عبد الحليم علام يصدر قرارًا بشأن واقعة مقتل محامي كفر الشيخ    تعاون عسكرى مشترك.. وتحقيق الاستقرار بالشرق الأوسط    رئيس جامعة القاهرة يتفقد الامتحانات بكليات الاقتصاد والعلوم السياسية والآداب والإعلام    قفزة فى الصادرات الزراعية    منال عوض: وحدات السكان نفذت 1313 نشاطًا في 24 محافظة لخدمة 209 آلاف مواطنين    بآخر جلسة قبل عيد الأضحى.. صعود جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل التعاملات    البيئة تطلق دليل المشروعات الصغيرة والمتوسطة الخضراء    رئيس كوريا الجنوبية الجديد يدعو الجيش للاستعداد العسكري    ترامب: أحب الرئيس الصيني لكن من الصعب عقد صفقة معه    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى تحت حماية شرطة الاحتلال    وثيقة أوروبية سرية: إسرائيل استخدمت التجويع سلاحًا في غزة    موعد مباراة الأهلي وباتشوكا المكسيكي والقنوات الناقلة    "اليوم أعود إلى حيث بدأت الحكاية".. رسالة من تريزيجيه بعد الانضمام ل الأهلي    إصابة 5 أشخاص في انقلاب ميكروباص على الطريق الغربي    ضيوف الرحمن يتوافدون إلى مشعر منى لقضاء يوم التروية    الداخلية: ضبط 518 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة    إيمينيم يقاضي شركة Meta مقابل 109 ملايين دولار    أول «ساندوتش شاورما»    نفتح الشباك ولاّ نقفله ؟!    تكبيرات عيد الأضحى 2025.. تعرف على حكم التكبير فى العيدين بصيغة الصلاة على النبى    جلسة بين زد ومحمد شوقي لتولي تدريب الفريق خلفًا لحمادة صدقي    سعر الدولار اليوم الأربعاء 4 يونيو 2025    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 4 يونيو 2025    خلق فرص عمل للشباب.. نص القرار الجمهوري بالموافقة على منحة الوكالة الإسبانية بقيمة 300 ألف يورو    الأرصاد تحذر: رياح مثيرة للأتربة وشبورة في طقس اليوم الأربعاء 4 يونيو 2025    مصرع شخص وإصابة 13 آخرين إثر انقلاب ميكروباص بالصحراوي الغربي في أسيوط    حبس مدير شركة و4 عمال بتهمة التنقيب عن الآثار بقصر ثقافة الطفل بالأقصر    زلزال بقوة 5.3 درجة يضرب جزيرة سيرام الإندونيسية    وزير خارجية تركيا: نتوقع عقد جولة مفاوضات جديدة بين روسيا وأوكرانيا    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط» الأربعاء 4 يونيو 2025    كيف استقبل الجمهور الفرنسي سميحة أيوب أثناء عرض مسرحية فيدرا في باريس؟    شيماء سيف تعتذر عن عدم استكمال مسرحيتها في الكويت    بعد فيديو خطبة طفلين بالغربية.. "الطفولة والأمومة" تتحرك وتبلغ النيابة    احتجاز زوجة وأبناء منفذ الهجوم على مسيرة لمؤيدى إسرائيل فى كولورادو    موعد إعلان نتيجة الصف الثالث الإعدادي 2025 في الجيزة ترم ثاني    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 4-6-2025 في محافظة قنا    وزير خارجية إيران: تخصيب اليورانيوم داخل أراضينا هو خطنا الأحمر    كامل الوزير: انتقال زيزو للأهلي احتراف .. وهذا ما يحتاجه الزمالك في الوقت الحالي    رشوان توفيق عن الراحلة سميحة أيوب: «مسابتنيش في حلوة ولا مرة»    مصرع وإصابة 17 شخصا في انقلاب ميكروباص بالمنيا    ليلى علوي تنعى الفنانة سميحة أيوب: "كانت الأم المشجعة دايمًا"    ظهور وزير الرياضة في عزاء والدة عمرو الجنايني عضو لجنة التخطيط بالزمالك (صور)    رسميا.. رفع إيقاف قيد الزمالك    موعد أذان فجر الأربعاء 8 من ذي الحجة 2025.. ودعاء في جوف الليل    «احنا الأهلي».. رد صادم من ريبيرو على مواجهة ميسي    «بين الصدفة والرسائل المشفرة».. هل تعمد الأهلي وبيراميدز إفساد اللحظات الجماهيرية؟    «حسبي الله فيمن أذاني».. نجم الزمالك السابق يثير الجدل برسالة نارية    يُعد من الأصوات القليلة الصادقة داخل المعارضة .. سر الإبقاء على علاء عبد الفتاح خلف القضبان رغم انتهاء فترة عقوبته؟    رئيس حزب الجيل: إخلاء سبيل 50 محبوسًا احتياطيًا من ثمار الجمهورية الجديدة    للتنظيف قبل العيد، خلطة طبيعية وآمنة لتذويب دهون المطبخ    تعرف على أهم المصادر المؤثرة في الموسيقى القبطية    «الإفتاء» تنشر صيغة دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى    إرهاق جسدي وذهني.. حظ برج الدلو اليوم 4 يونيو    بمكون منزلي واحد.. تخلصي من «الزفارة» بعد غسل لحم الأضحية    رجل يخسر 40 كيلو من وزنه في 5 أشهر فقط.. ماذا فعل؟    "چبتو فارما" تستقبل وزير خارجية بنين لتعزيز التعاون الدوائي الإفريقي    "صحة المنوفية": استعدادات مكثفة لعيد الأضحى.. ومرور مفاجئ على مستشفى زاوية الناعورة المركزي    ماهر فرغلي: تنظيم الإخوان في مصر انهار بشكل كبير والدولة قضت على مكاتبهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صفحة من حياة محمد فريد الأرستقراطى الثائر
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 11 - 2012

