طبيب قنا والمسنة المتوفاة.. القصة الكاملة لواقعة أثارت الجدل    إطلاق أول دوري للرياضات الإلكترونية ب9 جامعات بمشاركة 3250 طالبًا وطالبة    قانون العمل الجديد.. ضمانات شاملة وحقوق موسعة للعاملين فى القطاع الخاص    آخر أيام إجازة عيد الأضحى.. غدا الوزارات والمصالح الحكومية تستأنف العمل    25 ألف جنيه مكافأة وترقية استثنائية لموظف الزراعة المعتدى عليه بسوهاج    إزالة حالتي تعد على أراض زراعية ورفع 60 طن قمامة ب«الطود» في الأقصر    محافظ أسوان: توريد كميات القمح بنسبة تخطت 103.7 % من المستهدف    الحكومة تبحث إقرار زيادة جديدة في أسعار شرائح الكهرباء سبتمبر المقبل    فرض حظر على وسط لوس أنجلوس بعد احتجاجات ضد سياسات الهجرة    إيران تُلوح بمقترح جديد عبر الوساطة العُمانية: تخصيب اليورانيوم "غير قابل للتفاوض"    ترامب يتعثر على سلم الطائرة الرئاسية في ولايته الثانية (فيديو)    6 شهداء في قصف للاحتلال استهدف خيمة نازحين بمواصي خان يونس    الصادرات الصينية تتراجع في ظل الحرب التجارية    تريزيجيه: استفدنا كثيرًا من ودية باتشوكا.. ونعد الجماهير بتقديم الأفضل    ريال مدريد يفكر في طلب ألونسو.. بعد كأس العالم للأندية    الفنون الشعبية والأراجوز .. احتفالات العيد "أحلى" بمراكز شباب كفر الشيخ    وكيل تعليم كفر الشيخ: لا شكاوى من امتحانات الدبلومات الفنية اليوم    شهيد الشهامة.. موعد عزاء السائق خالد عبد العال اليوم الإثنين عقب صلاة العصر    تحرير 83 محضرًا تموينيًا مخالفات مخابز بلدية بكفر الشيخ    مقتل شخص بطلق ناري في مشاجرة بين عائلتين بقرية البلتاجي بالفيوم    140 حديقة فى أسوان تستقبل الزوار بالهدايا والبهجة -صور    أطنان حصى الجمرات.. أين تذهب بعد أن ينتهي الحجاج من مناسك رميها؟    مصرع عنصرين إجراميين شديدي الخطورة في تبادل إطلاق النيران مع الشرطة بقنا    طارق الشناوي: فيلم «ريستارت» رؤية ضعيفة وأداء غير متماسك    توتر بين عائلة العندليب و«موازين» بعد إعلان حفل بتقنية الهولوجرام    احتفالات مبهجة بثقافة الشرقية فى عيد الأضحى ضمن برنامج "إبداعنا يجمعنا"    «تاريخ ساحر مليء بالأسرار».. إطلاق الفيديو الترويجي الأول للمتحف الكبير قبل الافتتاح الرسمي    دعاء الخروج من مكة.. أفضل كلمات يقولها الحاج في وداع الكعبة    الصحة: فحص 3.6 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة "فحص المقبلين على الزواج"    بسبب "حشيش العيد".. تحذير من تزايد جلطات القلب الحادة بين الشباب    الصحة: فحص 3.6 مليون شاب وفتاة قبل الزواج ضمن 100 مليون صحة    حظك اليوم الأثنين 9 يونيو 2025 وتوقعات الأبراج    رفع 930 طن مخلفات وتكثيف حملات النظافة فى مراكز وأحياء أسيوط    حزب المؤتمر: استعدادات مكثفة للانتخابات وسنقدم مرشحين يمتلكون الشعبية والكفاءة    أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم 9 يونيو 2025    9 يونيو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    متحدث حزب شاس الإسرائيلي: سنصوت يوم الأربعاء لصالح حل الكنيست    عائلات أسرى إسرائيل تتظاهر للمطالبة بإعادة ذويهم وإنهاء الحرب: أعيدوهم جميعا واخرجوا من غزة    شيرين عبدالوهاب تحل محل ماجدة الرومي في حفل ختام مهرجان موازين    بعد عودته من الحج.. أحمد سعد يشعل حفله في الساحل الشمالي (صور)    مكافأة للمتميزين وإحالة المتغيبين للتحقيق فى مستشفى المراغة بسوهاج    سعر الريال القطرى اليوم الإثنين 9-6-2025    وداع بطعم الدموع.. الحجاج يطوفون حول الكعبة بقلوب خاشعة    إصابه قائد موتوسيكل ومصرع أخر إثر إصطدامه به في المنوفية    ياسمين صبري: لا ألتفت للمنافسة.. و"ضل حيطة" قصة تمس واقع الكثير من الفتيات    «بخلاف كون اللقاء وديا».. ريبيرو يكشف سبب عدم الدفع بتشكيل أساسي ضد باتشوكا    ليفاندوفسكي: لن ألعب لمنتخب بولندا تحت قيادة المدرب الحالي    6 مواجهات في تصفيات كأس العالم.. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    اتحاد العمال: مصر فرضت حضورها في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    بعد تصديق الرئيس السيسي.. تعرف على عدد مقاعد الفردي والقائمة لمجلسي النواب والشيوخ بالمحافظات بانتخابات 2025    الخميس المقبل.. ستاد السلام يستضيف مباراتي الختام في كأس الرابطة    ضحى بحياته لإنقاذ المدينة.. مدير مصنع "يوتوبيا فارما" يتبرع بنصف مليون جنيه لأسرة سائق العاشر من رمضان    البيت الأبيض ينفي وقوع شجار بين ماسك وبيسينت    تريزيجيه يضع بصمته الأولى مع الأهلي ويسجّل هدف التعادل أمام باتشوكا.    مكونات بسيطة تخلصك من رائحة الأضاحي داخل منزلك.. متوفرة لدى العطار    فضيلة الإمام الأكبر    5 أيام يحرم صومها تعرف عليها من دار الإفتاء    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من قليوب إلى أسيوط.. الإصلاح المأزوم وأزمة سكك حديد مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 11 - 2012

