نرى فى الطوابير أسرا كاملة من أب وأم وأبناء «لهم حق التصويت»، أو أطفال، يقفون ساعات طويلة تحت أشعة الشمس المحرقة انتظارا لدورهم فى الوصول إلى الصندوق يقفون بثقة وفخر وملامح الفرحة على وجوههم والبسمة على شفاههم وكأنهم يحتفلون بأحد الأعياد المصرية! أما الثانية فقد كانت الفجوة العميقة بين من يسمون «بالنخبة» وبين البسطاء من أهلنا فى القرى والنجوع المنتشرة فى ربوع مصر. فقد انشغلت النخبة بما يسمى بالجدل البيزنطى على شاشات التليفزيون وصفحات الجرائد والمجلات، بأيهما أولا «الفرخة أم البيضة» أى تعديلات دستورية تمهيدا لإجراء انتخابات عاجلة لمجلسى الشعب والشورى أى للعودة السريعة للبرلمان؟ أم نبدأ بانتخابات رئيس الجمهورية؟ أم نشكل مجلسا رئاسيا لإدارة البلاد لفترة محددة؟ هذا بينما كان أهلنا فى الريف وبعض الحضر أكثر واقعية ووعيا لمتطلبات استقرار البلاد وتسيير دولاب العمل والإسراع بالنمو والتنمية الاقتصادية وذلك ثقة أولا فى قواتنا المسلحة التى تدير البلاد بكل حكمة وعقلانية فى هذه الفترة المؤقتة، واقتناعا ثانيا أن ما تم من تعديلات دستورية كانت مطلبا من جميع فئات المجتمع على مدى السنوات الماضية، هل يمكن أن يختلف أحد فى ضرورة التخفيف من شروط الترشيح لمنصب الرئاسة مع وجود بعض الضمانات لحسن الاختيار؟ فضلا عن تحديد مدة الحكم بما لا يزيد على 8 سنوات فى فترتين متتاليتين فقط، وأن يكون هناك إشراف قضائى كامل على الانتخابات العامة مع وجود ضمانات لفرض حالة الطوارئ مستقبلا إلى جانب الإلزام بضرورة وضع دستور جديد فى مدة زمنية محددة وأيضا اختيار نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية ليحل محل الرئيس إذا اضطررنا لذلك. لقد ترجم أهلنا المثل القائل بأن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.. فالمهم أن نبدأ ولا نضيع الوقت فى جدل عقيم قد لا ننتهى منه مع أن الزمن لا ينتظر! ولذلك حرصوا بغالبية ساحقة على الموافقة على تلك التعديلات لكى ننتقل إلى الخطوة الثانية وهى إصدار إعلان دستورى مؤقت للعمل به فى الفترة القادمة وحتى يكتمل تشكيل كافة المؤسسات الدستورية فى البلاد. وها هى القوات المسلحة تبادر بإصدار الإعلان الدستورى الذى تضمن المواد المستفتى عليها بالموافقة مع بعض المواد الأخرى والتى تسمى مبادئ دستورية عامة تنظم الخطوات الإجرائية فى الفترة المؤقتة ونضع خريطة طريق نحو إصدار دستور جديد. وها هو «السيناريو» يكشف عن خطوات المستقبل، حيث تجرى انتخابات البرلمان فى شهر يوليو القادم، وبعدها يتم انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية من بين أعضاء البرلمان ومن غيرهم من الخبرات المصرية فى كافة التخصصات والذين يزخر بهم المجتمع.. وكان للبعض منهم دور بارز فى وضع الدساتير والقوانين الأساسية فى البلاد العربية الشقيقة وغيرها من البلاد المجاورة، ثم وفى نهاية العام يتم انتخاب رئيس الجمهورية من بين أكثر من مرشح فى انتخابات حرة مباشرة تتسم بالشفافية والنزاهة. وعندها ستكون القوات المسلحة المصرية قد أدت مهمتها بكل أمانة وجدية وسلمت البلاد لسلطات مدنية منتخبة تقود البلاد نحو مستقبل زاهر إن شاء الله.