بعد أن أهمل كثير من الشعراء العرب مناطق ثرية إنسانيا في التاريخ العربي، يضع الشاعر المصري محمود قرني يده على مواقف تاريخية هي الشعر، ولا يجد بابا للدخول أكثر رحابة من كتاب (ألف ليلة وليلة). ففي الليلة 371 وما بعدها، تستعرض الليالي حكاية (الورد في الأكمام) ابنة الوزير إبراهيم مع الشاب (أنس الوجود)، وكيف أبعدوها عنه، فخاض في البحث عنها رحلة أشبه برحلة أوديسيوس، وفي القصة نفسها سطور هامشية لخادم ليس له اسم يقابل (أنس الوجود) في الجزيرة المهجورة، ويحكي له جانبا من قصته.
"يا وجه الأحباب، إن أصبهان بلادي، ولي فيها بنت عم كنت أحبها، وكنت متولعا بها، فغزانا قوم أقوى منا وأخذوني في جملة الغنائم، كنت صغيرا فقطعوا إحليلي، وها أنا على حالي بعد أن باعوني خادما.."، بتلك السطور يفتتح قرني ديوانه الجديد (لعنات مشرقية). ويرسم الشاعر (اللعنات المشرقية) في لوحات درامية متتبعا تاريخا متخيلا للورد في الأكمام التي هربت من القصر عبر حبل من أثواب بعلبكية ممتد من السطح إلى الأرض، كما سجل كتاب (ألف ليلة وليلة) حكايتها.
ولكنها في الديوان يلاحقها حكيم عجوز قائلا: "بدنك خزانة اللذة ومآب الصالحين فاجعليه مآبي، فتقول الملاكة: يا جدي لثغتك عميقة، ولا أكاد أتبين ما تقول، اقترب أكثر وقل لي: من الذي أوقع منك كل هذه الأسنان؟!"، والديوان الذي يستعير أصوات شعراء منهم الهندي طاغور، والألماني جوته، والأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، هو قصيدة طويلة من 43 مقطعا ويقع في 120 صفحة متوسطة القطع وصدر في القاهرة عن دار (الأدهم للنشر والتوزيع) بغلاف صممته هند سمير.