«العمل»: تسليم شهادات تأهيل 40 متدربا على سوق العمل بالإسكندرية    بوتين يصف اتفاق مجموعة السبع بشأن الأصول الروسية المجمدة ب«السرقة» ويتعهد بالانتقام    الجيش الإسرائيلي يعلن رصد 35 قذيفة صاروخية أطلقت من لبنان    اتفاق ودي يحسم رحيل سامسون عن الزمالك    انتحار فتاة في الغربية بسبب رفض أسرتها زواجها من حبيبها    مصرع عنصر إجرامي خلال مواجهة أمنية في الدقهلية    لبنان يدين الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب البلاد    الحصاد الأسبوعي لأنشطة التنمية المحلية    السعيد: 6 مليار جنيه لتنفيذ 175مشروعا تنمويا بالبحر الأحمر بخطة عام 23/2024    السعودية تستقبل ألف حاج من ذوي الجرحى والمصابين في غزة    شباك التذاكر يحقق أكثر من 9 ملايين جنيه في منافسات الخميس    «البيئة»: زراعة 14 ألف شجرة مثمرة وزينة في قنا وأسيوط خلال عامين    رسميا.. كريستال بالاس يضم المغربي شادي رياض    تردد قناة الحج السعودية 2024.. بث مباشر للمناسك لمعايشة الأجواء    "ليس الأهلي".. حفيظ دراجي يكشف مفاجأة في مصير زين الدين بلعيد    تداول بضائع وحاويات 41 سفينة من ميناء دمياط    تضامن الدقهلية: ندوة تثقيفية ومسرح تفاعلي ضمن فعاليات اليوم الوطني لمناهضة الختان    بجمال وسحر شواطئها.. مطروح تستعد لاستقبال ضيوفها في عيد الأضحى    الأمين العام لحلف الناتو: توصلنا لخطة كاملة لدعم أوكرانيا تمهيدا لقرارات أخرى سيتم اتخاذها في قمة واشنطن    المهرجان القومي للمسرح يفتح باب المشاركة مرة أخرى بمسابقة التأليف المسرحي    القاهرة الإخبارية: مستشفيات غزة تعانى نقصًا حادًا فى وحدات الدم    طرق مختلفة للاستمتاع بعيد الأضحى.. «أفكار مميزة للاحتفال مع أطفالك»    ما حكم صيام يوم السبت إذا وافق يوم عرفة؟.. تعرف على رأي الإفتاء    "الأوقاف": إمام مسجد السيدة زينب خطيبا لعيد الأضحى    قبل ذبح الأضحية.. 4 أحكام شرعية مهمة يوضحها المفتي    الصحة: تقديم خدمة نقل الدم لمرضى الهيموفيليا والثلاسيميا في 14 وحدة علاجية بالمحافظات    أكلة العيد.. طريقة تحضير فتة لحمة الموزة بالخل والثوم    «التعاون الدولي» تصدر تقريرًا حول استراتيجية دعم التعاون الإنمائي بين بلدان الجنوب    «الإسكان»: إجراء التجارب النهائية لتشغيل محطة الرميلة 4 شرق مطروح لتحلية المياه    الفرق يتجاوز 30 دقيقة.. تعرف على موعد صلاة عيد الأضحى في محافظات مصر    "قومي المرأة": 42 وحدة مناهضة للعنف ضد المرأة بالجامعات و15 بالمستشفيات الجامعية    ختام فعاليات دورة التعقيم المركزي بمستشفيات الدقهلية    إزالة مخالفات بناء بمدن 6 أكتوبر والشروق والشيخ زايد وبني سويف الجديدة|تفاصيل    وزير الري يوجه برفع درجة الاستعداد وتفعيل غرف الطوارئ بالمحافظات خلال العيد    65% من الشواطئ جاهزة.. الإسكندرية تضع اللمسات النهائية لاستقبال عيد الأضحى المبارك    مقام سيدنا إبراهيم والحجر الأسود في الفيلم الوثائقي «أيام الله الحج»    كوريا الجنوبية وأوزبكستان تتفقان على مواصلة تعزيز الشراكة الإستراتيجية    27 ألف جنيه إيرادات فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة في يوم واحد    ذكرى ميلاد صاحبة أجمل عيون.. زبيدة ثروت «شمس لا تغيب»    «هيئة الدواء»: 4 خدمات إلكترونية للإبلاغ عن نواقص الأدوية والمخالفات الصيدلية    نصائح للحفاظ على وزنك في عيد الأضحى.. احرص عليها    القبض على 8 أشخاص فى أمريكا على علاقة بداعش يثير مخاوف تجدد الهجمات الإرهابية    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد الكبير بالمحلة    ماس كهربائي كلمة السر في اشتعال حريق بغية حمام في أوسيم    إصابة شخص صدمته سيارة أثناء عبوره للطريق فى الهرم    مصطفى فتحي يكشف حقيقة بكاءه في مباراة بيراميدز وسموحة    الجيش الأمريكى يعلن تدمير قاربى دورية وزورق مسير تابعة للحوثيين    تشكيل الاهلي أمام فاركو في الدوري المصري    أفضل دعاء للميت في يوم التروية.. اللهم اغفر له وارحمه    بدء المناسك ب«يوم التروية».. مشعر منى أول محطات الحج    حاتم صلاح: فكرة عصابة الماكس جذبتني منذ اللحظة الأولى    فرج عامر: واثقون في أحمد سامي.. وهذا سبب استبعاد أجايي أمام بيراميدز    الحركة الوطنية يفتتح ثلاث مقرات جديدة في الشرقية ويعقد مؤتمر جماهيري    محافظ شمال سيناء يعتمد درجات تنسيق القبول بالثانوي العام    يورو 2024| عواجيز بطولة الأمم الأوروبية.. «بيبي» 41 عامًا ينفرد بالصدارة    إنبي: العروض الخارجية تحدد موقفنا من انتقال محمد حمدي للأهلي أو الزمالك    حظك اليوم وتوقعات برجك 14 يونيو 2024.. «تحذير للأسد ونصائح مهمّة للحمل»    كتل هوائية ساخنة تضرب البلاد.. بيان مهم من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم الجمعة (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الحضارات المنغلقة إلي العولمة
نشر في نهضة مصر يوم 22 - 03 - 2006

قد يكون المدخل المناسب للكتاب تفحص تلك الصلة التي انعقدت بين السلطة والمعرفة بحسب ما صاغه ليكلرك نفسه في "الانثروولوجيا والاستعمار" (1972)، وانتهي لتأكيده ميشال فوكو. ففي ظل السيطرة تتنامي علوم ومعارف انسانية عدة، تحول القوة فيها الي عبارات وخطابات سياسية وثقافية تنحرف أحياناً باتجاه ادعاء الكونية.
بيد أن المنتجين لها هم، وفق الرؤية الايجابية للباحث، وسطاء يمثلون ممرات "عبور ما بين الحضارات"، وثمة من جانب آخر إمكان فك ارتباط "بين المعارف وبين السلطات" بواسطة تأويل و" انثروولوجيا عالمية وكوزموبوليتية عبارة للحضارات".
يريد ليكلرك إبراز البعد الثقافي في العولمة ودور المثقفين بوصفهم نخباً عالمية تسعي لتفاهم انساني، ويريد بالتالي مقاربة مختلفة لموضوع الحضارات والتفاعل بينها.
تمتاز الثقافة عن غيرها بكونها لا مادية تأخذ شكل التبادل الكلامي، وتستفيد الآن من ثورة الاتصالات وتنعكس من ثم علي انتاج الخطابات الاثنوغرافية والانثروولوجية الحدثية ويغلب علي العالم الراهن الجديد التبادل الثقافي. وتأتي العولمة الثقافية بمثابة "الحالة النهائية للعولمة الاقتصادية" في غياب واضح "لمركز" وحيد مطلق. ما يعني غياب الحضارات المعزولة ذات المراكز والحدود المغلقة، بل انها أحياناً تتصارع في سبيل إعلاء مشروعها "الخلاصي" وحده علي سائر أفراد البشرية.
