أسعار الفاكهة اليوم الخميس 19-6-2025 في قنا    الجيش الإسرائيلى: هاجمنا مفاعلا نوويا فى أراك الإيرانية ومنشأة فى نطنز    حالة الطقس اليوم الخميس 19-6-2025 في محافظة قنا    وكيل تعليم الغربية: الاستقرار والهدوء يسود جميع لجان الثانوية العامة بالمحافظة    "رغم التصالح".. نظر معارضة نجل محمد رمضان على حكم إيداعه دار رعاية    "لهيب الجحيم".. إصابة شاب سقط من علو في عين شمس    "القاصد" يعلن حصول مستشفى معهد الأورام بجامعة المنوفية على الاعتماد من "GAHAR"    فريق طبي بجامعة أسيوط ينجح في إنقاذ حياة شاب من الموت بعد إصابته بطعنة نافذة فى الرقبة    مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص يشاركون الحكومة في دعم ذوي الهمم    صباح اليوم.. إيران تباغت إسرائيل بهجمة هي الأقوى منذ بداية الحرب    وزير خارجية إيران: إسرائيل ستدفع ثمن هجماتها علينا    رويترز: جنيف تحتضن اجتماع أوروبي إيراني لبحث الملف النووي الإيراني    الأهلي وبالميراس في ال7 مساء بتوقيتنا وتريزجيه غير ممنوع وزيزو كلمة السر    بونو يحصل على التقييم الأعلى في تعادل الهلال وريال مدريد    3 لاعبين.. تعرف على غيابات الأهلي أمام بالميراس في كأس العالم للأندية 2025    "الأهلي وصراع أوروبي لاتيني".. جدول مباريات اليوم الخميس والقنوات الناقلة    بعد رسوب جميع الطلاب باستثناء طالبة فقط.. تحرك عاجل من «تعليمية الواسطى» ببني سويف    انخفاض سعر الذهب اليوم في مصر ببداية تعاملات الخميس    سعر الدولار مقابل الجنيه ببداية تعاملات البنوك اليوم    مشروع قانون الإيجار القديم: معايير وضوابط تقسيم المناطق المؤجرة للغرض السكنى    النشرة المرورية.. كثافات متوسطة للسيارات بمحاور القاهرة والجيزة    إسعاف الاحتلال: ارتفاع عدد المصابين إلى 70 شخصا جراء الهجوم الإيرانى    إعلان الفائزين في بينالي القاهرة الدولي الثالث لفنون الطفل 2025    هيفاء وهبي تعلن عن موعد حفلها مع محمد رمضان في بيروت    من فاتته صلاة فى السفر كيف يقضيها بعد عودته.. الأزهر للفتوى يجيب    متوسط التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات على خطوط السكة الحديد    حصول محطة الصرف الصحى بطما فى سوهاج على شهادة الادارة الفنية المستدامة    الصحة: الولادة القيصرية غير المبررة ترفع خطر إصابة الأطفال بالتوحد 4 أضعاف    عمرو يوسف بطلاً ل«موسم صيد الغزلان».. تأليف أحمد مراد وإخراج أحمد المرسي    مجلس مدينة الفتح والحماية المدنية بأسيوط يزيلان واجهة مخزن تجميع زيوت.. فيديو    برعاية ماكرون.. باريس تستضيف القمة الاقتصادية لاتحاد المصارف العربية غدًا    إصابة شخص في مشاجرة بقاعة أفراح خلال حفل زفاف بسوهاج    حالة الطقس في السعودية اليوم الخميس 19 يونيو 2025    سفير باكستان يزور مدينة الإنتاج الإعلامي بالقاهرة    إعلام عبري: 7 صواريخ إيرانية على الأقل أصابت أهدافها في إسرائيل    خطورة نقص الكالسيوم وفيتامين د على الحامل وأهم الأعراض    فوائد التين البرشومي، فاكهة الصيف الذهبية تعزز الذاكرة وتحمي القلب    بوتين يٌبدي استعداده للقاء زيلينسكي لكنه يشكك في شرعيته    طرح البرومو التشويقي الأول لمسلسل «220 يوم» (فيديو)    زيزو يوضح حقيقة الخلاف حول ركلة جزاء تريزيجيه    تزمنًا مع ضربات إيران وإسرائيل.. العراق ترفع جاهزية قواتها تحسبًا لأي طارئ    حزب الله بالعراق: دخول أمريكا في الحرب سيجلب لها الدمار    ملف يلا كورة.. ثنائي يغيب عن الأهلي.. مدير رياضي في الزمالك.. وتحقيق مع حمدي    إسرائيل: منظومات الدفاع الجوي الأمريكية اعترضت موجة الصواريخ الإيرانية الأخيرة    هل الحسد يمنع الرزق؟.. الشيخ خالد الجندي يوضح    خالد الغندور يكشف صدمة للأهلي بسبب مدة غياب طاهر    من قال (لا) في وجه من قالوا (نعم)؟!    دور الإعلام في نشر ودعم الثقافة في لقاء حواري بالفيوم.. صور    سماوي: مهرجان جرش في موعده وشعلته لن تنطفئ    بين الاعتراض على الفتوى وحرية الرأي!    «مصر للطيران للأسواق الحرة» توقع بروتوكول تعاون مع «النيل للطيران»    17 صورة من حفل زفاف ماهيتاب ابنة ماجد المصري    المغرب 7,57م.. أوقات الصلاة في المنيا والمحافظات الخميس 19 يونيو    السفير السعودي بالقاهرة يلتقي نظيره الإيراني لبحث التطورات الإقليمية    ما حكم سماع القرآن أثناء النوم؟.. أمين الفتوى يجيب (فيديو)    ريبييرو: مواجهة بالميراس صعبة.. وسنبذل قصارى جهدنا لتحقيق الفوز    هل يجوز للزوجة زيارة والدتها المريضة رغم رفض الزوج؟.. أمين الفتوى يجيب    الشيخ خالد الجندي: استحضار الله في كل الأمور عبادة تحقق الرضا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة شرعية مبكرة
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 10 - 2012

