تلعب القوى الغربية سياسة ممنهجة لإجهاض الثورة المصرية عبر محاولة إسقاط مؤسسات الدولة من جيش وشرطة والإصرار على وجود عملائها واللعب على أوتار الطائفية وأخيرا التوجه لقناة السويس شريان الملاحة العالمي وأحد أهم مصادر الدخل القومي المصري، مبررين تدخلاتهم فيه بذريعة حماية أمن واقتصاد العالم ما يستوجب زرع قواعد أمريكية أوروبية فى قناة السويس . لكن حقائق التاريخ تؤكد أن المخططات الخارجية لا تنجح إلا بواسطة العملاء فى الداخل الذين يتكشف أمرهم بعد ذلك وتحاكمهم الشعوب على خيانتهم العظمى ولن تفشل المخططات إلا بمقاومة وتحد ، خاضه المصريون في الماضي وكأن التاريخ يعيد نفسه .. السطور التالية تحمل جوانب من نضال شعب بورسعيد ضد الغزاة . عدوان 1956 هكذا الأمس هو اليوم تحالفت قوى الشر إنجلترا وفرنسا وإسرائيل وبدأ العدوان الثلاثى على مصر فجر يوم 29 أكتوبر 1956 حين اجتازت قوات إسرائيل المعتدية حدود فلسطينالمحتلة إلى سيناء وهاجمت عدة معسكرات مصرية فى الطريق إلى السويس وذلك لإجبار جيش مصر للانتقال إلى سيناء للدفاع عنها وإخلاء مواقعه غرب القناة حتى إذا هاجمت جيوش إنجلترا وفرنسا مصر لم تجد من يوقفها . وفى يوم3 أكتوبر 1956 أنذرت إنجلترا وفرنسا مصر بأن تسحب جميع قواتها العسكرية إلى عشرة أميال عن قناة السويس فى مدى 12 ساعة لتمكينهما من احتلال شاطئ القناة ، ورفضت مصر الإنذار واعدت العدة وأعلنت التعبئة العامة وصدرت الأوامر للقوات المصرية بأن تنتقل من سيناء للضفة الغربية من قناة السويس . لذلك قامت القوات المعادية بتدمير جسر الفردان على قناة السويس لمنع الجيش من العبور وأصابت سفينة مصرية فى القناة فأغلقت القناة وقام المجاهدون المصريون بسد مدخل القناة عند بور سعيد ليمنعوا السفن الإنجليزية من العبور لتخسر إنجلترا وفرنسا مصالحها التجارية والعسكرية صباح 5 نوفمبر 1956 فى صباح 5 نوفمبر 1956 دمر العدوان الثلاثى بور سعيد الباسلة بغارات جوية متلاحقة مع إسقاط جنود المظلات الفرنسيين والبريطانيين على بور سعيد وقاوم شعب بور سعيد الباسل العدوان مقاومة أبهرت العالم بأسره ووضعت بور سعيدالمدينة الباسلة فى عداد المدن القليلة فى العالم التى هزت ضمير التاريخ ودفعته لتسجيل وطنيتها . لقد استمر ضرب المدينة بالأسطول والطائرات طوال اليوم ، وفى صباح 6 نوفمبر بدأت عمليات إنزال القوات المعادية على الساحل فى بور فؤاد والمقاومة مستمرة ومن هنا كان يجب أن تتحمل بور سعيد موجات الغزو الأولى . وقد انصهرت المقاومة الشعبية للمواطنين الذين كانوا يحملون السلاح مع عناصر الشرطة والجيش فى بوتقة واحدة وشهد العدو ببطولات المدينة الباسلة ففى مذكرات إيدن رئيس الوزراء البريطانى الأسبق قال " إن القتال بين إسرائيل ومصر كان قد توقف يوم 6 نوفمبر 1956 دون أن تكون خطتنا قد تمت" وذلك لأن مقاومة شعب بور سعيد أوقفت الزحف إلى الإسماعيليةوالسويس . وقد فوجئت القيادة البريطانية ببرقية من (كيتلى) قائد القوات يقول فيها "إن احتلال منطقة القناة ما زال يحتاج إلى فترة طويلة جداً لأن الشعب والجيش فى مصر متكتلان فى حرب شعواء غير نظامية ضد قوات إنجلترا وفرنسا فى بور سعيد وينزلان بهما أشد الخسائر" . وخضعت بريطانيا وفرنسا للأمر الواقع يوم 7 نوفمبر وأعلنت مصر أنها لن تبدأ فى تطهير قناة السويس إلا بعد الانسحاب التام دون قيد أو شرط . وفى السادسة صباح الأربعاء 19 ديسمبر 1956 أنزل العلم البريطانى من فوق مبنى هيئة قناة السويسببور سعيد والذى كان مقراً لقيادة العدو وفى يوم 22 ديسمبر