جاء نتنياهو إلى واشنطن ليبلغ لا ليستمع، ليملى لا ليقتنع. فى هذا الصدد كتبت صحيفة «معاريف» الشىء الوحيد الذى ينبغى أن يشغل نتنياهو بداية من الليلة الماضية هو منع إعادة انتخاب باراك أوباما «فى هذا الموضوع كان هذا بمثابة رجع صدى لما أعلنه زعيم الحزب الجمهورى فى مجلس الشيوخ سيتش ماكدونال إثر نتائج الانتخابات النصفية فى نوفمبر الماضى..» إن الهدف الآن هو إفشال أوباما عام 2012»، وكانت دعوة رئيس مجلس النواب (الكونجرس) لنتنياهو أن يخاطب مجلسى الشيوخ والنواب هذا الأسبوع ليعبر عن أهداف «إسرائيل» حاضرا ومستقبلا، كما وفر مؤتمر ايباك (منظمة الضغط لمصالح إسرائيل) خلفية تعبوية تمهيدية لما سوف يعلنه أمام الكونجرس الأمريكى. لذا كان لقاء أوباما نتنياهو يوم الجمعة الماضى بمثابة رد «إسرائيلى» واضح وليس مجرد تعليق على خطاب الرئيس أوباما يوم الخميس الماضى، بل إعلان صريح على إيصال رسالة واضحة بشأن تعريف البيت الأبيض بأن «إسرائيل» هى متداخلة فى الخريطة السياسية الأمريكية، وأن تعريف «إسرائيل» لنفسها لا يجوز أن يقاطع أو أن تتم عرقلته، وبالتالى فإن طمأنة الرئيس الأمريكى أوباما على التزامه أمن «إسرائيل» يجب أن ينطوى على استئثار «إسرائيل» وحدها بتعريف ما يعنيه ب«أمنها». جاء نتنياهو ليبلغ لا ليستمع، ليملى لا ليقتنع.. فقد رفض بشكل حاسم ما أشار إليه الرئيس أوباما لحل الدولتين («إسرائيل» دولة يهودية لليهود ودولة فلسطين للشعب الفلسطينى)، ضمن حدود يونيو، 1967 مع بعض التعديلات المنطوية على تبادل محدود للأراضى، وكان استياء نتنياهو ظاهرا كون اعتبار حدود 1967 نقطة انطلاق لمفاوضات مستأنفة يعنى تعريفا كون الأراضى الفلسطينية بعد يونيو 67 هى أراض محتلة، وهذا ما ترفضه «إسرائيل» جملة وتفصيلا، باستثناء قوى يسارية يتضاءل حضورها ونفوذها، كون رفض «إسرائيل» توصيفها كسلطة محتلة يتناقض بل يصطدم مع تمددها الاستيطانى المستمر بحيث تتصرف وكأن ما تقوم به هو استعادة حق ملكيتها للأراضى المحتلة تارة بذريعة «الحق التاريخى» أو بذرائع أمنية مطاطة. فى هذا المجال كانت مطالبة الرئيس أوباما المتكررة ل«إسرائيل» تجميد الاستيطان وهو وعى أو لا وعى يعتبر إقرارا وإن متلبسا أو غير مقصود بأن «إسرائيل» مالكة لأراض تحتلها. الأكثر إيلاما هو أن السلطة الفلسطينية لم تشترط مسبقا إقرارا من «إسرائيل» بأنها دولة محتلة. استتبع ذلك أن نتنياهو أعلن أن على الرئيس الفلسطينى محمود عباس أن يختار بين المصالحة مع حماس أو السلام مع «إسرائيل». كرر نتنياهو محاولته الإملاء، أو إدمانه على الإملاء بما عبّر عنه إثر أهم إنجاز حققته الحكومة الانتقالية لمصر الثورة، وبرغم ما ظهر من تطابق فى لقاء الجمعة بين أوباما ونتنياهو فى موقفيهما بهذا الصدد فإن هذا لم يسهم فى تخفيف التباين بينهما. واستطرادا قد يقفز سؤال: ماذا سيكون رد أوباما ونتنياهو لو أن محمود عباس قال «على نتنياهو أن يختار بين السلام مع دولة فلسطين أو بقاء ليبرمان فى حكومته». مجرد مثل هكذا سؤال يحتمل أن ينطوى على استقامة معادلة بقيت مفقودة، ما يفسر أن اعتماد «إسرائيل» منهج الإملاء غير المشروط انساب إلى جوهر السياق الدبلوماسى للولايات المتحدة فى تعاملها مع القضية الفلسطينية منذ قيام «إسرائيل». من هذا المنظور كانت استقالة جورج ميتشل كون الإدارات الأمريكية المتعاقبة ارتضت بأن ما تمارسه «إسرائيل» هو حق لها، وأن القناعة بتجاوزاتها قد تستوجب فى أقصى الحالات اعتراضا لكن ليس بالمطلق تنديدا أو معارضة، ناهيك عن المساءلة. جاء نتنياهو ليبلغ لا ليسمع، ليملى لا ليقنع، لذا كيف نفسر توظيف نتنياهو المبالغة فى توصيف وهم «إن إمكانية إقامة دولة فلسطينية لا يمكن أن تأتى على حساب وجود «إسرائيل»، فى تعليق له على خطاب الرئىس الأمريكى يوم الخميس الماضى. هذا مجرد استخفاف بعقول الناس ومحاولة رخيصة للابتزاز والإمعان فى جر الرئيس أوباما إلى مزيد من التطابق المسبق مع سياسات «إسرائيل» فى محاولاتها المستقبلية إنجاز مشروعها الصهيونى. وإمعانا فى ترسيخ هذا التوجه يقول نتنياهو فى ما يتعلق بحل قضية اللاجئين «يجب أن يتم داخل الدولة الفلسطينية ومن دون حل قضية اللاجئين من خلال توطينهم خارج حدود دولة «إسرائيل». السؤال البديهى لماذا استثناء اللاجئين الفلسطينيين وحدهم من حق العودة الممنوح كحق لكل لاجئ، ولنفترض أن هذا الاستثناء بتوطينهم خارج حدود «إسرائيل» يستولد بدوره سؤالا منطقيا لا يسأله العرب وحتى اللاجئون أنفسهم وهو أين هى حدود «إسرائيل».. سؤال لم تجب عنه «إسرائيل» منذ قيامها، وعندما حاول الرئىس أوباما مقاربة الموضوع بأن حدود يونيو 67 هى تلك الحدود كانت شراسة الرد فى تفاقم الجزم بالرفض. جاء نتنياهو ليبلغ لا ليستمع، ليملى لا ليقنع، فطالب الاعتراف ب«إسرائيل» كدولة للشعب اليهودى وأن على الفلسطينيين وليس على الولاياتالمتحدة فقط أن تعترف ب«إسرائيل» على أنها الدولة القومية للشعب اليهودى، وأن أى اتفاق سلام معهم يجب أن يشمل نهاية المطالب من «إسرائيل». وتزامن خطاب أوباما مع تصديق الحكومة «الإسرائيلية» على بناء 1500 وحدة استيطانية بالقدس، وتزامن أيضا كالعادة مع اللقاء الذى حصل فى البيت الأبيض يوم الجمعة الماضى. السؤال: حتى متى ننتظر بقاء استباحة فلسطين قائمة؟ لعل الإعداد للرد العربى بانتظار نبيل العربى وجامعة تستعيد صلابة الأداء والموقف.