انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    ترامب يعلن موعد اللقاء المرتقب مع زهران ممداني في البيت الأبيض    إسلام الكتاتني يكتب: المتحف العظيم.. ونظريات الإخوان المنحرفة    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    أسامة العرابي: رواية شغف تبني ذاكرة نسائية وتستحضر إدراك الذات تاريخيًا    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    تضرب الوجه البحري حتى الصعيد، تحذير هام من ظاهرة تعكر 5 ساعات من صفو طقس اليوم    أول تعليق من الأمم المتحدة على زيارة نتنياهو للمنطقة العازلة في جنوب سوريا    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    الجبهة الوطنية: محمد سليم ليس مرشحًا للحزب في دائرة كوم أمبو ولا أمينًا لأسوان    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    حجز الإعلامية ميرفت سلامة بالعناية المركزة بعد تدهور حالتها الصحية    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    مأساة في عزبة المصاص.. وفاة طفلة نتيجة دخان حريق داخل شقة    بينهم 5 أطفال.. حبس 9 متهمين بالتبول أمام شقة طليقة أحدهم 3 أيام وغرامة 5 آلاف جنيه في الإسكندرية    خبيرة اقتصاد: تركيب «وعاء الضغط» يُترجم الحلم النووي على أرض الواقع    تراجع في أسعار اللحوم بأنواعها في الأسواق المصرية اليوم    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    ارتفاع جديد في أسعار الذهب اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025 داخل الأسواق المصرية    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    معتذرًا عن خوض الانتخابات.. محمد سليم يلحق ب كمال الدالي ويستقيل من الجبهة الوطنية في أسوان    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    الذكاء الاصطناعي يمنح أفريقيا فرصة تاريخية لبناء سيادة تكنولوجية واقتصاد قائم على الابتكار    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    علي الغمراوي: نعمل لضمان وصول دواء آمن وفعال للمواطنين    أسعار الأسهم الأكثر ارتفاعًا وانخفاضًا بالبورصة المصرية قبل ختام تعاملات الأسبوع    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في بلاد الأفيال.. الأحزاب الهندية تسعي إلي «رئيس توافقي» استعداداً لانتخابات الرئاسة في يوليو المقبل
نشر في القاهرة يوم 15 - 05 - 2012

تستعد الهند، أكبر ديمقراطية في العالم، لخوض انتخابات الرئاسة في شهر يوليو القادم، لاختيار رئيس جديد للبلاد، خلفا للرئيسة الحالية براتيبها ديفسينينغ باتيل ( 77 عاما ) التي تعد أول سيدة تشغل منصب رئيس الدولة في تاريخ الهند، وهو المنصب الذي يمنح صاحبه سلطات مهمة، بالرغم من أنه أساسا منصب شرفي . ووفقا للشواهد، يتوقع أن تنطوي الانتخابات الرئاسية القادمة في الهند علي " عملية سياسية كبيرة " حيث يستعد الحزبان الكبيران، حزب المؤتمر الحاكم، وحزب بهاراتيا جاناتا المعارض لحشد المؤيدين لمرشحيهما، خاصة أن الرئيس السابق للهند أبو بكر زين العابدين عبد الكلام يستعد لترشيح نفسه كرئيس مجددا، وهو من مهندسي مشروع التسلح النووي في الهند، فضلا عن كونه من كبار العلماء، وكان معروفا طوال فترة رئاسته