هند صبري تستعد لبطولة مسلسل جديد.. وصبا مبارك تواصل النجاحات وتنتظر "220 يوم"    التضخم ما زال مرتفعًا.. والفيدرالي يواصل مراقبة السوق    للعام الثالث.. طب طنطا تحصل على شهادتي الأيزو الجودة والإدارة التعليمية    محافظ الجيزة يشهد افتتاح فندق «حياة سنتريك كايرو ويست» أحد أبرز المشروعات الفندقية    ملفات تقنين الأراضي| تفاصيل اجتماع رؤساء الوحدات المحلية بقنا    إيران.. بدء الموجة ال 13 من عمليات الوعد الصادق بإطلاق صواريخ بعيدة المدى    لماذا هاجمت إسرائيل إيران؟    ماكرون يدعو إسرائيل لضبط أهداف هجماتها على إيران    رئيس كرواتيا: إسرائيل تنتهج سياسة إجرامية بدعم من واشنطن    جوتيريش يجدد دعوته لوقف النزاع بين إسرائيل وإيران    الجيش الإيراني يطلق المرحلة السادسة من هجوم الطائرات المُسيّرة على الأراضي المحتلة    حمدي فتحي: الثقة سلاح الأهلي للفوز على بالميراس    كأس العالم للأندية 2025| الهلال السعودي يصنع التاريخ بالتعادل مع ريال مدريد    نتيجة وملخص أهداف مباراة ريال مدريد ضد الهلال السعودي في كأس العالم للأندية    كأس العالم للأندية 2025| تشكيل مباراة باتشوكا ضد سالزبورج    قبل موقعة بالميراس.. ريبييرو يراهن على عزيمة لاعبي الأهلي    مدرب العين: الأهلي الفريق العربي الأقرب للتأهل للدور الثاني بكأس العالم للأندية    عمرو سماكة: بالميراس سيلعب بعنف أمام الأهلي.. وتريزيجيه وزيزو مفتاح الفوز    كوكا: الأهلي لا يخشى أحدا في كأس العالم للأندية    برقم الجلوس.. رابط نتيجة الشهادة الإعدادية في محافظة دمياط    بالزفة والزغاريد.. مطار الاقصر الدولي يستقبل أول أفواج حجاج الجمعيات    محافظ الدقهلية يتابع جهود المراكز والأحياء في التصدي لظاهرة التلوث السمعي ومصادرة 50 طقم صوت    خبير تربوي: امتحان اللغة العربية هو الانطلاقة الفعلية لماراثون الثانوية.. نصائح مهمة للطلاب    بالأسماء.. إصابة 11 شخصًا بحادث تصادم في البحيرة    بسبب ركنة سيارة.. حبس شخصين بتهمة التعدي على آخر في النزهة    احتفالية لرسم البهجة على وجوه ذوي الهمم بالفيوم.. صور    فيلم "المشروع X" يواصل اكتساح دور العرض المصرية    تامر حسني وهنا الزاهد يتألقان في دور السينما المصرية ب "ريستارت"    غدًا.. افتتاح أولى ليالي "يمين في أول شمال" على مسرح السلام    مشيرة إسماعيل: مفيش فنانة تصلح لتقديم الفوازير زي نيللي وشريهان    عمرو يوسف بطلًا ل«موسم صيد الغزلان» عن رواية أحمد مراد    هيفاء وهبي تحيي حفلا مشتركا مع محمد رمضان في لبنان أغسطس المقبل    حسام صلاح عميد طب القاهرة ل«الشروق»: انتهاء الدراسات الفنية والمالية لمشروع قصر العينى الجديد    "نيوزويك": إسرائيل تسحب قوات من غزة وتنفي وجود نقص في صواريخ "آرو" الاعتراضية    المركز الإعلامي لمجلس الوزراء: خامات الأعلاف المستوردة والمحلية متوفرة.. وأسواق الدواجن واللحوم مستقرة    ضياء رشوان: ترامب لا يحترم إلا من يفرض قوته على المشهد    بعد انهيار «منزل نور الشريف».. 6 أسباب وراء سقوط المباني أخطرها «الرطوبة والعزل»    لجنة السكان بقنا تبحث التدخل السريع لمواجهة "النقاط الحمراء" بأبوتشت ودشنا    ما الفرق بين القرض والتمويل؟.. أمين الفتوى يجيب    آخر موعد لتقديم مرحلة رياض الأطفال KG1 في القليوبية (الشروط والأوراق المطلوبة)    هل يجوز للزوجة زيارة والدتها المريضة رغم رفض الزوج؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: «داري على شمعتك تِقيد» متفق مع صحيح العقيدة فالحسد مدمر (فيديو)    جامعة الأزهر ضمن أفضل 300 جامعة بالعالم وفقًا لتصنيف US NEWS الأمريكي    الشيخ خالد الجندي: استحضار الله في كل الأمور عبادة تحقق الرضا    البابا تواضروس لرئيس وزراء صربيا: الأراضي المسيحية المقدسة موجودة في فلسطين ومصر    «فات الميعاد».. صفع متبادل بين أحمد مجدي وأسماء أبواليزيد ينهي الحلقة الخامسة    خالد الجندي يوضح الفرق بين قول "بإذن الله" و"إن شاء الله"    الجبهة الوطنية يقرر إرجاء المؤتمر الجماهيري بالقليوبية    محافظ الأقصر يتفقد المرحلة السابعة من مشروع سترة السكني    حيل نفسية لكسر حاجز القلق والخوف من الامتحانات.. تعرف عليها    بعد الإقلاع عن التدخين- إليك طرق تنظيف الرئتين من النيكوتين    وزيرا قطاع الأعمال والاستثمار يبحثان الترويج للاستثمار بالغزل والنسيج    مشروعات تعليمية جديدة في قويسنا ومنوف لدعم المنظومة التعليمية    حصريا ولأول مرة.. قناة النيل للأخبار في هيئة الرقابة النووية المصرية    تقديم خدمات طيبة علاجية مجانية ل 189 مريضا من الأولى بالرعاية بالشرقية    الأمم المتحدة تدين إطلاق النار على مدنيين يبحثون عن الطعام في غزة    جامعة القناة تطلق دورة لاستراتيجية والأمن القومي 19 يوليو المقبل    بعد الموافقة النهائية من «الإسكان».. تفاصيل عقود الإيجارات القديمة التي تطبق عليها التعديلات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث مجزرة القضاء
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 04 - 2013

