يعرض الباحث النيوزيلندي، الدكتور ورويك موراي، في كتاب له ترجم إلى العربية مشكلات العولمة في مجالات مختلفة كما يعرض انواعها وتصوراته في مجال الحفاظ على المفيد منها، والتخلص مما هو ضار بالنسبة إلى بعض شعوب العالم ويدعو إلى عولمة جديدة. ويتحدث عن الجغرافيا والعولمة في كتابه "جغرافيا العولمة..قراءة في تحديات العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية"، وقد ترجم الكتاب إلى العربية المغربي الدكتور سعيد منتاق.
الكتاب جاء في 447 صفحة متوسطة القطع وورد ضمن سلسلة (عالم المعرفة) التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت.
وجاء في كلمة الناشر في التعريف بالكتاب انه "يعرض لجغرافيات العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية المترابطة ويفحص أثر التحولات العالمية على ارض الواقع معتمدا أمثلة من قارات مختلفة، ويبحث في تحديات العولمة البيئية ونتائجها في الدول المتقدمة والعالم الثالث ويقترح إطارا جغرافيا لعولمة تقدمية."
والمؤلف هو كما وصف في الكتاب مفكر في مجال الجغرافيا البشرية ومتخصص في أماكن أمريكا اللاتينية وهو حاليا أستاذ في جامعة فيكتوريا في نيوزيلندا.
ويستهل موراي كتابه بفصل يحمل تساؤلا هو (ماتت الجغرافيا؟ ظهور العولمة)، يبدأ بالحديث عن التطورات السريعة التي شهدها العالم في مجالات عديدة ويقول "إننا نعيش في عالم لم يحلم به عدد من أجدادنا وعادة ما نسمع مقولة إنه "عالم صغير" جدا ويرتبط كثير من هذا بثورة القرن العشرين في تكنولوجيا النقل والاتصالات التي استولت على الخيال الشعبي... إننا نعيش -لو صدقنا المقارنة المبالغ فيها- في "قرية عالمية" والمصطلح الأكثر شيوعا للإحالة على هذا التقلص الواضح هو "العولمة".
"وباستعمال مفهوم "العولمة" على نحو متزايد لترشيد مجموعة واسعة من الخطط الاقتصادية والسياسية ولشرح وفرة من العمليات والنتائج الثقافية والاجتماعية والاقتصادية اتخذ المفهوم قوة هائلة على الرغم من انه لم يحدد دائما بشكل جيد او يقوم بشكل نقدي في الاستعمال الشعبي او الاكاديمي. ومن الصور الشائعة للعولمة انها عملية تفتح مثل بطانية عبر العالم وتنشر.. تجعل اقتصادات العالم ومجتمعاته وثقافاته متجانسة.. عندما تسقط تصبح كل الاماكن متشابهة.. لا تعود الحدود مهمة وتختفي المسافة."
أضاف أنه اعتمادا على هذه الاتجاهات "تنبأ الناس بموت الجغرافيا منذ ما يقرب من اربعة عقود" حيث يرى بعض الباحثين "ان تطور تكنولوجيات النقل والاتصال وتدفقات الاشخاص المكثفة التي نتجت عن ذلك يعني ان المكان لم يعد المصدر الرئيس للتنوع. وقد استعمل الجغرافيون وعلماء اجتماع آخرون عددا من المصطلحات الاخرى لهذه العملية بما في ذلك "تدمير الزمن للفضاء" و"التقاء الزمن بالفضاء" و"انضغاط الزمن والفضاء" واصبحت العدوى الاقتصادية كلمة طنانة في القطاع المالي."
لكنه لا يتبنى تماما ما ورد عن الجغرافيا وقال في هذا المجال "والهدف الجوهري من هذا الكتاب هو توضيح ما يلي: مع التغيير الاساس الذي تحدثه العولمة في طريقة تدفق الاشخاص والسلع والمعلومات وتفاعلهم تنشأ جغرافيات جديدة ومعقدة. وهناك ملاحظتان تحذيريتان يجب الاشارة اليهما حالا حول مفهوم "تقلص العالم"
"أولا المسافة النسبية بين بعض الاماكن والناس اصبحت اكبر.. مثلا تزايدت فجوة الدخل بين افقر الشعوب وأغناها في الخمسين سنة الماضية. وأولئك الذين يستخدمون الانترنت قد يستمتعون بالتواصل السريع مع أصدقاء بعيدين يبدون كأنهم في الجوار لكن الاغلبية الذين لا يستطيعون الوصول الى هذه التكنولوجيات قد اصبحوا نسبيا معزولين اكثر. وباختصار.. بدلا من خنق الارض كبطانية ألقت العولمة شبكة عبرها مما زاد في التمييز المكاني فيها."
وتحدث عن "تأييد العولمة" و"مناهضة العولمة" فقال عن التأييد "ترى وجهة النظر هذه انتشار اقتصاد السوق والمنافسة والتجارة الحرة والديمقراطية الغربية -اي العولمة كما تمارس حاليا- هي اتجاهات تقدمية مهمة. وتعتبر الرأسمالية خيرا اخلاقيا يعزز الفعالية والنمو الاقتصادي ويؤدي الى مكاسب الرفاه العالمي على العموم. هذا النوع من الرأي هو الذي يرتبط بصندوق النقد الدولي ومؤسساته الشقيقة.. البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية."
اما عن مناهضة العولمة فقال "يؤمن هذا المنظور بأن العولمة تشكل تهديدا للمجتمع والمحيط المحليين بطريقة تعيد اصداء الاستعمار في الماضي ويرى البعض ان من تثقل كواهلهم بالحمل الاثقل هي المجموعات التي همشت بالفعل خاصة في العالم الفقير. بحسب هذا الرأي تنمي العولمة -ولا تقلص- التفاوت في التطور وتديم الظلم بطرق لا رجعة فيها."
وفي الفصل الاخير الذي حمل عنوان (تحيا الجغرافيا .. العولمة التقدمية) قال موراي "اطروحتي الخاصة هي ان العولمة حقيقية وأننا نعيش في ازمنة جديدة. ومن ناحية اخرى روابطنا في الماضي واضحة. اننا نعيش في عصر الامبريالية الجديدة والامبريالية اليوم ماكرة.. وبرنامج العولمة والعمليات التي نمت منها مرتبطة من قرب بتوسع رأسمالية الاحتكار. يشار الى هذا في احوال كثيرة باقتصادات "السوق الحرة".