السابقة بلقب " زعيم الشعب "، وقد ترك المنصب في عام 2007 وسط مشهد حزين من جموع الشعب . ويبدو أن انتخابات الرئاسة المقبلة في الهند ستشهد صراعا سياسيا حادا مع وجود عدد كبير من المرشحين الآخرين منهم : نائب الرئيس الهندي حميد أنصاري، ووزير المالية براناب موخيرجي، ورئيس البرلمان ميرا كومار، وقد يكونون من مرشحي حزب المؤتمر الحاكم الذي يواجه اختبارا سياسيا صعبا، علي خلفية ما يثار حول أعضائه من أقاويل تتعلق بفساد مالي. الرئيس .. سياسيا تتمتع الهند، كبلد ديمقراطي بحكومة برلمانية وفيدرالية، ودستور تم وضعه ( 1950 ) بعد الاستقلال ، ليشمل جميع الأمور المتعلقة بالسلطات وحقوق المواطنين، وتوزيع الصلاحيات بين حكومة المركز، وسلطات الولايات، مع العلم بأن الحكومتين المركزية وحكومات الولايات تتمتع بمكانة وسلطات واضحة، وفقا للدستور الهندي، علي أساس ثلاث قوائم : قائمة المركزUnion List ، وقائمة الولاية State List ، وقائمة القضايا المشتركةConcurrent List ، وبالرغم من أن الهند تعتبر نظاما فيدراليا لكنها تميل إلي " الوحدة " فالدستور لا يستخدم كلمة " دولة فيدرالية " ويستخدم بدلا من ذلك كلمة "اتحاد ولايات"، مع ملاحظة أن سلطات الحكومة المركزية أكبر من سلطات حكومات الولايات، وتتألف الهند من 28 ولاية و7 مناطق تابعة للحكومة المركزية . ووفقا للدستور، ترتكز السلطة التنفيذية علي رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، ويتم القيام بإدارة الحكومة لأعمالها باسم الرئيس بصفة رسمية، أما عن مؤهلات من يشغل منصب رئيس الجمهورية فهي أن يكون مواطنا هنديا، وألا يقل عمره عن خمسة وثلاثين عاما، وألا يتولي أي منصب حكومي ذي منفعة مالية، وينتخب رئيس الدولة في الهند بطريق غير مباشر، أي من قبل هيئة انتخابية، تتألف من الأعضاء المنتخبين من البرلمان والمجالس التشريعية في جميع الولايات، ولابد أن يحصل المرشح لمنصب رئاسة الجمهورية علي أكثر من نصف عدد الأصوات ليتولي المنصب، ويتم انتخاب الرئيس لمدة خمس سنوات، ويمكن له أن ينافس لتولي المنصب، مرة ثانية، ووفقا للدستور، يمكن أن يتم خلع الرئيس، وفقا لإجراءات خاصة يقوم بها البرلمان، مثلما في حالة انتهاك الرئيس للدستور . وفي الهند، يلاحظ أن رئيس الدولة، وهو منصب شرفي، ولكنه يتمتع بسلطات مهمة، منها: تعيين رئيس الوزراء وعدد من الوزراء، وتعيين حكام الولايات والسفراء، ومراقب النفقات، والنائب العام، ومدقق الحسابات، وهو القائد الأعلي للقوات الدفاعية، ومن حقه إعلان الحرب، وعقد اتفاقات الصلح وهناك كذلك بعض السلطات التشريعية التي يتمتع بها رئيس الدولة في الهند مثل : استدعاء جلسات البرلمان وتأجيلها، وحل المجلس الأدني (أحد مجلسي البرلمان)، تمهيدا للانتخابات العامة، كما يقوم الرئيس بافتتاح عمل البرلمان، ويعرض رئيس الجمهورية ميزانية الحكومة علي المجلس الأدني. ومن سلطات الرئيس ما يتعلق بالسلطة القضائية مثل تعيين رئيس القضاة، وعدد من القضاة الاخرين، للمحكمة العليا، والمحاكم العليا، ومنح العفو، وتخفيض الحكم بالعقوبة، وللرئيس سلطات أخري مختصة بحالة الطوارئ، مثلما في حالة حدوث اعتداء خارجي أو تمرد مسلح أو أزمات مالية أو دستورية، ووفقا للخبرة الهندية، فقد نجح بعض الرؤساء