فى عام 2011، سافر فريق من المديرين التنفيذيين فى مجال التكنولوجيا الفائقة الأمريكية والمستثمرين الممولين إلى شمال أفريقيا كجزء من برنامج مبتكر أعدته وزارة الخارجية للتنمية الاقتصادية. وتوافد رجال الأعمال المحليون إلى ورش العمل فى تونس والمغرب والجزائر، حيث يتولى الأمريكيون تقييم مقترحاتهم الاستثمارية، ويشجعونهم على فتح مشروعات. وجسدت المبادرة «فن إدارة الاقتصاد» فى قلب رؤية وزيرة الخارجية هيلارى رودهام كلينتون، للسياسة الخارجية الأمريكية. ولكن، اتضح أن تمويل البرنامج ضعيف للغاية حتى إنه لا يمثل مكسبا للفائزين. وتراصت الوفود المحرجة إلى جانب بعضها البعض: فترة تدريبية، فى حضانة أولية للمشروعات فى ديترويت.
واليوم، يعتبر الشرق الأوسط برميل بارود اقتصادى. فنحو 60 فى المائة من سكان العالم العربى تحت سن الثلاثين؛ وهناك حاجة إلى الملايين من فرص العمل وإلا ستنفجر مستويات البطالة المرتفعة بالفعل.
وينبغى أن تكون جهود إدارة أوباما فى المنطقة أكثر اقتصادية من الجيش. ومؤخرا قال لى توماس نايدز، وهو نائب سابق لوزير الخارجية: «تصرفت الولاياتالمتحدة تصرفا بشعا بعدم التركيز على القضايا الاقتصادية فى الشرق الأوسط. لديك بطالة هائلة بين الشباب وليس هناك أمل».
وهذه الفكرة ليست جديدة. فقد قالت السيدة كلينتون قبل عام: «لكى ننجح يجب أيضا أن تكون الصحوة السياسية العربية صحوة اقتصادية». وقال خليفتها، جون كيرى، هذا الأسبوع: «السياسة الاقتصادية هى السياسة الخارجية».
وفى الشهر الماضى، طلب من الكونجرس الموافقة على إنشاء «صندوق حوافز» بقيمة 580 مليون دولار يعتبر مكافأة لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لإجراء الإصلاحات التى تعزز الاقتصادات المستندة إلى السوق والقواعد الديمقراطية والمحاكم المستقلة والمجتمعات المدنية. لكن الاقتراح الذى طرحته السيدة كلينتون بصندوق مماثل لم يقابل بتأييد يذكر فى العام الماضى من كونجرس يركز على القضايا المحلية. ومن الممكن أن يلاقى طلب السيد كيرى نفس المصير.
●●●
وبعد العراق وأفغانستان، لم يعد من المجدى سياسيا رعاية مبادرات تنمية واسعة مع عدم مراعاة أن تخلق زيادة فى الاكتفاء الذاتى للمنطقة. ويجب علينا إيجاد طرق مبتكرة لإدارة الاقتصاد فى عصر التقشف. ويعتبر صندوق حوافز بجزء صغير من 1.2 تريليون دولار أنفقتها واشنطن فى العراق وأفغانستان بداية جيدة.
وحققت بعض بلدان المنطقة من تلقاء نفسها نجاحا فى تنفيذ أنواع من الإصلاحات يمكن أن يشجعها الصندوق. وعلى مدى العقد الماضى، نفذت تركيا برنامج إصلاحات اقتصادية قاسية وضعها صندوق النقد الدولى، بفتح أبواب اقتصادها وجذب الاستثمارات الأجنبية كجزء من جهودها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى. واليوم، لا يكاد يكون هناك عدد يذكر من أصحاب الأعمال الأتراك، مهتم بأن يكون البلد جزءا من الاتحاد. وفى عام 2011، تباهت تركيا بأنها تملك اقتصادا أسرع نموا من أى دولة أوروبية أخرى.
وفى الضفة الغربية، تستحق إصلاحات سلام فياض الذى استقال مؤخرا من منصب رئيس الوزراء الاقتصادية والأمنية، الكثير من الثناء.
وينبغى أيضا على السيد كيرى تركيز المساعدات فى المناطق التى توجد فيها أسواق قابلة للحياة، كما يوجد بها شركاء. وقال طارق معايعة، وهو مهندس فلسطينى يدير شركة للتكنولوجيا الفائقة فى الضفة الغربية،أنه حصل على مائة ألف دولار من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ساعدت شركته فى الحصول على تدريب مع شركة هيوليت باكارد. واليوم، تعد شركته البرمجيات لشركات سيسكو، وهيوليت باكارد والكاتيل لوسنت، مع عدم وجود مساعدات حكومية.
وقال أحمد الألفى، المستثمر المصرى الأمريكى فى رأسمال مشروع وادى السيليكون، إن المسئولين الأمريكيين يمكن أن «يفعلوا ما هو أكثر كثيرا» بتكلفة قليلة. ويقول الألفى، الذى بدأ شركة حاضنة للتكنولوجيا الفائقة فى القاهرة، إن الشركات المصرية المبتدئة تسعى بشدة للوصول إلى المستثمرين الأمريكيين. ويوضح «أتلقى مكالمة أسبوعية من شركات من المنطقة، تقدم عرضا مدته عشر دقائق لشركات أمريكية».
وأخيرا، ينبغى على كيرى أن يؤكد للشركات الأمريكية أن فرص الاستثمار موجودة فى المنطقة، خاصة فى البنية التحتية، والطاقة والملاحة. وقد بلغت صادرات الشركات الصينية نحو 150 مليار دولار للشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى 2011، بنحو ضعفى صادرات الشركات الأمريكية.
وبطبيعة الحال، فإن بعض البلدان فى المنطقة غير مستقرة تماما بالنسبة لاستثمارات القطاع الخاص الأمريكى. لكن فى بلدان أخرى، يمكن توسعة مبادرات القطاعين العام والخاص التى تشجع التجارة، والاستثمار وتخلق فرص العمل، بالقليل من أموال دافعى الضرائب. وينبغى زيادة الوفود من المشروعات ذات التقنية العالية التى بدأتها السيدة كلينتون، وتمويلها بشكل صحيح. ينبغى أن يطلب من دول الخليج الغنية تمويل بنك إقليمى للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
●●●
ولعل أهم ما يجب أن نتوقف عن التفكير فيه هو إمكانية تغيير المجتمعات بين عشية وضحاها. وحتى لو كانت الولاياتالمتحدة تنفذ بامتياز سياساتها وبرامجها فلن يؤدى ذلك وحده إلى استقرار الدول. فنحن بحاجة إلى شركاء محليين لديهم إمكانية البقاء وعلى الأمم أن تعمل على تغيير نفسها.
يجب علينا تقليص طموحاتنا والتركيز على الاقتصاد على المدى الطويل. وسوف نحقق الكثير من خلال محاولة القيام بأمور أقل على مدى فترات أطول.