تحرير 10محاضر خلال حملة إشغالات مكبرة بأشمون    إيه هو مشروع فالي تاورز وليه سعره لُقطة.. فيديو    طائرات الاحتلال تشن غارة على أرض زراعية شمال مدينة خان يونس    إسبانيا تكتسح منتخب أندورا بخماسية قبل يورو 2024    حزب الله اللبناني يعلن استهداف موقع الرمثا في تلال "كفرشوبا" بالأسلحة الصاروخية    النمسا تعلن تخصص 300 مليون يورو لتعزيز التنمية ومشروعات البنية التحتية    وزيرا خارجية السعودية وبريطانيا ناقشا الجهود المبذولة تجاه الأوضاع الراهنة في غزة    الرئيس الروسي: الوضع في قطاع غزة لا يشبه الحرب.. بل هو إبادة كاملة للمدنيين    البنتاجون: إصلاح الرصيف البحري الأمريكي للمساعدات قبالة غزة بحلول مطلع الأسبوع    مسؤولون أمريكيون: بايدن أعلن مقترح غزة دون الحصول على موافقة نتنياهو    بمشاركة المثلوثي.. تونس تنجو بهدف أمام غينيا الاستوائية في تصفيات المونديال    هشام نصر: مستحقات لاعبى ألعاب صالات الزمالك 107 ملايين جنيه وحزين بسبب النتائج    مبابي يقود فرنسا لفوز كاسح استعدادا لليورو    عبد الرحمن مجدي: لم نفز على الأهلي منذ 20 سنة لأننا "مش مصدقين"    تصفيات كأس العالم - موعد مباراة مصر وبوركينا فاسو.. القنوات الناقلة و3 معلقين    وزير الشباب يدعم المنتخب الوطني قبل مواجهة بوركينا فاسو    السفارة الأمريكية: إطلاق مبادرة جديدة للقضاء على العنف ضد النساء والفتيات    مهرجان جمعية الفيلم يعرض «شماريخ» للمخرج عمرو سلامة    ريهام عياد تتناول أشهر حالات الانتحار في "القصة وما فيها".. فيديو    باحثة سياسية: حكومة نتنياهو متطرفة تعيش فى ظلمات التاريخ وتريد إخراج كل الفلسطينيين    البابا تواضروس الثانى: سألنا مرسي ماذا يحدث في 30 يونيو فقال "عادي يوم وهيعدي"    5 أفلام جديدة.. القائمة الكاملة لأفلام عيد الأضحى 2024    أخبار × 24 ساعة.. هيئة الدواء: تسعير الأدوية جبرى وإجراءات ضد المخالفين    رئيس شعبة الدواء: لدينا 17 ألف صنف.. والأدوية المصرية نفس جودة الأجنبية    هربًا من حرارة الجو.. مصرع طالب غرقًا أثناء الاستحمام بنهر النيل بقنا    سيناريوهات زيادة أسعار الكهرباء الشهر المقبل.. ما مصير محدودي الدخل؟    عقب سيجاره يشعل النيران في أشجار النخيل بمركز ابشواي بالفيوم    شاب متهور يدهس عاملا بالتجمع الأول أثناء استعراضه بالسيارة في الشارع    أول رد من الأهلي بشأن عقوبة «أفشة»    محسن رزق يواصل اختبارات ورشة الإخراج المسرحي بمهرجان المسرح المصري    الملف ب 50 جنيها.. تفاصيل التقديم بالمدارس الرياضية للإعدادية والثانوية    الحج 2024.. عضو ب"شركات السياحة": حملات لترحيل حاملي تأشيرات الزيارة من مكة    قبل عيد الأضحى 2024.. محلول تنظيف سحري يعيد الثلاجة كالجديدة    رشاد عبده: الدعم النقدي الأفضل لكن في مصر العيني هو الأنسب    ناجي الشهابي: الحكومة نفذت رؤية الرئيس وكانت خير معين لتنفيذ التوجيهات    رئيس البعثة المصرية للحج: استقبلنا 2000 حالة في العيادات حتى الآن    بالفيديو.. خالد الجندي: هذا ما يجب فعله مع التراث    وزير العمل يشارك في الملتقى الدولي للتضامن مع عمال فلسطين والأراضى العربية المحتلة    أحمد فهمي يروج لفيلم عصابة الماكس: السكة لسه طويلة    عيد الأضحى 2024: هل يجوز الانتفاع بلبن وصوف الأضحية حتى نحرها؟ «الإفتاء» توضح    السعودية ومصر تعلنان موعد غرة ذي الحجة وعيد الأضحى 2024 غدًا    الحكومة الألمانية تعتزم تخفيف الأعباء الضريبية بمقدار 23 مليار يورو خلال السنوات المقبلة    رئيس «أسيوط» يشهد احتفال «الدول العربية» بتوزيع جائزة محمد بن فهد    أمين الفتوى بدار الإفتاء: الدعاء مستجاب في روضة رسول الله    رؤية مصر 2023.. "الأزهر" يدشن وحدة للاستدامة البيئية - تفاصيل    «درَّة التاج»| العاصمة الإدارية.. أيقونة الجمهورية الجديدة    رئيس جامعة المنوفية يستعرض الخطة الاستثمارية وتعظيم الاستفادة من الموارد الذاتية    إنقاذ حياة كهربائي ابتلع مسمار واستقر بالقصبة الهوائية ببنها الجامعي    أميرة بهى الدين تستضيف أكرم القصاص فى "افتح باب قلبك" الليلة    أمين الفتوى يوضح طريقة صلاة التسابيح.. مٌكفرة للذنوب ومفرجة للكروب    بعد صدور قرار النيابة بشأن التحاليل.. أول تعليق للفنانة هلا السعيد على واقعة التحرش بها من سائق «أوبر»    السبت أم الأحد؟.. موعد الوقفة وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2024    الجريدة الرسمية تنشر قرار محافظ الجيزة باعتماد المخطط التفصيلى لقرية القصر    وزير الري يبحث مشروعات التعاون مع جنوب السودان    وزير التنمية المحلية: مركز سقارة ينتهي من تدريب 167 عاملاً    تكريم الطلاب الفائزين فى مسابقتى"التصوير والتصميم الفنى والأشغال الفنية"    محافظ كفر الشيخ يتفقد موقع إنشاء مستشفى مطوبس المركزي    مواعيد مباريات الثلاثاء - 6 يونيو 2024 - البرتغال ضد فنلندا.. وإيطاليا تواجه تركيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوارات هيكل (الجزء العاشر)
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 04 - 2010

فى الأسبوع الأخير من شهر فبراير سنة 1968 وقع حدث بالغ الأهمية فى التاريخ المصرى ومن اللحظة الأولى بدا الحدث عاديا فى سياقه الطبيعى، فهو متصل بقضية ما زالت معنا حتى هذه اللحظة وسوف تؤثر طويلا فى مستقبلنا، ففى 20 فبراير صدرت الأحكام المعروفة باسم «أحكام الطيران» وهى أحكام على قادة الطيران السابقين الذين قدموا إلى المحاكمة بتهمة أنهم لم يعدوا سلاحهم للمعركة بالطريقة الكافية وأنه كان هناك إهمال، وفى صباح يوم الأربعاء 21 فبراير نشرت هذه الأحكام فى الصحف وعلى الفور بدا أن لها رد فعل وهذا كان طبيعيا فى سياقه، لأنه كان منتظرا ومتوقعا، عندما أذيعت هذه الأحكام بدأت المصانع الحربية فى حلوان وبالتحديد مصنع الطائرات المعروف باسم «رقم 36» فى حلوان والمختص بصناعة هياكل الطائرات، بدا أن هذه الأحكام فى هذا الموقع الذى عاش أو قارب أو لاصق المشكلة المتعلقة بضربة 5 يونيو الجوية وظهر أن هذا الموقع هو الأكثر تأثرا وقربا مما جرى.
غضب عمالى
وبالتالى بدا فى صباح ذلك اليوم وجود تجمعات وفرق متناثرة تتحدث فى الأحكام ورغم أن الأحكام اتسمت بالشدة حيث حكم على صدقى محمود قائد الطيران السابق بالسجن 15 عاما ولكن بدا لهؤلاء الشباب من العمال رجالا ونساء فى المصنع 36 أن الأحكام لا تتوازى مع الجريمة وأن العقاب أقل بكثير مما حدث.
