ثلاث مرات توقفت امام حقيقة تمثلها كلمة واحدة: الشباب. حيث كانت مصر علي موعد مع شبابها. المرة الاولي في فبراير1968 والمرة الثانية في يناير1977 والمرة الثالثة ولا اتمني ان تكون الاخيرة في يناير.2011 في المرة الاولي كانت حركة الشباب المصري ردا علي احكام الطيران التي صدرت عقب نكسة الخامس من يونيو سنة1967 وكان الهدف الاولي منها رفض هذه الاحكام. التي رأي الشباب انها هينة لينة لا تتناسب مع حجم الكارثة التي حدثت في الخامس من يونيو سنة1967, لكن حركة الشباب المصري اصبحت جزءا من حركة الشباب علي مستوي العالم كله. الثورة التي هزت الدنيا بكل ما فيها ومن فيها لدرجة انني مازلت اذكر ان عددا خاصا صدر من مجلة الطليعة التي كانت تصدرها مؤسسة الاهرام وكان عنوانه الرئيسي: شباب68 يهز العالم. كان مركز تحرك شباب1968 باريس, وكان الزمان مارس من ذلك العام. وكان هناك اساس ايديولوجي لتحركهم, ألا وهو تغيير العالم الي الافضل, وتصدرت اسماء مهمة في ذلك الوقت الحركة, اذكر منهم جان بول سارتر في باريس وبرتراند راسل في لندن, وقد غيرت هذه الحركة الكثير من معطيات الدنيا وخلقت واقعا جديدا وزمنا مغايرا ومفردات طارئة. في مصر كانت صدمة نكسة الخامس من يونيو مروعة ربما كانت الحدث الاول الذي هز وجدان جيل الشباب في ذلك الوقت. وشباب تلك الايام كانوا قد اتوا الي الدنيا في اواخر اربعينيات القرن الماضي واوائل الخمسينيات, القليل منهم رأي الملك فاروق لكن الكثرة الكاثرة لم تعرف سوي جمال عبد الناصر زعيما وقائدا وملهما, وقد تركزت المظاهرات في ميدان العباسية. ربما لان الشرارة انطلقت من جامعة عين شمس. يومها كان موقف عبد الناصر شديد الوضوح اتصل بشعراوي جمعة وزير الداخلية وقال له: لو اطلقت رصاصة واحدة وسقط شهيد واحد نكون قد فقدنا شرعيتنا. ونذهب الي منازلنا ربما سقط قتيل واحد في كل هذه المظاهرات لكن النظام متمثلا في رأسه وعقله المدبر وهو عبد الناصر اخذ الامر علي محمل الجد وتعامل معه باعتباره من الامور التي يجب ادراكها دون تهويل او تهوين. وعندما وصل المتظاهرون الي جريدة الاهرام في مبناها الجديد بشارع الجلاء اتصل عبد الناصر بهيكل وطلب منه النزول للمتظاهرين والكلام معهم والاستماع لهم او ان يصعدوا الي مكتبه ويجري حوارا معهم. كانت الدولة المصرية دولة جمال عبد الناصر قبل المجتمع المصري مجتمع جمال عبد الناصر في امس الحاجة لهؤلاء الشباب. والاستماع له واخذ ما يقوله بما يستحق من الجدية المطلوبة. لم يكتف عبد الناصر بالحفاظ علي حياة المتظاهرين لكنه استدعي الي مكتبه قياداتهم وقابلهم وتكلم معهم. واستمع لكل ما قالوه وعندما وجهوا له الدعوي لزيارة الجامعة زارهم وتحدث معهم والقي خطابا طويلا, وتبلورت هذه المناقشات في صدور بيان30 مارس الذي احتوي علي جميع الاصلاحات التي نفذها الرئيس السادات في منتصف سبعينيات القرن الماضي سواء من حيث العناوين او المحتوي. من الاسماء التي طرحتها مظاهرات تلك الايام كان الدكتور عبد الحميد حسن الذي اصبح امينا للشباب في الاتحاد الاشتراكي العربي, وانتهي به المطاف محافظا للجيزة, في ثمانينيات القرن الماضي, ولان التغييرات التي جرت في بر مصر كانت مخيفة فالشاب المتظاهر الذي اوصلته المظاهرات للقاء عبدالناصر والحديث مع هيكل اصبح بفعل الزمن وتغير القيم وانقلاب الاحوال وتبدل المعاني من رموز الفساد ودخل السجن بعد ان اصبح محافظا للجيزة. وخرج منه ليموت وقبل ان يموت اعلن انه قد اصبح شاعرا وكتب بعض قصائد الشعر التي لم تنشر وبعض الاغاني التي لم يغنها احد. في يناير1977 كلنا نعرف ان الانتفاضة كان سببها الرفع المفاجيء لاسعار عدد من السلع الاساسية في مصر. وايضا النشر عن هذه لاسعار في الصحف اليومية السيارة بشكل بارز, لكن انتقاضة الخبز كما اطلق عليها علماء الاجتماع السياسي والمؤرخون او انتفاضة الحرامية كما سماها الرئيس السادات افرزت عددا من القيادات الشابة التي تحاورت مع الرئيس السادات وذهبت الي القصر الجمهوري, وذهب السادات الي جامعة القاهرة كرد علي الزيارة وعندما حاول بعض الشباب التجاور في الكلام مع الرئيس السادات وكانت الجلسة مذاعة علي الهواء في التليفزيون انزعج السادات وشخط في الشاب شخطة جزء منها تمثيلي يطلب منه الجلوس والصمت لانه يكلم كبير العائلة المصرية. كان هذا الشاب هو حمدين صباحي الذي ما زال يتظاهر ويقف الآن في ميدان التحرير بصفة جديدة باعتباره مؤسسا لحزب جديد هو حزب الكرامة تحت التأسيس ورئيس تحرير جريدة هي جريدة الكرامة ومسئول مصري من مسئولي قيادة الرأي العام. تقدمت به السن فعلا لكنه ما زال يحتمي بشباب التحرير يقف بينهم ويتحدث معهم, مع ان الشباب الذين خرج من بينهم وهم الآن يقتربون من الستين كانوا عينة اخري من الشباب. نضجوا في مصر ما بعد حرب السادس من اكتوبر. وقبيل الانفتاح الاقتصادي الذي قلب سلم القيم في مصر انقلابا لم يحدث من قبل. هذا لم يجر بين يوم وليلة, لكنها عملية بطيئة بدأت من سنة1974 واستمرت حتي اواخر السبعينيات واوائل الثمانينيات ووصلت لاعلي موجاتها باغتيال الرئيس السادات يوم الثلاثاء السادس من اكتوبر سنة.1981 هل اختم هذه الكتابة عن شباب الزمن الذي مضي ببيت الشعر الذي يقول: الا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب لا الشباب سيعود لكن قدرة كهولتنا علي إخباره بما فعل المشيب موجودة وجاهزة, والحمد الله. المزيد من مقالات يوسف القعيد