قليوب 2006: لقى 58 مصريا حتفهم وأصيب 148 آخرون فى حادث مأسوى بين قطارين بالقرب من محطة سكك حديد قليوب.

أسيوط 2012: فجعت مصر بوفاة ما يزيد على خمسين طفلا حينما أطاح قطار بالأتوبيس الذين يستقلونه أثناء عبوره أحد المزلقانات.

وبين قليوب وأسيوط ليس فقط 6 سنوات، ولكن أيضا قائمة طويلة من حوادث القطارات التى راح ضحيتها العشرات بين قتيل ومصاب والعديد من وعود الإصلاح والتطوير، التى لم تتحقق!

•••

ومن اللافت أن حوادث القطارت فى مصر، على مأساويتها لما تسببه من خسائر بشرية فادحة، تشترك فيما بينها بدرجة مذهلة من العبثية. فتلك الحوادث، غالبا ما تقع نتيجة لأسباب من الممكن فى حالة تطبيق الحد الأدنى من إجراءات المتابعة والصيانة تفاديها. فأعطال أنظمة الإشارات (المتهم الأول فى حادثة قليوب الشهيرة وحادثة الفيوم مؤخرا) يمكن تفاديها بإجراء أعمال الصيانة الدورية للمعدات والتجهيزات الفنية المختلفة من إشارات وتحويلات. أما سلوكيات عدد من العاملين بالسكك الحديدية والتى تتميز، فى بعض الأحيان، بقدر من الرعونة وعدم تقدير المسئولية والإهمال الجسيم فى أداء مهامهم الوظيفية، والتى تسببت فى عدد من الحوادث، مثل حادثة قطار العياط وكارثة أسيوط الأخيرة (كما تشير المعلومات الأولية)، فطرق معالجتها ليست عصيه على التقويم فى أى نظام إدارى.

ويكتمل المشهد العبثى، بالطريقة العقيمة التى تتعامل بها الدولة المصرية مع أزمات قطاع السكك الحديدية. فقائمة ردود الفعل باتت معروفة لا تتغير، فهى تشمل استقالة عدد من كبار مسئولى السكك الحديدية (ووزير النقل فى حالة جسامة الكارثة)، وإحالة عدد من صغار العاملين بسكك حديد مصر للنيابة ومعاقبتهم إداريا أو جنائيا (أيضا على حسب طبيعة الكارثة ومدى فداحتها).

يتلو ذلك خروج عدد من المسئولين ليعلنوا على الملأ خططا طموحة لتطوير سكك حديد مصر وضخ استثمارات ضخمة فيها وشراء أحدث المعدات والتجهيزات سواء من قطارت أو من أجهزة أخرى لازمة لتشغيل السكك الحديدية. وقد أضيف إلى القائمة مؤخرا دراسة إنشاء خطوط سكك حديدية فائقة السرعة تربط بين شمال البلاد بجنوبها وكذا إشراك القطاع الخاص فى إدارة وتشغيل السكك الحديدية.

وفى كل مرة لا يخلو الأمر من ظهور حملة انتقادات واسعة للسكك الحديدية، يحاول العاملون فيها التصدى لها بإلقاء اللوم تارة على سلوكيات المواطنين وتارة أخرى على تهالك معدات السكك الحديدية وقِدمها.