ليشير الباحث الي دور النظرية التطورية في رسم صورة عن حضارات متفرقة ومتأخرة تتقدمها أوروبا وتشكل نموذجاً يمكن تتبع خطاه. وكذا الأمر في فلسفة التاريخ التي ركزت علي الحضارات الكبري (هيجل علي سبيل المثال) وأثمرت "رؤية مركزية" تتوسطها الوقائع الأوروبية. بيد أن القرن العشرين المنصرم وحروبه وما رافقه من استعمار طرح أسئلة جديدة واحتمالات حضارية مقابلة تزيل الحصرية وتفتح الأفق علي صور ممكنة أخري للحداثة، إذ إن توينبي (دراسة المجتمعات) وبروديل (دراسة الحضارات) انطلاقاً من التبادل الاقتصادي جهدا في فهم "التواصل في الزمان والتقطع في المكان"، وحاولا إنشاء "أول تاريخ عالمي" تحتل فيه أوروبا مكانة نسبية. وعلي كل شيء أن يجد "موقعاً علي سلم العالم" كما يقول بروديل، الذي اهتم أيضاً بمسألة الاستعارة في الحضارات وانتقال الثروات الثقافية.
تميزت الألفية الثانية بانتهاء انغلاق الحضارات علي نفسها بإرادة ذاتية أو بفعل السيطرة في ظل عالمية افتتحت مساراً صاعداً بفعل العلم وقوة التقنية والصناعة. ومع اكتشاف الآخر وإزالة الحواجز وتعلم التسامح ارتسمت معالم "كوزوموبوليتية" حقة. وليكتمل هذا المشهد يستعيد ليكلرك ما يطلق عليه "الاثنية المركزية" التقليدية في الحضارات الكبري. فيبدأ بالاسلام وموقفه من "الغريب" معتبراً أن الاسلام الكلاسيكي تميز فعلاً بالشعور بالتفوّق علي الغريب واحتقاره أياً كان وأينما كان، مستنداً الي اللامبالاة المعرفية إزاء الفرنجة. مقابل الاهتمام الزائد بحضارات الشرق القديمة. ولم تشهد العلاقات بين أوروبا والاسلام تحوّلاً إلا مع الثورة الفرنسية ولاحقاً مع حملة نابليون عام 1798 علي مصر. ثم يعرض ليكلرك لموقف الهند من الغريب حيث تحذر النصوص القديمة من الآخر "البربري" أو "الغرب المنحط" وتبدي عدم اهتمام بمعرفته. وكذا الأمر في موقف الصين التي تعد نفسها مركز العالم والحضارة و"تعامل الغرباء كأنها تنظر إليهم من فوق"، إلا أنها أحسنت وفادة المبشرين رغبة منها في ما يملكونه من تقنية، وهؤلاء أملوا في تحويل هذه السلطة وسيلة لرسالتهم. وانتهي الأمر بكشف الصين علي أوروبا أكثر من تعرف الصين علي أوروبا. بيد أن الأمر مع اليابان يختلف من الحضارات الثلاث آنفة الذكر وفقاً للباحث فثمة تشابه بينها وبين أوروبا بوقوعهما عند أطراف العالم واستعارتهما للثقافة، ما سهل القبول بالتأثيرات الخارجية مع إخضاعها للمراقبة.
