مرت مصر بثورات وانتفاضات شعبية متعددة طوال مراحلها التاريخية، ولكن العديد من المؤرخين لايستطيعون أن يميزوا بين الثورة والانتفاضة، واختلط الأمر عليهم هذا في كافة الثورات التاريخية التي مرت بها مصر، منذ حركة الزعيم "أحمد عرابى" فقد أخطأ الكثير منهم عندما أعلنوا بأنها ثورة إلا أن معطيات الحدث ومقتضياته ونتائجه لا يعبر عن ثورة . فالثورة:. هي تغيير جذري وفعال في كافة مجالات الحياة سواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في المنظومة الكلية للدولة وأطرها الخارجية لصالح الشعب، أي استقلالية الدولة في قرارها السياسي سواء في الداخل أو الخارج، وهذا لم يحدث في أول انتفاضة أو حركة جيش التي مرت بها مصر للخروج على الخديوي "توفيق" فلم يخرج من الحكم، ولم تتغير أي منظومة في الدولة، حتى الدولة العثمانية أعلنت تأييدها للخديوي، وأعلنت عصيان "عرابى"، وفي النهاية عاد "توفيق" إلى سدة الحكم على أسنة رماح الاحتلال الإنجليزي، وزج عرابي وأنصاره في المنفي بجزيرة "سرنديب" (سيريلانكا) ، وبالتالي لم تكن ثورة؛ لأنها لم تسفر عن أي نجاح لصالح الشعب. أما الانتفاضة الثانية: فهى انتفاضة 1919 التي للآسف تذكر في كتب التاريخ بثورة 1919، وفي الواقع هى انتفاضة شعبية التحم فيها الشعب بكافة أطيافه وقواه السياسية، فهى لم تحدث تغيير جذري في منظومة الدولة، سوى وضع دستور 1923 هذا الدستور الذى كان بمثابة دستور خاص بالملك يحل البرلمان وقتما يشاء، وأعطى صلاحيات مطلقة للملك على البرلمان،(وكان من اسوأ الدساتير التى مرت بها مصر موزايًا معه دستور 1930)، وأن الدستور كان صورة واهية في شكل ديمقرطى، مع أن هذا يتنافي مع الواقع إذ كانت البلاد ترزخ تحت الاحتلال البريطاني، فكيف يكون أول مادة من دستورها يؤكد على أن مصر دولة مستقلة، إضافة إلى وجود التحفظات الأربعة التى تعطى لبريطانيا البقاء في مصر، وبالأخص في منطقة قناة السويس، فكما يقال على لسان أحد ساسة الانجليز بأن دستور 1923 لمصر "هو بداية تعلم المصريين في كيفية إدارة دولتهم من خلال دستور". ففي الواقع أن مصر لم تمر إلا بثلاث ثورات وهم: ثورة 1805 وهى الثورة الشعبية الأولي تلك الثورة التى قام بها الشعب على الوالى العثمانى "خورشيد" باشا وعزلوه، حتى بعد أن جاء خطاب السلطان العثمانى بإقالته وبتولية والى آخر مكانه، وأصر زعماء الثورة الشعبية وكانوا بقيادة "عمر مكرم" ، بأنهم هم الذين سوف يختارون حاكمهم، وكانت أول مرة في تاريخ مصر الحديث أن الإرادة الشعبية تنجح في فرض رأيها على السلطان، ولأول مرة هى التى تختار حاكمها، واختاروا "محمد على" ووضعوا له ميثاق بأن يُسير حكمه بمشورة العلماء في العمل والقول، وأقسم "محمد على" في الحفاظ على هذا الوعد بينه وبين زعماء الإرادة الشعبية، وسمى هذا الوعد بالميثاق (دستور). ولكن في النهاية سلطة "محمد على" هي التى نقضت الميثاق والوعد بعد أن تملك بزمام الأمور وأصبحت له السلطة والنفوذ في قراره السياسي، وبالتالى انفرد "محمد على