فوجئت وفجعت أن بعضا ممن يقولون عن أنفسهم ديمقراطيون سعداء بالصدام بين المجلس العسكرى والإخوان، وأنهم سيكونون أكثر سعادة إذا تدخل الجيش وانقلب على الإخوان وبرلمانهم. وجهة نظر هؤلاء أن التيار الدينى بدأ يتنكر لكل وعوده وانه لا يشغله إلا مصالحه الضيقة، وتوافه الأمور، وانه يركز على طقوس الدين أكثر من جوهره، وانه إذا استمر هكذا فسوف يحول مصر إلى دولة فاشية دينية خلال شهور قليلة خصوصا فى ظل تفشى الجهل الفقر.
أكاد اتفق مع كل هذه الاتهامات، لكنها لا تبرر اطلاقا تمنى حدوث انقلاب عسكرى، لأن ذلك لو حدث لا قدر الله فقد نندم فعلا حتى على أيام مبارك و العادلى.
نعم ارتكب الإخوان أخطاء قاتلة خصوصا فى مسألة «التكويش» على اللجنة التأسيسية، ويتحدثون كل يوم عن «المشاركة» لكنهم لا يفعلون إلا «المغالبة»، والأخطر أن هناك شكوكا عميقة تحوم حول إيمانهم بالديمقراطية التى يرى بعضهم أنها مجرد تذكرة فى اتجاه واحد إلى السلطة.
رغم كل ذلك فلا شىء يدعو أى شخص أو تيار يقول عن نفسه إنه ليبرالى وديمقراطى أن يتمنى الانقلاب العسكرى كى يتخلص فقط من شبح الإخوان والسلفيين.
إذا انقلب الجيش على الإخوان والسلفيين، فما الذى سيمنعه من الانقلاب على الليبراليين؟! لو فكرنا بهدوء وعقلانية ومن أجل المستقبل، فإن أى تأجيل أو انقضاض على التجربة الديمقراطية سندفع ثمنه طويلا.
من قبيل التكرار القول إننى لست إخوانيا، لكن هناك شيئا مهما اسمه المبادئ التى لا تتجرأ والتى علينا أن ندافع عنها حتى لو كانت ضد مصالحنا الآنية.
سنفترض أن الجيش انقلب على الإخوان وعطل البرلمان وحكم بصورة سافرة، فى هذه الحالة قد نصل إلى «الحالة الجزائرية» وفيها سيؤمن أنصار التيار الدينى أن الجيش سرق حقهم الطبيعى فى الحكم وقد نجد حمامات دم، أو فى أحسن الأحوال شللا سيصيب كل المجتمع.
ثم وحتى إذا قبل الإخوان ذلك «ووضعوا أيديهم على خدودهم»، وتركوا الجيش يحكم، ففى لحظة معينة سنصل إلى الانتخابات، فماذا سنفعل إذا وصل التيار الدينى للسلطة مرة أخرى؟!
الحل الأمثل أن نسعى بكل السبل لبناء نظام سياسى قوى، ولندع التيار الدينى يمارس حقه الطبيعى فى السلطة مع حق كل القوى السياسية الأخرى أن تعارضه بكل السبل الديمقراطية من تظاهر واعتصام واضراب.
ترك التيار الدينى يحكم وينزل من برج الأحلام الطوباوية إلى الواقع المتهالك هو الذى سيجعله يغير أفكاره العامة ويؤمن أن الحياة أصعب مما يتخيل، وان تغير الواقع يحتاج جهدا ووقتا والأهم عدم احتكار الحقيقة.
لو نجح التيار الدينى أهلا وسهلا سنعيد انتخابه، ولو فشل سينصرف عنه الذين صوتوا له، وفى هذه الحالة لن يكون قادرا مرة أخرى على الادعاء بأنه القادر وحده على نقلنا من عالم الخطيئة الأرضية إلى جنة الأحلام السماوية، أما إذا حكم وانقلب على القانون والدستور وحول البلاد إلى دولة فاشية وقتها يحق للشعب والجيش الانقلاب عليهم. لكن ليس قبل ذلك.
من حسن الحظ أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يكرر كل لحظة أنه زاهد فى الحكم، لانه لو استمع بعمق لكل الأصوات الانقلابية فقد نصل إلى حالة قد نندم عليها فى وقت لن ينفع الندم.
وإلى كل الأصوات الانقلابية: إذا تمنيتم الانقلاب فلماذا إذن أطحنا بمبارك، فالرجل لم يقصر فى محاربة الإخوان السلفيين.. موقفكم مخزٍ ويدل على أن الثورة لم تلمس حتى قشرة عقولكم من الخارج.