في توسيع اختصاصاتهم واكتساب صلاحيات إضافية، ما يجعل المنصب عرضة للتاثر بشخصية الرئيس وخبراته السياسية . ولرئيس الدولة نائب يتم انتخابه من قبل هيئة منتخبة من أعضاء مجلسي البرلمان، ويتعين أن تتوافر فيه نفس شروط انتخاب الرئيس، وفي حالة غياب الرئيس أو مرضه يتولي النائب أعماله، وفي حالة وفاة الرئيس او استقالته يتولي النائب وظيفته حتي يتم انتخاب رئيس جديد في غضون ستة أشهر، ونائب الرئيس هو بحكم منصبه رئيس المجلس الأدني . أما عن العلاقة بين رئيس الجمهورية وحاكم الولاية، فإنها علاقة تمثيل، ويحق للرئيس تعيين الحاكم لفترة أو أكثر علي ولايته، وبينما يعمل رئيس الجمهورية بالتعاون مع مجلس الوزراء، فإن حاكم الولاية يتمتع بهامش كبير من الحرية، وفقا لظروف كل ولاية، فيما يعرف بسلطات التصرف، ومنها تعيين رئيس وزرائه من أي حزب طالما لم يحقق أي من الأحزاب الأغلبية الواضحة في الجمعية التشريعية، ولحاكم الولاية سلطات تشريعية وتنفيذية مثله مثل رئيس الجمهورية . المكانة العالمية / سمات النموذج لطالما ارتبطت مكانة الهند في الساحة الدولية بشخصية الرئيس الذي يتولي مقاليد المنصب الأسمي في البلاد، ففي عهد الزعيم الراحل جواهر لال نهرو، كانت جميع خيوط سياسات الهند داخليا وخارجيا في يده، وآنذاك، تزعمت الهند " عالميا " فكرة " عدم الانحياز " كسياسة مستقلة بين الشرق والغرب، لإعلاء مصالح وحقوق الشعوب الساعية للتحرر والنهضة الوطنية المستقلة، وكانت شخصية نهرو أكثر تأثيرا نظرا لامتلاكه رؤية سياسية تحررية قوية، بالإضافة إلي توجهات اقتصادية تميل إلي التنمية المستقلة والانتصار للحقوق الاجتماعية للمواطنين . ومن سمات التجربة الهندية إبراز الدور التاريخي للقيادة ، فقد نجح نهرو في تجذير أسس الديمقراطية في الهند، كنظام ونهج مستقر في الحياة السياسية من خلال الاعتماد علي دور الأحزاب السياسية، والانتخابات الدورية، ودور القضاء في الدفاع عن الحقوق العامة . وعندما كان نهرو يؤكد أن " الهند ستكون أرضا للأديان المتعددة " فقد كان يضع أسس دولة علمانية، وهو ما تم مراعاته عند وضع الدستور، بحيث تتم حماية الحقوق الدينية للجميع، بدون تحديد دين محدد للدولة، وعدم إعطاء دين محدد امتيازات خاصة، وبذلك قدمت الهند للعالم نموذجا ديمقراطيا مميزا . وعندما توفي نهرو في عام 1964، ظل خلفاؤه مخلصين لسياساته، ومنهم لال بهادور شاستري وانديرا غاندي، لكن مع تغير الظروف الدولية، وزيادة تعقد مشكلات الهند الداخلية، وخاصة علي الصعيد الاقتصادي، وضعف الحماس الدولي لفكرة عدم الانحياز، وأفول زمن الزعامات الوطنية في دول العالم الثالث، وأيضا مع نهاية سنوات الحرب الباردة، تغيرت السياسات وخاصة السياسة الخارجية للهند جذريا، وأصبحت رموزها السياسية تسعي لتوثيق العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أوروبا وجنوب آسيا ، وقد تواكب ذلك مع سعي الهند لتغيير مسارها الاقتصادي نحو "اقتصاد السوق" وزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية الوافدة إليها بهدف حل مشكلة الفقر الذي يضرب ملايين السكان في أنحاء البلاد . كذلك ارتبط تاريخ الزعامة الرئاسية في الهند بتأسيس "حزب المؤتمر" علي يد المهاتما غاندي في عام 1885 كحزب رائد في