مازلنا نعشق الجدل البيزنطي رغم سقوط بيزنطة منذ مئات السنين ومازلنا أيضا نعشق الأسطورة الحية في أذهاننا نحن فقط »الفرخة أولا أم البيضة« ورغم متاهات هذا الجدل الذي يخرجنا من الحفاظ علي قدراتنا الذهنية والنظر إلي الأمور ببصيرة ودون سطحية إلا أننا مازلنا نتمسك به ونزيد الجدل جدلا إلي ما لانهاية. لقد جاءت نتيجة الاستفتاء علي إجراء انتخابات مجلس الشعب أولا ثم تشكيل لجنة دستورية لوضع دستور دائم للبلاد وانتخابات رئيس الجمهورية ثانيا بالموافقة بأغلبية تجاوزت ال 07٪ وكان يجب علي النسبة الأخري التي قالت »لا« وطالبت بوضع الدستور أولا قبل إجراء انتخابات مجلس الشعب والرئاسة أن تحترم رأي الأغلبية وتصون حصن الديمقراطية في أول استفتاء اتسم بالنزاهة والشفافية علي مدي 06 سنة. ولكن كالعادة انقلب دعاة الديمقراطية علي الديمقراطية وانطلق صوت الرفض في كل مكان وفي كل حوار متحديا إرادة الاغلبية يدعو مرة ثانية إلي وضع الدستور أولا ومحاولة الالتفاف علي نتيجة الاستفتاء وإحراج المجلس الأعلي للقوات المسلحة ومحاولة الضغط عليه من خلال بعض المظاهرات سواء المليونية أو التي تعد بالآلاف التي تدعو بجانب مطالبها المشروعة إلي وضع الدستور قبل الانتخابات البرلمانية بحجة إعطاء فرصة للأحزاب القديمة لالتقاط أنفاسها ومحاولة زيادة تواجدها بين الجماهير وإعطاء الأحزاب الجديدة فرصة لتكوين قواعد شعبية لها في المحافظات. كلام جميل ومقنع في ظاهره ولكن من جانب آخر فإن إمهال الانتخابات البرلمانية وبالتالي الرئاسية فترة زمنية أخري له تداعياته فهو يطيل فترة إدارة البلاد من خلال المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي يود أن يعود سريعا إلي ثكناته خاصة في ظل التهديدات التي تطلقها إسرائيل بين الحين والآخر عن إعادة احتلال سيناء . ولا يمكن إغفال مدي الاضطرابات التي تحيط بحدود مصر من الغرب والجنوب والشرق الأمر الذي يستدعي أن يعود الجيش لحماية حدود الوطن. إذن نحن أمام طريقين لكل منهما أسبابه الواضحة والصريحة.. لهذا كان يجب أن نفكر ونناقش سبل الوصول الي طريق وسط يلبي احتياجات الطرفين دون المساس بنتائج الاستفتاء ودون إطالة مهمة المجلس الأعلي للقوات المسلحة في إدارة البلاد. هذا الطريق.. هو الالتزام بنتائج الاستفتاء مع زيادة جرعة التواجد الحزبي سواء القديم المعروف لدي الجماهير أو الجديد الذي بات معروفاً أيضا لأن معظمه خرج من رحم الجماعات التي تتسم بأرضية دينية ولها تواجد كبير بين المواطنين. أما عن ائتلاف الثورة فيكفيه من التاريخ أنه صانع الشرارة الأولي في 52 يناير لإزالة نظام فاسد استمر ثلاثين سنة وبالتالي فإن له تواجدا كبيرا بين الجماهير، أما عن المستقلين فهم أصحاب باع ممتد في الانتخابات عبر الدورات السابقة. كنت أفضل أن يكون الحوار عن كيفية وأهمية اختيار مرشح البرلمان خاصة وأن هناك نية لزيادة فاعلية مجلس الشعب لرقابة الحكومة ومساءلة الرئيس وسد أبواب الفساد الذي انتشر بفضل ضعف البرلمان وغياب دوره الرقابي. كنت أتمني أن تنشغل الفضائيات في حواراتها مع المفكرين والمثقفين وعامة الشعب فهم الأصل في اختيار النواب بمواصفات النائب والدور المنوط به أن يؤديه في المجلس مما يساعد المواطنين في اختيار الأصوب لتمثيلهم في المجلس. وفي النهاية وبعيدا عن حكاية البيضة والفرخة فنحن أمام تجربة جديدة.. تجربة نتعلم منها وبالتالي فالصواب والخطأ فيها وارد ومقبول وإلا فلن نتعلم أبدا. علينا ان نخرج من دائرة الجدل ونعتبر أن الدستور »الفرخة« التي كنا نود وجودها أولا هي بين أيدي نواب البرلمان!