وبدا أن هناك نوعا من الغضب ثم بدأت التجمعات المتناثرة تتجمع فى شكل مظاهرة، وحدث أن مدير المصنع كان قلقا لقرب هؤلاء العمال من ماكينات متقدمة شديدة الحساسية لصنع الطائرات، فاختص المصنع فى هياكل الطائرات فى ذلك الوقت، فاستدعى مدير المصنع الأمن الخاص بالمصنع ودخل رجال الأمن إلى أحد العنابر، وعندما شاهدهم العمال أخذوا يدقون على أظهر بعض الماكينات أمامهم احتجاجا على التدخل الأمنى فى قضية يعتقدون أنهم قريبون منها وشاهدوا أوجه الإهمال بها، وهذه حقيقة شهادة لهم.
تكونت مظاهرة فى المصنع 36 وبدأ قسم حلوان يأخذ حالة طوارئ، وحاول بعض العمال الخروج من المصنع ولكن الشرطة تصدت لهم بقوة وحدث اشتباك محدود بينهم مستعينين فيه بالحجارة.
عندما علم عمال مصنع آخر وهو المصنع 35 و32 بما حدث بالمصنع 36 خرجت مظاهرة كبيرة اشتملت على جميع هذه المصانع.
وحاول مأمور قسم حلوان فى ذلك الوقت منع هذه المظاهرة مما أدى إلى تراشق بالحجارة خلال عمليات المنع، ثم صدر أمر يفيد بإطلاق نار فى الهواء حتى لا يصاب أحد، ولكن أصيب بعض المتظاهرين فى أقدامهم وبعد ساعة ظهر أن هناك 5 من رجال الشرطة أصيبوا أيضا بجراح.
مظاهرات طلابية
فهذه الشعارات بدأت تسمع فى جامعة القاهرة وظهرت تجمعات فى شكل مظاهرات ضمت كليات الحقوق والآداب والهندسة، ثم انتقل صداها إلى جامعة عين شمس، وإلى هذه اللحظة يبدو الأمر وكأنه فى سياقه الطبيعى فهناك حالة غضب تجاه أحكام صدرت ارتآها البعض غير كافية على من صدرت تجاههم الأحكام.
كما بدا لهم أن الأمر أكبر مما يبدو أنه لا يقتصر على سلاح الطيران فقط وهذا فى اعتقادى أنه كان رد فعل طبيعى للغاية ومفهوم، فالناس تقبلت ما جرى وخرجت تطالب عبدالناصر لكى يبقى فى منصبه ليس لإعفائه من المسؤلية بل رغبة فى تحمله لها، وهو كان يدرك ذلك وتحمل المسئولية وغير فى القيادة.
نقطة انفجار
لكن لم يتصور أحد أن هذه هى نقطة تفجير، لكن الوعى العام، خاصة لدى الشباب بدأنا نشاهد فيه كميات من المنشورات، وتوسع الموضوع ليشمل ظاهرة أخرى موجودة تستحق الوقوف أمامها لأنها كانت تمثل ظاهرة الشباب فى هذه البلد وظاهرة جيل أعتقد أنه ظلم فى هذا التاريخ رغم أنه من أحسن الأجيال التى ظهرت فى التاريخ المصرى الحديث ولكن الظروف لم تسمح له إطلاقا بأن يأخذ فرصة حقيقية لكى يؤدى دوره فى السياق العام فى البلد.
ولأول وهلة بدأت المظاهرات تكبر وظهر الاتجاه إلى البحث عن الحقيقة ومناقشة المستقبل، ولم يستطع أحد إدراك الظاهرة فى حجمها الطبيعى سوى من لمسوها بالفعل، وأول من لمس هذه الظاهرة فى اعتقادى كان مديرو الجامعات ومنهم الدكتور محمد مرسى الذى كان يرأس جامعة القاهرة، والدكتور حلمى مراد الذى كان يرأس جامعة عين شمس.