حركة الاستقلال، وبعد ذلك فهو الحزب الذي تولي توجيه دفة العملية السياسية علي مدي ثلاثين عاما بعد الاستقلال ، كما كان للحزب دوره في إرساء الأسس الثابتة للتجربة الديمقراطية، لتصبح الهند واحدة من أهم الدول الديمقراطية في العالم الثالث، غير أن شعبية الحزب تغيرت علي مدي سنوات، فبعد الانتخابات العامة عام 1989 علي سبيل المثال، لم يستطع الحزب تأمين الأغلبية، وضم البرلمان 24 حزبا سياسيا، لذلك شكلت حكومة أقلية برئاسة فيشوانات برتاب سينغ من حزب جاناتا دال ودعم حزب بهاراتيا جاناتا وأحزاب اليمين، وأصبح حزب المؤتمر بزعامة راجيف غاندي في المعارضة، وكان أول رئيس وزراء يجلس كزعيم للمعارضة في مجلس الشعب، ما اعتبر دليلا علي تراجع شعبية حزب المؤتمر وبعد اغتيال راجيف غاندي في مايو 1991، عاد الحزب إلي السلطة، لكن بدون أغلبية مطلقة، وشكلت حكومة أقلية برئاسة ناراسيما راو، كأول رئيس وزراء من الولايات الجنوبية . وعبر عدة انتخابات تقدمت شعبية الحزب وتراجعت، ففي انتخابات 2004، عاد حزب المؤتمر إلي السلطة مجددا وهزم حزب بهاراتيا جاناتا وحلفاءه، وشكل مانموهان سينغ حكومة ضمت المؤتمر والجبهة اليسارية والحزب الشيوعي. وما يهمنا الإشارة إليه أن التجربة السياسية في الهند قامت علي أساس تشكيل هياكل سياسية تستوعب أكبر مشاركة سياسية ممكنة للجماهير، بدءا من المجالس المحلية في المناطق والقري، ما يسمح للناس بالمشاركة الفعلية في عملية اتخاذ القرارات، وصولا إلي استقرار النظام الانتخابي ووسائل التعبير السياسية عن الرأي، علي المستويات المحلية والوطنية، ما يزيد من اهتمامات الناس بالشأن العام، فضلا عن استقرار التعددية الحزبية، وتعدد القنوات الشرعية للتعبير السياسي، والدستور الذي يحدد العلاقات القانونية، وهي كلها أساليب تخفف من حدة الصراعات السياسية والاجتماعية، وتوفر مناخا ضروريا للحفاظ علي السلام الاجتماعي بعيدا عن العنف السياسي، في دولة تتعدد فيها الأديان والثقافات الفرعية . ولا شك أن الهند تتوفر فيها هياكل قوية للدولة ومؤسساتها، علي مستوي الحكومة المركزية، وحكومات الولايات . الدين في السياسة في تاريخ الهند مناسبات درامية فارقة، ففي 1885 تأسس حزب المؤتمر القومي الهندي، وفي 1906 تأسست العصبة الإسلامية، وفي 1920 ترأس غاندي المؤتمر الهندي، وفي 1935 أصدر البريطانيون دستورا للهند، وفي 1940 طالبت العصبة الإسلامية بدولة منفصلة عن الهند، وفي 1947 استقلت الهند وأصبح جواهر لال نهرو أول رئيس وزراء للهند، وفي 1948 اغتيل غاندي، وفي 1950 أصبحت الهند جمهورية، وفي 1965 جرت الحرب بين الهند وباكستان، وفي 1966 تولت انديرا غاندي رئاسة الوزارة، وفي 1984 اغتيلت انديرا غاندي، وفي 1991 اغتيل راجيف غاندي . ومن الحقائق الأساسية في تاريخ الهند أنه كان للدين دائما أهمية كبيرة في تفاعلات الحياة السياسية، كما تأثرت هوية البلاد بنوعية العلاقة بين الجماعات الدينية، وإن كانت الصراعات الدينية تعود جذريا إلي أسباب أخري ظاهرة كالصراعات الطبقية أو ضعف الاستجابة للتطلعات الاجتماعية والاحتياجات الاجتماعية والسياسية . وفي الهند 5 . 80 % من السكان من الديانة الهندوسية، و5 . 13 % من المسلمين، و3 . 2 % من المسيحيين، و9 . 1 % من السيخ، و 8 . 