انسحبت إنجلترا من بور سعيد وفرنسا من بور فؤاد بلا رجعة بطولات شعب بور سعيد اشترك الشباب والنساء والأطفال فى المقاومة ضد العدوان الثلاثى ففى صباح 11 ديسمبر 1956 طارد الملازم البريطانى أنطونى مورهاوس أحد المصريين وأمسك بع فى أحد شوارع بور سعيد وانهال عليه ضرباً وشاهد هذا الموقف ستة رجال من أبناء بور سعيد وتحدثوا للملازم مورهاوس وادعوا أنهم رجال شرطة مصريون جاءوا لمساعدته حتى تم خطفه بمهارة وتسليمه للشرطة المصرية وكان هذا الملازم ابن عم زوج الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا والأبطال الستة هم أحمد هلال ، محمد سليمان ، طاهر مسعد ، على زنجير ، محمد حمد الله ، حسين عثمان . وكانت المرأة البورسعيدية رائدة فى العمل الفدائى ومنهن السيدة فتحية الأخرس الشهيرة بأم على والتى قامت بتحويل العيادة التى تعمل بها بشارع صفية زغلول ببور سعيد لمقر للفدائيين وكانوا يرتدون زى المرضى وصرخت فى وجه البريطانيين حين جاءوا للتفتيش قائلة " لقد قتلتم أبنائى بالمنزل وجئتم لتقتلوا مرضانا هنا " فانصرفوا عنها كما كانت تقوم بنقل الأسلحة والذخائر والقنابل إلى أماكن العمليات لتسهيل مهمة الفدائيين حتى أطفال بور سعيد كان لهم دور فى المقاومة الباسلة ومنهم الطفل سعيد شهيوب كان عمره 12 سنة وأثناء نزول قوات الطوارئ الدولية جمع الأطفال يهتفون تحيا مصر ويطالبون بجلاء الإنجليز وحاول الإنجليز تفريقهم ولكنهم رفضوا حتى اطلقوا عليه النهار ليسقط شهيدا على أرض بور سعيد الطاهرة والفتى السيد عسران كان عمره 18 سنة استطاع أن ينشر الفزع فى صفوف العدو وتربص بأحد ضباط المخابرات الإنجليزية وليامز واستطاع وضع قنبلة يدوية داخل رغيف خبز وتحدث مع الضابط وهو فى مواجهته وأصيب الضابط بالقنبلة مما أصاب القيادة الإنجليزية بالرعب وتم نقل الضابط للعلاج بقبرص ولكنه توفى بور سعيد مدينة الحياة عن بور سعيد حالياً يشير الأستاذ طارق إبراهيم حسينى مدير عام آثار بور سعيد وبحيرة المنزلة إلى أن بور سعيد مدينة محتضنة بالمياه من كل الجوانب البحر المتوسط شمالاً وبحيرة المنزلة جنوب غرب وتخترقها قناة السويس وتجاورها العديد من محافظات مصر شمال سيناءودمياط والشرقية والدقهلية وتقع فى قلب تقاطع طرق العالم القديمة والحديثة وقامت نشأتها بهدف خدمة النقل البحرى العالمى . تاريخ بورسعيد – كما يشير مدير عام الآثار هناك - متجذر فى بحور التاريخ المصرى فهى مدينة بر آمون أى مدينة الرب آمون وأقام اليونانيون ضاحية لها أطلقوا عليها بيلوز والذى امتد ليشمل منطقة واسعة تمتد حتى الفرما التاريخية بشمال سيناء والتى كانت حصونها مقبرة للغزاة عبر العصور وكان لبور سعيد شهرة واسعة فى صناعة الفخار وأدوات الزينة والأقمشة الكتانية لتصدرها إلى روما وأثينا وقبرص وكريت والشام وقد تجاور سكانها من مسيحى مصر ومن العرب من قبيلة بنى حرى ومن شدة إعجاب نابليون باسم بيلوز أطلقها على أول عالم من علماء الحملة وهو الكونت دى بيلوز . وبور سعيد اسم مركب من مقطعين (بورت) وتعنى بالإنجليزية ميناء (سعيد) اسم حاكم مصر حين امتياز حفر وإنشاء قناة السويس بور سعيد والقناة يضيف طارق حسينى بأن ديليسبس جاء يوم 25 أبريل 1859 ورفع العلم المصرى على بور سعيد مرافقاً له 150 رجل من البحارة والفنيين من مصر من قرى دمياط وفارسكور ومن خارج مصر أيضاً وقال كلمته الشهيرة " باسم شركة قناة السويس العالمية البحرية وتنفيذاً لقرار مجلس إدارتها نضرب أول معول فى هذه الأرض لنفتح أبوب الشرق لتجارة الغرب وحضارته عن طريق مدخل