وتفهموا هؤلاء أن هذا الشباب المتظاهر الذى بدا فى أول الأمر أنه متضامن مع العمال، فأنا كنت أردد دائما أن ذلك الجيل رغم أنه ابن لنظام 23 يوليو ولكنه أثبت تجاوز هذا النظام وتقدم عليه.
انقسام حول المظاهرات
ولكن فى ظل ذلك ظهر موقف شديد الحيرة حيث كانت هناك أوامر واضحة من قبل عبدالناصر لأنه فى هذه اللحظة حدث انقسام واضح فى المجموعة المحيطة بالقيادة ما بين المطالبين بالتشدد الثورى الذى يقضى بأن البلد فى حالة حرب وعلى الجيش الذى يحارب فى الخنادق أن يلتزم بالحزم مع هؤلاء الشباب، بالإضافة إلى أن بقاء مظاهرات الشباب فى الجامعة حتى ولم تخرج خارج نطاق الحرم الجامعى، فهى دليل تمرد على النظام يضعف صورته أمام العدو والعالم كله، وعلى الجانب الآخر فسر الآخرون الظاهرة على أنها تحتوى فى عمقها أكثر مما يبدو على سطحها ودعا إلى توصيف الظاهرة بشكل صحيح محذرا من أن الخطأ فى التوصيف سوف يؤدى إلى مشكلات كبرى وكان لديه عدم رغبة فى الصدام مع هذه المظاهرات الموجودة فى حرم الجامعة.
تصور أنصار المواجهة بالحزم الثورى أن لديهم عذرا ولابد أن يواجهوا المظاهرات وبدى أن هناك عدم فهم فالأمر كان يحتاج إلى استقصاء أوسع لأنه نحن أمام ظاهرة مختلفة، ولأول وهلة بدأت الأمور تتدرج فى محاولة فهم ما يجرى حيث رأى البعض أحقية الشباب فيما يفعلون وأنهم أصحاب قضية وتساءلوا حول طبيعة هذه القضية، واتضح من خلال المتابعة وجود موقف واحد خطير وأنه من الإمكان أن يسىء كما يتصور البعض ولكنه فى رأيى كان ظاهرة صحية وكان علينا أن نتمهل فى الحكم عليها.
لكن خلال اليوم الثانى قامت بالفعل مظاهرات بعضها ذهب مجلس الشعب والبعض الآخر ذهب إلى الأهرام وآخرون ذهبوا إلى مناطق أخرى، والمظاهرة الأولى التى أحيطت بمجلس الشعب الذى كان يرأسه محمد أنور السادات، طلع السادات على التراس الخاص بالمجلس وحاول التحدث مع الشباب وعندما وجد استحالة فى ذلك استدعى بعضهم للدخول إلى مكتبه ودار حوار بينهم اتسم بالحدة إلى حد ما، ثم بعد ذلك وجدت أنا شخصيا مظاهرة فى طريقها إلى الأهرام تحمل لهتافات أمثال «أين الحقيقة يا هيكل وحرية الصحافة» و«لماذا لم تقل الحقيقة؟».
وأول اتصال وصل لى أثناء المظاهرات بالاهرام كان من السيد شعراوى جمعة وزير الداخلية أبلغنى أنه أحضر إليه بلاغ الآن يفيد بحدوث مظاهرات حول الأهرام وأوضح لى أنه يريد الاطمئنان لوجود رجال شرطة محيطة بالأهرام، ولكنى ترجيته أنه إذا ظهرت الشرطة سيستفز المتظاهرين كما حدث قبل ذلك وأبلغته أننى حتى هذه اللحظة لست قلقا من هذه المظاهرات.
بعد ذلك كلمنى الرئيس عبدالناصر وسألنى هل هناك مظاهرة حول الأهرام؟ فقلت له نعم فى مظاهرة، ثم قال لى بلغونى إن الأهرام محاصر وأوضحت إليه أننى إلى الآن أرى شبابا يهتف غاضبا ولكن ليس هناك ما يهدد أحد.