0 % من البوذيين، في بلد تعداد سكانه مليار وأكثر من 200 مليون نسمة، وعلي مساحة تصل إلي 3287263 كيلو مترا مربعا . وتعد الهند ثاني أكبر دولة تضم العدد الأكبر من المسلمين في العالم، إلي جانب عدد كبير من المسيحيين ومعتنقي الأديان الأخري، ومع ذلك توصف الهند بأنها من النماذج الرائعة للتكيف بين الأديان، بالرغم من نماذج وحالات العنف الديني التي شهدتها . وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة إلي عدة ملاحظات: 1 في بلد كالهند اعتمدت النهج الديمقراطي لتنظيم الصراعات السياسية والاجتماعية، فإن التعددية الدينية، وهي تعني أن لكل أصحاب ديانة معينة طريقتهم في الحياة وترتيب الفضاء الخاص بهم، فإن التعددية تعني في الوقت نفسه تخليق " لغة مشتركة للتفاهم " بما يحقق مبدأ المواطنة، وتشارك الجميع في اتخاذ القرارات، وبكلمات محددة ،يقصد بالتعايش أن تؤدي التعددية الدينية إلي بناء قاعدة تصالحية مشتركة علي صعيد الحياة السياسية . 2 في تفاعلات الحياة السياسية في الهند توازي واقعيا خطان: أولا درجة عالية من الحيوية والتكيف الواضح بين أصحاب الديانات المختلفة للتعايش المشترك في مجتمع تعددي ، وثانيا شواهد دالة علي التنافسية الدينية بين أصحاب الديانات الرئيسية علي أكبر نصيب ممكن من السلطة السياسية، وصراع واضح بين المسلمين والهندوس، فلقد سيطر الهندوس علي السلطات التشريعية والمحاكم، ومن المؤكد أن لدي الأغلبية ما يشبه الهوس الديني لفرض السيطرة علي الدولة، في الوقت نفسه، لدي الأقليات الدينية مطالب أساسية للاعتراف الرسمي
بهم، ونيل درجة عادلة من التمثيل السياسي، ولاشك أن هناك قضايا في تنظيم العلاقات السياسية بين أصحاب الديانات المختلفة لاتزال معلقة، ولم تحسم بعد. 3 من الجوانب المهمة في احتواء الصراعات الدينية ضمان الدستور الهندي لحرية الدعوة الدينية، مع تدخل المحكمة العليا الهندية عن طريق القانون لتنظيم الأعمال الدعوية لمنع ممارسة التبشير، والدعوة للتحول بين الأديان بطريقة ضارة، مما يعني ترسيخ فلسفة معينة لتنظيم هذه العملية رسميا، وبما يحقق مصلحة عامة للدولة، وفي ظل دستور ليبرالي، اعتاد الناس تدخل الدولة في بعض مجالات الحياة الاجتماعية بهدف ضمان " مبدأ المساواة " مثل التدخل في قوانين الأحوال الشخصية. 4 فرضت حقائق التعددية الدينية في الهند علي مسلمي شبه القارة الهندية " التأقلم " مع هذه التعددية، والتجاوب مع معطيات المجتمع التعددي، هذا، مع ملاحظة أن الدولة أرجأت مؤقتا مسألة التدخل المباشر لتغيير القوانين الشخصية الخاصة بالمسلمين علي غرار ما فعلت بالنسبة للهندوس، ولا ينفي ذلك الجدل الدائر حول حدود تدخلات الدولة فيما يتعلق بمجال الشريعة . سياسة واقتصاد يقال في الهند إن الفقراء هم الذين يحددون المستقبل السياسي لجميع من يخوضون الانتخابات، الرئاسية والعامة، نظرا لعددهم الكبير، ولذلك يسعي السياسيون لاسترضائهم، حيث يوجد في الهند أكبر تجمع بشري للفقراء في العالم، ويعيش حوالي 300 مليون نسمة تحت خط الفقر . هذا بالرغم من أن الهند حققت قفزة نوعية اقتصاديا بدءا من بداية تسعينات القرن الماضي، ولكن كان لقصة الصعود عثراتها المتكررة . وفي عام 1991 كانت الهند تقريبا مفلسة، وقد بلغ التضخم 