رئيس قطاع المعاهد الأزهرية: المشروع الوطني للقراءة يعيد للكتاب مكانته    جامعة بني سويف ال 8 محليا و 130 عالميا في تصنيف تايمز للعلوم البينية 2025    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك في احتفال دار الإفتاء بمرور 130 عامًا على تأسيسها    ورشة عمل عملاقة.. أكثر من 200 منشأة قيد التنفيذ لدعم مشروع الضبعة النووي    تعرف على أسعار الفضة اليوم الأحد بالصاغة ( تحديث لحظي)    «التموين» تنتهي من صرف مقررات نوفمبر بنسبة 94%    الجامعة العربية تؤكد التزامها بدعم مراكز الفكر لتكون صوتا في مسيرة التنمية    زيلينسكي: 33 قتيلا بينهم 6 أطفال جراء القصف الروسي غربي أوكرانيا    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ورئيس الوزراء ووزير خارجية قطر    إذاعة الجيش الإسرائيلي: معلومات حساسة مكنت «الفصائل» من تنفيذ هجوم 7 أكتوبر    نتنياهو: سنواصل بذل كل ما يلزم لمنع حزب الله من إعادة فرض تهديده علينا ونفعل الشيء نفسه في قطاع غزة    وزير الخارجية يلتقى مع نظيره الفرنسى على هامش أعمال قمة مجموعة العشرين    مسيرات أوكرانية تهاجم محطة رئيسية للتدفئة والكهرباء فى موسكو    التشكيل المتوقع للمصري أمام كايزر شيفز في الكونفدرالية    الزمالك: إجراءات سحب أرض فرع أكتوبر خاطئة    ضبط 228 عبوة مستحضرات تجميل منتهية الصلاحية داخل محل عطارة في قنا    انهيار أجزاء من منزل بالطوب اللبن فى قرية الدير بالأقصر دون خسائر بشرية    ضبط لصين سرقا تانك سولار من منزل بالشرقية    موعد انطلاق المرحلة الثانية من امتحان شهر نوفمبر لصفوف النقل    بعد صراع مع سرطان الكبد.. وفاة الإعلامية ميرفت سلامة عن عمر 76 عاما    وزيرة الثقافة التونسية تفتتح الدورة ال26 لأيام قرطاج المسرحية    متحف الأكاديمية المصرية بروما يجذب أعدادًا كبيرة من الزوار الأوروبيين    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فانصروا الوطن يرحمكم الله !؟    متحدث الصحة: الإنفلونزا الحقيقية عادت بقوة بعد غيابها لثلاث سنوات بعد زوال مناعة كورونا    كلية التمريض بجامعة القاهرة الأهلية تنظم ندوة توعوية بعنوان "السكري والصحة | غدًا    نقابة «النيابات» تخصص غرفة عمليات لمتابعة انتخابات المرحلة الثانية    إطلاق قافلة زاد العزة ال78 إلى غزة بحمولة 220 ألف سلة غذائية و104 ألف قطعة ملابس    القاهرة الإخبارية: الاحتلال ينفذ عمليات نسف وتفجير بمدرعات مفخخة شرق غزة    حالة الطقس.. الأرصاد تكشف خرائط الأمطار المتوقعة: رعدية ببعض المناطق    «غرق في بنها».. العثور على جثة شاب أمام قناطر زفتي    قرار هام من المحكمة في واقعة التعدي على أطفال داخل مدرسة خاصة بالسلام    11 شرطا للحصول على قرض مشروع «البتلو» من وزارة الزراعة    غرف السياحة: كريم المنباوي ضمن أقوى 50 شخصية مؤثرة بسياحة المؤتمرات عالميا    مواجهات مثيرة.. مواعيد مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة    مصطفى كامل: محدش عالج الموسيقيين من جيبه والنقابة كانت منهوبة    أسامة الأزهري: الإفتاء تستند لتاريخ عريق ممتد من زمن النبوة وتواصل دورها مرجعًا لمصر وسائر الأقطار    جامعة بنها تحصد 18 ميدالية في بطولة الجامعات لذوي الاحتياجات بالإسكندرية    جوزيه جوميز: كنا نستحق نقطة واحدة على الأقل أمام الهلال    مصر تستحق صوتك.. انزل شارك في انتخابات مجلس النواب من أجل مستقبل أفضل لبلدنا (فيديو)    "أنا متبرع دائم".. جامعة قناة السويس تنظم حملة التبرع بالدم للعام ال15    أول لقاح لسرطان الرئة فى العالم يدخل مرحلة التجارب السريرية . اعرف التفاصيل    موعد مباراة ريال مدريد أمام إلتشي في الدوري الإسباني.. والقنوات الناقلة    هيئة الاستثمار: طرح فرص استثمارية عالمية في مدينة الجلالة والترويج لها ضمن الجولات الخارجية    السيارة "كيوت".. البديل الحضاري للتوك توك في الجيزة ومواصفاتها وسعرها المتوقع    اليوم.. الزمالك يبدأ رحلة استعادة الهيبة الأفريقية أمام زيسكو الزامبى فى الكونفدرالية    كمال أبو رية يكشف حقيقة خلافه مع حمادة هلال.. ويعلق: "السوشيال ميديا بتكبر الموضوع"    ضايل عنا عرض.. عندما يصبح «الفرح» مقاومة    وزير الرى: تنفيذ خطة تطهيرات للترع والمصارف خلال السدة الشتوية    بدء فعاليات التدريب المشترك «ميدوزا- 14» بجمهورية مصر العربية    وزارة الصحة: معظم حالات البرد والأنفلونزا ناتجة عن عدوى فيروسية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 23-11-2025 في محافظة قنا    وزير الري: أي سدود إثيوبية جديدة بحوض النيل ستقابل بتصرف مختلف    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم الاحد 23112025    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأحد 23 نوفمبر    تامر عبد المنعم يفاجئ رمضان 2025 بمسلسل جديد يجمعه مع فيفي عبده ويعود للواجهة بثنائية التأليف والبطولة    جولة نارية في الدوري الإيطالي.. عودة نابولي وتعثر يوفنتوس    مفتي الجمهورية: خدمة الحاج عبادة وتنافسا في الخير    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عماد ابو غازى يكتب: ثورات لم تكتمل فى تاريخ المصريين
هل نحن شعب الثورات الناقصة.. قدره أن يثور ويضحى دون أن يگمل ثورته؟
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 06 - 2012

