شيخ المنطقة الأزهرية بالغربية يترأس وفداً أزهرياً للعزاء في وكيل مطرانية طنطا| صور    «المالية»: 20 مليون جنيه «فكة» لتلبية احتياجات المواطنين    إقبال على شوادر الأضاحي ومحال الجزارة بالسيدة زينب ليلة عيد الأضحى (صور)    إلغاء إجازات البيطريين وجاهزية 33 مجزر لاستقبال الأضاحي بالمجان في أسيوط    40 جنيهًا.. ارتفاع في أسعار الذهب المحلية خلال أسبوع    طيران الجيش الإسرائيلي ينفذ غارات على أطراف بلدة الناقورة جنوب لبنان    ملخص وأهداف مباراة إيطاليا ضد ألبانيا 2-1 في يورو 2024    ميكالي يطالب اتحاد الكرة بحسم موقف الثلاثي الكبار بقائمة أولمبياد باريس    عاجل.. عرض خليجي برقم لا يُصدق لضم إمام عاشور وهذا رد فعل الأهلي    عاجل.. الزمالك يحسم الجدل بشأن إمكانية رحيل حمزة المثلوثي إلى الترجي التونسي    كرة سلة - 16 لاعبا في معسكر منتخب مصر استعداد لتصفيات أولمبياد باريس 2024    الحج السياحي 2024.. نجاح تصعيد كامل الحجاج إلى عرفات.. والآن مقيمين بالمزدلفة    هربًا من ارتفاع الحرارة.. غرق شابين في ترعة بالدقهلية    حالة الطقس أول أيام عيد الأضحى المبارك.. انكسار في درجات الحرارة    إقبال وزحام على محال التسالي والحلويات في وقفة عيد الأضحى المبارك (صور)    أماكن ساحات صلاة عيد الأضحى 2024 في مكة.. تعرف على موعدها    أنغام تحيي أضخم حفلات عيد الأضحى بالكويت.. وتوجه تهنئة للجمهور    تزامنا مع عيد الأضحى.. بهاء سلطان يطرح أغنية «تنزل فين»    اتغير بعد واقعة الصفع، عمرو دياب يلبي طلب معجبة طلبت "سيلفي" بحفله في لبنان (فيديو)    رئيس وزراء لبنان يستقبل عمرو دياب قبل حفلُه في بيروت    متى تبدأ ومتى تنتهي.. كل ما تريده عن تكبيرات العيد    دعاء للحجاج.. أفضل أدعية لزوار بيت الله الحرام    للكشف والعلاج مجانا.. عيادة طبية متنقلة للتأمين الطبي بميدان الساعة في دمياط    الخارجية الأردنية: نتابع وفاة 6 مواطنين أردنيين كانوا يؤدون مناسك الحج    إطلاق "شعارات بانديرا النازية" في مؤتمر سويسرا حول أوكرانيا    متظاهرون يحرقون إطارات وصور نتنياهو في تل أبيب    يونيسف: الوضع في غزة يزداد سوءًا للأطفال يومًا بعد يوم    بمناسبة العيد والعيدية.. أجواء احتفالية وطقوس روحانية بحي السيدة زينب    الآن.. موعد صلاة عيد الأضحى 2024 في القاهرة وجميع المحافظات والمدن (اعرف منطقتك)    بيان من القنصلية المصرية بجدة للمواطنين الذين انقطع الاتصال بذويهم أثناء الحج    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. السعودية: اكتمال المرحلة الأولى من خطط أمن الحج بنجاح.. بايدن وترامب يتفقان على قواعد المناظرة الأولى.. ونائبة الرئيس الأمريكى: ندعم خطط زيلينسكى لإنهاء الحرب    عميد «بيطرى دمنهور» يقدم نصائح لذبح الأضحى بطريقة آمنة فى العيد    سرايا القدس تنفذ سلسلة من العمليات العسكرية ضد جيش الاحتلال    رئيسة الوزراء الإيطالية: إسرائيل وقعت في فخ «حماس»    الإسباجتي لا ينكسر    رئيس وزراء لبنان يستقبل عمرو دياب قبل حفله في بيروت    حلو الكلام.. لم أعثر على صاحبْ!    أيمن الرقب: عيد الأضحى فى قطاع غزة يقتصر على الشعائر الدينية فقط بدون أضاحى    من جديد معجب يطارد عمرو دياب في حفله ببيروت..ماذا فعل الهضبة؟ (فيديو)    يورو 2024 – كييزا: استرجعت نهائي البطولة الماضية.. والهدف المبكر صدمنا    عامر حسين: لا بد أن يكون الموسم المقبل من دور واحد.. وأعتذر لجماهير الزمالك    مكروهات الذبح للمضحي وآداب الأضحية.. الإفتاء توضح    لكل أب وابن فى عيد الأضحى المبارك. والرسالة الأعظم    أمين الإفتاء: الحجاج ذهبوا إلى المزدلفة ويتجهزون لباقي أركان الحج    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. إيطاليا وإسبانيا يفوزان في يورو 2024 وجوميز يرفض مقترح بشأن نداي    فحص 1374 مواطنا ضمن قافلة طبية بقرية جمصة غرب في دمياط    وانكشف الإدعاء على الرئيس مرسي .. "السيسي" يمنح الإمارات حق امتياز قناة السويس ل 30 عاما    خريطة ساحات صلاة عيد الأضحى في القاهرة والجيزة | فيديو    رئيس الوزراء يهنئ الشعب المصرى بعيد الأضحى المبارك    وزيرة الهجرة: تفوق الطلبة المصريين في الكويت هو امتداد حقيقي لنجاحات أبناء مصر بمختلف دول العالم    10 نصائح من معهد التغذية لتجنب عسر الهضم في عيد الأضحي    وفد وزارة العمل يشارك في الجلسة الختامية لمؤتمر العمل الدولي بجنيف    محافظ أسوان يتابع تقديم الخدمات الصحية والعلاجية ل821 مواطنًا بإدفو    مجدي بدران يقدم 10 نصائح لتجنب الشعور بالإرهاق في الحر    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج إعداد معلمي رياض الأطفال ب«تربية القاهرة للطفولة المبكرة»    ما أسباب تثبيت الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة؟.. خبير اقتصادي يجيب    مؤتمر نصف الكرة الجنوبي يختتم فعالياته بإعلان أعضاء المجلس التنفيذي الجُدد    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 15 يونيو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا حمدين صبَّاحى؟
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 05 - 2012

