حضور كثيف شهدته ندوة المفكر الكبير جلال أمين بمكتبة الشروق بالزمالك الاثنين الماضى لم يقلل من روادها كونها فى نفس يوم ذكرى التنحى الثانية. الندوة التى أدارها الكاتب الصحفى وائل جمال، وحضرها المهندس إبراهيم المعلم، الذى بدأ الندوة متحدثا عن كون الكتاب رصدا مهما للتجربة الاقتصادية المصرية منذ عهد محمد على، وحتى الآن بطريقة مهضومة لا تعتمد على فزلكة سياسية، والجميل فيها طبقا لوائل جمال أنها مكتوبة بطريقة تشابكت فيها السياسة بالاقتصاد بشكل حقيقى وأنها محاولة لاستقراء التطور الاقتصادى المصرى ودور العناصر الخارجية المؤثرة عليه وكيفية عدم ملاءمة النظريات الخارجية للداخل المصرى ويوضح الكتاب أن الديون تفسر عوامل انهيار الاقتصاد المصرى.
أما الكاتب جلال أمين فعبر عن سعادته بحجم الحضور رغم حالة الزخم الثورى التى تسود الأجواء حاليا، وفى الوقت ذاته داعب أمين الحضور، قائلا إن مكتبات «الشروق» أصبحت له مرتبطة بالبؤر الثورية ويتفاءل دوما بندواته بها، حيث تكون بالنسبة له تمهيدا لأشياء مهمة تحدث بعدها وأنه يتفاءل بها لهذا السبب.
ومازح جلال أمين الحضور أنه يحدثهم عن كتاب جيد وأنه يعتبره من أفضل أعماله وبرغم كونه فى الاقتصاد وجلال أمين لا يحب الاقتصاد طبقا لقوله - فإنه ممزوج - بالتطور السياسى لهذه الفترة بكل قوة، وأضاف جلال أنه يعتبر فشل معظم الاقتصاديين فى التحليل الحقيقى للعناصر التى تؤثر على الاقتصاد المصرى يعود لعدم مزجهم كل هذه العوامل.
والكتاب مبنى فى جزء كبير منه على محاضرات ألقاها أمين فى الجامعة الأمريكية، وهو ما يراه أمين سبب قوة الكتاب وخصوصا أنه وجدها مسموعة فكان يحاول جاهدا جذب المستمعين لمحاضراته، واجتهد فى جذب الحضور لها لذا كانت هذه الأجزاء هى أقوى عناصر جذب القارئ.
ووضح جلال أن أهم فترات مصر الاقتصادية هى فترة حكم محمد على والفترة من عام 1955 وحتى ما قبل عام 1967 فى فترة حكم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وهى التجربة التى وصفها امين بالفترة المبهرة ووصف جلال أمين كل من يحاول التقليل من هذه الفترة بأنه شخص غير محايد ويتحدث فقط من منظور كراهيته لجمال عبدالناصر فقط ولا علاقة لها بالاقتصاد.
وهى الفترة التى ساعد على قوتنا وقتها الحرب الباردة ووجود معسكرين متناحرين، وهو ما استفاد منه عبدالناصر مثلما استفاد محمد على قبله من حرب إنجلترا وفرنسا، وأكد أننا ما زلنا نحيا فى وضع الاقتصاد المصرى منذ عام 1976، وكيف اتفق الخارج علينا كمصريين.
وأشار جلال أمين إلى أن أولى محاولاته للشرح كانت عام 1979 عندما ألف كتابا بعنوان «المشرق العربى والغرب» وقتها نصحه بعض أصدقائه ألا يلقى مسئولية الجزء الأكبر من انهيار الاقتصاد المصرى على الغرب، وهو ما رفضه أمين لأنه لا يكتب إلا الحقيقة، وهو ما يوضح ماذا حدث لنا بعد ثورة يناير من إضاعة وقت كبير فى حوارات لا جدوى منها ووضعنا أنفسنا كمجالس استشارية وانشغلنا بأمور ليست حاسمة فى وضعنا الحالى.
ولم نبحث حول أهم سؤال وهو مدى تحررنا كمصريين من التبعية للخارج. وهى كلها أسئلة مهمة جدا تحدد خطواتنا التالية ولكن العجيب والغريب طبقا لتساؤل جلال أنه لم يسألها أحد وأكد ان انهيار محمد على ومن بعده عبدالناصر لهو نتيجة للحصار الذى فرضه عليهما الغرب وليس لأخطاء اقتصادية فى التطبيق وضرب مثلا بالثورة الصناعية فى إنجلترا، وكيف أنهم كانوا يشيدون مصانع لمجرد تشييد مصانع وبدون حتى دراسة جدوى.
وأن قرار الانفتاح الذى اتخذه السادات لم يكن قرارا جيدا بل ولم ينبع منه بل اضطر لاتخاذه تحت إملاءات خارجية، وهو الوضع نفسه الذى صاحب وزارة أحمد نظيف التى كانت أهم ميزاتها أنها تسمع الأوامر جيدا وتنفذها كما هى وأول ما قدموه بعد فترة قليلة من مجيئهم كان اتفاقية الكويز التى ساعدت إسرائيل فى الإمساك بتلابيب الصناعة المصرية، وأضاف أمين أن الطريف فى الأمر أن الحكومة الحالية طالبت بتوسيعها أكثر من هذا.
