يقول كتاب "الجذور الشرقية للحضارة الغربية" "تأليف جون إم. هوبسون وترجمة منال قابيل" عن دار "الشروق الدولية ، أن أكبر معيق لحوار الحضارات اليوم هو فكر المركزية الأوربية المسيطر على عقول الظالمين وعلى عقول المظلومين أيضاً، لذلك يتفرغ الكاتب لتصفية الحساب مع هذا الفكر المحمل بالعنصرية الضمنية، والذى يهدد اليوم بإفناء الحياة على الأرض بفعل الصراعات التى أثارها وما زال يثيرها. ووفق عرض الكاتب السوري ثائر الدوري بصحيفة " العرب اللندنية" فقد جاء الفصل الأول بعنوان " اكتشاف الغرب الشرقي" ويقول إنه عندما يتم عزو الحضارة جلها إلى الأوربيين يتشابه الإدعاء مع ما يمكن أن يسمعه أى عالم انتربولوجيا فى يوم من الأيام من القبائل البدائية...". يعتقد مفكرو المركزية الأوربية أن الغرب له سلسلة نسب مستقلة بذاتها. تبعاً لهذا النسب أنجبت اليونان القديمة روما، وتولد عن روما أوروبا المسيحية، وأنجبت أوروبا المسيحية عصر النهضة، وأنجب عصر النهضة عصر التنوير، وأنجب عصر التنوير الديمقراطية السياسية والثورة الصناعية. إن مزج الصناعة بالديمقراطية أثمر بدوره الولاياتالمتحدة التى جسدت حق الحياة والحرية والبحث عن السعادة. ويقولون إن الغرب النقى المستقل بشكل تام عن الشرق هو على قمة العالم منذ عام 1492م بفضل عقلانيته العلمية المبدعة المتفردة وقلقه المنطقي، وخصائصه التقدمية / الديمقراطية. يفند الكاتب فى كتابه هذا الإدعاء الخاطئ. فالغرب والشرق بقيا متصلين من خلال العولمة الشرقية منذ عام 500 م، وأن الشرق هو من صنع نهضة الغرب لذلك يستبدل مفهوم الغرب الاستقلالى النقى بالغرب الشرقي، حيث لا يوجد خط فاصل بين الشرق والغرب لا فى الجغرافيا ولا فى التاريخ. فاليونان أصلها أفرو- آسيوى والشرق كان أكثر تقدماً من الغرب فى كل مجالات الحياة حتى عام 1800 م. وإن الشرق هو سبب نهضة الغرب لسببين، أولهما الاقتصاد العالمى الذى خلقه الشرقيون بين عامى 500-1500 بما يمكن أن نسميه العولمة الشرقية، والسبب الثانى هو الاستيلاء الاستعمارى الغربى على موارد الشرق بعد عام 1492 م. وهذان الطرحان يعارضان فكرة مركزية أوروبا التى تدعى أن الحضارة الغربية ولدت بطريقة التوالد العذري، أى بتطورات داخلية صافية دون مؤثرات خارجية "شرقية"، وحتى النظريات ذات الطابع الإنسانى كالماركسية وقعت بهذا المطب. يقول الكاتب إن تهميش الشرق له مغزاه لأنه يحجب ثلاث نقاط رئيسية: الأولى : أن الشرق قاد تنمية اقتصاده بعد عام 500 م، والثانية: أن الشرق شكل الاقتصاد العالمى وحافظ عليه بعد عام 500 م، والثالثة والأهم : أن الشرق ساهم بشكل مهم وإيجابى فى نهضة الغرب عن طريق قيادته، وتوصيله لكثير من الموارد الفكرية " مثل التكنلوجيا – المؤسسات – الأفكار " إلى أوروبا. تباعاً تفترض فكرة المركزية الأوربية - وفق عرض الكتاب ب"العرب اللندنية" - أن بزوغ أوروبا كحضارة متقدمة بدأ حوالى عام 1500م، وأطلق عليه عصر