دخل الشباب الأهرام ودخلوا إلى مكتبى والبعض منهم لمح توفيق الحكيم فوقف معه، وآخرون شاهدوا الدكتور لويس عوض الذى كان مندهشا مما يجرى وكان يرغب فى التحدث معهم، والدكتورة عائشة عبدالرحمن المعروفة ببنت الشاطئ كانت موجودة أيضا.
دخل حوالى نصف الشباب المتظاهر تقريبا مقر الاهرام وبعد ذلك جاءت مديرة مكتبى وأبلغتنى أن الرئيس عبدالناصر على خط التليفون وهى لا تستطيع أن تحوله إلى لأننى موجود بداخل الاجتماع مع الشباب، حيث كانت المناقشة محتدمة أكبر مما يمكن تصورها وكان أمامى شباب حائر وضائع، ذهبت خارج قاعة الاجتماع وتلقيت تليفون عبدالناصر الذى أبلغنى أن الأهرام محاصر واقتحمت من قبل الشباب، فقلت له أنا لا أعلم إذا كان هذا اقتحام أم لا ولكن حوالى نصف المتظاهرين بداخل الأهرام، وسالنى لماذا ذهبوا إلى الأهرام بالتحديد؟ وابدى ملاحظة شعرت من خلالها أن هناك من يحاول التحريض أو نقل صورة خاطئة حول ما يحدث.
فكان بالفعل هناك مظاهرة غاضبة ومناقشات دائرة وكان واضحا أن الشباب صاحب قضية وعمل البعض على الإيحاء بأن الشباب بمجيئهم إلى الأهرام مع معرفة عامة بعلاقة خاصة تربطنى بعبدالناصر قد يكون موجها إليه، فهو كان يريد العلم بما يجرى فأبلغته أن الشباب كان يناقشوننى أثناء اتصالك بى، وكنت أستشعر بحيرتهم.
جيل يطلب الحقيقة
أثناء جلوسى مع الشباب ساعدونا بحماستهم الطبيعية فى كتابة قصة ما جرى خلال هذا اليوم وأنا لدى الآن البروفات حيث أنهم كتبوا ما حدث بالجامعة مما ساعدنا فى أن نعطى لقارئ الأهرام صورة حقيقية باليوم التالى ومحررى الأهرام المختصين بتغطية أخبار الجامعة وما يحدث بها من مظاهرات، كتب عشرات المتظاهرين كميات مهولة لما جرى بما يملأ حوالى 10 صفحات.
وأبلغت قاعة التحرير أن ما كتبه الشباب جزء منه سينشر ولكن من الصعب نشر الجزء الآخر لضيق المساحة، وفوجئت فى المساء من مناقشات الشباب معنا والذين بدوا وكأنهم من ضمن أسرة تحرير الأهرام، ومن خلال تحركى بالمكتب ومشاهدتى للمناقشات تبين لى أنها كانت ظاهرة غريبة تستحق الاهتمام ووجدت توفيق الحكيم يرغب فى الذهاب لمنزله لأنه لا يستطيع السهر أكثر من ذلك والشباب يحيطون به ويصرون على استكمال حديثهم معه، فاقترحت عليهم الذهاب معه وطلبت اتوبيس من أتوبيسات عمال الأهرام وركبه توفيق الحكيم ومعه مجموعة من الشباب جلسوا معه إلى أن وصل منزله.
وهنا كنت امام ظاهرة جيل يطلب البحث عن حقيقة ما جرى ببلده وكما لديه شكاوى وقضايا حقيقية جرت فى هذه البلد بمعنى انه كانت هناك تجاوزات سلطة وابتدا الشباب يطرح قضايا التراكمات التى نتجت من الآثار السلبية تجاه نظام استمر عشر أو خمسة عشر عاما منذ أحداث السويس إلى 67، وكان الشباب لديه ما يسأل فيه عن حق.
حدث اجتماع للجنة المركزية أثيرت به موضوع الشباب وجدت بالورق الذى كتبه جمال عبدالناصر التناقض بين النظرية والتطبيق، وهنا يدل أن عبدالناصر كان معترفا أنه ما يتم تطبيقه من سياسات لم يكن يطابق ما تم تنفيذه بالفعل.
