رئيس"البحوث الزراعية": نتعاون مع القطاع الخاص لتحويل مخرجات المركز ل مشروعات اقتصادية    إيران تستأنف الرحلات الجوية الدولية بعد توقف دام 20 يوما    كان سيوقع للأهلي.. صديق شيكابالا يروي لمصراوي كيف تغير مصيره في أسبوع    مدرب الأهلي يودع فريق كرة السلة    ظاهرة تزيد الإحساس بالحرارة.. توقعات طقس السبت    "نتفليكس" تطرح الإعلان الرسمي لمسلسل "كتالوج"    إيرادات الخميس.. "أحمد وأحمد" الأول و"المشروع X" في المركز الثاني    بإطلالة جريئة.. ابنة عمرو دياب تلتقط صورا مع "جرار زراعي"    خطيب المسجد الحرام: التأمل والتدبر في حوادث الأيام وتعاقبها مطلب شرعي وأمر إلهي    تعرف على الشروط والمستندات لمدرسة مياه الشرب بمسطرد    قوات الاحتلال تقتحم بلدات بالضفة الغربية وتداهم المنازل وتهجر 30 عائلة من أريحا    حريق فى كاليفورنيا يدمر أكثر من 52 ألف فدان فى 24 ساعة.. فيديو    النيابة العامة بروما تفتح تحقيقا بحادث انفجار محطة وقود.. وميلونى تتابع تداعيات الحادث    وظائف خالية اليوم.. "العمل" تعلن عن 50 فرصة عمل بمترو الأنفاق    أوقاف الفيوم تفتتح 3 مساجد جديدة ضمن خطة الإعمار والتطوير    عماد رمضان يبحث تطوير الكرة الطائرة البارالمبية في إفريقيا مع رئيس الاتحاد الدولي    رئيس الاتحاد الدولي يشيد بدور مصر في نشر الكرة الطائرة البارالمبية بإفريقيا    محافظ أسيوط يتفقد دير الأمير تادرس الشطبي بالجبل الشرقي    أهم أسئلة علم النفس والاجتماع لطلاب الثانوية العامة بالنظام القديم    تكثيف الحملات على الطرق والمحاور لمواجهة السير العكسي لمركبات "التوك توك" وضبطها بالجيزة    السيطرة على حريق في كشك كهرباء بمدينة قنا الجديدة    علاء عابد: القائمة الوطنية تجسّد ظاهرة إيجابية لتعزيز تمثيل الشباب    سعر الخضروات اليوم الجمعة 4-7-2025 فى الإسكندرية.. انخفاض فى الأسعار    قانون الإيجار القديم.. زيادات شهرية تصل 1000 جنيه حسب المنطقة.. والتطبيق فورًا    بعد غياب 7 سنوات.. أحلام تحيي حفلا في مهرجان جرش بالأردن نهاية يوليو    علاء عابد: القائمة الوطنية تجسّد ظاهرة إيجابية لتعزيز تمثيل الشباب    معركة حطين فى 10 نقاط.. أسباب المعركة ونتائجها    بعد وفاة أحمد عامر.. حمو بيكا يكشف حقيقة اعتزاله الغناء| فيديو    وزيرة التخطيط: مصر ضمن أفضل 10 دول فى العالم من حيث الجاهزية للاستثمار    عقد المؤتمر الطبي السنوي الثالث لطب وجراحة العيون 2025    لماذا تتشابه بعض أعراض اضطرابات الهضم مع أمراض القلب.. ومتى تشكل خطورة    تناول طبق عاشوراء بهذه الطريقة.. يعزز صحة قلبك ويقوى مناعة طفلك    "فرانكنشتاين".. تحذير من متحور جديد في بريطانيا    وزارة البترول: إعلانات التوظيف على مواقع التواصل وهمية وتستهدف الاحتيال    وزير الخارجية الروسي: يجب خفض التصعيد وتقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    45 يومًا لهذه الفئة.. زيادات كبيرة في الإجازات السنوية بقانون العمل الجديد    المصري يواصل استعداداته للموسم الجديد بمران بدني على شاطئ بورسعيد    بيان عاجل من "عمال مصر" بشأن إعلان افتتاح سد النهضة    صيام يوم عاشوراء فرض ولا سنة؟.. داعية يكشف مفاجأة    مصدر أمني: جماعة الإخوان تواصل نشر فيديوهات قديمة    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 145 مخالفة لمحلات لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    "الزراعة" إصدار 677 ترخيص لأنشطة ومشروعات الإنتاج الحيواني والداجني    وزير الإسكان: إزالة وصلات المياه الخلسة بالمدن الجديدة وتحصيل المتأخرات    باشاك شهير يقترب من ضم مصطفى محمد.. مفاوضات متقدمة لحسم الصفقة    وزير الأوقاف يدين اغتيال الاحتلال مدير المستشفى الإندونيسي بغزة    محافظ المنوفية: تحرير 220 محضرًا تموينيًا خلال يومين من الحملات التفتيشية    مصرع طفلة وإصابة 3 أشخاص صدمهم أتوبيس فى الدقهلية    إخلاء سبيل طالبة بالإعدادية تساعد طلاب الثانوية على الغش بالمنوفية    أسعار الدواجن والبيض بأسواق القليوبية اليوم الجمعة 4-7-2025    "ضريبة البعد" تتصدر تريند تويتر في مصر فور طرح ألبوم أصالة.. والأغنية من ألحان مدين    الأمم المتحدة: فشلنا في حماية الشعب الفلسطيني    ننشر كل ما تريد معرفته عن «يوم عاشوراء»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 4-7-2025 في محافظة قنا    رمضان السيد ينتقد تعاقد الزمالك مع جون إدوارد: النادي لا يحتاج إلى سماسرة    الهلال يُكرم حمد الله قبل موقعة فلومينينسي في مونديال الأندية    ردد الآن| دعاء صلاة الفجر اليوم الجمعة 4 يوليو 2025.. اللهم أجرنا من النار، واصرف عنا كل مكروه، وأرض عنا يا أرحم الراحمين    تفاصيل استقالة كرم جبر وعمرو الشناوي من حزب الوعي    ترامب: برنامج إيران النووي دمر بالكامل وهذا ما أكدته وكالة الطاقة الذرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لعنات مشرقية.. إعادة تأويل ألف ليلة
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 04 - 2013

