مع احتدام الحرب الأهلية فى سوريا هاجر قطاع كبير من رجال الأعمال السوريين إلى مصر، وانتقل نشاطهم الاقتصادى إلى مدن مصرية كالسادس من أكتوبر والعبور، ولكن توجيه الاتهامات من بعض المنابر الإعلامية للسوريين فى مصر بأنهم يشاركون فى التظاهرات المطالبة بعودة الرئيس المعزول محمد مرسى، أشعر الكثير من تلك الاستثمارات بالقلق ودفع بعضها إلى التخارج من السوق المصرية. «البداية كانت مبشرة، فالمصريون استقبلونا بطريقة أشعرتنا بالألفة والطمأنينة مما ساعدنا على الانخراط فى المجتمع فى أسرع وقت» كما يقول (مازن) صاحب مطعم بمدينة أكتوبر، ولكن الوضع فى مصر تغير بعد التحولات السياسية التى جرت عقب تظاهرات 30 يونيو الماضى وتوجيه الاتهامات للسوريين بدعمهم للإخوان المسلمين، كما يروى مازن مضيفا: «الوضع تغير 180 درجة وأصبحنا منبوذين فجأة وتطاردنا اتهامات بالخيانة». وكانت تقارير اعلامية قد اتهمت السوريين بالمشاركة فى تظاهرات انصار الرئيس المعزول محمد مرسى، والذى كانت له مواقف منحازة للثورة السورية، واعتبر البعض أنه إن كان للسوريين مساهمة فى دعم الرئيس الإخوانى فذلك يعد تدخلا فى الشأن الداخلى لمصر، بينما ينفى زائرون سوريون كمازن مشاركتهم فى تلك الفاعليات قائلا: «إنهم يحاسبوننا على ذنب لم نقترفه أو لم يقترفه معظمنا على الأقل». مشكلات حكومة مرسى والانتقالية محمد حبو، أحد المستثمرين الذين غادروا وطنهم سوريا مع تصاعد وتيرة العنف بين نظام بشار الاسد ومعارضيه، كان يخطط إلى ضخ استثمارات فى مجال المنسوجات بمصر مع عدد من الشركاء بقيمة 4 مليارات دولار، تلك المخططات الاستثمارية تزامنت مع تصريحات وزير الصناعة بنظام الإخوان المسلمين، حاتم صالح، بأن الاقتصاد المصرى سيستفيد من استثمارات سورية تبحث عن بيئة امنة فى مصر، «استقبلتنا وزارة الصناعة أنا وعدد من المستثمرين، بوعود كثيرة أهمها توفير الأراضى لإنشاء المصانع، إلا ان هذه الوعود لم يتحقق اغلبها فى ظل حكومة الاخوان» كما يقول حبو مضيفا أن اجواء التوتر ضد السوريين بعد رحيل مرسى زادت من مخاطر الاستثمار فى مصر مما دفعه إلى تجميد مشروعه «اجتمعت علينا مشكلات الاستثمار التى كانت قبل عزل مرسى من عدم توافر الاراضى وصعوبة التراخيص، والمشكلات المستجدة من التضييقات الأمنية على اقامة العمالة السورية فى مصر» بحسب قوله. وكانت استثمارات سورية قد تدفقت إلى الاقتصاد المصرى بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية، حيث أسس السوريون 489 شركة فى مصر خلال الاشهر الخمسة الاولى من العام الحالى، وهو أعلى معدل لتأسيس الشركات من الاستثمارات الاجنبية بمصر خلال تلك الفترة، وفقا لبيانات وزارة الاستثمار. وتركزت انشطة السوريين فى مجالات كالأغذية والملابس الجاهزة والغزل والنسيج، فى مناطق مثل أكتوبر والعبور وبعض مناطق الصعيد. «كان هناك مشروع على سبيل المثال لإنشاء مركز تجارى للحرف والمشروعات السورية بقلب القاهرة، تم تجميده بعد التطورات السياسية الأخيرة» كما يقول حبو، مضيفا أن عددا من المستثمرين السوريين