من حقنا أن نتساءل عما يجرى «طبخه» مع الولاياتالمتحدة هذه الأيام. إذا قال قائل إن السؤال متأخر كثيرا فمعه حق، لأن ملف العلاقات العربية الأمريكية، والمصرية منها بوجه أخص، تضخم خلال العقدين الأخيرين، وأصبح مثيرا لما لا حصر له من علامات الاستفاهم والتعجب. بل إن بعض شواهده باتت مما لا يخطر على أحد على بال، خصوصا تلك التى تعلقت بالتعاون العسكرى، الذى شمل إقامة القواعد العسكرية (تحدثت مجلة نيوزويك فى 4/2/2003 عن أكثر من 30 قاعدة أمريكية فى العالم العربى). كما شمل ذلك التعاون استخدام الأراضى العربية فى الأنشطة العسكرية الأمريكية، التى كان احتلال العراق على رأسها، إضافة إلى غير ذلك من الأنشطة التى تذرعت بحكاية مقاومة الإرهاب. دع عنك مسألة «التعاون الاستراتيجى» بين أمريكا وبعض الدول العربية وفى مقدمتها مصر. وهو المصطلح الذى أصبح متداولا على ألسنة المسئولين الأمريكيين، وصار محل حفاوة من جانب الإعلام المصرى على الأقل. وكأن مصر كبرت به وارتقت، حتى صار رأسها برأس الولاياتالمتحدة. وهو ما أستغرب له كثيرا، لأننى أفهم التحالف الاستراتيجى بحسبانه اتفاقا فى المقاصد والأهداف النهائية، وتعاونا فى تنفيذ تلك الأهداف. وهو ما أتصوره قائما بين الويالات المتحدة وإسرائيل، لأن ذلك المستوى من التحالف والتعاون لا شك فيه، لكنه يظل مستعصيا على الفهم بين واشنطن والقاهرة، أو بينهما وبين أى دولة عربية. ذلك كله يبدو كلاما قديما نسبيا، ما الجديد فى الأمر إذن؟ ردى أن الجديد هو ما نشرته الصحف القومية المصرية يوم الثلاثاء 30/6 بمناسبة زيارة الجنرال ديفيد بتريوس قائد القيادة المركزية الأمريكية للقاهرة ولقائه مع الرئيس حسنى مبارك. وهو الخبر الذى أبرزته الصحف القومية على صفحاتها الأولى تحت عدة عناوين أهمها قول بتريوس إن مصر شريك استراتيجى لهم لأمريكا. على الصفحات الأولى أيضا ذكرت الصحف الثلاث أن الاجتماع استمر 90 دقيقة (لقاء الرئيس مع أوباما استغرق 50 دقيقة تخللها الإفطار الصباحى). وهى تلخص ما دار فى الاجتماع. أشارت الصحف إلى تصريحات بتريوس عن أهمية التعاون الاستراتيجى مع مصر وأمل بلاده فى أن يستمر ذلك التعاون خلال الأعوام المقبلة. كما ركزت على انتقاده للأنشطة الإيرانية فى العراق، وقوله إن طهران تسلح وتمول وتدرب عناصر متطرفة هناك، مما يسبب مشاكل أمنية ينبغى مواجهتها. إلى هنا والكلام كان تكرارا لما نعرفه. أما الكلام الأهم فقد ورد فى التفاصيل التى نشرت على الصفحات الداخلية والذى تضمن إشارات عدة كان من بينها ما يلى: * إن اجتماع التسعين دقيقة تطرق إلى القضايا الأمنية الإقليمية الراهنة، بما فيها الأوضاع فى العراق وأفغانستان وباكستان وإيران، وكذلك سبل مواجهة القرصنة وتهريب الأسلحة إلى المنظمات المتطرفة التى تتخذ العنف منهاجا لها (هل يقصد حركة حماس فى غزة؟). * إن برامج التعاون العسكرى مع مصر ودول أخرى فى المنطقة تساعد على دفع الأهداف المشتركة للسلام والأمن، لذلك فإن واشنطن تتطلع إلى تعزيز ذلك التعاون فى الأعوام المقبلة لحل مجموعة واسعة من القضايا ذات الاهتمام المشترك. * إن واشنطن تتابع تطورات الأوضاع فى إيران بعد الانتخابات. وفى هذا السياق فإنها استضافت فى الأسبوع الماضى مؤتمرا شهده رئيس الأركان المصرى إلى جانب رؤساء أركان حرب دول أخرى، ناقش القضايا المتعلقة بإجراءات بناء الأمن الإقليمى. هذا الكلام يدعونا إلى التساؤل عن حقيقة ما يجرى ويطبخ بعيدا عنا، خصوصا فى اجتماع واشنطن الذى حضره رؤساء أركان دول لم تذكر، (هل كان بينها دول عربية وهل اشتركت فيه إسرائيل؟) وهو الذى بحث أمورا تتعلق بمصير أمن المنطقة لا نعرف شيئا عن طبيعتها وهو تساؤل يمكن اختزاله فى عبارة واحدة هى: إلى أين نحن ذاهبون؟