بدء التسجيل للتقدم لاختبارات القدرات بكليات جامعة المنيا    عيار 21 الآن وأسعار الذهب اليوم في عطلة الصاغة الأحد 13 يوليو 2025    بعد أزمة الإنترنت.. WE تكشف آلية تعويض المستخدمين    "مياه الفيوم" تبدأ تطبيق القياسات البيئية لتحسين بيئة العمل وجودة التشغيل بالمحطات    مصابون فى قصف على خيمة نازحين بمواصى خان يونس    رئيس وزراء العراق: اتفاق تركيا والعمال الكردستاني مفيد للمنطقة    إصابة شاب برصاص الاحتلال في الرام شمال القدس المحتلة    وكيل اللاعب: رغم بيان بيتروجت إلا أن المفاوضات مستمرة لانتقال حمدان للزمالك    نوان مقترح للخبر: ضياء السيد: الزمالك لم يقدم عرضًا رسميًا لضم حامد حمدان.. وبناء الفريق يسير ببطء مقلق    إصابة 5 أشخاص إثر حادث انقلاب سيارة فى كرداسة    المنيا تطلق مدرسة تكنولوجية لربط التعليم بسوق العمل    مصرع شخص تحت عجلات القطار بمركز المراغة بسوهاج    بعد ولادة سيدة مرتين على يده.. مسعف قنا: كأن الزمن عاد في صدفة لا تصدق    من أرض الواقع.. «ستوديو إكسترا» يرصد آليات إصلاح وترميم سنترال رمسيس    مغلق من 13 عامًا.. عمرو سمير عاطف: غياب قصر الثقافة حرم أجيالًا من الفن والمسرح    المهرجان القومي للمسرح المصري يعلن أعضاء لجنة تحكيم مسابقة التأليف    7 أسباب شائعة وغير متوقعة لرائحة التعرق الكريهة    ساويرس والسعد وثالثهما علاء مبارك!    سعر الفراخ البيضاء وكرتونة البيض بالاسواق اليوم الأحد 13 يوليو 2025    رسالة جديدة من مودريتش بعد رحيله عن ريال مدريد    تفاصيل تعاقد الأهلي مع محمد شكري    محمد سمير يعلن اعتزاله كرة القدم    الصفقة المنتظرة.. ماذا قدم محمد شكري قبل عودته إلى الأهلي؟    «التلفزيوني والإذاعي معًا».. خالد الغندور يعلن سبب توقف ظهور برنامجه    نجم الزمالك السابق يؤكد: بيتم تصدير نظرية المؤامرة.. والفرق مع الأهلي ربع قرن    رئيس مياه الإسكندرية: تطوير مستمر لخدمة العملاء واستجابة فورية لشكاوى المواطنين    تحصين 19 ألف رأس ماشية ضد الحمى القلاعية في الغربية    شراكة بين «التضامن» وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر    أول قصيدة الدم .. التواصل يتفاعل مع هاشتاج #مجزرة_الحرس بنشر أسماء الشهداء    «زي النهارده».. وفاة كمال الدين رفعت أحد الضباط الأحرار 13 يوليو 1977    ارتفاع الأمواج بعدد من الشواطئ.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الأحد 13 يوليو 2025    حريق سنترال رمسيس.. نيران كشفت الهشاشة الرقمية وتجاهل التحذيرات    عمائم زائفة    بين مكاسب إسرائيل والحسابات الخاطئة للعرب    في انتظار مكالمة مهمة.. حظ برج العقرب اليوم 13 يوليو    د. مصطفى سلامة يكتب: الموقف العربي المطلوب للمستقبل المنظور    يمنع امتصاص الكالسيوم.. خبيرة تغذية تحذر من الشاي باللبن    ماء الكمون والليمون.. مشروبات فعالة في التخلص من الغازات والانتفاخ    يومان متبقيان| زيزو ينتظر العودة لتدريبات الأهلي «صورة»    بالأعلام وصيحات الفرحة.. الأطباء البيطريون يحتفلون بثورة 30 يونيو في «دار الحكمة»    عمرو سعيد عاطف: موهبتي في الكتابة بدأت من الطفولة.. وأول دروسي كانت مع "ميكي" و"سمير"    اعتقال أكثر من 70 شخصا خلال احتجاجات في لندن رفضا لحظر جماعة «تحرك من أجل فلسطين»    40 طعناً أمام القضاء الإداري ضد مرشحي انتخابات مجلس الشيوخ 2025| خاص    بتهمة تجارة المخدرات.. المشدد 6 سنوات لسائق توك توك في الوراق    «الصحة» تدعم مستشفى كفر الدوار العام بجهاز قسطرة قلبية ب 23 مليون جنيه    كأول فنانة هندية.. ديبيكا بادوكون تتسلم نجمة ممشى هوليود    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. رعب فى كاليفورنيا بعد تسجيل 40 هزة أرضية متتالية.. مظاهرات حاشدة فى تل أبيب للمطالبة بوقف حرب غزة.. رسوم أمريكية ضخمة تهدد التجارة مع المكسيك والاتحاد الأوروبى    تظاهرة في العاصمة السويدية احتجاجًا على تواصل جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة    طاقم مصرى يصل الليل بالنهار.. ماكينات حفر الخط الرابع للمترو لا تتوقف    الاتصالات: تفعيل خطط بديلة بعد حريق سنترال رمسيس لإعادة الخدمة تدريجيا    وزير الصحة يوجه بتعزيز التواجد الميداني لقيادات الوزارة في المنشآت الطبية    هل الوضوء داخل الحمام صحيح؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    رئيس جامعة الأزهر: آية الدعاء في عرفة تقسم الناس إلى فريقين.. وأقوال المفسرين تكشف دقة التوجيه القرآني    ننشر مؤشرات تنسيق الدبلومات الفنية 2025    سحب على 10 تذاكر.. تامر عبدالمنعم يفاجيء جمهور الإسكندرية    ما هو أقل ما تدرك به المرأة الصلاة حال انقطاع الحيض عنها؟.. الإفتاء تجيب    بائع مصري يدفع غرامة 50 دولارًا يوميا بسبب تشغيل القرآن في تايمز سكوير نيويورك.. ومشاري راشد يعلق (فيديو)    باحث بمرصد الأزهر: التنظيمات المتطرفة تستخدم الخوف كوسيلة للسيطرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورات لم تكتمل فى تاريخ المصريين
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 06 - 2012

