الملايين التي أعطت صوتها لحمدين صباحي وأبو الفتوح وعمرو موسي وخالد علي والبسطويسي تؤكد جميعها باستثناء السلفيين الذين أعطوا أصواتهم لأبو الفتوح أن التيار المدني المصري والقوي الليبرالية التي تريد الحفاظ علي استمرار مدنية مصر ووجهها الوسطي المعتدل وإشراقتها الحضارية عبر التاريخ هذا التيار كبير جداً ويمثل الأغلبية الساحقة من المصريين. الملايين الخمسة وشوية التي حصل عليها د. مرسي هي أقصي ما استطاعه حزب الحرية والعدالة والاخوان المسلمون. ومقصدي من هذا حتي لا يفهمني القارئ العزيز بما لا أعنيه أنني أبشر الذين يخشون من تفكيك مفاصل الدولة المصرية علي أيدي الاخوان وطمس معالمها وهويتها التي استقرت عبر آلاف السنين لأنني لاحظت أن المصريين انقسموا خلال الأيام الماضية.. وأن الخوف من استبداد الدولة الدينية شبح يطل برأسه علي كثيرين حتي انني صرت أقرأ النكات التي تأتيني عبر المحمول أو بريدي الالكتروني وأندهش من هذا الرعب الذي سوف يجئ علي أيدي جماعة الإخوان وعلي قدرتهم الاخطبوطية في الاجهاز علي ما تبقي من مشاعر أمان لدي المصريين، لقد سمعتها من كثيرين سوف تهاجر، سوف تترك لهم البلد.. وكنت أرد: هذا البلد للجميع مسلمين وأقباطاً، ليبراليين وسلفيين، مدنيين واخواناً وحتي من ليس له ملة ويحمل جنسيتها لابد أن نحترم معتقده، هذا هو الإسلام وهذه أخلاق الرسول الكريم، فلماذا وكيف نجح الاخوان والسلفيون في تكريس هذه الصورة المرعبة عنهم؟ الاجابة لأنهم تصوروا أنها دانت لهم وأن لحظة التمكين قد حانت وأن مصر ثمرة نضجت في أيديهم وأنهم حسب وثيقة عبدالبر قاب قوسين أو أدني من إعلان الخلافة التي هي درة الأمة وغاية المني، لأن مصر بالنسبة لهم وحسب كلام الشيخ الدكتور محمد رسلان ليست غاية وإنما وسيلة. إذن ما الحل. في رأيي أن الأغلبية التي أعطت التيار المدني وهي الأغلبية لأن أصوات مرسي في الجولة الأولي لا تمثل إلا الخُمس فقط من مجموع أصوات الناخبين، هذه الأغلبية المصرية التي تؤمن بمدنية الدولة لابد أن تتحد في الفترة القادمة وتعيد تشكيل نفسها وتبلور حلمها العام حسب تعبير حمدين صباحي وتعد العدة جيداً كما فعل الإخوان علي الأرض وهذه القوي الليبرالية والمدنية واليسارية والناصرية هي التيار الوطني الحقيقي الذي لا يعمل لصالح أجندات أو برامج ايديولوجية مستوردة أو أهداف كونية أممية أو لهدف إعلان الخلافة أو لصالح التنظيم الدولي لجماعة الاخوان، هذه القوي تمثل مصر الحقيقية التي علمت العالم التسامح لا التطرف والوسطية لا التعصب والعدالة والمساواة والأخلاق، هي الحارس الأمين لماعت رمز العدل ولحورس رمز القوة ولإيزيس رمز الخصوبة وهي المواجهة لكل أبناء »ست« رمز الشر وسلالته من ذئاب السلطة وثعالبها هؤلاء الذين يمثلون »نواطير« الشعب وحراسه حسب تعبير المتنبي وهؤلاء هم أبناء أوزوريس الذين حاول المسعورون للحكم تقطيع أوصاله، وتشويه وجهه لكنه حلق فوقهم وعاد ليولد من جديد، إنه المصري الذي يحاول الآن أبناء طالبان إلباسه العمامة والزي الافغاني وهو يأبي بشمم وينفض عن نفسه تراب الشرق، لأنه صانع مجد الشرق.. لا أمل للخروج من هذا النفق الذي نحن فيه إلا بالتيار المدني العام، هؤلاء حماة الثورة وضميرها، ومهما كان القادم رئيساً لمصر فإن اتحاد هذا التيار هو حامي حمي الثورة والضمان الوحيد لعدم خطف مصر نحو دولة الاستبداد والفاشية الدينية أو الديكتاتورية العسكرية، وأنا شخصياً لو لي خيار لأعلنت أن الفاشية الدينية أشد مرارة لأنني إذا عارضتها فلن يقول لي أصحابها أنت تعارض الله. والله أعلم بالنوايا وهو أرحم الراحمين!!