17 % مما أدي إلي تآكل الدخول المنخفضة، وأصبح اثنان من كل خمسة هنود يعيشون تحت خط الفقر، وانهارت الموارد المالية للحكومة، وأضحت الهند أمام كارثة محققة . ومن المفارقات أن بداية انفتاح وإصلاح الاقتصاد الهندي جاء علي يد راجيف غاندي فيما اعتبره كثيرون تنكرا لاشتراكية الجد والأم ، ولكن خطورة الموقف الاقتصادي دفعت راجيف غاندي إلي اتخاذ قرارات مهمة منها تغيير القوانين للسماح بزيادة الصادرات والواردات، وبعض الإعفاءات الضريبية، وخفض عدد الصناعات التي يلزمها الحصول علي تراخيص لإنتاج السلع، ومضاعفة القيود المناهضة للاحتكار، والسماح للشركات بالتضخم حتي مستوي 80 مليون دولار، ومضاعفة عدد الهواتف، وإلغاء دعم الحكومة لبعض السلع، وحققت هذه الإجراءات نتيجة سريعة، حيث زاد معدل النمو، وتشغيل العاطلين في الشركات، وزادت الصادرات، ولكن هذه التحسينات تراجعت أمام الانتقادات القوية الداخلية، وعارض اليسار جهود الإصلاح . وفي عام 1996، أدت فضيحة فساد ضخمة بالناخبين للإطاحة بحزب المؤتمر، وانتخاب تحالف ذي ميول يسارية يضم حزبي الفلاحين والعدالة الاجتماعية، وتوقفت الإصلاحات الاقتصادية وأضحت الحكومات منذ سقوط حكومة راو في 1996 حكومات غير مستقرة، وبعد عقود من حكم الحزب الواحد، حكمت الهند أربع حكومات مختلفة علي مدي عقد، ثم عادت عجلة الإصلاح الاقتصادي من جديد . وفي هذه الأثناء، بدأ الصعود الصاروخي للاقتصاد الصيني، وبدأ المثقفون ورجال الأعمال في الهند في اكتشاف " الخطر " الذي يمثله صعود الصين، وعلق أحدهم " ستغرقنا الصين إذا لم نفعل شيئا " في إشارة إلي غزارة المنتجات التي تنتشر وتحمل عبارة " صنع في الصين "، وشرعت الهند في اقتباس خطوات الإصلاح الصينية، وتقول روبين ميرديث في كتابها " الفيل والتنين " لقد استجابت الهند والصين للعولمة، وتم انتشال 200 مليون هندي وصيني من مهاوي الفقر، وانتقل عشرات الملايين إلي مصاف الطبقة المتوسطة. غير أن نقطة الضعف في الهند استمرت فيما يتعلق بالبنية الأساسية، بالرغم من بناء حوالي 3355ميلا من الطرق السريعة، وانفاق ملايين الدولارات لتجديد المطارات المتهالكة، والموانئ والطرق، والاتصالات السلكية واللاسلكية، وتقول روبين ميرديث إن القطاع الأكبر من بنغالور، ثالثة كبري مدن الهند، لاتزال جزءا من العالم النامي، واشتهرت بنغالور بأنها " وادي سيليكون الهند " وموطن عباقرة التكنولوجيا، ويتركزفيها نصف صناعة التكنولوجيا الحيوية المتنامية في الهند وشركات غربية منها جنرال إليكتريك وفيليبس اليكترونكس وانتل ونوكيا. وفي 2009 2010 وصل معدل نمو الاقتصاد الهندي في حدود7 .6 %، وكان قد وصل منذ سنوات إلي 9 %، وضخ المستثمرون الأجانب 2 . 7 مليار دولار في الأسهم، وتحدث كثيرون عن " النمر الهندي"، وإمكانات النمو التي يوفرها التعاون التجاري والاقتصادي مع الاقتصاد العالمي، ووصل إجمالي الناتج الوطني للفرد 950 دولار، ولكن الأزمة المالية العالمية ضربت الاقتصاد الهندي بقوة، ليضاعف من مشكلات الهند الاجتماعية الخطيرة، ويقول الكاتب كيشور محبوباتي إن 300 مليون مواطن هندي يعيشون تحت خط الفقر، وبالرغم من خطوات الإصلاح، فإنه من مشكلات الهند الكبري انتشار الأحياء الفقيرة، حتي في المناطق الحضرية، وتصل نسبة