الحقيقة أن تاريخ مصر الطويل وتاريخ المصريين ليس إلا تاريخا من المقاومة والثورة والاحتجاج، فالفلاح المصرى الذى بنى حضارة من أعرق الحضارات فى التاريخ، هو نفسه الفلاح المقاوم، الفلاح المقاتل، الفلاح الثائر، الفلاح المحتج، لكن مشكلة ثورات المصريين عبر العصور أن كثيرا منها ثورات ناقصة، ثورات لم تكتمل، وهذه هى المعضلة الأساسية للتاريخ المصرى.

ولو نظرنا إلى تاريخنا القريب فى القرنين الأخيرين نكتشف أنه تاريخ من الثورة وحركات الاحتجاج والتمرد، إلا قليل، لكنها غالبا كانت ثورات غير مكتملة، ثورات مخطوفة، منذ «ثورة» يوليو 1795 إلى ثورة يناير 2011.

أول حركة احتجاج كبرى للمصريين فى العصر الحديث، كانت فى يوليو 1795؛ انتفاضة شعبية دعمها وساندها عدد من كبار مشايخ الأزهر فى مقدمتهم الشيخ الشرقاوى، خرج فيها المصريون يتظاهرون فى الشوارع ضد طغيان الأمير إبراهيم بك شيخ البلد وحليفه الأمير مراد بك، كبير أمراء المماليك اللذين كانا يعدان الحاكمين الفعليين للبلاد، وضد تعديهم على الجرايات والأوقاف، وضد الزيادات فى الضرائب والجبايات التى فرضاها على المصريين، لقد نجحت انتفاضة المصريين سنة 1795 فى إرغام الأميرين الكبيرين على التوقيع على حجة شرعية يتعهدان فيها بالاستجابة للمطالب الشعبية وبعدم فرض ضرائب جديدة أو اتخاذ إجراءات تمس بالأوقاف وجرايات المشايخ والطلاب والصوفية دون الرجوع لكبار المشايخ باعتبارهم ممثلين للناس.