الحقيقة أن تاريخ مصر الطويل وتاريخ المصريين ليس إلا تاريخا من المقاومة والثورة والاحتجاج، فالفلاح المصرى الذى بنى حضارة من أعرق الحضارات فى التاريخ، هو نفسه الفلاح المقاوم، الفلاح المقاتل، الفلاح الثائر، الفلاح المحتج، لكن مشكلة ثورات المصريين عبر العصور أن كثيرا منها ثورات ناقصة، ثورات لم تكتمل، وهذه هى المعضلة الأساسية للتاريخ المصرى.

ولو نظرنا إلى تاريخنا القريب فى القرنين الأخيرين نكتشف أنه تاريخ من الثورة وحركات الاحتجاج والتمرد، إلا قليل، لكنها غالبا كانت ثورات غير مكتملة، ثورات مخطوفة، منذ «ثورة» يوليو 1795 إلى ثورة يناير 2011.

أول حركة احتجاج كبرى للمصريين فى العصر الحديث، كانت فى يوليو 1795؛ انتفاضة شعبية دعمها وساندها عدد من كبار مشايخ الأزهر فى مقدمتهم الشيخ الشرقاوى، خرج فيها المصريون يتظاهرون فى الشوارع ضد طغيان الأمير إبراهيم بك شيخ البلد وحليفه الأمير مراد بك، كبير أمراء المماليك اللذين كانا يعدان الحاكمين الفعليين للبلاد، وضد تعديهم على الجرايات والأوقاف، وضد الزيادات فى الضرائب والجبايات التى فرضاها على المصريين، لقد نجحت انتفاضة المصريين سنة 1795 فى إرغام الأميرين الكبيرين على التوقيع على حجة شرعية يتعهدان فيها بالاستجابة للمطالب الشعبية وبعدم فرض ضرائب جديدة أو اتخاذ إجراءات تمس بالأوقاف وجرايات المشايخ والطلاب والصوفية دون الرجوع لكبار المشايخ باعتبارهم ممثلين للناس.