•••

ومن المثير حقا أن رد الفعل الرسمى، حتى الآن، على كارثة أسيوط لم يخرج عن السيناريو السالف الذكر، باستثناء الإعلان عن الخطط الضخمة للتطوير ورصد الميزانيات الضخمة لتحديث سكك حديد مصر: وهو ما يبدو مفهوما فى ظل الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد وشح الموارد التى تعانى منه الدولة المصرية فى المرحلة الراهنة.

وفى هذا السياق، وفى ظل تكرار كوارث سكك حديد مصر وتدهور خدماتها، يجب أن نسأل أين هى نتائج برامج وخطط الإصلاح الطموحة التى طالما تم الإعلان عنها؟ وما هى جدوى الإجراءات التقليدية التى يتم اتباعها فى أعقاب كل كارثة؟ والأهم من ذلك ما هو السبيل لتطوير سكك حديد مصر لتوفر، على الأقل، الحد الأدنى من الأمان لمستخدميها؟

إجابة تلك التساؤلات تأتى من خلال تقييم جهود إصلاح السكك الحديدية على مدى الأعوام الستة الماضية، منذ كارثة قليوب عام 2006. فقد تلى ذلك الحادث الأليم قيام الحكومة بضخ استثمارات ضخمة فى قطاع السكك الحديدية، فيما بدا كرغبة حكومية حقيقة، آنذاك، فى تطوير هذا القطاع الحيوى. وقد تم توجيه أغلب تلك الاستثمارات إما لشراء قاطرات جديدة (ثار الكثير من اللغط حول قدراتها الفنية ومدى ملاءمتها لظروف تشغيل سكك حديد مصر) وتطوير عدد من محطات السكك الحديدية (بصرف النظر عن جدوى هذا الترميم ومدى حفاظه على القيمة التاريخية لعدد من المحطات، وعلى رأسها، بالطبع، محطة سكك حديد مصر).

إلا أن هذا التطوير لم يحقق أى نتائج ملموسة، فحال سكك حديد مصر يسير من سىء إلى أسوأ ومعدلات حوادث القطارت فى تزايد لافت، فيما يبدو أنه طريق محتوم تتحول معه السكك الحديدية من وسيلة سريعة للنقل لوسيلة سريعة للقتل. وليس أدل على فشل كافة جهود تطوير السكك الحديدية فى الأعوام الماضية، سوى مشهد عدد من المزلقانات (التى يفترض أن تكون مطورة)، حيث يلجأ العامل لإغلاق المزلقان بالجنزير بدلا من المعدات الأكثر تطورا التى لا يملك المعرفة اللازمة لحسن تشغيلها، والتى، وبسبب سوء الصيانة، بل انعدامها فى بعض الأحيان، باتت قطع من الخردة.

•••

إن علاج أزمات سكك حديد مصر يجب أن يبدأ بالأفراد لا المعدات. فعلى الرغم من أهمية شراء القاطرات الجديدة وإعادة بناء المحطات وتطوير الخطوط، بل والتوسع فيها مستقبلا، فإن كل ذلك يبدو بلا قيمة وغير ذى أثر طالما ظلت سكك حديد مصر تدار بذات النظام الإدارى العقيم، الذى يتجاهل حاجات العاملين ومتطلباتهم، ويحصر التطوير فى المعدات والآلات.

فسكك حديد مصر فى حاجة ماسة لنظام إدارى كفء، قادر على:

•حسن توظيف والاستفادة من عمال وموظفى سكك حديد مصر ليس فقط من خلال الاهتمام بمبدأ الثواب والعقاب ورفع المرتبات، ولكن أيضا من خلال تحسين ظروف العمل، وبناء نظام إدارى يرسخ العدل والمساواة بين العاملين.

•حسن إدارة المرفق، ليس فقط من خلال التشغيل المنتظم للقطارات، ولكن، الأهم، تحقيق الحد الأدنى من معدلات الأمان، من خلال الاهتمام بإجراء أعمال الصيانة الدورية.

إن التطوير الذى يبدأ من المعدة، تطوير منقوص وقصير المدى، فبدون العامل المدرب والكفء ستتحول أكثر المعدات تطورا لكتل من الخردة غير النافعة. إن سكك حديد مصر تحتاج لإصلاح جذرى يتجاوز المفهوم التقليدى للتطوير، والقائم على شراء المعدات الحديثة، لمفهوم أكثر شمولية يعطى العنصر البشرى الأولوية فى الرعاية ويعتبره الركيزة الأساسية لأى خطط للتطوير. دون ذلك، وبصرف النظر عن حجم ما سيتم انفاقة، ستتكرر قليوب، وستتكرر أسيوط وتصبح سكك حديد مصر وسيلة للقتل السريع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.