كان الرئيس «أنور السادات» بادى الغضب، وهو يضرب بيده على منصة جلس عليها: «من كتب هذا البيان؟». لوهلة ران صمت عميق على قاعة الاجتماعات التى ضمت ممثلى اتحاد طلاب الجمهورية فى أعقاب مظاهرات الخبز عام (1977)، فرئيس الجمهورية وسلطاته مطلقة وغضبه واصل إلى ذروته يحتج على وصف المظاهرات المليونية ضد رفع الأسعار بأنها «انتفاضة شعبية» بحسب الوصف الذى تضمنه بيان أصدره الاتحاد. كان الرئيس فى حالة إنكار للحقائق التى عمت الشوارع احتجاجا على عواقب سياسة الانفتاح الاقتصادى التى انتهجها منذ عام (1974). أراد أن يقنع الرأى العام بأن ما جرى فى شوارع القاهرة ومدن مصرية أخرى «انتفاضة حرامية»!

لم يكن يتوقع أن أحدا يجرؤ على مواجهته والاعتقالات التى أعقبت الاحتجاجات مازالت جارية بعد أن أحكمت قوات الجيش سيطرتها على القاهرة بعد فرض حظر التجوال فيها.. ولكنه فوجئ بشاب فى نحو الثانية والعشرين من عمره يرفع يده متحملا مسئولية البيان الذى وصف المظاهرات ب«الانتفاضة الشعبية» ضد الرئيس وسياساته الاقتصادية.

وجد من واجبه أن يقف ويتحدث ويتحمل المسئولية. استقر عزمه فى اليوم السابق على لقاء الرئيس أن يكسر حاجز الرهبة الذى قد يفرض قيوده على لقاء ينقله التليفزيون على الهواء مباشرة. كان مهيأ للمواجهة ومستعدا لدفع أثمانها. أخذت المفاجأة الرئيس الراحل ولكنه استدركها سريعا على طريقته المعهودة: «برافو يا بنى.. أنا أحب الشجاعة الأدبية!»

وجرت وقائع الحوار المثير بين رئيس غاضب تفلت عباراته وشاب يافع يتقن طرح أفكاره وحججه تلازمه.. والتسجيلات موجودة وشاهدة.

