المركزي الأمريكي يبقي على سعر الفائدة دون تغيير للمرة الرابعة في 2025    رئيس المنصورة ل"يلا كورة": الزمالك لم يخاطبنا رسميًا بشأن محمد يسري    وزير خارجية الكويت: نأمل في خفض التصعيد بالمنطقة وجهودنا الدبلوماسية لم تتوقف    محللة سياسية أمريكية: معارضة قوية داخل الحزب الجمهوري لتصرفات ترامب ضد إيران    انتهاء عمليات البحث بالمنزل المنهار فى السيدة زينب بعد استخراج 8 جثث    آخر موعد لتقديم مرحلة رياض الأطفال KG1 في القليوبية (الشروط والأوراق المطلوبة)    أسامة كمال: حديث نتنياهو عن امتلاك إيران لسلاح نووي قديم ومكرر منذ 2011    «بتوع مصلحتهم».. الأبراج الثلاثة الأكثر نرجسية    هل يجوز للزوجة زيارة والدتها المريضة رغم رفض الزوج؟.. أمين الفتوى يجيب    ما الفرق بين القرض والتمويل؟.. أمين الفتوى يجيب    تأجيل محاكمة متهمي نشر أخبار كاذبة    حكاية عامل صوَّر السيدات داخل دورة المياه في كافيه بالدقي    الأهلي يرد على العرض الأمريكي لضم وسام أبو علي.. شوبير يكشف    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في جنوب غزة    يوليو المقبل.. حميد الشاعري و3 فنانين يجتمعون في حفلة بالساحل الشمالي    جامعة الأزهر ضمن أفضل 300 جامعة بالعالم وفقًا لتصنيف US NEWS الأمريكي    نكران الجميل.. عامل يقتل رب عمله ويقطع جثته إلى أشلاء بغرض سرقته    الشيخ خالد الجندي: استحضار الله في كل الأمور عبادة تحقق الرضا    خالد الجندي: «داري على شمعتك تِقيد» متفق مع صحيح العقيدة فالحسد مدمر (فيديو)    الجبهة الوطنية يقرر إرجاء المؤتمر الجماهيري بالقليوبية    بعد شائعات الخلاف مع ميدو.. عبد الواحد السيد يكشف ل"أهل مصر" كواليس طلبه الحصول على إبراء ذمة مالية    وكيل شباب الفيوم يستقبل لجنة هيئة تعليم الكبار لتفعيل مبادرة "المصريون يتعلمون"    «فات الميعاد».. صفع متبادل بين أحمد مجدي وأسماء أبواليزيد ينهي الحلقة الخامسة    مينا مسعود يروج لحلقته مع منى الشاذلي بعد عرض فيلمه «في عز الضهر» (مواعيد وقنوات العرض)    ننشر موازنة اتحاد الغرف السياحية.. 54 مليون جنيه إيرادات و26 مصروفات    الرئيس الصيني: يحيط بإيران 20 قاعدة أمريكية بينما يحيط بنا 300    أستاذ علوم سياسية: إسرائيل تمارس «هندسة إبادة جماعية» بحق الفلسطينيين وسط صمت دولي    محافظ الأقصر يتفقد المرحلة السابعة من مشروع سترة السكني    خالد الجندي يوضح الفرق بين قول "بإذن الله" و"إن شاء الله"    رئيس الرعاية الصحية والعلاجية يتفقد منشآت فرع الإسماعيلية    بعد الإقلاع عن التدخين- إليك طرق تنظيف الرئتين من النيكوتين    نقيب المحامين يحذر حكومة الانقلاب : «الرسوم القضائية» غير قانونية وتمثل عبئًا غير محتمل على المواطنين    مان سيتي ضد الوداد.. عمر مرموش يقود تشكيل السيتي في كأس العالم للأندية    مشروعات تعليمية جديدة في قويسنا ومنوف لدعم المنظومة التعليمية    قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أكتوبر2025    إيران تمدد تعليق الرحلات الداخلية والدولية حتى فجر غد الخميس    بيراميدز يقترب من خطف صفقة الأهلي والزمالك (تفاصيل)    رامي جمال يكشف عن فريق عمل ألبومه الجديد "محسبتهاش" وهذا موعد طرحه    الحرب الإسرائيلية الإيرانية تنعكس على الفاعليات الثقافية    ضبط 15 ألف عبوة مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك الآدمي بكفر الشيخ    منتخب مصر يفوز على السعودية في افتتاح بطولة العالم لشباب اليد    محافظ الأقصر يتفقد المرحلة السابعة من مشروع «سترة» بعد تسليمه للمستفيدين    الحكومة توافق على إنشاء منطقة جرجوب الاقتصادية    حصريا ولأول مرة.. قناة النيل للأخبار في هيئة الرقابة النووية المصرية    تعرف علي ضوابط إصدار تراخيص إنشاء المواقع الإلكترونية    مدينة الدواء تطلق الموجة الثانية من برنامج Partners في الزقازيق    تقديم خدمات طيبة علاجية مجانية ل 189 مريضا من الأولى بالرعاية بالشرقية    ضبط 79 مخالفة تموينية متنوعة خلال حملات مكثفة على الأسواق بالفيوم    فليك يجتمع مع شتيجن لحسم مصيره مع برشلونة    محافظ القليوبية يعقد لقاء المواطنين الأسبوعي للتواصل معهم وحل مشاكلهم بشبين القناطر    الأمم المتحدة تدين إطلاق النار على مدنيين يبحثون عن الطعام في غزة    بعد الموافقة النهائية من «الإسكان».. تفاصيل عقود الإيجارات القديمة التي تطبق عليها التعديلات    الصحة: إصدار أكثر من 18 مليون قرار علاج على نفقة الدولة خلال 5 سنوات    الأرصاد تكشف عن ارتفاع درجات الحرارة ابتداء من الجمعة    وكيل لاعبين: الزمالك أهدر 300 مليون جنيه من صفقة انتقال "زيزو" ل نيوم السعودي    كاد يكلف صنداونز هدفا.. تطبيق قانون ال8 ثوان لأول مرة بكأس العالم للأندية (صورة)    ترامب يختتم اجتماعه بفريق الأمن القومي الأمريكي وسط تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران    أطفال الغربية تتوافد لقصر ثقافة الطفل بطنطا للمشاركة في الأنشطة الصيفية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القطيعة الكبرى
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 07 - 2013