الاستكشاف الأوروبي. وقد أدى هذا بدوره إلى إزالة الحواجز التى فصلت الحضارات الرئيسية، وبالتالى أفسحت الطريق أمام عصر العولمة الغربية المقبل الذى بزغ فى القرن التاسع عشر ونضج بعد عام 1945 م، ويقول "إن اقتصاداً عالمياً – أنهى عزلة حضارية – كان قد بدأ فعلياً فى القرن السادس خلال عصر الاستكشاف الأفرو-آسيوي..... ولقد دخل ما يطلق عليهم "الرواد الأوربيون" تلك الدائرة العالمية – الموجودة بالفعل – بشروط أملاها عرب الشرق الأوسط والفرس والأفارقة". يميز الكاتب بين نوعين من القوة الاقتصادية الشاملة: قوة "انتشارية" وقوة "تكثيفية". القوة الانتشارية تشير إلى قوة دولة ما، أو منطقة ما على تصويب مجساتها الاقتصادية خارجياً نحو العالم، بينما تشير القوة التكثيفية إلى مستوى عال من القدرة الإنتاجية داخل حدودها. فالشرق الإسلامى احتفظ بين عامى 650 م – 1000م بأعلى مستويات القوتين: التكثيفية والانتشارية، وفى عام 1100 م انتقلت ريادة القوة التكثيفية إلى الصين وبقيت هناك حتى القرن التاسع عشر، لكن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا " العرب " استمروا بمستويات عالية من القوتين التكثيفية والانتشارية حتى " عقود عديدة " من القرن الثامن عشر. كما يثبت المؤلف أن العولمة بدأت مبكراً عام 500 م، فالفرس والعرب والجاويون واليهود والهنود والصينيون خلقوا اقتصاداً عالمياً وحافظوا عليه حتى 1800 م وقد كانت هناك حرية مرور للبضائع بضرائب منخفضة، كما ظهرت أعراف رأسمالية لدعم التجارة العالمية. وأوجدت التجارة العالمية تغيرات فى بنية المجتمعات فنقلت الأفكار والمؤسسات إلى جانب البضائع وهو ما أدى إلى إعادة تشكيل جذرية للمجتمعات. يقول: "إن نشأة حكم تانج فى لصين "618 – 907 "، والإمبراطورية الأموية والعباسية الإسلامية فى الشرق الأوسط " 661- 1258 م " والفاطميين فى شمال أفريقيا " 909 – 1171 م " كان لها أكبر الأثر فى ظهور شبكة تجارة عالمية". يبحث الكاتب في فصل حول "تشكيل الهوية الغربية" عملية تشكل الأنا أو الهوية فى أوروبا التى يعتبرها لعبت دوراً حاسماً فى تشكل الإمبريالية، فالصين وكذلك العالم الإسلامى امتنعا عن الإمبريالية بسبب الهوية غير العنصرية رغم امتلاكهما كل أدوات السيطرة فى ذلك الوقت. فأوروبا التى كانت ممزقة بالصراعات بين الأقوام والحكام والبابوات وجدت أن الطريق الوحيد لوحدتها وتشكيل هوية واحدة هو تشكيل آخر "خارجي" تكون الأنا ضده. ومثلت الأنا كل ما هو جيد وخير مقابل الآخر: الشر المطلق. وقد اختار الأساقفة المسيحيون الإسلام كآخر لأوربا، فاخترعوا التهديد الإسلامى دون أن يكون هناك تهديد. وتطلب تضخيم التهديد الإسلامى الإشارة إلى التزامه بالمفهوم العالمى للجهاد "نفس الأمر يتكرر اليوم"، لكن الحقيقة هى لو أن المسلمين أرادوا اجتياح أوروبا فى ذلك الوقت لما وقف شيء فى طريقهم لكنهم لم يفعلوا لأن الجزء الغربى من أوروبا كان قليل الفائدة لهم.