وأضاف المستشار محمود فهمى رئيس سوق المال الأسبق أن فهرس الشيخ على الخفيف هو المرجع الأساسى لما يسمى ب«الصكوك الإسلامية»، وهو ما سيضرب البورصة المصرية فى مقتل. وأضاف فهمى أنه بالنسبة لمطالبة عصام العريان بعودة اليهود، وما يقال عن وجود حقوق لهم فى مصر أنهم أخذوها كاملة وأن وزارة المالية المصرية بها أرشيف كامل لعددهم البالغ 75 ألف شخص، ويوجد بعض الخزائن ببنوك مصرية وبأسماء هؤلاء الأشخاص بها نياشينهم ومتعلقاتهم.
وكان رد جلال أمين على تساؤله مؤكدا أن العالم العربى سيئ الحظ نتيجة لوجود إسرائيل ولامتلاكه البترول مما جعله مطمعا للدول الكبرى، وخصوصا أن هذه الدول لو تركتنا نتقدم لأصبحنا مصدرا لتهديدهم أكبر من الهند وجنوب أفريقيا، وأنه يجب علينا كعرب أن ندرك هذا، ونحاول النهوض بأنفسنا لكن الموضوع يحتاج للضمير ولحاكم غير تابع للخارج يختار معاونيه من الوزراء بعناية لكن هذا لا يحدث حاليا. وأكد جلال أمين أنه متفائل بالجيل الجديد من الشباب المصرى والعربى لأقصى حد وخصوصا انه جيل الثورة، وهو الجيل الذى يرفض التبعية للغرب وتحفظ أمين فى الوقت ذاته أن تكون جبهة الإنقاذ بكامل أعضائها تعارض تبعية مرسى للغرب لأنه، وكما يقول يوجد من بين أعضائها من لا يعارضون التبعية ورفض أمين ذكر أسماء من يعنيهم بهذا. لكن منهم الكثير من الشرفاء بالطبع ويقاومون تبعية نظام مرسى بكل قوة وصدق ورغبة منهم فى تقدم مصر بحق.
وحول من يقول إن سبب فشل الاقتصاد المصرى لهو داخليا وليس خارجيا وأن الشباب يجب أن يهدأ ولا يخرج فى مطاردات، رفض جلال أمين هذه المقولة تماما بل طالب الشباب أن يرفضوا تماما التبعية لأى نظام خارجى عن مصر وأن مصر لو قدر لها حاكم وطنى متخلص من التبعية للغرب فسينقلب حال العرب جميعا للأفضل. حتى لو كان مشروع الحاكم المصرى ليس قوميا كما كان أيام عبدالناصر.
وشكك أمين فى وجود سياسة اقتصادية لمن يحكمون مصر حاليا، وأضاف أنهم لا يشغلون أنفسهم أصلا بالاقتصاد بل يشغلونها بتمكين جماعاته وإيقاف الإعلام المضاد لهذا التمكين، وحول سؤال عن جدوى قرض صندوق النقد الدولى أكد جلال أن القرض لا يأتى سوى برضى الدوائر الرأسمالية الكبرى عن البرنامج المتفق عليه مع الدولة التى تحصل على القرض، وهو بالتأكيد برنامج ليس فى صالح هذا البلد.
وحول وضعنا الاقتصادى الحالى أضاف جلال أنه سيئ للغاية، وهو ما يعنى أن صندوق النقد الدولى قد طالب بأشياء لا يمكن قبولها فى الظروف المعتادة وهى الطلبات التى شبهها بطلبات تاجر البندقية فى مسرحية شكسبير الشهيرة، وهو ما يؤكده استقالة محافظى البنك المركزى والبنك الأهلى مؤخرا وهى استقالات بالتأكيد لها ما يبررها.
وحول توقف القرض حاليا أكد أمين أن أمريكا وأوروبا لم يعجبا بالحياة السياسية المصرية الحالية وخصوصا أنهم لم يتوقعوا هذه المقدرة الكبيرة للقوى الليبرالية وخصوصا بعد اعتمادهم على الإخوان وهنا الاعتماد الذى اكتشفوا انه لم يكن فى محله وخصوصا مع تخبطه الغريب وفساده غير المبرر.
وتوقع أمين ان مرسى ونظامه رضخ لطلبات المعارضة ولكن ليس تحت ضغط الثوار بل تحت ضغط تبعيته لأمريكا.
وحول تساؤل آخر عن دور المؤسسة العسكرية فى التنمية طالبهم جلال امين فقط بترك حكم البلاد وحملهم مسئولية الوضع الحالى نتيجة لأخطائهم فى حكم البلاد خلال الفترة الانتقالية طوال العامين الماضيين.
وحول سوء الوضع الاقتصادى الحالى حمله جلال أمين لحكومة هشام قنديل. وعدم قيامها بأى مجهود فى أداء واجباتها.
وأن أكد جلال أمين أن مصر دولة مهمة لدرجة أن العالم الرأسمالى لن يسمح بتركها لتسقط لكنه فى الوقت نفسه لا يسمح لها بأن تصبح دولة متقدمة وأنهم سينقذوننا من وضعنا الحالى لكنهم فى الوقت ذاته سيفرضون شروطا اقتصادية وسياسية قد تكون مفزعة قد تتعلق بسيناء. خصوصا أن معدلات الربح للدول المتقدمة تتراجع لدرجة انهم يبحثون عن موارد جديدة للتمويل قد تكون الاستثمار فى مجال مرافقنا الحيوية من خلال واجهة عربية هى قطر.
وأضاف أمين أن حل الأزمة الاقتصادية المصرية لا يحتاج لعبقرية بل يحتاج لوطنية. وأضاف أمين أن روشتته لإنقاذ الاقتصاد المصرى تتلخص فى ثلاث نقاط.
أولها تغيير 20 اسما لقيادات مصرية وثانيها العودة لكتب المطالعة القديمة فى التعليم لخلق جيل مثقف. وثالثها هو قطع كل الاتصالات مع السفارة الامريكية.