الفقراء إلي 30 % من اجمالي عدد السكان ، ويعيش الثلث علي دولار واحد لليوم، ولم يتجاوز مستوي الدخل المتوسط للفرد 720 دولارا، بسبب انخفاض انتاجية العامل الهندي، وليس من خطة محكمة للتعرف علي احتياجات سوق العمل، ويعاني هيكل العمالة الجمود، وتراجعت نسبة مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي من 50% في الخمسينات إلي 28% في اواخر التسعينات، لكن لايزال يعمل بالزراعة حوالي ثلثي السكان، ولم يطرأ سوي تغيير طفيف علي هيكل العمالة في قطاعي الخدمات والصناعة، ولا يستوعب قطاع الخدمات سوي 20 % من قوة العمل، فيما يسهم بنحو 47 % من إجمالي الناتج المحلي. تحديات خطيرة في أغسطس من عام 2011 عاشت الهند أحداثا فارقة عندما اضطر مجلسا النواب والشيوخ للتعهد بدعم قانون " حماية الشعب " الذي يقضي بتشكيل جهاز مستقل لمراقبة الحكومة الهندية . وجاءت هذه الخطوة بعد موافقة البرلمان علي قرار محاربة الفساد، استجابة لدعوة الناشط الهندي انا هازار الملقب بغاندي الجديد، والذي أضرب عن الطعام لأكثر من 12 يوما، واعتقلته السلطات بعد أن أيده عشرات الآلاف من الهنود الذين وقفوا وراء دعوته، وبعد أن أثارت فضائح الفساد في الهند غضبا شعبيا ودعوات عارمة للإصلاح، واستهدف الغضب الشعبي الطبقة السياسية، ورئيس الوزراء سينغ، وحزب المؤتمر الحاكم . وبعد أن كان حزب المؤتمر قد تعهد في 2009 بعد أن أعيد انتخابه باتخاذ اجراءات إصلاحية ولكنه لم ينفذها . وقد أظهر مسح منظمة الشفافية الدولية في عام 2010 أن ترتيب الهند جاء في المرتبة 87 بين أكثر الدول فسادا في العالم. ويلاحظ أن قضايا الفساد في الهند تتعلق أساسا بالمسؤلين، ورجال الحكومة، والسياسيين، والنواب ،حيث تم تجريم 100 عضو من مجموع 552 عضوا في البرلمان في قضايا الفساد، ويتردد أن قضايا فساد تتعلق بأسرة رئيسة البلاد براتيبها ديفسينغ باتل، لاستغلال زوجها وابنها صلة القرابة في جرائم تربح مالي، واستغلال نفوذ، ولذلك فإن المطالب الشعبية تركزت في المطالبة بلجنة مستقلة تتولي التحقيق مع مسؤلين في أعلي المستويات السياسية وحتي القضائية، وقد أضاعت جرائم الفساد في الهند مايربو علي 39 مليار دولار علي الدولة، وتتمثل الخطورة في أن الفساد أصبح في الهند وكأنه أسلوب حياة. ويعلق الكاتب براكريتي غوبتا علي مشهد مؤيدي الناشط غاندي الجديد بقوله إن الشعب الهندي كله وقف وراء الناشط ضد الفساد في الهند، ونقل معركته إلي أروقة السلطة، وتحدي أعلي المستويات الحكومية، إنها ثورة الهند المستلهمة من ثورات "الربيع العربي"، والتي ينزل الناس فيها إلي الشوارع، ويتواصلون عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ويكتبون شعاراتهم الثورية علي الجدران، وبعد أن طالت فضائح الفساد مسؤلين كبارا علي مدي سنوات، فقد هدد النشطاء بتنظيم عصيان مدني علي غرار ما نفذه غاندي الأصلي إبان الاستعمار البريطاني للهند. وبينما تستعد الهند لانتخابات الرئاسة في يوليو القادم، لفت الانتباه تصريحات رئيس حزب المؤتمر القومي شاراد باوار والتي قال فيها إن الرئيس القادم للهند يتعين أن يكون شخصية غير سياسية، بينما قال ممثل حزب بهاراتيا جاناتا إن رئيس الهند القادم يجب أن يكون صاحب سجل نظيف. وتبدو الهند بالفعل علي