وعندما جاءت الحملة الفرنسية لمصر سنة 1798 هب المصريون للدفاع عن بلدهم فى مواجهة الغزاة الأجانب، وقضت الحملة ثلاث سنوات شهدت ثورتين كبيرتين بالقاهرة ومقاومة شعبية مستمرة منذ وطأت أقدام جنود الحملة الإسكندرية حتى غادروا البلاد سنة 1801، كانت المقاومة الشعبية ضارية فى الدلتا كما شارك المصريون المماليك فى المقاومة فى الصعيد، وذلك من أجل تحرير بلدهم، سقط آلاف الشهداء خلال الثورات وحركات المقاومة وخرج الفرنسيون لكن المصريين لم يستردوا بلدهم بل عادت إلى أيدى السلطان العثمانى الذى لم يلعب جيشه دورا يذكر فى محاربة الحملة قياسا على ما قام به المصريون، وأكثر من ذلك تعاملت الدولة العثمانية مع مصر باعتبارها بلدا تم فتحها من جديد.

شهدت السنوات الأربع التى تلت خروج الحملة حالة من الانتفاضة الشعبية المستمرة ضد الباشاوات العثمانيين وضد بكوات المماليك، لم يترك المصريون هؤلاء أو أولئك يهنئون بحكم مصر، تبدل على مصر خمسة باشاوات فى أربع سنوات، وانتهت هذه السنوات بالثورة الشعبية الكبرى التى قامت فى مايو 1805 بقيادة السيد عمر مكرم، لتسقط الباشا العثمانى وترغمه على الرحيل وترغم السلطان فى إسطنبول على إصدار فرمانا بعزله، لكن الثوار المصريون لم يسلموا حكم بلدهم لواحد من قادتهم، بل أتوا بمحمد على أحد قادة العسكر حاكما على مصر، واشترطوا عليه شروطا سرعان ما نقضها شرطا شرطا، وتخلص من قادة الثورة واحدا واحدا بالنفى أو القتل أو تشويه السمعة، وساعده على ذلك الانقسامات بين قادة الثورة، والأطماع الشخصية لبعضهم، وما حملوه من ضغينة لقائد الثورة الحقيقى وزعيمها الأكثر شعبية السيد عمر مكرم، لقد أتت الثورة بقائد العسكر محمد على ليستقر فى حكم مصر لفترة هى الأطول لأى من حكام مصر فى العصرين الحديث والوسيط، بل لم يتفوق عليه فى امتداد سنوات الحكم إلا قليل من حكام مصر القديمة مثل بيبى الثانى ورمسيس الثانى، استمر محمد على حاكما لمصر لأكثر من أربعين عاما غير فيها وجه مصر وبنى مشروعا للتحديث، لكنه تحديثا على حساب المصريين، فوق جثث عشرات الآلاف منهم، فضلا عن أنه تحديث منقوص وشائه.

خلال عصر محمد على قامت عدة هبات شعبية كانت أخطرها ثورة الشيخ رضوان فى عشرينيات القرن التاسع عشر، لكن محمد على واجهها كلها بعنف وقوة.

الثورة الكبرى التالية فى تاريخ مصر الحديث بعد ثورة 1805 كانت الثورة العرابية عام 1881 وهى نتاج حراك سياسى واجتماعى استمر لأكثر من عشر سنوات فى عهد الخديوى إسماعيل ثم ابنه توفيق، نجحت الحركة الوطنية المصرية خلال هذا الحراك فى أن تنتزع برلمانا ولائحة أقرب ما تكون إلى الدستور ومشاركة حقيقية فى حكم البلاد، وجاءت الثورة العرابية تتويجا لهذا النضال وتعبيرا عن التحام المجموعات السياسية الوطنية بالوطنيين من رجال الجيش، لكن الثورة العرابية رغم ما حققته من نجاحات فى الأشهر الأولى من قيامها لم تكمل أهدافها، بل انتهت إلى هزيمة هى الأسوأ فى تاريخ الثورات المصرية الحديثة، انتهت بعد عام وخمسة أيام من قيامها والقوات البريطانية تحتل مصر وتدخل إلى القاهرة، وقادة الثورة يحاكمون وينفون خارج البلاد وتصادر أملاكهم، لقد تردد العرابيون فى عزل الخديوى وإعلان الجمهورية فضاعت الثورة، وتعرضوا لمؤامرات تشويههم بين المصريين وفى الخارج، وخانهم البعض، وفشلوا فى معركتهم العسكرية، لينتهى الأمر بمصر تحت الاحتلال لأكثر من سبعين سنة وبزعمائها مشتتين فى المنافى.