عهد جديد
تغيرت الوزارة ودخل فيها ناس كان منهم مدير جامعة القاهرة وعين شمس ووجدت عبدالناصر يحضر نقاطا تشتمل على ما يرغب فى إبلاغه للوزارة الجديدة فى 4 ورقات، فكان يشعر عبدالناصر أنه لابد من التغيير فالشباب يطالب بعهد جديد وتغيير حقيقى.
ووجه عبدالناصر حديثه لمجلس الوزراء الجديد فى 4 نقاط، تضمنت النقطة الأولى تساؤلا لعبدالناصر وهو الوزراء الجدد وماذا يمثلون؟ وأجاب عبدالناصر الشباب لم يكونوا بعيدا عن الوزارة وجميعهم لديهم خبرة بالعمل العام ويمثلون جيلا جديد يتقدم بالمسئولية.
وأكد عبدالناصر أن التغير فى معناه الحقيقى لا يقتصر على تغيير أشخاص فقط ولكنه أوسع فهدف التغيير مزدوج، مع الاستعداد للقتال فى الحرب من خلال شباب سيذهب إلى الحرب بالمستقبل لذا لابد أن يفهم الشباب ما يبحث عنه.
وقال: «هناك عدة نقاط أرغب فى التركيز عليها وهى أنه ليس فيكم من هو مدين بمركزه لأى شىء سوى لعمله وتجربته ورؤيته السياسية وكرامة الحكم تضامنية كمسئولية الحكم»، ثم توجه بحديثه إلى حلمى مراد وابلغه انه كان يعلم أنه كان يرغب فى تولى وزارة التعليم العالى وقال عبدالناصر: «لكننى أسندت إليك وزارة التربية والتعليم لأنها لديها القاعدة التى ينبغى أن نبدأ منها حيث أنها تشمل على شباب المدارس الابتدائية والثانوية وأنا أريد أن تبدأ التربية من هؤلاء».
وأنا أتصور أن ذلك الورق من أهم الوثائق حول هذا الموضوع، وجدير بالذكر أن الكثير من الناس لم يعجبهم حديث عبدالناصر واعتبره تفريطا فى الثورة ولكن هؤلاء جميعا غاب عنهم اننا كنا أمام شىء آخر.
ولدى وثائق فيها جلس قائد البحرية الإسرئيلية مع أحد السفراء يقول له إن المسائل فى مصر انتهت وأن النظام سيقع، والملحق العسكرى الإيطالى وقتها تحدث مع مثيله الأمريكى وأبلغه بأنه لديه معلومات أن النظام المصرى أيام وسيقع.
بالفعل لو أخذ فى ذلك الوقت بأن العملية عملية قمع ثورى أعتقد أن هذا البلد كان سيدخل فى مشكلات لا حدود لها ولكن لحسن الحظ أن جمال عبدالناصر تنبه لذلك، أظن أن خلال هذه الفترة استمع عبدالناصر كثيرا.
أتذكر أن يوم الجمعة 3 مارس اتصل بى عبدالناصر وأبلغنى عن رغبته فى مقابلتى بالقناطر وذهبنا بالفعل ووقتها لملمت الورق الذى كنت أكتب فيه خلال جلستى معه لأننى لا أحبذ الاعتماد على الذاكرة فقط، وبذلك الورق أخذت بعض النقط الصغيرة اثناء حديثى معه وعند انتهاء الحديث، قمت بإعادة بناء لما سمعته من عبدالناصر خلال مقابلتى معه.
اتضح لى أنه نظر وتأنى وفكر واستوعب ثم اتخذ موقفه وكان ذلك فى منتهى الصعوبة لأن عبدالناصر كان رجلا أسطوريا فى وقته كما اتسم بأنه لا يقاوم فى العالم العربى وأخذ صدمة أكثر بكثير مما ينتظر وشعر بتناقض داخلى شديد للغاية.
حركة عالمية
فات على الكثير منا فى الداخل والمراقبون لمصر فى الخارج أن يعلموا بأن حركة الشباب عام 68 كانت ثورة شباب عالمى، وفى بعض الأحيان أتساءل لماذا لا نفكر منذ اللحظة الأولى أن الذى رأيناه فى مصر كان جزءا من حركة شباب عالمى خلال عام 1968 حيث أطلق الفيلسوف ماركيوز على هذا العام بعام المتاريس وهو هنا كان يسترجع سنة ثورية أخرى كانت خلال عام 1948.