بالحكم"، وأصبحت مصر دولة عظمى، وليست دولة تابعة، حتى غدت جنودها باحتلال أملاك الدولة العثمانية وتهديد الدول المجاورة لها، وأصبحت مصر في عهد "محمد على" سباقة في كافة المجالات، وبالتالى تخوف الغرب من أن تقوى الدولة المصرية على حساب رجل أوروبا المريض، وتكُون خلافة إسلامية جديدة قوية، ومن ثم إعادت الدول الأوروبية حساباتها بتطبيق نظرية التوزان الدولى، فتصدوا لقوة مصر العسكرية، وكسُرت مصر وفرض عليها حصار سياسي، وفقدت مصر هويتها الذاتية في براثن الأزمة المالية ثم الاحتلال فيما بعد. أما الثورة الثانية: فهى ثورة 23 يوليو، تلك الثورة التى بدأها الجيش في تاريخ مصر المعاصر بحركته العسكرية فتكاتف معها الشعب المصري في مطالبها، وساندها لأن مبادئها كانت تعبر عن الشعب المصري، وتضافرت معها كافة العوامل حتى أن خرجت بعد الصراع على السلطة بين جناح "محمد نجيب" وجناح "عبد الناصر" ليظفر بها "عبد الناصر"، وتصبح لمصر استقلالية في قرارها السياسي، ويكون لمصر منظومة تغيير كبري في كافة المجالات باستثناء المجال السياسي، الذي كان بمثابة ردة للديمقراطية، إلا أن كان النظام الاقتصادى والاجتماعى من خير النتائج التي خرجت بها ثورة يوليو. ومع استمرار تردى الحالة السياسية في مصر آنذاك تردت الأحوال الاقتصادية والاجتماعية تابعًا مع استمرار التبعية السياسية للخارج، التى بدأت في عهد "السادات" ثم توسعت في عهد خلفه "مبارك"، وتفشي الفساد، والسلب وزادت حالات القمع والتنكيل والتعذيب، وتصفية القطاعات الصناعية الوطنية، وتزوير الانتخابات، كل ذلك أدى إلى وجود تخمر ثورى، الذي بدأ يطفو على السطح، ويوشك أن يخرج عند ملف الثوريث، ثم سرعان ما خرج الشباب في 25 يناير ثم توالت الأحداث حتي يوم 28 يناير؛ ذلك اليوم الذي خرج فيها الشعب بكافة فئاته وأطيافه، ليعلنها ثورة شعبية ثالثة، ولكن ثورة فريدة من نوعها؛ لأنها لم تكن تحت قيادة شخص ما، بل قيادتها كان الشعب. ولكن الثورة لم تكتمل بعد فهي في طريق المهد في بداية المرحلة الأولى، وطريق الثورة ملىء بالأشواك والعراقيل حتي تحقق أهدافها، وطريق الثورة طويل؛ لذا فعلى الثورة أن تحدث تغيير جذري في كافة مجالاتها، وأولى ملامح نجاح أي ثورة: هو حسن تغيير المنظومة السياسية؛ لأن نجاج المنظومة السياسية، هو الذي يترتب عليها فيما بعد نجاح المنظومتين الاقتصادية والاجتماعية(السياسة الداخلية)، ثم نجاح سياستها الخارجية، لكى تكون دولة عصرية متقدمة. وفي النهاية أتمنى أن تحقق ثورة 25 يناير أهدافها التى يتوق لها الشعب المصري كليًا، ولا تكن كثورة 1805 ولا ثورة 1952 ، أو حتى لاتكن كانتفاضة 1919 أو كحركة الزعيم " أحمد عرابى"، ومما لاشك أن أرهاصات ثورة 1952 كانت مماثلة لارهاصات ثورة يناير 2011 ، ولكن ثورة 1952 أوجدت نظام شمولى قائم على التعيين (نائب الرئيس) لانتقال السلطة، وبعد مرور 59 عام على ثورة يوليو يحاول الشعب في تأسيس نظام ديمقراطى لتداول السلطة في مصر قائم على انتخابات رئاسية حرة نزيهة.