لا شىء يولد من فراغ.. وقصته تدخل فى ملحمة جيل ولد من رحم هزيمة (1967). لم يكن قد التحق بالدراسة الثانوية عندما وقعت الهزيمة، ولكنه فى يومه الدراسى الأول بجامعة القاهرة التى التحق بكلية الإعلام فيها وجد نفسه أمام مقدمات انتفاضة يناير (1972).. مؤتمرات وندوات وتجمعات تدعو إلى استعادة الأراضى المحتلة بقوة السلاح، ترفض المماطلة فى اتخاذ قرار الحرب قبل ان تخرج المظاهرات الحاشدة إلى الشوارع المحيطة. كان «السادات» قد تعهد بأن يكون عام (1971) هو «عام الحسم» ولكنه تراجع وأطلق على العام نفسه «عام الضباب».

جيل السبعينيات كان على وشك أن يولد وأن يبدأ إسهامه الكبير فى التاريخ المصرى المعاصر. كانت الوطنية المصرية حجر الأساس فى التشكيل الفكرى والوجدانى لهذا الجيل. تعددت المدارس والرؤى ولكنها انطلقت من نفس القاعدة تعرض المقاومة الشعبية وتدعو لتحرير سيناء.

فى تلك الأيام كان صوت «أحمد عبدالله رزة» يجلجل فى جنبات قاعة المؤتمرات الكبرى وحضور «سهام صبرى» طاغيا. الأول، مثلت قدراته الخطابية الاستثنائية إلهاما لجيل السبعينيات، والثانية، كشفت عن قدرات قيادية لا مثيل لها فى تنظيم الاعتصامات.. وشاءت أقدارهما أن يرحلا عن عالمنا مبكرا.

فى عنفوان التمرد والثورة تبلورت عند هذا الجيل فكرتان رئيسيتان: الديمقراطية وضرورة المشاركة السياسية فى صناعة القرار، وهذه برزت فى أول موجات الحركة الطلابية عام (1968) وتأكدت فى موجات لاحقة.. والعدالة الاجتماعية، وهذه كانت واضحة فى توجهات اليسار الطلابى، ولكنها تأكدت بعد الانفتاح الاقتصادى والفساد الذى صاحبه ووصلت إلى ذروتها فى مظاهرات الخبز. ارتبط مع جيله منذ البداية بثلاث قضايا شغلت اهتماماته: الاستقلال الوطنى والعدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية، وهى ذات الأهداف الرئيسية لثورة يناير التى يتقدم باسمها الآن لرئاسة الجمهورية. خرائط السياسة تغيرت والأجيال تعاقبت ومازالت الاهداف والاحلام واحدة: حرية وعدالة اجتماعية. الجيل الجديد لديه خيال مختلف ووسائله بنت تقنيات الاتصالات الحديثة بينما كانت «مجلات الحائط» أبرز وسائل جيلنا للتعبير عن آرائه فى محيط الجامعة، وهى وسيلة تعبير جرى استلهامها من تجربتى «الثورة الثقافية فى الصين» و«الاحتجاجات الطلابية فى فرنسا»، والأخيرة زامنت لأسباب مختلفة انطلاقة الحركة الطلابية المصرية المعاصرة فى عام (1968).

عنوان أول مجلة حائط حررها كان لافتا ومثيرا: «عبدالعاطى صباحى أجدع من كيسنجر». عباراته معتزة بوالده الريفى الذى يعيش منزويا على ضفاف بحيرة البرلس واثقا أنه أكثر استقامة ووطنية من الذين يراهنون على وزير الخارجية الأمريكية الأشهر وأفكاره للتسوية.

أمام مجلة حائط تعرفت عليه للمرة الاولى قبل أربعين سنة، تجاورنا على مقاعد الدراسة وفى غرف المدينة الجامعية. بداخله فنان كامن يتذوق الشعر ويحفظه، يرسم أحيانا، يحفظ أغانى الشيخ إمام، صوت فيروز يسحره ويشجيه ككل أبناء جيله، فصيلة دمه «o»، تُعطى ولا تأخذ، وبالمصادفة فإن أغلب قيادات الحركة الطلابية السبعينية من ذات الفصيلة، ذهب بأحلامه إلى السينما وعوالم الإخراج فيها، لكن السياسة قطعت الطريق عليه، ووهب قدراته وبذل مواهبه كلها للقضايا العامة.

فى المشهد التاريخى لميلاد جيل جديد وتطلعات جديدة برزت أسماء كثيرة قدر لها أن تلعب أدوارا لامعة فى حياتنا السياسية والثقافية والفنية ناشطين ومفكرين وشعراء وأدباء وسينمائيين وصحفيين وإعلاميين.. وكان هو فى قلب المشهد لأربعة عقود متصلة.