الملحمية آخر ما يمكن أن يسم قصيدة النثر. هى إرث أثقل، فى بعضه، الأشكال الشعرية الأسبق لحد خلخلتها، وتفريغها أحيانا من الشعر. ولأن النسخ التى وصلتنا للآن من هذه القصيدة مشغولة بالذات وعليها، ومنحازة أكثر لوصفة: اليومى، الهش، المعيش، والآنى، يكون الماضوى، التاريخى خصوصا، وقوفا عند التراث هو ذلك الملمح الرجيم، الذى اتكأت فنية قصيدة النثر على تغييبه.

وعلى رأس محاولات قلة لمصالحة هذا التراث، يجىء الديوان الأحدث للشاعر المصرى محمود قرنى «لعنات مشرقية»، 43 مقطعا ضمن قصيدةٍ أو سردية واحدة، تغترف من «ألف ليلة وليلة» «قصة الأميرة الورد فى الأكمام وحبيبها أنس الوجود»، التى استعار منها قرنى تراجيديا التيه اللا نهائى، وأسبغ عليها عصرنة وشاعريةٍ غامرتين، تمثلتا، بوعى أو بمصادفة، إشارة الناقد د. جابر عصفور إلى أن «ما يحتاجه التراث الأدبى للدفاع عنه لا الحاجة النظرية، وإنما الممارسة العملية بالتقديم الجديد له، وبما تسيغه الأذواق المعاصرة، رغم اختلاف تجلياته من عصرٍ إلى عصر!».

«إلى أقصى الشرق/ يمضى القائد بصحبة ملاكته/ وتحت إبطه خرائط الفاتحين/ قال بثقةٍ إنه يضع قدما فى «سمرقند» وأخرى فى «تركمستان»/ عند أول جدولٍ صادفه/ أوقف الجند/ ونظر إلى الخرائط/ فأدرك أنه ضل الطريق».

من يقرأ ديوان قرنى من آخره، يفاجئه عشرون هامشٍ، تتواتر فيها أماكن وشخصيات شرقية وغربية، ذوو صلاتٍ تاريخيةٍ، أو بدون. لكن عبر صلاتٍ شعرية جديدة تماما، جاور الشاعر بين «الأميرة/ الملاكة» والشاعر الألمانى «جوتة» الذى ذكر فى الديوان باسم إحدى قصائده «تاجر البن والشيلان»، و«الطغرائي» صاحب لامية العجم، و«بورخيس» أو العجوز الأعمى، وشاعر الهند الأكبر «رابندرانات طاغور»، فضلا عن ملوك وفاتحين من أمثال طارق بن زياد، وإبراهيم باشا فاتح الحجاز، والباهلى، وصولا إلى فرناندو وإيزابيلا، اللذيْن طردا من الأندلس آخر ملوك الطوائف «أبو عبدالله الصغير»، فجلس يبكى «مثل النساء مُلكا لم يحافظ عليه «مثل الرجال».

