«الثورة مش مظاهرة» تعبير سمعته من وائل غنيم أحد مفجرى ثورة 25 يناير متحدثا لمنى الشاذلى فى العاشرة مساء قبل أيام. قبلها بيومين تقريبا حضرت ندوة فى ساقية الصاوى نظمتها «الجبهة الديمقراطية للعدالة والديمقراطية»، للدفاع عن حركة «الاشتراكيين الثوريين» ضد فزاعة «هدم أسس الدولة».
خلال الندوة كان أحد الحاضرين شديد الحماس والتوتر، ويريد أن تندمج كل الحركات الثورية وتتوحد فى كيان واحد فورا حتى يتحقق التغيير بسرعة. هذا الأخ الكريم ظل يقاطع المتحدثين طوال الندوة وسؤاله المتكرر: متى تنجح الثورة ويحدث التغيير الفورى؟».
أحد المتحدثين وهو الناشط محمد واكد رد عليه بإيجاز قائلا له: «لن تنتصر فى يناير، والأمر يحتاج وقتا وجهدا».
هذا الشخص المتعجل ليس استثناء لكنك يمكن أن تصادفه فى مظاهرات واعتصامات ميدان التحرير أو بين بعض المتعاطفين مع الثورة والمصابين بالإحباط من تعثرها.
أعرف صديقا شديد الرومانسية الثورية، ومن كثرة نقاشاتنا صار تنعنتى بأننى «بعت القضية وصرت من الفلول» لمجرد أننى أحاول مناقشته بصورة واقعية.
هذا النموذج المثالى كان يعتقد أن الثورة نجحت واكتملت مساء 11 فبراير بتنحى مبارك، وعندما أخبرته أن اكتمال النجاح قد يستغرق سنوات أصيب بصدمة واتهمنى بأننى محبط وسوداوى وكافكاوى.
نفس هذا النموذج لا يزال يعتقد أن كل ما هو سيئ سوف يتحسن يوم 25 يناير الحالى وسيعود إلى ميدان التحرير ألقه وبهاؤه...وأن الإخوان والسلفيين والمجلس العسكرى والأحزاب الخائنة وحزب الكنبة سوف يختفون مثل الكائنات الفضائية فى الثقب الأسود!.
الخبر السيئ لأولئك الذين يفكرون بهذه الطريقة الحالمة أن ذلك لن يحدث، وأن الثورى الحقيقى هو الذى يؤمن أن النضال عملية مستمرة ودؤوبة وتحتاج وقتا وجهدا ومالا وتنظيما وقراءة موضوعية للواقع والأهم تحتاج ظرفا موضوعيا.
لا يوجد فى عالم السياسة شىء اسمه «إما كذا وإما كذا» هناك فى كثير من الأحيان منطقة وسطى أغلب الظن أنها رمادية بين كذا وكذا.. وعندما تمتلك أدواتك وتحشد أنصارك وتقنع الناس يمكنك وقتها أن تفرض اللون الأبيض، وحتى ذلك فإنه لا يستمر أبيض إلى ما لا نهاية لأن الحياة كلها نسبية.
مثل هذه النماذج الطوباوية والمحلقة فى الفراغ هى أكثر خطورة على الثورة من أعدائها الرئيسيين، لأن هذا النوع يلصق صورة نمطية بالثورة مفادها أن أنصارها متصلبون منغلقون، ويرويدون إما كل شىء وإما «الانتحار بخبط رؤوسهم فى أقرب حائط»!.
من موقع المحب أتمنى أن يقرأ الثوار الواقع الذى يقول إن سبعين فى المائة من الشعب أعطى ثقته للتيار الدينى فى انتخابات حرة وبقية المقاعد لأحزاب تقليدية مقربة للمجلس العسكرى.
على هؤلاء الشباب ألا يحولوا ميدان التحرير الى «جيتو» يتمترسون فيه بل عليهم اعتباره نقطة محورية ينطلقون منها إلى كل ميادين وشوارع مصر، لإقناع الناس بالتغيير إلى الأفضل سلما وليس بزجاجات المولوتوف التى أصابت سمعة الثورة بأكثر مما أصابها من الفلول.
غالبية المصريين التى شاركت فى الثورة عادت إلى بيوتها بعد سقوط مبارك ثم شاركت فى الاستفتاء وبعده الانتخابات، وترى أن ذلك هو قمة الثورية والمؤكد أنها محقة فكيف نتغافل عن هذا العامل المهم؟.
أيها الحالمون: الواقع معقد: أهدافكم نبيلة.. أنتم لم تفشلوا وما فعلتموه لمصر كبير جدا، لكن الأهداف الكبرى لا تتحقق بخروج مظاهرة، أو حتى اعتصام طويل.
الأهداف الكبرى تحتاج جهدا هائلا والأهم قراءة الواقع بصورة موضوعية ودقيقة.. فماذا أنتم فاعلون؟!.