فى غضون سنتين من دخوله الجامعة آلت إليه قيادتها. لعب دورا أساسيا فى إعادة تأسيس التيار الناصرى الذى بدا فى ذلك الوقت أنه الأقوى والأوسع نفوذا.. أمكنه أن يكتسح فى عام (1976) الانتخابات الطلابية وصعد إلى موقعى رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة ونائب رئيس اتحاد طلاب الجمهورية.. وقد خلفه على المقعد الأول «عبدالمنعم أبوالفتوح» رئيس اتحاد طلاب كلية الطب فى ذلك الوقت لاستكمال مدته بعد تخرجه.

هو ابن حقيقى لجيله الذى قدر له أن يحارب على جبهات القتال الأمامية لست سنوات، أن يدفع فاتورة الدم كاملة قبل أن تعصف بأحلامه وتضحياته تحولات السياسة وانقلاباتها، وهو الجيل الذى تولت طلائعه الطلابية الضغط المتواصل لخوض الحرب والدعوة إلى التعبئة العامة وتماسك الجبهة الداخلية وراء مقاتليها وصنع أطول حركة طلابية فى التاريخ اتصلت لتسع سنوات بين عامى (1968) و(1977)، وكان النواة الصلبة لانتفاضة الخبز التى كادت تطيح «السادات»، تصدى للانفتاح الاقتصادى وقططه السمان ولكامب ديفيد ونتائجها الكارثية على دور مصر فى محيطها، وهو الجيل الذى حاول بقدر ما يستطيع أن يبقى على جذوة الغضب لأربعين سنة، رفض التوريث والتمديد وعارض دولة الفساد، حتى أسلم راياته لجيل جديد نجح فى أن يعلن عن ميلاده بثورة حديثة يتهددها خطر الانقضاض عليها وسرقة ثمارها. المصير نفسه يلاحق الجيل الجديد.. خاض السبعينيون الحرب ولم يحصدوا نتائجها، دفعوا الأثمان كاملة وذهبت الجوائز لغيرهم.. والثوار الجدد دفعوا فواتير الدم من أجل ثورة تذهب جوائزها لغير اصحابها.

ربما خامرته هذه الفكرة الموروثة من ملحمة جيله وهو يتقدم للرأى العام ببطاقة ترشحه لمقعد رئيس الجمهورية. لابد من تصحيح التاريخ وأن يحصد الجيل الجديد جوائز تضحياته.. مواطن حر فى وطن حر، عدالة اجتماعية مستحقة لا عبارات إنشاء سياسى.

على مدى أربعين سنة لم يخلف للثورة ميعادا.. قاد انتفاضة فلاحين على مستوى الجمهورية، اعتقل وحلق شعره رأسه وأهين بضراوة، ولكنه لم ينكسر وبدت صوره التى نشرت حينها موحية بأننا أمام رجل له قضية ومستعد أن يتحمل تكاليفها. اعتقل لأكثر من (17) مرة، عذب كثيرا لكى يعترف على رفاقه، تحمل وصمد، وخرج دوما من أقبية التعذيب رجلا كريما على نفسه وعزيزا على الناس. فى مارس (2003) تصدر عشرات الألوف فى ميدان التحرير تجمعوا للاحتجاج على الدور المصرى المخزى فى الحرب على العراق التى جرى احتلال عاصمته بغداد، جرى توقيفه والاعتداء عليه دون اعتبار لحصانته البرلمانية. الموقف ذاته تكرر أثناء الحرب على لبنان والحرب على غزة.

فى بلدته بلطيم صورته أقرب إلى البطل الشعبى لا النائب البرلمانى، وربما يرجع ذلك إلى أنه من أوائل الذين حصلوا على تعليم عال فى هذه المنطقة الفقيرة قبل أن يقدر لهم أن يكونوا شخصيات عامة معروفة، كل أب يرى فيه مستقبل ابنه، وكل أم ترى فيه ابنها. صورته السياسية والإنسانية فى بلدته الفقيرة ربما أوحت إليه بشعار حملته الانتخابية «واحد مننا».

هو هذا الرجل بالضبط: «واحد مننا». أكسبته خبرات السنين قدرات مضافة ترشحه لأن يكون رجل دولة ورجل ثورة فى آن واحد.

صوتى ل«حمدين صباحى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.