(1) الجدل البيزنطي الذي ذكرته صحائف التاريخ.. يعيد نفسه.. ألا لعنة الله على هذا الجدل الذي لا طائل من ورائه..؟ هذا الجدل له قصة.. أحاول أن أستعيدها لكم.. كي نتذكر.. فإن الذكرى تنفع المؤمنين..؟؟!! (2) تعددت الروايات التي كانت السبب في هذه التسمية.. لكني سوف أورد ما أجمع عليه المؤرخون الثقات.. إن الجدل الذي كان بالمدينة أيام كان اسمها (بيزنطة) وقد أطلق عليها لاحقًا اسم القسطنطينية ومن ثم اسطنبول.. قد جرى خلال القرنين الرابع والخامس الميلاديين، وكان يدور حول طبيعة السيد المسيح، وهل هو إنسانٌ أم إله؟! وقد ابتدأ الجدل حول هذا الموضوع قبيل الانتهاء من بناء بيزنطة، ولذا انعقد أول مجمع مسكوني (عالمي) للكنائس فى بلدة (نيقية) القريبة منها، سنة 331 ميلادية، لمناقشة ما يقوله الراهب المصري ذو الأصل الليبي (آريوس) من آراء ملخصها أن المسيح إنسان! وانتهى المجمع بحرمان آريوس وطرده من الكنيسة ونفيه إلى شبه جزيرة أيبيريا (إسبانيا) التي كانت آنذاك هي آخر العالم. إلا أنه وأثناء النظر في الأبحاث التي قدمها، في مواجهة البحث الذي قدمه الأنبا أثناسيوس بلاهوتية السيد المسيح.. وناسوتيته، وقتل أريوس وبعض أتباعه واختفت أطروحته اللاهوتية.. ومن ثم أقر المجمع أطروحة أثناسيوس.. ولم ينته الأمر عند هذا الحد، إذ سرعان ما ثار الخلاف ثانية حول طبيعة السيد المسيح ودلالة كلمات (الطبيعة، الأقنوم، التجسد.. إلخ) فانعقدت مجامع مسكونية كثيرة وحُرم كثيرون من الكنيسة، حتى كان المجمع الذى انشطرت فيه كنائس العالم وصار لكل جهة مذهبها، وهو مجمع (خلقيدونية) الذى انعقد سنة 451 ميلادية، وكان الجدل المذهبي فيه قد بلغ منتهاه.. وفشل المجمع الذي تلاه (القسطنطينية/ بيزنطة 453) في توحيد الرأي وتصفية الخلافات المذهبية التي ثارت في العالم وكانت (بيزنطة) مقر الإمبراطور، هي ميدانها الأول.. وهكذا انتهى الجدل البيزنطى إلى الفرقة والانقسام والعداء بين الكنائس وكان هذا الأمر هو ما فرقهم إلى فريقين وقسمهم إلى نصفين وشطرهم إلى شريحتين.. كبيرتين.. متلاعنتين ... مختلفتين.. متضادتين.. بل متقاتلتين... متجادلتين والسبب كان يكمن في هذا ((الجدل البيزنطي)).. الذي لا طائل من ورائه.. ولعل هذا هو بعينه ما يذكرنا بالآية القرآنية التى نزلت بعد ذلك بقرنين من الزمان، لتقول للناس: { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}. (3) أسوار مدينتهم تحترق وعما قليل ستسقط كل مدينتهم.. وتحتل كل ديارهم.. ويقتل جنودهم.. وهم مشغولون.. يتجادلون جدالًا لم ينته يدورون في حلقات مفرغة ويعودون من حيث بدأوا ... بطرح السؤال.. ولم يصلوا إلى رأي.. ومن بعدها تقاتلوا.. ولم يفيقوا إلا بعد أن أدركهم أعداؤهم.. وتمكنوا منهم.. (4) هاهو التاريخ يعيد نفسه.. وكأننا لم نتعظ بما سطره من قبلنا من دروس وعبر.. تظل تطل علينا بين الحين والحين من صفحات التاريخ.. لو نظرنا الآن إلى حالنا نرى أن التاريخ أبي إلا أن يعيد نفسه مرة أخرى.. ولكن مع تبديل تام وكامل للمواقف وتغيير كامل للأدوار.. وكأننا اليوم في مصر قد عدنا إلى القرن الخامس الميلادي.. ونستحضر أسوأ ما فيه.. لنتجادل في الجدال الموصل إلى لا شيء.. وقد تحولت مصر إلى مصنع كبير للكلام.. ومصانع صغيرة أخرى لتعيد تدوير الكلام الذي يجلب العداوات.. فقد انقسم المصريون إلى طوائف، وفئات وشراذم، وقبائل.. وبدلًا من التعارف والتآلف.. والتوحد مازال ما يجري يجري.. والدماء تسيل.. وقبل أن تجف، تسيل دماء أخرى دواليك.. أخشى ما أخشاه.. أن نفيق على مصرنا وقد ضاعت.. واندثرت.. مثل غيرها من الأمم التي انشغل أهلها بالجدال العقيم.. والتشاحن والتطاحن لا لشيء, إلا للعناد والخصام والكيد السياسي الذي استعيذ بالله منه وممن يسلكون مسلكه.. بيزنطة الجديدة.. أقصد مصر الجديدة في خطر.. فعودوا إلى صوابكم.. فكلكم على باطل .. كلكم على باطل.. والله شاهد عليكم.. (5) وأخيرًا.. أقول لكم.. عمتم مساء.. لأنكم في حال استمراركم في هذا الجدل البيزنطي.. لن يطلع عليكم صبح جديد.. !! حتى تندموا.. طه محمد كسبه [email protected]