لصدامات ميدان التحرير كشف حساب آخر يتجاوز الرئيس ومائة يومه الأولى إلى أزمة شرعية بدأت تطل على احتقانات المشهد السياسى.

ما جرى فى الميدان من مبارزات بالحجارة وجولات كر وفر ووقائع اعتداءات جسدية وفرقعات دوت فى جنباته استنساخ لصدامات أخرى شهدها الميدان ذاته على عهدى «مبارك» و«العسكرى». المواجهات الخشنة لخصت أزمة الشرعية فى الحالتين. صور «موقعة الجمل» عبرت عن أزمة نظام فقد شرعيته، ومعها أحقيته الأخلاقية فى الحكم، عندما تصور أن بوسعه إجهاض ثورة جيل جديد يتصل بعصره بوسائل تنتمى إلى العصور الوسطى. انتهى كل شىء عندها والتفاصيل استغرقت أياما أخرى لإعلان سقوط النظام كله.

صورة واحدة أخرى فى موقعة «مجلس الوزراء» كرست سقوط «العسكرى»، دوت رسائلها فى العالم كله ملخصة بشاعة المواجهات بضرب على جسد سيدة تعرت. انتهت شرعية «العسكرى» وأحقيته الأخلاقية فى الحكم فى هذه اللحظة، والتفاصيل استغرقت شهورا تالية لإعلان نهاية دوره فى الحياة السياسية. الأحقية الأخلاقية تسرى فى روح الدساتير والقوانين والشرعيات، لا تُرى لكنها القوة المعنوية فى فكرة القبول العام.

فى صدامات التحرير دخل سؤال الشرعية طرفا فى الاحتقان السياسى.. وهو سؤال يحاصر النظم قرب نهاياتها لا عند البدايات.