أعتاب منعطف مهم وحاسم بالنسبة لمهمات المستقبل علي الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، مع زيادة تطلعات وطموحات الطبقة المتوسطة التي تنمو بمعدل متسارع، وربما تتمثل المهمة الأولي في التصدي للتناقضات الاجتماعية والسياسية المتفاقمة، واحتواء التداعيات التي تترتب علي شكوي الملايين من التهميش الاجتماعي والسياسي، خاصة إذا ما ارتبط ذلك بجماعات أثنية تتنوع ثقافاتها، وتعاني الحرمان، فضلا عن انتشار مشكلات الأمية المخيفة والتي تصل إلي 48 %، وسوء التغذية التي تبلغ تكلفتها وفقا للبنك الدولي إلي 10 مليارات دولار، وضعف الإنتاجية، وانتشار الأمراض والأوبئة ، وتجارة الرقيق الأبيض . غير أنه من مشكلات الهند الرئيسية ما يتعلق بالإضافة إلي الفساد بتوريث المناصب السياسية ( رئاسة الأحزاب، وتولي مناصب كبري في إطار العائلة ) وهو نظام يساهم في إضعاف كفاءة السياسيين، ويهدد مستوي الآداء الحكومي، ويجعل من تولي المناصب السياسية مجرد وسيلة لكسب المال، ويجعل من الوزارات مجرد إقطاعيات تستنزف خيراتها، ما يهدد النموذج الهندي في مقتل . هل من مستقبل؟ توصف الصين بأنها "مصنع العالم"، أما الهند فتوصف بأنها "المكتب الخلفي"Back Office أي المكان الذي تنجز فيه أعمال الشركة ذاتها، والمهمات الخاصة بالتسيير والتشغيل، وذلك في إشارة إلي إعادة تشغيل مشروعات الأعمال الذي يجري في الهند، وفي العالم، أي ما يتعلق بالعملية الجديدة لنقل " عمل " ذوي الياقات البيضاء إلي ما وراء البحار والتي يطلق عليها اسم " Offshoring " والتي وضعت الهند علي خريطة سوق الشركات العالمية . لقد نقلت شركات الولايات المتحدة عبر هذا النظام ملايين الوظائف الفنية إلي الهند، وكذلك الشركات البريطانية والألمانية نقلت ملايين الوظائف إلي الهند وغيرها من دول العالم للاستفادة بالأجور المنخفضة، وتقليل التكاليف، وهي عموما من مظاهر ونتائج الثورة التكنولوجية، وقد حققت نتائج مهمة لصالح الاقتصاد الكوكبي. وبالنسبة للهند تحديدا، كانت الميزة تتركز في أن بها 100 مليون شخص يتحدثون الإنجليزية، ما شجع الشركات الأجنبية علي الاستفادة بهم . وتقول روبين ميرديث إنه بحلول عام 2015، تكون الولايات المتحدة قد نقلت عبر البحار حوالي 3.3 مليون وظيفة، كانت ستتكلف 136 مليار دولار في السنة . أما بالنسبة للهند فإن نظام (الأوفشورنج) فتح آفاقا جديدة في سوق العمل أمام شباب الهند، وضاعف من فتح المطاعم والوظائف الفرعية، ورفع من عدد مبرمجي الكمبيوتر وضاعف مرتباتهم، وزادت مبيعات السيارات، وساهم في وصول معدل النمو إلي 9 % في عام 2006 . أما عن التوقعات فإن علماء الإسكان والسكان يتنبأون بأن الهند ستصبح في عام 2030 أكثر مناطق العالم في عدد السكان متجاوزة للصين، وبعدد سكان يصل إلي 1.45 مليار نسمة، ومن التنبؤات أيضا أن يصبح اقتصاد الهند ثالث أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة والصين، وسوف تمتلك الهند في عام 2030 أكبر قوة عاملة في العالم لأن 68 % من سكانها سيكونون في سن العمل، ما يعني أن توفير الوظائف الجديدة في الهند سيكون ضرورة قصوي، أي مسألة حياة أو موت بالنسبة للمجتمع والدولة الهندية.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.