يوم السبت 2 مارس أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أن سكان مصر بلغوا 92 مليون نسمة، 84 مليونا منهم يعيشون فى الداخل وثمانية ملايين بالخارج. مساء اليوم نفسه اتصل مواطن بلميس الحديدى على قناة سى. بى. سى وقال لها، إنه يستحيل أن تتمكن جماعة الإخوان من السيطرة على بلد بهذا الحجم.
كلام المواطن قد يكون له جانب كبير من الصحة بالنظر إلى أن عدد الإخوان قد لا يزيدون على مليون شخص، لكن فى المقابل فإن تنظيمات قليلة العدد تمكنت من السيطرة على بلدان كبيرة الحجم جدا فمثلا والقياس مع الفارق فإن الحزب الشيوعى الصينى سيطر ولايزال على بلد يزيد سكانه على 1.4 مليار نسمة.
فى النموذج الصينى الحزب الشيوعى لا يطبق التعددية أو تداول السلطة ومتهم بانتهاك حقوق الإنسان، ورغم ذلك جعل بلاده دولة عظمى اقتصاديا.
إذن النموذج الصينى يقول لنا إن الشعب قد يتحمل غياب الديمقراطية لكنه لا يتحمل غياب العدالة الاجتماعية وانتشار الفساد والمحسوبية.
فى يوم السبت نفسه كانت هناك حادثة ذات دلالة. فقد تظاهر عشرات المواطنين أمام الشركة القابضة للكهرباء بأسوان احتجاجا على تعيين 100 شخص بشركة المحطات المائية لكهرباء السد العالى بتوصية من حزب الحرية والعدالة بالمحافظة، ونتيجة لذلك قرر المهندس جابر الدسوقى رئيس الشركة القابضة وقف التعيينات الناتجة عن توصية الحزب الإخوانى لحين استكمال جميع الوظائف المطلوبة استجابة للمتظاهرين ولأبناء العاملين وللمتقدمين لهذه الوظائف.
ما فعله حزب الحرية والعدالة يبدو مفهوما، فهو يسعى لتقديم خدمات عبر تعيينات أو خدمات استعدادا للانتخابات.
وما فعله المحتجون شىء جديد ولافت للنظر لأنه يؤكد أن الناس البسيطة والمهمشة يمكنها أن تفعل الكثير إذا كان لديها قضية تؤمن بها وتدافع عنها.
أهمية النموذج الذى حدث فى أسوان يشير إلى حقيقة فى غاية الأهمية خلاصتها أن المواطنين البسطاء يستطيعون وقف أى مظاهر هيمنة أو تكويش أو استحواذ إخوانى أو سلفى أو علمانى غير قانونى.
من حق الرئيس محمد مرسى أن يعين ما يشاء، ومن حق من ينتمى إلى الإخوان أن يتعين فى أى وظيفة باعتباره مواطنا مصريا، وشرط أن يكون ذلك طبقا لقاعدة المساواة والكفاءة، وليس باعتباره فقط إخوانيا.
هناك تقديرات كثيرة تقول إن التحدى الذى سوف يواجهه الإخوان فى المستقبل سوف يأتى من جانب أمثال هؤلاء المتظاهرين فى أسوان، أى أولئك المهمشين الذين يطالبون بحقوقهم البسيطة، وليس من المظاهرات السياسية البحتة فقط.
الإخوان ناجحون حتى الآن فى تشويه صورة المسيرات والمظاهرات السياسية فى ميادين القاهرة الرئيسية الكبرى عبر عملية منظمة وممنهجة، لكنهم لا يعرفون ماذا يفعلون مع عمال مصنع لا يحصلون على حقوقهم، أو عمال نظافة يريدون التثبيت فى وظائفهم، أو وهذا هو الأهم مع جيش كبير من العاطلين لا يملكون شيئا يخافون عليه.
إذا استطاع الاخوان والدكتور محمد مرسى توفير وظائف لكل أعضائها، ولكل المتعاطفين معها، فلا توجد مشكلة بشرط واحد أن يوفروا وظائف وخدمات مماثلة لسائر المواطنين.. إذا حدث ذلك فسوف يضعها المواطنون فى عيونهم ويجعلونها تستمر فى الحكم كما يحدث مع حكومة أردوغان فى تركيا.
ذلك هو التحدى.. أما الاكتفاء بتعيين الأعضاء والمتعاطفين فقط، فيبدو أنه لن يمر، وإذا مر فى مكان فقد لا يمر فى مكان آخر، واذا استمر لفترة فلن يستمر للأبد، والدليل ما حدث لنظام مبارك، والاهم ما حدث فى أسوان قبل أيام قليلة