الهتافات الغاضبة تحت وقع المواجهات الدامية نزعت عن الرئيس «محمد مرسى» صلاحيته أن يكون رئيسا لكل المصريين، شككت فى أحقيته الأخلاقية فى الحكم، فالمنتسبون إليه يقمعون منتقديه بدرجة العنف ذاتها التى استخدمها النظام السابق، ويسعون إلى اصطناع فرعون جديد لا يُنقد ولا يحاسب، لا على مائة يوم مضت ولا على الأيام والشهور والسنين التى تليها.

الرئيس بدا مرتبكا فى قراراته وضغوط جماعته تسحب من رصيد شرعيته. تناقضت سياساته مع وعوده.

احتجاجات التحرير تصدرتها قوى وتيارات منحته ثقتها فى صناديق الاقتراع داعية من جديد إلى «إسقاط النظام». الهتافات بذاتها استنساخ لدعوات إسقاط «مبارك» و«العسكرى».

فى المشهد انقسام يتسع بين فريقين ومعسكرين و«فسطاطين» كلاهما «يشيطن» الآخر. بدأت تتسع عملية «شيطنة الإخوان» على شبكة التواصل الاجتماعى كرد فعل لشيطنة مماثلة للقوى اليسارية والليبرالية على ذات الشبكة. يدفع الإخوان هنا ثمنا باهظا لاستباحة الآخرين، فلا يمكن أن تستمر فى الاستباحات دون أن تلحقك شباكها. الرئيس يتحمل المسئولية الأولى فى التدهور السياسى الجارى. لم يلتزم بوعوده الموقعة بتشكيل حكومة ائتلاف وطنى، أو تعديل بنية الجمعية التأسيسية لتكون أكثر تعبيرا عن التوافق الوطنى. الثمن يدفعه الآن:

الاقتصاد يترنح وتكاليف إدارة أزمته باهظة، الوضع الإقليمى يشتعل والقدرة على إدارته وفق المصالح الوطنية تتطلب وضعا داخليا متماسكا، وهو أمر مستبعد فى ظل الانقسام السياسى الحاد.

فى مواجهة الأزمات التى تعترض مشروع الهيمنة على الدولة اندفعت الجماعة لإجهاض جمعة «كشف الحساب» مستخدمة العنف المنهجى لإرهاب التيارات الأخرى. غير أن للقوة حدودها، وقد أفضت المبالغة فى قدراتها إلى واحدة من أخطر الهزائم السياسية التى تلقتها، هزيمة لم يكن لها مبرر ألحقتها بنفسها بلا تدبر. الصور وتأثيراتها هزت الجماعة من الداخل، حاولت أن تتبرأ من الأحداث كلها، وأن تنفى أن لديها مليشيات مدربة. تواترت تصريحات قيادات فى الجماعة و«الحرية والعدالة»: «لسنا مسئولين عن الدماء التى سالت»، الكلام فيه مراجعة ولكنها ناقصة. من إذن الذى أسال الدماء.. من يتحمل مسئولية ما جرى من عنف ذهب ضحيته أكثر من (120) مصابا؟. إنه الطرف الثالث مرة أخرى.

نفس النظرية التى سادت أثناء حكم «العسكرى».. نفس الحجة التى استخدمت للتحلل من المسئولية.

الإدارة السياسية تخبطت فى صدامات التحرير.

الرئيس غض الطرف عن وقائعها، الدولة غابت مع أمنها والجماعة تولت قمع معارضيها.

لم تكن جمعة «حساب الرئيس» خطيرة إلى هذا الحد الذى استثار نوازع العنف والخوف معا لدى الجماعة، لم تكن هناك تحضيرات كافية سبقتها، ولم تكن هناك رهانات كبيرة على فرصها فى الحشد والتعبئة لكن عنف الجماعة استدعى ذاكرة الميدان وتدافعت قوة الأجيال الجديدة الكامنة للمواجهة.

حاولت الجماعة أن توظف حكم البراءة الجماعية فى «موقعة الجمل»، وهو صادم للأطراف والجماعات الثورية كلها، لتغيير جدول أعمال تظاهرات التحرير: لا نقد للرئيس ولا اعتراض على الجمعية التأسيسية، وتبنى ملف آخر عنوانه: «عزل النائب العام»، رغم أنه لم يقم بالتحقيق فى هذه القضية، التى تولاها قضاة تحقيق انتدبهم وزير العدل السابق.