تتنازع جماعة الإخوان المسلمين فكرتان متناقضتان.. أولاهما، تدعو على خفوت إلى شيء من التوافق الضرورى.. وثانيتهما، تمضى فى صخب إلى مواجهات شوارع وصدامات بين مؤسسات الدولة. الفكرة الأولى تستشعر حقائق مأزقها المستحكم بلا استعداد جدى لدفع تكاليف خفض احتقاناته.. والفكرة الثانية تراهن على «مشروع التمكين» بلا قدرة على تحمل تداعياته.

فى المأزق وحوله راهنت الجماعة على إمكانية الجمع بين توافق بلا تكاليف وتمكين بلا تداعيات فيما سميت «جمعة تطهير القضاء».. فالحكم القضائى بإخلاء سبيل الرئيس السابق «حسنى مبارك» فى قضية قتل المتظاهرين يفسح مجالا لعودة مشتركة مع جماعات الشباب للميادين تحت رايتها.. والاحتجاج نفسه يفسح مجالا آخر لاستصدار قانون جديد للسلطة القضائية من مجلس الشورى الذى تهيمن عليه باسم الثورة والتطهير يفضى إلى تقويض الهيئة القضائية ووضعها تحت الوصاية، وهذه خطوة متقدمة فى «مشروع التمكين».

الرهانات بدت كحلم ليلة صيف بالتعبير الشكسبيرى الشهير، فلا جماعات الشباب انضمت، ولا تيارات المعارضة أيدت، ولا قوى إسلامية عديدة وافقت، وذهبت الجماعة شبه وحيدة إلى محيط دار القضاء العالى تتوعد وتنذر بالانقضاض على القضاء قبل أن تدخل فى مواجهات شوارع دامية جرت وقائعها مع شباب تصورت أنهم يمكن أن ينضموا إليها.

الرهان نفسه فيه خداع نفس قبل أن يكون خداعا للآخرين، فالشكوك اتسعت والكراهية تزايدت بالوقت مع قطاعات واسعة من الرأى العام، والمواجهات الدموية مع جماعات الشباب واحدة إثر أخرى ولدت ثأرات يصعب تطويق آثارها بنداءات تفتقد صدقيتها وكلام عن الثورة بلا سياسات تسنده.

لم يكن ممكنا القفز فوق الحقائق بأحلام ليالى الصيف فوق جبل المقطم، فللغضب تجربته المريرة، وللتجربة نفسها دروسها، ومن بينها توظيف طاقة الثورة والتمرد والغضب، روح يناير نفسها، لمقتضيات مصالح الجماعة فى محطات عديدة وحصد الجوائز وحدها فى نهاية المطاف.

