تستخدم الدول الساعية للسلام القوة العسكرية لهدفين رئيسيين: المحافظة على سيادتها وسلامة سكانها، وضمان تأجيل استخدام هذه القوة العسكرية إلى أبعد أجَلٍ ممكن. ومن هنا، فإن على إسرائيل أن تكرس جهودها، خلال المدة الزمنية الفاصلة بين جولات العنف، لتعزيز قدراتها القومية من النواحى. السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولمحاولة إخراج أعدائها من دائرة القتال، من خلال إبرام اتفاقيات سياسية وتحالفات استراتيجية.
لقد فشلت حكومة نتنياهو فى تحقيق أى من هذه الأهداف. ومثلما فشلت الحكومات الثلاث السابقة فى إنجاز تسويات، فشلت هذه الحكومة فى تحقيق الردع الذى يمنع تكرار جولات العنف وتقصير مدة الهدنة فيما بينها. لكن،
خلافا لحكومتى إيهود باراك وأولمرت، لم تسعَ هذه الحكومة لتحقيق اتفاقيات سياسية، وعلى نقيض حكومة شارون، فهى لم تعزّز التحالف الاستراتيجى مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. لا بل على العكس من ذلك، وهذا أخطر بكثير، فلقد كرّست سياسة «الجلوس والانتظار»، ولم تسعَ لمنع من أن تؤدى الانقلابات الاجتماعية وتغيّرات أنظمة الحكم فى العالم العربى وفى تركيا، إلى تأكل الأحلاف الاستراتيجية التى استفادت منها إسرائيل مع هذه الدول فى الأعوام الماضية.
ولقد كانت سياسة «الجدار الحديدى» التى طبقتها إسرائيل خلال عقود، ومضمونها هو سياسة القوة والتفوق العسكريين، سديدة وناجحة فى مواجهة الرفض العربى للاعتراف بحقوقها. لكن ذلك لم يجعل إسرائيل تنسى ضرورة اقتراح بدائل سياسية تقوم أساسا على تسوية دائمة يكتفى فيها كل طرف بنصف مطالبه. وهذا الشرط الرئيسى هو الذى أثمر معاهدتَيْ سلام، مع كل من مصر والأردن، بالإضافة إلى استعداد سوريا آنذاك إلى التوقيع على اتفاقية سلام وفق صيغة الأراضى مقابل السلام. ويمكن القول إن الاستخدام المشترك للردع العسكرى وللبحث عن حلول سياسية لم يؤد إلى تغيير عميق فى الوعى العربى تجاه الصراع، إلا أنه منح إسرائيل الفترات السلمية الأطول فى تاريخها، وهى المستمرة حتى الآن.
ومما لا شك فيه أن التفوق العسكرى والشرعية الدولية لإسرائيل هما اللذان دفعا منظمة التحرير الفلسطينية فى عام 1988 إلى استبدال الكفاح المسلح غير المجدى لتحرير فلسطين، أى «كامل أرض الوطن»، بالنضال السياسى لتحقيق تقرير المصير فى الضفة الغربية وقطاع غزة، أى «الدولة الفلسطينية» إلى جانب إسرائيل. ومن هنا، فإن رفضَ نتنياهو وليبرمان لمقترحات محمود عباس حول اتفاقية بهذه الصيغة، يقوّى حركة حماس، التى تطرح من جانبها سياسة «الكل أو لا شىء». ولا يصعب علينا أن نتذكر كيف أن حكومات إسرائيل المتعاقبة أضافت على ميزانية الأمن، فى العقد الأخير، نحو 48 مليار شيكل نتيجة عمليات الجيش الإسرائيلى فى الأراضى المحتلة، أو كلفة عملية «الرصاص المسبوك» (نحو 4 مليارات شيكل).
وبالتالى، فإن الوعد المتضمَّن فى تسمية عملية «عمود السحاب»، أى إيصالنا إلى برّ الأمان، مشروط بقدرة الجمهور الإسرائيلى على استيعاب الأفكار القديمة الجديدة، وعلى دفع حكومة نتنياهو بأن تسعى، فى موازاة محاربة حركة حماس، التى تطالب بفلسطين واحدة «من البحر إلى الأردن»، إلى التوصل إلى تسوية مع منظمة التحرير الفلسطينية، التى تكتفى ب«دولة فلسطينية منزوعة السلاح إلى جانب إسرائيل