وعندما جاءت الحملة الفرنسية لمصر سنة 1798 هب المصريون للدفاع عن بلدهم فى مواجهة الغزاة الأجانب، وقضت الحملة ثلاث سنوات شهدت ثورتين كبيرتين بالقاهرة ومقاومة شعبية مستمرة منذ وطأت أقدام جنود الحملة الإسكندرية حتى غادروا البلاد سنة 1801، كانت المقاومة الشعبية ضارية فى الدلتا كما شارك المصريون المماليك فى المقاومة فى الصعيد، وذلك من أجل تحرير بلدهم، سقط آلاف الشهداء خلال الثورات وحركات المقاومة وخرج الفرنسيون لكن المصريين لم يستردوا بلدهم بل عادت إلى أيدى السلطان العثمانى الذى لم يلعب جيشه دورا يذكر فى محاربة الحملة قياسا على ما قام به المصريون، وأكثر من ذلك تعاملت الدولة العثمانية مع مصر باعتبارها بلدا تم فتحها من جديد.

شهدت السنوات الأربع التى تلت خروج الحملة حالة من الانتفاضة الشعبية المستمرة ضد الباشاوات العثمانيين وضد بكوات المماليك، لم يترك المصريون هؤلاء أو أولئك يهنئون بحكم مصر، تبدل على مصر خمسة باشاوات فى أربع سنوات، وانتهت هذه السنوات بالثورة الشعبية الكبرى التى قامت فى مايو 1805 بقيادة السيد عمر مكرم، لتسقط الباشا العثمانى وترغمه على الرحيل وترغم السلطان فى إسطنبول على إصدار فرمانا بعزله، لكن الثوار المصريون لم يسلموا حكم بلدهم لواحد من قادتهم، بل أتوا بمحمد على أحد قادة العسكر حاكما على مصر، واشترطوا عليه شروطا سرعان ما نقضها شرطا شرطا، وتخلص من قادة الثورة واحدا واحدا بالنفى أو القتل أو تشويه السمعة، وساعده على ذلك الانقسامات بين قادة الثورة، والأطماع الشخصية لبعضهم، وما حملوه من ضغينة لقائد الثورة الحقيقى وزعيمها الأكثر شعبية السيد عمر مكرم، لقد أتت الثورة بقائد العسكر محمد على ليستقر فى حكم مصر لفترة هى الأطول لأى من حكام مصر فى العصرين الحديث والوسيط، بل لم يتفوق عليه فى امتداد سنوات الحكم إلا قليل من حكام مصر القديمة مثل بيبى الثانى ورمسيس الثانى، استمر محمد على حاكما لمصر لأكثر من أربعين عاما غير فيها وجه مصر وبنى مشروعا للتحديث، لكنه تحديثا على حساب المصريين، فوق جثث عشرات الآلاف منهم، فضلا عن أنه تحديث منقوص وشائه.

خلال عصر محمد على قامت عدة هبات شعبية كانت أخطرها ثورة الشيخ رضوان فى عشرينيات القرن التاسع عشر، لكن محمد على واجهها كلها بعنف وقوة.

الثورة الكبرى التالية فى تاريخ مصر الحديث بعد ثورة 1805 كانت الثورة العرابية عام 1881 وهى نتاج حراك سياسى واجتماعى استمر لأكثر من عشر سنوات فى عهد الخديوى إسماعيل ثم ابنه توفيق، نجحت الحركة الوطنية المصرية خلال هذا الحراك فى أن تنتزع برلمانا ولائحة أقرب ما تكون إلى الدستور ومشاركة حقيقية فى حكم البلاد، وجاءت الثورة العرابية تتويجا لهذا النضال وتعبيرا عن التحام المجموعات السياسية الوطنية بالوطنيين من رجال الجيش، لكن الثورة العرابية رغم ما حققته من نجاحات فى الأشهر الأولى من قيامها لم تكمل أهدافها، بل انتهت إلى هزيمة هى الأسوأ فى تاريخ الثورات المصرية الحديثة، انتهت بعد عام وخمسة أيام من قيامها والقوات البريطانية تحتل مصر وتدخل إلى القاهرة، وقادة الثورة يحاكمون وينفون خارج البلاد وتصادر أملاكهم، لقد تردد العرابيون فى عزل الخديوى وإعلان الجمهورية فضاعت الثورة، وتعرضوا لمؤامرات تشويههم بين المصريين وفى الخارج، وخانهم البعض، وفشلوا فى معركتهم العسكرية، لينتهى الأمر بمصر تحت الاحتلال لأكثر من سبعين سنة وبزعمائها مشتتين فى المنافى.