بدا أمام القوى الليبرالية واليسارية أن الجماعة تريد إطاحة النائب العام للانقضاض على الهيئة القضائية والإمساك بمفاصلها. الكلام هنا يتعلق بترتيبات الدولة أكثر من أى شىء آخر، وأن من يتحدث عن تطهير القضاء يقصد الهيمنة عليه. المواقف المبدئية تداخلت فيها السياسة وحساباتها المتحركة. وهذا وضع مرشح للتفاقم، فكل قضية موضوع نزاع، وكل نزاع مشروع صدام. وهذه مسألة تومئ بأزمة شرعية مبكرة.

فى حسابات المصالح قرر الرئيس إقالة النائب العام بذريعة الأحكام فى قضية «موقعة الجمل» بذات النمط الذى أقال به المشير «طنطاوى» والفريق «عنان» بذريعة مجزرة رفح. غير أن أوضاع القضاء اختلفت عن أوضاع «العسكرى»، فالأخير تحلل من داخله، والقضاء تصدى للعدوان على القانون والدستور.

قرار الإقالة بصياغته المرتبكة أفضى إلى هزيمة سياسية أخرى نالت من هيبة الرئاسة استدعتها أهواء الجماعة ومشروعها فى «التمكين».

هذه هى المرة الثانية التى يتورط فيها الرئيس فى صدام مع الهيئة القضائية. فى المرة الأولى، أصدر قرارا بإعادة مجلس الشعب «المنحل» بحكم من المحكمة الدستورية العليا، لكنه خسر معركته بثلاثة أحكام متتالية من «الدستورية» و«النقض» و«الإدارية». مع ذلك لم يصدر الرئيس حتى اليوم قرارا تنفيذيا بحل مجلس الشعب، وهو ما خول رئيس مجلس الشورى الدكتور «أحمد فهمى» فتح أبواب البرلمان أمام نواب سابقين للاجتماع فيه داعين إلى ضرورة عودته. هذا كلام معيب فى حق الرئاسة والقانون معا.

التخبط الرئاسى يرسم صورة مستقبل غامض: «هل نحن فى دولة قانون أم ذاهبون إلى مغارة ؟»، بحسب أحد كبار المستشارين فى النيابة العامة.. فمنصب النائب العام محصن ضد العزل دستوريا وقانونيا. لم يسبق فى التاريخ المصرى الحديث كله، على اختلاف عهوده، أن جرى عزل النائب العام. لغة التهديد سادت وتورط فيها قضاة سابقون ومستشارون للرئيس وقيادات فى «الحرية والعدالة». التهديد بذاته فيه امتهان للقضاء واستقواء على الدولة، كأن الجماعة وأنصارها أقصوا الدولة عن أدوارها وبدأوا يتصرفون كقوة فوق القانون.

فى تداعيات موقعة «حساب الرئيس» علامات وإشارات على حافة سؤال الشرعية. أولها، اهتزاز الثقة فى رئاسة الدولة.. وثانيها، تضرر صورة الإخوان المسلمين كقوة مؤتمنة على الدولة.. وثالثها، استعادة شىء من ذاكرة الثورة، فالجموع التى توافدت على التحرير خامرتها هذه الفكرة، أن الثورة مازالت باقية ولم تمت بعد، وهناك دليل جديد: «أننا هنا معا مرة أخرى».. ورابعها، استعادة شىء من الثقة فى القوى والتيارات المدنية: «لسنا بالضعف الذى كنا نظن وليسوا بالقوة التى يدعونها».. وخامسها، انسحاب متوقع لشخصيات وفاعليات من حول الرئيس بدواعى الإحباط من مستوى أداء الرئاسة والجماعة التى ينتسب إليها.

التداعيات بصورها وتفاعلاتها تدخل إلى ساحة معركة الدستور التى قد تتكشف فيها حدود أزمة الشرعية التى بدأت تطل فى احتقانات المشهد السياسى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.