اتجهوا إلى «نقل اموالهم من مصر إلى تركيا والسعودية» عقب أحداث 30 يونيو. حبو الذى كان يخطط لاستثمارات طويلة الأجل بمصر ستساهم فى تشغيل 10 الآلاف عامل بحسب قوله من المحتمل أن يتجه إلى نقل استثماراته إلى بلد آخر صعوبة الحصول على التراخيص اللازمة وكذلك قلقه من إمكانية عدم تيسير اصدار تأشيرة الدخول إلى مصر فى حالة سفره لمهام عمل فى الخارج، «عندما فكرت فى الاستثمار خارج سوريا كانت امامى اختيارات عدة بالذهاب إلى الصين او المغرب او السعودية، ولكننى اخترت الاستثمار فى مصر، والآن يحزننى التخارج من السوق المصرى ولكن الوضع الحالى يحملنا خسارة كبيرة وتعطيل غير معلوم مدته» كما يضيف حبو. وبسبب مصاعب مشابهة لما يواجهه حبو، يتجه مهند عدنان رئيس مجلس إدارة مجموعة «ذكره» السورية والشركة السورية للأقمشة البلاستيكية» بمنطقة 6 أكتوبر إلى التخارج من السوق المصرية ونقل الآلات إلى مصنع آخر تابع للمجموعة فى تركيا، حيث أكد على نيته سحب استثماراته من مصر نهائيا نتيجة لما وصفه بسوء معاملة الأجهزة الحكومية وتباطؤ الاجراءات. الرفض شعبيا ويعتبر اقتصاديون أن تدفق اللاجئين السوريين إلى مصر ساهم فى تنشيط الاستهلاك المحلى بمصر فى ظل التباطؤ الاقتصادى الحالى، حيث اقتصر نمو الناتج الاجمالى خلال الاشهر التسعة الاولى من العام المالى الماضى على 2.3%. بينما يواجه المواطنون السوريون فى مصر حاليا مواقف محرجة فى حياتهم اليومية، بسبب الجدل السياسى الدائر حول موقفهم من محمد مرسى، قد تدفع بعضهم إلى مغادرة البلاد «انا فى القاهرة منذ عام ولم ادخل بتأشيرة عبور، منذ اسبوع دخلت إلى سوبر ماركت فى المنطقة التى اسكن بها لشراء احتياجات العيد، رفض صاحب السوبر ماركت البيع لى لأنى سورية» كما تقول ام سهيل احدى المقيمات السوريات فى مصر، مضيفة «لم نتعامل بمثل هذا الرفض منذ ان وطئنا ارض مصر». وكانت السلطات المصرية قد اتجهت فى الفترة السابقة إلى منح السوريين تأشيرات دخول غير مشروطة وتصاريح إقامة، كما وفرت لهم كامل الخدمات العامة. ولم يشعر السوريون بضرورة ملحة لتجديد تصاريح إقاماتهم المنتهية على النحو المطلوب، الا ان اجراءات الدخول إلى مصر ازدادت صعوبة بعد 30 يونيو، بحسب تقرير للمنظمة العربية لحقوق الانسان الذى أضاف أنه فى الفترة الحالية «يعرب عدد متزايد من السوريين عن تخوفهم من التعرض للاعتقال إذا خرجوا للعلن». واعتبرت المنظمة أن «هناك إصرارا على ترحيل السوريين إلى خارج مصر من دون ترتيب استقبال بلد ثالث لهم، وهو ما يهدد سلامة وحرية الكثير منهم، بسبب مخاطر استقطاب بعض السوريين لصالح أطراف سياسية فى مصر». وتشير تقديرات غير رسمية إلى وجود ما يقرب من 500 الف سورى فى مصر فى الوقت الراهن، 80 ألفا فقط مسجلين لدى المفوضية حتى25 يوليو الماضى، بينما حصل نحو 29 ألفا على مواعيد مؤكدة للتسجيل خلال الأسابيع القادمة. و أكدت المنظمة على رفض السلطات المصرية استقبال مئات السوريين بالمطارات، معتبرة أنه تم استغلال السوريين واستخدامهم ككبش فداء فى مشكلات مصر الداخلية.