نشأت مدينة بورسعيد سنة (1276ه 1859م) فى موقع مدينة الفرما شمال شرق الدلتا بالقرب من بحيرة المنزلة، وامتازت المدينة بموقعها الفريد على ساحل البحر المتوسط، ومن الأسباب التى من أجلها تم اختيار هذا الموقع هو أنه أصلح من أى نقطة أخرى على ساحل خليج الفرما، كما أن هذا الموقع يعد أقرب نقطة أمام المياه العميقة لرسو السفن أمام ميناء بورسعيد، وعلاوة على ذلك يشرف هذا الموقع على المدخل الشمالى لقناة السويس عند التقائها بالبحر المتوسط، وهو أقرب جهات خليج الفرما قربا إلى أوروبا. ومن الملاحظ أن الموقع الذى بدأت منه بورسعيد لم يكن سوى شريط ساحلى ضيق يتراوح عرضه بين الأربعين والخمسين مترا من بحيرة المنزلة والبحر المتوسط، وقد تم تحديد أرض بورسعيد عند الإنشاء بالجزء المحاط من الشمال بالرصيف الموازى للشاطئ، ومن الغرب شارع الترسانة، ومن الشرق الشارع الموازى لمدخل القناة، ومن الجنوب رصيف بحيرة المنزلة، وقد بلغ ارتفاع مستوى أرض مدينة بورسعيد مترين ونصف عن مستوى سطح البحر.
ولقد توسعت مدينة بورسعيد عن طريق اكتساب أراض جديدة نتيجة ردم أجزاء من بحيرة المنزلة وإضافة مساحات إليها بسبب طرح البحر، ولما ضاقت المدينة بسكانها تم التوسع فى البر الشرقى للقناة.
ومما لا شك فيه أن اختيار موقع مدينة بورسعيد قد أشرف عليه كل من المهندس الفرنسى فرديناند ديليسبس ومسيو موجيل المدير العام للأشغال، ومسيو لاروش ومائة وخمسون من البحارة والسائقين والعمال.
ومن الجدير بالذكر أن جميع أعمال التخطيط والتنظيم الخاصة بمدينة بورسعيد كانت تشرف عليها شركة قناة السويس بناء على اتفاق بين الخديو إسماعيل وديليسبس، لذلك كانت مدينة بورسعيد ذات طابع أوروبى خالص فى تخطيطها وتنظيمها على نسق المدن الفرنسية.
وكانت مدينة بورسعيد تنقسم فى بداية نشأتها إلى قسمين رئيسيين لكل منهما مميزاته وطابعه الذى يميزه عن غيره، وهذان القسمان هما المدينة وقرية العرب.
القسم الأول: هو المدينة، ويقع هذا القسم غرب قناة السويس مباشرة ويحده من الشمال البحر المتوسط، ويقيم به جميع الجاليات الأجنبية والقليل من المواطنين المصريين وأبناء العرب، وتوجد فى هذا القسم الفنادق والمتنزهات والمحال التجارية التى يمتلكها الأجانب ومبانى الإدارة المصرية، أما ضواحى المدينة فكانت تضم بر الإنجليز وبر الرسوة والبر الشرقى الذى عرف فيما بعد باسم بور فؤاد، والذى كان فى البداية أحد أحياء المدينة الذى خصصته شركة قناة السويس لإقامة الورش والمصانع والمخازن الخاصة بإصلاح المراكب والبواخر والآلات التى تمتلكها، ثم أقامت به مبانى ومنشآت هيئة قناة السويس لإقامة المستخدمين والعمال الفنيين، وقد امتازت بورفؤاد بجمال التخطيط، وأطلق على المدينة اسم الحى الأوروبى أو الحى الإفرنجى أو حى الشرق.
القسم الثانى: هو قرية العرب، ويقع إلى الغرب من المدينة، وكان يقيم به المواطنون المصريون وأبناء العرب، ويوجد به محالهم ومساكنهم، وقد قسمت إلى حارات أو مربعات، وكان لكل حارة أو مربع شيخ خاص به، وكان للقرية كلها شيخ يعرف باسم شيخ قرية العرب، وعرفت قرية العرب باسم الحى العربى، وكان يفصل بين القسمين مساحة فضاء من الأرض.
والواقع أن تقسيم مدينة بورسعيد منذ نشأتها الأولى إلى قسمين رئيسيين هما الحى الأوروبى والحى العربى يعود إلى رغبة المواطنين المصريين فى الإقامة فى أماكن خاصة بهم تبعد عن أماكن إقامة الأجانب حفاظا على حياتهم الاجتماعية والدينية والمعيشية، علاوة على عاداتهم وتقاليدهم المتميزة التى تختلف عن مثيلاتها عند الجاليات الأجنبية الأخرى، كما أن الحى العربى يتميز بقربه من بحيرة المنزلة مما يوفر لهم سهولة الاتصال بعائلاتهم فى المدن المجاورة وخاصة مدينتى دمياط والمنزلة، بالإضافة إلى حصولهم على ما يريدون من مواد الغذاء والماء.
وقد تطورت مدينة بورسعيد عمرانيا وإداريا منذ نشأتها وحتى نهاية عصر أسرة محمد على باشا حتى صارت تتكون من سبعة أحياء وهى: بور فؤاد والشرق والعرب والمناخ والزهور والضواحى والجنوب.
وتتسم العمائر البورسعيدية بأنها خليط رائع لطرز معمارية وفنية متنوعة فى دول البحر المتوسط، ولقد أبدعها معماريون فرنسيون وإيطاليون وإنجليز ويونانيون ومصريون، ويوجد بمدينة بورسعيد مجموعة فريدة من العمائر التاريخية ذات الطابع المعمارى المميز نظرا لتنوع الجاليات الأجنبية التى تقطنها، وتتكون العمائر البورسعيدية من مختلف المواد الخام وخاصة الأحجار والأخشاب، وفى الحالتين لها شكل جمالى رائع وفريد تتميز به دون غيرها من مدن منطقة قناة السويس حيث تعد امتدادا للحقبة الخديوية.