حقائق ما جرى فى الموقعة الدموية التى رافقت جمعة «تطهير القضاء» ناقضت أمنيات الجماعة فى أن تجمع فى سلة واحدة «الثورة» بشعاراتها و«التمكين» بسيناريوهاته.

الرهانات تدعو للتساؤل عن قدرات الجماعة ومستويات الكفاءة فيها، التى يبدو أنها تمثل الآن صدمة استراتيجية فى مصر والعالم معا. الدكتور «محمد مرسى» فى حواره مع فضائية «الجزيرة» ألح بلهجة أخرى على الرهانات ذاتها، ف«الشباب فى القلب»، و«هم الثورة وقوتها»، والكلام تناقضه الصور عن ملاحقات أمنية وصدامات بالخرطوش فى محيط دار القضاء العالى بين الجماعة «التى يعتز بالانتماء إليها» والشباب «الذين هم الثورة نفسها».. والتصرفات تناقض التصريحات فى كلامه عن المعارضة التى وصفها بأنها مقدرة ومحترمة، الكلام إيجابى والتصرف تصعيد فى الأزمة، فهو يغض الطرف عن طلبها تشكيل حكومة كفاءات تتمتع بحيادية تخولها الإشراف العام على الانتخابات النيابية بنزاهة، وبما يوفر «هدنة سياسية» تحتاجها مصر لاستعادة الأمن ووقف التدهور الاقتصادى.

التفكير داخل الصندوق، صندوق الجماعة ومشروعها للتمكين، يحول عمليا دون فكرة التوافق الضرورى، فالتعديل الوزارى المحدود تأكيد للرؤية التى تحكم الجماعة، بلا استعداد لمراجعة، والمعنى هنا أن قرار استصدار قانون السلطة القضائية سوف تحكمه هذه الرؤية المتعسفة إلى نهايات اللعبة. فى مسألة الحكومة بدت اللعبة رسالة معلنة إلى الغرب وضغوطاته المتعاقبة من الخارجية الأمريكية والاتحاد الأوروبى واصلة إلى صندوق النقد الدولى: «قمنا بتعديل وزارى باعتبارات الكفاءة»، ولا يمكن أن نقوم كل يوم بتعديل جديد تحت الضغوط الداخلية.

المعنى أن التعديل الوزارى بالطريقة التى يجرى بها يفضى إلى تعميق الأزمة الداخلية والذهاب بها إلى صدامات جديدة القضاء فى مقدمتها، والدكتور «مرسى» تجنب أية إدانة بأية درجة للإساءات الجزافية التى لحقت بالقضاة فى تظاهرات نظمتها الجماعة التى ينتسب إليها، وغض الطرف عن احتجاج المجلس الأعلى للقضاء على تلك الهتافات المسيئة، وتنصل فى الوقت نفسه من أية مسئولية عن استصدار تعديلات على قانون السلطة القضائية من مجلس الشورى يخفض سن التقاعد إلى ستين سنة.. فهو على رأس السلطة التنفيذية ولا يتدخل فى أعمال السلطة التشريعية، وعندما سئل: «ما موقفك أنت؟»، بدا السؤال موجها لغير صاحبه، لم يحر جوابا، وبدا أنه لا يملك قراره.. والكلام كله أقرب إلى سخريات السياسة، فالشعار «تطهير القضاء» والتعديل يقتصر على إحالة كل من هو فوق الستين إلى التقاعد، ليس لأنه فاسد أو متهم بفساد، بل لخلخلة الهيئة القضائية بما يسمح تاليا بالهيمنة الكاملة عليها، ووصلت مأساة المشهد إلى حد الدعوة فى تظاهرات «التطهير» إلى إقالة وزير العدل والإبقاء على النائب العام، الأول زكى الثانى، وكلاهما اقترب من الجماعة وتماهى مع توجهاتها، لكن الأول أقلقه ضميره أن يوافق على مجزرة بحق نحو ثلاثة آلاف قاض فى يوم واحد وقال إنه سيستقيل، بينما الثانى مستعد أن يلتزم بما تريده الجماعة رغم حكم قضائى بعدم أحقيته فى تولى موقعه. لا قواعد قانونية تحكم التصرفات التى أفلتت من عقالها مهددة بأخطر مجزرة بحق القضاة فى التاريخ الإنسانى كله، فهى لا مثيل لها، وما سميت بمذبحة القضاء عام (1969)، فى أوضاع وظروف مختلفة، شملت (43) قاضيا، بالعشرات لا بالآلاف، ومع ذلك فإنها نالت بفداحة من التجربة الناصرية بكل إنجازاتها الكبيرة. فى حديث مجزرة القضاة إشارات على المستقبل وسيناريوهاته المتناقضة، لم تكن قضية الثورة من دواعى تظاهرات تطهير القضاء، لكنه القلق على المستقبل الذى ينتظر جماعة أخفقت فى إدارة الدولة، أزمتها تتفاقم، وشعبيتها إلى تراجع، وبات الفشل عنوانا رئيسيا للنظام أو «شبه النظام» الحالى، وصورة «مبارك» وهو يبتسم من خلف قفص الاتهام ملوحا بيديه لعدد من أنصاره استدعت فزعا فى الجماعة وأنصارها، وهذا بذاته اعتراف بأن النظام الجديد لم يؤسس شرعية، ولا استتبت له قواعد، ومعنى الفزع من رجل هو من الماضى أن الجماعة وأنصارها فى مشكلة مع الحاضر والمستقبل، شهوات السلطة تستبد بها بلا كفاءة تبررها وطلب التمكين تعترضه حركة مجتمع أكثر تنوعا من أن تلخصه جماعة أو أن يحتويه تيار.

