في منطقة سوق الكورنيش بمدينة جدة السعودية التقيت مجموعة من المصريين العاملين فى المملكة مصادفة، وبعد الأسئلة التقليدية عن مصر والمستقبل، قالوا لى إن مصر تحتاج «كبيرا» كى يشكم الانفلات الحاصل فيها. فكرت فى اقتراحهم ووافقت عليه شرط أن يكون «الشكم» بالقانون وليس بهراوة رجل الشرطة أو سيف قانون الطوارئ.
هناك اعتقاد خاطئ بأنه عندما نتحدث عن ضرورة وجود كبير، فإن ذلك يعنى آليا أن نترحم على أيام حسنى مبارك واستقراره.
حسنى مبارك لم يكن فى يوم من الأيام «كبيرا» بالمعنى السياسى، فهو الذى هوى بمصر إلى أسفل سافلين والاستقرار الذى أذلنا وعايرنا به لم يكن إلا «استقرار القبور».
ثم إننا وبعد الثورة فالمفترض أننا طلقنا وإلى الأبد أسطورة الرئيس الفرد أو الزعيم أو نصف الإله مهما كان اسمه أو جاذبيته، كل ما نريده رئيسا عاديا منتخبا يطبق القانون على الجميع. عندما نقول نريد كبيرا، فالمقصود أن يكون هذا الكبير هيئة أو حزبا أو جماعة أو مؤسسة أو وزارة، ومجموع ذلك كله يعنى أننا نريد أن يكون عندنا «هيبة دولة» تردع كل الخارجين والمتجرئين عليها.
نشهد حرب عصابات ليل نهار فى بلطيم وكل الأجهزة الأمنية والتنفيذية والشعبية فشلت فى لجم هذه البلطجة بما فيها الجيش، وما يجرى فى الأقصر وأسوان كارثة.
وما بين بلطيم فى أقصى الشمال وأسوان فى أقصى الجنوب فإن الانفلات الممنهج يتسع ويكاد يكون هو ما يوحد مصر.
هناك نظريتان لتفسير ما يجرى: الأولى أن المجلس العسكرى ومعه الحكومة عاجز عن التفكير والتخطيط وتطبيق القانون، وأن هذا الانفلات عشوائى وغير مخطط له، بل هو وليد مرحلة ما بعد الثورة وإحساس الناس بغياب القانون.
النظرية الثانية ان ذلك مقصود من الداخلية لعقاب هذا الشعب الذى تجرأ عليها بالثورة، كما أنه يجرى بعلم المجلس العسكرى حتى تنخفض طموحات المصريين ويقبلوا بربع أو نصف ثورة.
لن ندخل فى لعبة تخمينات وأى النظريتين صحيحة، فالمهم الآن أن شعور الناس بعدم الأمان يتزايد، وفى كلتا الحالتين فلا نملك إلا أن نلوم الجيش والحكومة لأنهما المسئولان عن توفير هذا الأمن.
وإذا ثبت أن كل ما يحدث مخطط، فالمؤكد أن محركى الخيوط من الخلف سيدفعون ثمنا باهظا والشعب لن يسامح أحدا تلاعب بأمنه، وعلى الجميع أن يتعظ مما حدث لمبارك والعادلى وبقية العصابة.
مع كل التقدير لأشخاص المجلس العسكرى والحكومة، فالمطلوب منهم إما أن يغيروا المنهج بالكامل ويحاربوا البلطجة أو يتركونا ننشر إعلانا فى الصحف اليومية نقول فيه «مصر تحتاج كبيرا يلم البلطجية».