كان منظر طوابير القوات البريطانية وهى تدخل القاهرة بعد هزيمة الثورة العرابية فى 1882م لم يزل بعد عالقا فى ذهن محمد فريد، الذى كان وقتها فى الرابعة عشرة من عمره، ولذلك كان من الطبيعى أن يوجه كامل اهتمامه إلى القضية الوطنية، وكان الشاب الأرستقراطى محمد فريد وهو فى العشرينيات من عمره قد ترقى إلى منصب وكيل للنائب العام بالقاهرة، وكان كغيره من الشباب المصرى يبحثون عن مكانٍ لهم فى النضال من أجل استقلال مصر، ولكن الاحتلال كان يقف بالمرصاد ليحول دون انضمام الشباب إلى صفوف الحركة الوطنية، لأنه كان يعلم خطورة ذلك على بقائه فى مصر.

لم يكن الشاب محمد فريد يعلم ما يخبئه له عام 1896م من مفاجأة، ستغير مجرى حياته إلى الأبد.

بدأت الأحداث بنشر جريدة «المؤيد» لبرقية قيل إنها كانت سرية، وكانت تتضمن أخبارا عن أوضاع الجنود المصريين بالسودان، فقامت الحكومة المصرية بأمر من الاحتلال بتقديم الشيخ على يوسف رئيس تحرير «المؤيد» وتوفيق أفندى كيرلس عامل التلغراف الذى اتهم بتسريب البرقية للمحاكمة.

وتطورت القضية لتتحول لساحة معركة بين الاحتلال وأعوانه من جانب، وبين القوى الوطنية من جانب آخر، ووصل الأمر إلى ذروته عندما بدأت المحاكمة فى نوفمبر 1896م، فتحولت جلساتها إلى مظاهرة تشارك فيها كل القوى الوطنية، فكانت قاعة المحكمة تمتلئ بالكامل وكذلك الشوارع المحيطة بها، وكان محمد فريد الشاب الوطنى يحضر تلك الجلسات ويشارك فى مظاهراتها.

وانتهت القضية ببراءة الشيخ على يوسف، وعندما نطق القاضى بالحكم علت صيحات الفرحة فى المحكمة، وحمل الحضور الشيخ إلى عربته وهم يهتفون ضد الاحتلال وأعوانه، فكانت ضربة قوية للاحتلال، قرر بعدها أن ينتقم من الشباب الذين أيدوا الحركة الوطنية، ويرهبهم ليبتعدوا عنها، وكان محمد فريد أحد أهداف هذا الانتقام، ويروى فريد ما حدث له فى مذكراته فيقول: «وحضر المرافعة كثير من وكلاء النيابة والقضاة، وبالجملة كاتب هذه الأحرف فزاد هذا التجمهر، وطلب الإنجليز من النائب العام فى 18 الجارى (نوفمبر 1896م) نقلى إلى إحدى المحاكم الكلية، فصدر الأمر وطلب من الحقانية نقلى إلى نيابة بنى سويف وجاء التصديق فى صباح الخميس 19 منه، ولما علمت به صممت على الاستقالة من وظيفتى وعدم قبول هذا النقل المقصود به إهانتى والتأثير على عواطفى وإحساساتى الوطنية.

ولما توجهت يوم السبت إلى نيابة الاستئناف بلغت ما تقرر رسميا فقدمت استقالتى إلى النائب العام وجنابه استحسن بقاءها طرفه إلى يوم الأحد، ربما أعدل عن فكرى مع أنى أخبرته بتصميمى على ذلك قطعيا، وفى يوم الأحد توجهت إليه وأخبرته بإصرارى فكتب على الاستقالة للنظارة وقد أجابت بالقبول فى اليوم نفسه، وبذلك تخلصت من خدمة الحكومة التى لا تقبل إلا كل خاضع لأوامر الإنجليز ميت الإحساس غير شريف العواطف».