ومن الحضارات المنغلقة والمنفصلة والمتراجعة الي العولمة سيرورة يستعين ليكلرك بكبار الباحثين لإدراكها نظير فاليرشتاين وتميزه بين الامبراطوريات العوالم والاقتصادات العوالم والتي أخذت في حاضرنا اسم النظام العالم. ونظير مارشال هودغسون في محاولته تفسير فقدان الاسلام مركزيته (وتحديداً بسبب هذه المركزة) لمصلحة الغرب. فأوروبا متعدة المركز، وريثة كثير من التقاليد الثقافية (روما الهللينية، اليهودية) والحضارات القديمة (روما، بيزنطية، الاسلام) حاولت إقامة صلات مع أطراف العالم، وهذه ميزة مهمة لحاجتها الي كسر العزلة والتوسع والبحث عن موارد وثروات جديدة. كما أن تعدد الممالك الأوروبية أدي الي الصراع وبالتالي الي التنافس وإذكاء روح المغامرة. ويؤكد الباحث علي دور التعددية أي الصراع الثقافي في منح دينامية وقوة لأوروبا. فبسبب صراعاتها الدينية والايديولوجية ربطت نفسها بالعالم الخارجي بحثاً عن الثروات أي "أن الصراع من أجل السيطرة علي القارة الأوروبية في العصر الكلاسيكي أدي الي الصراع من أجل سيطرة أوروبا علي العالم". ولا ينزع الباحث عن الحضارات الأخري صفة التعدد، ولكنه يميز تلك الخاصة بأوروبا بكونها تتحرك ضمن التاريخ ولها خاصية الابداع. لكن، ما الذي صنع لحظة أوروبا (النظام العالم الرأسمالي) التاريخية؟
الاكتشافات البحرية بداية وخصوصاً الأطلسي (علي يد البرتغاليين)، إذ عني ذلك انتقال الطرق التجارية من المتوسط وانتهاء الموقع الطرفي لأوروبا لتكون الحضارة المركزية والمهيمنة بوساطة القوة والتجارة والمنافسة، بحيث اختتم القرن الثامن عشر بولادة نظام عالمي جديد (امبريالية أوروبية) أساسه اللامساواة بين أوروبا وآسيا، وفي خضم ذلك اكتشفت أوروبا علي الصعيد الثقافي "تاريخ العالم".
ومن خلال حملة نابليون علي مصر تماهت إرادة القوة بإرادة المعرفة في مشروع "إشاعة التقدم ونشر الأنوار" في البلد المحتل وتبدي ذلك في "علم المصريات" وولادة مؤسساتية للدراسات الاسلامية والاستشراق في فرنسا، وبروز رواده المعروفين برؤاهم المختلفة في ألمانيا وانجلترا وهولندا. كما ظهرت الدراسات الهندية علي يد الباحثين الانجليز ومن أهم انجازاتها إعادة الكشف عن البوذية في حركة سيتابعها لاحقاً "الاستشراق الألماني" الي جانب درسه مجتمعات الشرق القديمة، وكانت أيضاً ولادة "علم الصينيات" علي يد اليسوعيين انطلاقاً من فكرة "حب الصين".
انصب الاهتمام الغربي إذاً، حتي حدود القرن التاسع عشر، في شكل رئيسي علي تاريخ الحضارات التي ساهمت بطريقة أو بأخري في صنع الحضارة الغربية. وارتبط التاريخ العام بأصول هذه الأخيرة (وخصوصاً التوراة). بيد أن تصورات جديدة عن الزمان والانسان دفعت باتجاه كتابة جديدة لتاريخ العالم يقوم في جزء منه علي أهواء سياسية أيديولوجية تفترض "قرابات استيهامية وتسلسلات تاريخية وهمية بين الشعوب والاثنيات والحضارات والثقافات والأعراف" تستند الي العالم الهندوأوروبي في مقابل العالم السامي كما يقول ليكلرك وكانت النتيجة أن نقل الاستشراق الرومنسي نقطة الارتكاز الدينية من أرض اليهودية الي الهند ونقطة الارتكاز الفلسفية من اليونان الي الهند.
ومن خلال الامبريالية والنمط الاستعماري أرست الحضارة الغربية شكل علاقاتها مع مختلف الحضارات الأخري (السنوات المفصلية 1850 1860) ومن تداعياتها بداية ولادة "العالمية"، بمعني ظهور عالم يجري فيه تبادل السلع والأفكار ويفرض العلم والتقدم التقني نفسه فيه، ويزدهر دور "المثقفين" (رحالة وتجار ومستشرقين ومستغربين ومترجمين...) القادمين من خلف البحار بوصفهم "وسطاء العالمية" ورسلها، غير أن مسيرة "تغريب العالم" كانت أقوي بما لا يقاس. وينسب الباحث ولادة "المثقف" العربي الحديث الي اكتشاف الاسلام مجدداً لأوروبا من خلال الاحتكاك المباشر (نموذج رفاعة الطهطاوي)، ما أدي بالتالي الي وعي التفاوت الحضاري بين العالمين وضرورة الاصلاح والتحديث والنهضة وإعادة صوغ العلاقة بين الدين والمجتمع والدولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.