بدا السؤال مباشرا واستكشافيا لقيادى نافذ فى جماعة الإخوان المسلمين: «تقولون إنكم الأغلبية.. فلماذا تخشون الانتخابات الرئاسية المبكرة؟».. وكانت إجابته صريحة ومقتضبة وتحمل شيئا من الضيق بمستوى الأداء الرئاسى: «نعلم أنه سوف يخسرها بالثلث».

الاعتراف المثير ورد فى سياق اتصالات خلفية مع معارضين للبحث فى فرص تفاهم يجنب البلد تصدعات جديدة واستبق صعود حملة «تمرد» وتوقيعاتها.

لم يكن مطلب الانتخابات الرئاسية المبكرة مطروحا على «جبهة الإنقاذ» إلى أن حسمت ملايين التوقيعات على استمارة «تمرد» الموقف كله، ومطالبها تلخصت فى تشكيل حكومة كفاءات، ونائب عام جديد، والتوافق على قانون انتخابات مجلس النواب بما يضمن نزاهتها. وكانت اتصالات الجماعة الخلفية أقرب إلى مجسات تحوم حول الملفات دون جداول أعمالها، تتكلم فى المصالحة بلا استعداد لدفع تكاليفها، تتحدث فى تغيير الحكومة قبل أن تنقض كلامها فى اليوم التالى، واللعبة امتدت بنفس آلياتها حتى الخطاب الرئاسى الأخير.