حسم الزعيم الكبير محمد فريد موقفة، واختار القضية الوطنية طريقا له، وترك غير أسف العمل لدى حكومة رضيت أن تكون ألعوبة فى يد المحتل الذى كرهه من كل وجدانه، وتنازل فى سبيل ذلك عن وظيفة ومستقبل كان كل شابٍ فى مصر يتمناه لنفسه، وكان لموقفة الشجاع صدى كبير لدى كل الوطنيين المصريين، مما دفع بالأستاذ محمود أبو النصر أحد أقطاب المحاماة فى مصر فى تلك الفترة لإرسال خطاب له من باريس فى 2 ديسمبر 1896م ليشد من أزره، ويقول فيه: «هاج بالى واضطرب خاطرى، إذ علمت بما قابلك به الاحتلال جزاء إخلاصك للوطن وتظاهرك بنصرة الحق دون أن تخشى لومة لائم ولا سطوة حاكم، غير أنى ما لبست إلا ريثما رأيت الأمر طبيعيا وأذعنت بأن لا وجه للتهيج ولا معنى للعجب، أليسوا باضطهادهم لمثلك عاملين بما تقضى به عليهم خدمة قومهم وبلادهم التى يفتدونها بالنفس والنفيس، بل وما الذى كنت تنتظر غير ما قوبلت به وقد عرف الخاص والعام شرف إحساسك ونبل قصدك وإخلاصك، وشهد القريب والبعيد بفضلك وشمم نفسك حتى أنزلك منزلة تغبط عليها من بين أبناء الوطن عامة وأبناء الذوات خاصة، وحياتك أنه لأقل مما كنت أنتظره لك من يوم رأيتك وعرفتك.

اللهم إن كانت سعادة الحياة فى مثل ذلك الراتب الذى كنت تأخذه على شرط إماتة عاطفة شريفة فلا كانت الحياة، اللهم إن كنت تربيت ونشأت فى مهد الكمالات الإنسانية لمثل تلك الخدمة فلا كانت التربية، اللهم إن كان كبر عليك اضطهادهم وشق عليك بغيهم فإنك لست عندنا بفريد، إن كانت هذه الحياة منحصرة فى سعة الرزق، فمن الذى مات جوعا؟ والحمد لله لست إلى هذا الحد، وإن كانت منحصرة فى رفعة المنزلة، فهو مطلب قد بلغته من منزلتك الأولى، ومثلى من المحبين الصادقين كثير، فاصبر ودم كما كنت فريدا».

وقرر الزعيم محمد فريد أن يتجه للعمل فى المحاماة بعد ذلك، وكان أول من عمل بها من أولاد الطبقة الأرستقراطية المصرية، وهو أمر كان يعد فى حد ذاته ثورة على أفكار المجتمع، فقد كانت مهنة المحاماة لم تنظم بعد، وكان فى استطاعة أيٍ كان أن يعمل بها إذا وجد فى لسانه الطلاقة أو «السلاطة»، ولذلك كانت تتمتع تلك المهنة بسمعة سيئة فى أذهان المصريين، ولكنه رأى فيها وسيلة للدفاع عن الحق ونصرة المظلومين، وكان طوال عمله بها يرفض تولى أى قضية ما لم يتأكد من أن الحق عند صاحبها، لدرجة أنه رفض قضية لإحدى أميرات البيت العلوى كانت مرفوعة بموجب سندات لعلمه أن الحق ليس معها.

ويحكى لنا الأستاذ الكبير أحمد لطفى السيد فى قصة حياته عن رد فعل والد محمد فريد لعمل ابنه بالمحاماة فيقول: «كنت مع الشيخ محمد عبده فى جنيف، وذهبنا لزيارة محمد ثابت باشا الذى كان «مهردارا» للخديو إسماعيل (أى حامل أختام الخديو، وهو يساوى رئيس الديوان) وكان معه أثناء الزيارة أحمد فريد باشا (والد محمد فريد) وكان أحمد فريد باشا ناظرا للدائرة السنية ومن كبراء مصر المعدودين، فلما استقر بنا المقام، أخذ فريد باشا يشكو ابنه إلى الشيخ محمد عبده ويبكى، وكان وقتئذ مريضا، ويقول للشيخ: «هل يصح يا سيدى الأستاذ أن يهزئنى محمد فريد فى آخر الزمن ويفتح مكتب أفوكاتو (محام)؟».

فلما سمع الشيخ محمد عبده شكوى أحمد فريد باشا لاشتغال ابنه بالمحاماة، أخذ يهدئ من نفسه ويعرب له أنه يخالفه فى رأيه، ويرى أن الاشتغال بالمحاماة ليس فيه ما يجرح الكرامة وما يخل بالشرف على نحو ما يظن الناس، وما كان مألوفا فى فهمهم لهذه المهنة فى ذلك الزمان».

وهكذا كانت تلك الواقعة نقطة حاسمة فى تاريخ الزعيم الكبير محمد فريد، فجعلته يوجه كامل طاقته للدفاع عن الوطن، ليقضى ما تبقى من حياته محاربا فى سبيل حريته واستقلاله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.