رغم الهزيمة القاسية للثورة العرابية لكن مواجهة الاحتلال بدأت فورا فى شكل مجموعات سرية صغيرة تعرضت للملاحقة المستمرة، استمرت جذوة المقاومة تحت الرماد لتعود نار الاحتجاج لتتصاعد تدريجيا مع تسعينيات القرن التاسع عشر وتتحول إلى حركة وطنية جارفة مع العقد الأول من القرن العشرين حركة تطالب بالجلاء التام والدستور، كانت هذه الحركة التى استمرت حتى قيام الحرب العالمية الأولى هى التى مهدت لثورة 1919 أكبر الثورات الشعبية المصرية فى القرن العشرين.

ثورة 1919 أيضا نموذج للثورة غير المكتملة، بسبب الانقسام السريع لقوى الثورة، حقا لقد نجحت ثورة 1919 فى تحقيق هدفها المباشر الذى تفجرت من أجله، أعنى الإفراج عن سعد وزملائه وعودتهم من المنفى والسماح لهم بالسفر إلى مؤتمر الصلح، وللمصريين عموما بالتنقل والسفر، لكن الهدف البعيد للحركة الوطنية: الاستقلال والدستور، لم يتحقق بالكامل، حصلت مصر على استقلال منقوص بتصريح 28 فبراير 1922 وعلى دستور رغم ما فيه من جوانب إيجابية لا يعبر عن طموحات الأمة، لتبدأ مرحلة جديدة من النضال البرلمانى تتخلله انتفاضات شعبية عارمة كلما تعدى الملك على الدستور أو تعنت إنجلترا فى مفاوضات الجلاء، وأهم الانتفاضات التى شهدتها مصر فى هذه المرحلة كانت ثورة الشباب فى سنة 1935، والحركة العمالية الطلابية فى 1946 و1947، الحركة الأولى أعادت دستور 23 ودفعت الأحزاب السياسية إلى التآلف فى جبهة وطنية نجحت فى توقيع معاهدة36 مع إنجلترا وإنهاء الامتيازات الأجنبية فى مصر، وربما كانت ثورة الشباب فى سنة 35 من أنجح الثورات من حيث تحقيق أهدافها المباشرة، والحركة الثانية فى الأربعينيات نجحت فى منع إسماعيل صدقى من توقيع اتفاقية جديدة مع إنجلترا لا تحقق طموحات المصريين، ودفعت حكومة النقراشى الأخيرة لتدويل القضية المصرية وعرضها على مجلس الأمن، لقد قادت حركات الاحتجاج فى هذه الحقبة إلى قيام الزعيم مصطفى النحاس بإلغاء معاهدة 36 فى أكتوبر 1951 ليبدأ الكفاح المسلح ضد الوجود البريطانى فى القناة، ولتبدأ مرحلة جديدة فى تاريخ ثورات المصريين قضى عليها حريق القاهرة فى 26 يناير 1952 دون أن تحقق أهدافها.

وبعد انتصار الدولة الاستبدادية فى 1954 تراجعت حركات الاحتجاج الكبرى حتى عادت لتتفجر من جديد فى أعقاب هزيمة 67 واستمرت لعشر سنوات كاملة بداية بالاحتجاجات العمالية والطلابية فى فبراير 68 وانتهاء بانتفاضة 18 و19 يناير 1977 الشعبية، التى ختمت حقبة من التحركات الجماهيرية الكبرى انتهت هى الأخرى دون أن تكمل أهدافها.

فهل نحن شعب قدره أن يثور ويضحى دون أن يكمل ثورته؟ هل نحن شعب الثورات الناقصة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.