قيادات فى الجماعة اتصلت بشخصيات معارضة تطلب تفاهما سياسيا من حول مطالبها الثلاثة قبل أن يبدأ طوفان يونيو، وخيل للحظة أنها مكلفة بمهمة خاصة فى توقيت حرج قبل أن ينقض فى اليوم التالى الدكتور «محمد مرسى» رسائلها بصورة كاملة فى واحد من أسوأ خطب إدارة الأزمات فى التاريخ الحديث كله.

خطاب إدارة الأزمة بذاته أزمة، البناء مهلهل، الكلام عن لجنة عليا للمصالحة الوطنية تجاوزته الاحتجاجات، وشخصنته لخلافاته نالت من هيبة منصبه، ولغة الوعيد جعلت من الخطاب كله عبئا إضافيا على مستقبله.

مشكلة الاتصالات المتأخرة أن أصحابها ليسوا فى مطبخ القرار الحقيقى، ولا على اطلاع مسبق بما قد يقوله «مرسى»، ولا الجماعة كلها على استعداد للاعتراف بطبيعة الأزمة وحقيقة التطور الجارى فى المجتمع، فالأزمة لم تعد تفاوضا على مطالب ثلاثة بين «إنقاذ» و«جماعة»، ولا ثورة شباب تتجدد فى الميادين يمكن تلخيص طبعتها الأخيرة فى «تمرد»..

مالا تريد الجماعة أن تعترف به أن أزمتها مع مجتمعها، وعبقرية فكرة «تمرد» فى بساطتها، قدمت صيغة تقبلها الناس العاديون ووضعوا ثقتهم فيها، حددت هدفا لاقى إجماعا، لا فى طاقتها التفاوض عليه ولا بوسعها التراجع عنه، نقلت ما تصورته إلى محيطها السياسى والإنسانى، وتمددت الفكرة بصورة مذهلة، وخرجت عن نطاق أصحابها ومبتكريها، والحقيقة الكبرى فى صبيحة (30) يونيو أن المستقبل بتداعياته وسيناريوهاته فى حوزة المواطن العادى.. بقدر إرادته فى التغيير سيحدث التغيير، بالمعنى الحرفى لا المجازى.

فى الاحتجاجات الصاخبة والانقسامات الحادة تتبدى فى خلفية المشهد التاريخى حالة قطيعة اتسعت يوما بعد آخر بين الجماعة ومجتمعها، قطيعة لا مثيل لها منذ تأسيسها عام (1928)، ففى كل العقود والأزمنة استندت الجماعة فى حالات ذيوعها وانتشارها كما فى حالات تراجعها وانكسارها إلى بيئة حاضنة تتجاوز أنصارها المباشرين، ولم يحدث فى تاريخها كله أن وصلت إلى حالة العزلة التى تجد نفسها فيها الآن على مقاعد السلطة. راهنت الجماعة على قسمة المجتمع قبل أن تدفع الثمن من مستقبلها.

الانقسام الفادح نفسه مبرر إضافى لرحيل النظام، فلم يحدث فى التاريخ الحديث كله أن انقسم المصريون على هذا النحو الخطير الذى ينذر باحتراب أهلى، تعهداتها نقضت واحدا تلو آخر وصدقيتها ذرتها الحوادث المتلاحقة. خسرت فى عام واحد ما نجحت فى مراكمته على مدى عقود وظهرت على حال انكشاف مجتمعى فى مواجهات يونيو. اتسعت جغرافية الاحتجاجات إلى مناطق لم تعهدها من قبل وزخمها انتقل من الحواضر الكبرى إلى المدن الريفية وفى أعماق القرى.

فى المشاهد الأولى لاحتجاجات (30) يونيو يتجلى حضور الأهالى قويا وحاضرا، حضور لا ينتسب لتيار بعينه أو حركة معارضة، حضور تلخصه فكرة الغضب على الجماعة وسياساتها ولغة العجرفة عندها وتعاليها عليه ومحاولتها توظيف الدين الحنيف لشهواتها السياسية وأنه قد تعرض لخديعة.