رغم الهزيمة القاسية للثورة العرابية لكن مواجهة الاحتلال بدأت فورا فى شكل مجموعات سرية صغيرة تعرضت للملاحقة المستمرة، استمرت جذوة المقاومة تحت الرماد لتعود نار الاحتجاج لتتصاعد تدريجيا مع تسعينيات القرن التاسع عشر وتتحول إلى حركة وطنية جارفة مع العقد الأول من القرن العشرين حركة تطالب بالجلاء التام والدستور، كانت هذه الحركة التى استمرت حتى قيام الحرب العالمية الأولى هى التى مهدت لثورة 1919 أكبر الثورات الشعبية المصرية فى القرن العشرين.

ثورة 1919 أيضا نموذج للثورة غير المكتملة، بسبب الانقسام السريع لقوى الثورة، حقا لقد نجحت ثورة 1919 فى تحقيق هدفها المباشر الذى تفجرت من أجله، أعنى الإفراج عن سعد وزملائه وعودتهم من المنفى والسماح لهم بالسفر إلى مؤتمر الصلح، وللمصريين عموما بالتنقل والسفر، لكن الهدف البعيد للحركة الوطنية: الاستقلال والدستور، لم يتحقق بالكامل، حصلت مصر على استقلال منقوص بتصريح 28 فبراير 1922 وعلى دستور رغم ما فيه من جوانب إيجابية لا يعبر عن طموحات الأمة، لتبدأ مرحلة جديدة من النضال البرلمانى تتخلله انتفاضات شعبية عارمة كلما تعدى الملك على الدستور أو تعنت إنجلترا فى مفاوضات الجلاء، وأهم الانتفاضات التى شهدتها مصر فى هذه المرحلة كانت ثورة الشباب فى سنة 1935، والحركة العمالية الطلابية فى 1946 و1947، الحركة الأولى أعادت دستور 23 ودفعت الأحزاب السياسية إلى التآلف فى جبهة وطنية نجحت فى توقيع معاهدة36 مع إنجلترا وإنهاء الامتيازات الأجنبية فى مصر، وربما كانت ثورة الشباب فى سنة 35 من أنجح الثورات من حيث تحقيق أهدافها المباشرة، والحركة الثانية فى الأربعينيات نجحت فى منع إسماعيل صدقى من توقيع اتفاقية جديدة مع إنجلترا لا تحقق طموحات المصريين، ودفعت حكومة النقراشى الأخيرة لتدويل القضية المصرية وعرضها على مجلس الأمن، لقد قادت حركات الاحتجاج فى هذه الحقبة إلى قيام الزعيم مصطفى النحاس بإلغاء معاهدة 36 فى أكتوبر 1951 ليبدأ الكفاح المسلح ضد الوجود البريطانى فى القناة، ولتبدأ مرحلة جديدة فى تاريخ ثورات المصريين قضى عليها حريق القاهرة فى 26 يناير 1952 دون أن تحقق أهدافها.

وبعد انتصار الدولة الاستبدادية فى 1954 تراجعت حركات الاحتجاج الكبرى حتى عادت لتتفجر من جديد فى أعقاب هزيمة 67 واستمرت لعشر سنوات كاملة بداية بالاحتجاجات العمالية والطلابية فى فبراير 68 وانتهاء بانتفاضة 18 و19 يناير 1977 الشعبية، التى ختمت حقبة من التحركات الجماهيرية الكبرى انتهت هى الأخرى دون أن تكمل أهدافها.

فهل نحن شعب قدره أن يثور ويضحى دون أن يكمل ثورته؟ هل نحن شعب الثورات الناقصة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.