الشرق" . وقال للعمال المصريين " أذكروا أنكم بهذا لن تحفروا الأرض ولكن ستجلبون الرخاء لأسركم وبلادكم " وبدأت اللبنة الأولى فى بناء بور سعيد بعد أن أقامت الشركة العشش لإقامة السكان فى قرية العرب ثم نشأ حى الإفرنج الشرقى وامتدت غرباً لحى المناخ وشرقاً لحى بور فؤاد بسواعد أهلها وكانت بور سعيدالمدينة التى قامت دون مقومات طبيعية إلا وجودها عند مدخل القناة ورغم قلة الموارد الاقتصادية لسكانها إلا أنهم صارعوا البحر وواجهوا أعتى الظروف وعشقوا البحر وخيراته وتوضح الأثرية أمل جابر كبير مفتشى آثار بور سعيد بأن بور سعيد تضم العديد من المواقع الأثرية والسياحية منها قاعدة تمثال ديليسبس في مدخل قناة السويس امتداد شارع فلسطين ومبنى هيئة قناة السويس بشارع مصطفى كامل والجمهورية ويشرف على قناة السويس و قد بنى مع افتتاح القناة لخدمة الملاحة الدولية. كما تحوي المدينة النصب التذكارى أمام مبنى المحافظة تخليداً لذكرى الشهداء فى كل المعارك وفنار بورسعيد القديم الذى يعتبر أول بناء مشيد بالخرسانة فى العالم عام 1869فى عهد الخديوى إسماعيل وذلك لإرشاد السفن المارة بقناة السويس والتى افتتحت فى نفس العام بعد أسبوع من بناء الفنار . ويتخذ الفنار شكل مثمن ويبلغ ارتفاعه 56م وجزيرة ابن سلام فى بحيرة المنزلة وتضم ضريح ابن سلام الأثرى الذى يعود للقرن السادس عشر الميلادى ومتحف بور سعيد القومى بجوار ديليسبس عند التقاء قناة السويس بالبحر المتوسط . كما نشاهد هناك متحف بور سعيد الحربى بشارع 23 يوليو أنشئ عام1964ويؤرخ لانتصار بورسعيد على العدوان الثلاثى 1956 ويضم بعض مقتنيات من مخلفات حروب 1956 ، 1967، 1973 وكذلك استعراض لتاريخ حفر قناة السويس وتأميمها فضلا عن تاريخ بورسعيد السياسى والعسكرى ومتحف النصر للفن الحديث بشارع 23 يوليو - ميدان المسلة- ويضم العديد من الأعمال الفنية لكبار فنانى مصر فى الفنون التشكيلية من نحت وتصوير ورسم وجرافيك وخزف وافتتح فى 25 ديسمبر 1995. سكان بور سعيد عن سكان بور سعيد تضيف أمل جابر أنه فى الفترة من 1859 إلى 1902 وفى إطار حركة التجارة العالمية والخدمات البحرية المرتبطة بها عمل سكانها فى التموين بالأغذية والوقود والمياه والبحارة والمستلزمات الطبية والهندسية والميكانيكية وإصلاح السفن والتوكيلات الملاحية وأعمال الشحن والتفريغ . ومع بداية قيام المنطقة الحرة الأولى فى مصر والعالم العربى لخدمة تجارة العبور والتجارة الدولية ارتبطت حرفة السكان حول الميناء بالحرف والمهن اليدوية وفى الفترة من 1903 إلى 1930 هاجر إليها المصريون من دمياط والدقهلية والشرقية وصعيد مصر ليشكلوا نواة سكانها . وبعد عدوان 1956 ونكسة 1967 قتلت بور سعيد نفسياً واقتصادياً وعانى سكانها المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وهاجروا لوادى النيل تاركين منازلهم وممتلكاتهم وذكرياتهم . وبعد انتصار أكتوبر 1973 عادت لها الحياة من جديد وخلقت أنشطة اقتصادية جديدة وطبق عليها نظام المنطقة الحرة فى أول يناير 1976 بتعديل القوانين الجمركية وتتكون بور سعيد إدارياً من أربعة أحياء هى الشرق والعرب والمناخ وبور فؤاد الواقعة شرق القناة وضمت إليها المناطق : "طريق الجميل - الجرابعة – المناصرة – الديبة – الأربعين وبعض جزر بحيرة المنزلة وكلها تابعة لحى المناخ " ، ثم طريق "رأس العش – التينة – الكاب الجديد – الكاب القديم – أم خلف – بحر البقر وكلها تابعة لحى الضواحى ، وأخيرا جزء من حى بور فؤاد حتى غرب الطريق الموصل إلى مطار بالوظة بحوالى 1كم