الحكم القضائى بإخلاء سبيل «مبارك» استدعى فى وقت واحد أشباح الماضى وشهوات السلطة، المخاوف صاحبت الشهوات إلى محيط دار القضاء العالى، وارتفعت الشعارات تندد بالقضاء ورجاله، رغم أن الحكم وافق صحيح القانون الذى يضع سقفا زمنيا إجباريا للحبس الاحتياطى لا يملك أى قاض أن يتجاوزه، والنص بذاته إنجاز قانونى جدير بالاحترام والحرص عليه جرت صياغته عام (2006)، واستفادت منه قيادات فى الجماعة نفسها. هذه قضية لا يصح أن تخلط الأوراق فيها بين اعتبارى القانون والثورة، فللقانون العادى قواعده، وللثورة حساباتها التى كانت تقتضى محاكمة «مبارك» على انتهاكات نظامه لمدى ثلاثة عقود متصلة، لا على ثمانية عشر يوما الأخيرة فى عهده، وأن يكون الهدف الرئيسى التعرف على حقيقة التجريف السياسى والاقتصادى الذى جرى والتنازلات الخطيرة فى مسألة الأمن القومى تصحيحا للتاريخ وتعلما لدروسه بما يمكن البلد أن تدخل مرحلة جديدة من تاريخها وأن تؤسس نظاما سياسيا مختلفا تستحقه، لكن لم يحدث ذلك وعاد النظام إنتاج نفسه بوجوه جديدة.

اللجوء إلى المحاكمات العادية فى أمور بطبيعتها استثنائية أوصلتنا إلى ما نحن عليه محملا القضاة فوق طاقتهم، فالقضاة يحكمون بالقوانين وفق الأوراق التى تعرض عليهم، والاتهام الجزافى للقضاة بالفساد ينطوى على هدم عمدى للسلطة القضائية، فلا اتهام بلا دليل، ولا حكم قبل تحقيق، وهذه مهمة يتولاها القضاء بنفسه عبر أدواته بلا تدخل من سلطة تنفيذية تفرض هيمنتها عليه.

الجماعة تعمى عيونها عما ترى وتصم أذانها عما تسمع، تستغرقها الصدامات المفتوحة مع مؤسسات الدولة الرئيسية واحدة إثر أخرى، وأولها الهيئة القضائية، فى الأزمة مع الجيش: كر وفر، وفى الأزمة مع القضاة: هجوم متواصل.. وفى الأزمات الأخرى مع «الأزهر» و«الكاتدرائية» و«الإعلام» مشروعات تطويع، الأزمات المعلنة ينفيها الدكتور «مرسى»، فهو يحترم «القضاء وأحكامه» والتطهير يحدث من داخله، ولا أزمة مع الجيش ف«نحن واحد»، ولا فتنة طائفية فى مصر، ولا أزمة مع الإعلام. اللهجة تصالحية لكن تعوزها مصداقية وأن تسندها سياسات، فلا أحد فى العالم مستعد أن يصدق أقوالا تناقضها التصرفات، وما يجرى فى الدولة المصرية «قمع منهجى» لتطور المجتمعات المدنية والمؤسسات الديمقراطية على ما أشار التقرير السنوى للخارجية الأمريكية عن وضع حقوق الإنسان فى العالم.

معركة القضاء حاسمة حقا فى تقرير المستقبل المصرى، فإما أن يكون منفتحا على عالمه وعصره ومتسقا مع طبيعة ثورته، وإما تأخذه مجزرة القضاة إلى تفكيك الدولة والدخول بعدها إلى مصائر مرعبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.