البطل الحقيقى فى (30) يونيو وما بعده هو الرقم المجهول فى اللعبة كلها.

فى حضوره اللافت شىء من حالة تسييس بدأت تترسخ وتستقر فى مجتمع عهد عنه العزوف عن السياسة. وهذه من نتائج ثورة يناير وتفاعلات الأمل والإحباط فيها واكتشاف المصرى العادى أنه يمتلك مصيره فى يده، وأنه يملك تغيير دفة الحوادث وناصية الحكام، قد لا تكون حالة التسييس ناضجة تماما لكنها توحى بمستقبل مختلف، فلم يعد ممكنا، ولا العصر يسمح، أن يحكم البلد بالحديد والنار والأحكام الاستثنائية على ما توعد «مرسى».

فى التظاهرات السلمية قد يتورط فى أعمال عنف، وهذا خطأ فادح يضر بقضيته، فالسلمية شرط حاسم لكسب الصراع على المستقبل، تتملكه مساحات غضب على الجماعة وسياساتها، وهذه الظاهرة ليست عارضة ولا مؤقتة وتطارد الجماعة إلى مستقبلها، ومالا تريد أن تفهمه أن خسارتها لمجتمعها أقرب إلى حالة انتحار تاريخى، وأن ما فعلته بنفسها عجزت عنه النظم السياسية المتلاحقة فى مواجهتها منذ حوادث العنف والاغتيالات السياسية فى الأربعينيات حتى صعودها إلى السلطة التى أفضت شهواتها إلى تقويض صورتها.

المعضلة الرئيسية عند الجماعة عنوانها.. إنكار الحقائق، وقد تصرفت فى إدارة الأزمة كأنها مفتعلة، وكأن (30) يونيو لن يأت، وبغض النظر عما يسفر عنه من نتائج، فإن مصر لا يمكن أن تحكم بهذه الطريقة ولا بوسع نظام فيها أن يستقر على هذا النحو العشوائى الذى يضيق أفقه عن أن يرى ما أمامه.

لا يوجد نظام عاقل يستدعى مرة واحدة وفى يوم واحد ثلاث معارك إضافية قبل مواجهات (30) يونيو، الأولى استدعت أزمة القضاء إلى الواجهة باتهامات مرسلة نالت من قضاة بلا دليل عليها.. والثانية استدعت أزمة الحريات العامة أمام العالم بإجراءات ضد الفضائيات تنذر بفاشية سياسية تلوح فى الأفق.. والثالثة استدعت مخاوف الدولة، ف«مرسى» يخول علنا الوزراء والمحافظين إقالة كل من ينسب إليه تقصير فى الأزمات، وهذا كلام عشوائى لا يصح أن يصدر عن رئيس دولة يفهم معنى الدولة وسلطان القانون.

فالدولة ليست عزبة، والموظف فيها يخضع للقانون، يحاسب ويعاقب بالقانون بإجراءات منصوص عليها، والكلام معناه دعوة المسئولين إلى إحلال قيادات أخرى تتبع جماعة الإخوان المسلمين.

التكالب على توزيع غنائم الدولة ومناصبها والمضى فى مشروع التمكين بغض النظر عن المظالم التى تصاحبه يلخص أزمة نظام فقد صلته بمجتمعه وحقوق مواطنيه وصدقيته فى أية ادعاءات أخلاقية ينتسب إليها.. وإنكار الحقائق وصل أعلى مراحله، كأننا أمام رئيس مأزوم يحاول أن يقنعنا أن الأزمة ليست عنده، يتحرك على مسرح أمام جمهور جُلب ليهتف بحياته بينما شرعيته تتقوض بفداحة، ومستقبله بين قوسين كبيرين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.