وتظل فرشة الأسطورة الصغيرة رابطا واهنا، يؤطر به الشاعر، عشرات الحكايات الفرعية، التى تماهى الأزمنة، وتصاحب الكتاب الذين ولعوا ب«ورد الأكمام»، فخرجت عليهم من صفحات الأوراق الصفراء، لتمسح على جبين «بورخيس» وتعلق سترة المعلم الأعمى «طه حسين» فى مشجبها، عندما «أرسل الأتابك فى طلبه» قبل أن «أغفى فى سراب القيلولة». أما تاجر البن والشيلان ف: «يضحك من أعماقه/ يحلم بمقعدٍ إلى جوار أبى إسماعيل الطغرائي»/ دون أن تمنحه المشيئة شرف الموت/ كهرطوقيٍ فاجر/ فيسرج بغلته/ ويمضى نحو الشرق بطيب خاطر»، ويرصده محمود قرنى هناك «فى حانة يملؤها المرضى والمعوزون» حيث يذهب ل«يقبل أصابع ورد الأكمام/ ويتحدث عن غواية شيراز/ وأشياء أخرى تناثرت مع الغبار».

وبالصيغة هذه يكون قرنى قد قدم الحل لما أسماه جابر عصفور بأزمة «استبدال الغرب الحديث بالتراث القديم»، وكون الشعر الغربى المترجم «مصدر إلهام وتكوين لشعراء قصيدة النثر، الذين يرى أنهم: «يعرفون عن رامبو أكثر مما يعرفون عن أبى نواس، وعن بودلير أكثر من أبى تمام، وعن سانت جون بيرس أكثر من المتنبى وأبى العلاء!».

يمكن تلقى ديوان «لعنات مشرقية» كحكايةٍ تتعدد مفارقاتها الدرامية، أو كعدة حكايات تظهر فيها «ورد الأكمام» كبطلٍ أو راوٍ، وكومضةٍ أحيانا. ولأن للحكى أدواته، تحتشد العديد من التقنيات السردية من مكانٍ وزمانٍ وحبكة وشخصيات وبناء، ما دفع الشاعر فتحى عبدالله للقول بأن «الرؤية الكلية التى تهيمن على النص هى روائية بامتياز»، دون أن يعنى ذلك الجور على الشعرية التى لم يتخل عنها قرنى لحظة واحدة، بل أكد اختياره لهذه الصيغة السردية، كى تكون بحسب عبدالله: «بناء جديد لشعرية جديدة».

وإذا ما حاولنا الحديث عن الهم، والسؤال الغائر فى وجوديته الذى يطرحه هذا الديوان، سيكون علينا الوقوف عند جداريات الخيبة التى شيدها قرنى عبر مقاطع كثيرة، مستعينا على ذلك ب«مسخرة» تيماتٍ كالعجز، والفقد، وتناسل المتاهات، عبورا إلى الجنون. وستكون الفانتازيا التى استلَّها الشاعر/ الراوى لتعرية الشرق التعيس، وتفكيك عظامه، ثم إعادة تركيبها كقطع البازل، منظارا للهوية التى يقتفيها قرنى، بطريقة من يفرغ حقيبة ملابسه بحثا عن «دبوس شَعر».

وعندما يخفت صوت الراوى، ليعلو الحوار، وتتعد الضمائر، وتتصاعد معهما الدراما، والأسئلة بالتالى، ستتواتر أمام أعيننا النهايات، حيث: «سيأتى «الباهلي» على حصته من الندم». وفيما «ورد الأكمام توقع صك عبوديتها نيابة عن الزعماء»، سيكون «بعض إخوتها يتعلقون بخشبةٍ فى جوف المحيط، وآخرون يترأسون قبائل عميقة الأثر فى حياة أممهم، ويعدون ببحث أمر المتعلقين بجوف المحيط بعد عودتهم من الإجازة الصيفية»، و«الشعب فى الحقول، يستمع إلى الإعلان الرسمى عن وفاة الدولة». فيقفل الشاعر أسطورته المشرقية على «ورد الأكمام» تمضى إلى الآخرة «ملفوفة بالخز والطنافس»، فيما يُشيِّع هو الشرق الحزين قائلا: «لم يسعك العالم الفانى/ فنم قريرا فى غسق الأبدية»؛ ويالها من نهايات!!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.