وفى 68 الإمبراطوريات المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية والتى تصورت بأنها حققت القوة الكبرى، حدث بأمريكا ثورة شباب وأقيمت المتاريس بجميع المناطق فى أوروبا وخرج الشباب هائجا يبحث عن الحقيقة والمستقبل والأمل لأن بذلك الوقت كان يرغب الشباب فى أن يشعر بأن هناك شيئا تغير بعد الانتصار فى الحرب العالمية الثانية.
أتذكر أنه بعام 1968 وصل الاهتزاز إلى كل شىء. كان هناك اهتزاز لجميع العقائد فلا الرأسمالية تصلح ولا الشيوعية وظهر العالم وكأنه داخل على تغيير بعد الحرب العالمية الثانية وان هناك شيئا يجرى فى العالم كله له أصول تاريخية فكان من البديهى أن يحدث عندنا شىء من قبيل ذلك.
فى تاريخنا نحن لم يظهر أن لعب الشباب دورا بارزا فى العمل العام فثورة عرابى قادها الضباط أبناء الفلاحين الذين امتلكوا أرضا ولديهم ضيق من الشراكسة وثورة 1919 قادها بالدرجة الاولى موظفون وأزهريون بينما لم يدخل الشباب الجديد فى الصورة.
وحدثت ظاهرة مهمة للغاية فى عام 1935 وهى أن شباب الجامعة بدأ يتحرك ويشعر بسلطة الزعماء وبالتالى بدأ يطالب بتشكبل جبهة وطنية وكان جميع الناس تضج من فرقة الاحزاب والزعماء.
هذا الجيل الجديد من الشباب الذى أطلق عليه فيما بعد بجيل السبعينيات شاهدته بالجامعة والمظاهرات وخنادق ميادين القتال، ولكن للأسف هذا الجيل طلع وأبدى رأى وتظاهر ورفض وتمرد وفرض تغييرا لأنه بعد ذلك صدر بيان 30 مارس الذى شمل على تصور لمستقبل ليس به جمال عبدالناصر لأن عبدالناصر كان يردد أكثر من مرة أن ميدان القتال سوف يعلم الجيل الجديد أشياء عديد أهم ألف مرة من كل ما يدرس فى الكتب والمحاضرات والندوات وأن هذا الجيل سيرجع وقد اكتسب قدرة تجعله يطالب بحقه.
انقلاب داخل الأهرام
وجدت فى ذلك الوقت محاولة انقلاب من داخل الأهرام لم أتنبه إليها رغم أننى أخطرت بها وحدث ذلك من خلال تفكير التنظيم السياسى فى عمل انقلاب داخلى فى الأهرام وأبلغنى السادات بذلك والذى طلب من سامى شرف أن يبعث إلى نسخة من التحقيق الذى جرى حول ذلك الموضوع.
وقد كان هناك شاب من الاهرام تم تجنيده أو شىء من قبيل ذلك وأبلغهم أنه يعمل منذ 3 سنوات بالأهرام ومع ذلك لم يقابلنى أبدا واتهمنى بأننى مستبد فى إدارة شئون الأهرام وطلب ان يصدر قرار فى شأنى بسبب طول فترة رئاستى للأهرام، وقال لى السادات «شوف كانوا عايزين يعملوا فيك إيه» ووجدت فى الورق أنهم وصفوا مقالاتى بالتخاذل واستنتجوا أننى أطالب بمفاوضات مع إسرائيل وليس مع الأمريكان.
وخلال التحقيق أوضح الشاب أنه شرع فى وضع شعارات للانقلاب لمنشورات سيصدرها ولكنه أبلغ المحققون أنه لا يستطيع عمل انقلاب داخل الأهرام لانه يحتاج إلى مساعدة من خارج الأهرام من خلال السلطة السياسية وأنا إلى أن خرجت من الأهرام لم أشاهده ولم اتخذ أى إجراء تجاهه وهو بقى فى الأهرام ولا أريد ذكر اسمه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.