2025 عام السقوط الكبير.. كيف تفككت "إمبراطورية الظل" للإخوان المسلمين؟    موسكو تبدي استعدادًا للعمل مع واشنطن لصياغة اتفاقيات حول أوكرانيا    نوفوستي تفيد بتأخير أكثر من 270 رحلة جوية في مطاري فنوكوفو وشيريميتيفو بموسكو    لافروف: نظام زيلينسكي لا يبدي أي استعداد لمفاوضات بناءة    الدفاع العراقية: 6 طائرات جديدة فرنسية الصنع ستصل قريبا لتعزيز القوة الجوية    تفاصيل إصابة محمد على بن رمضان فى مباراة تونس ونيجيريا    انقلاب سيارة محملة بزيوت طعام أعلى الطريق الدائري في السلام    وزارة الداخلية تكشف تفاصيل مصرع شخص قفزا فى النيل    داليا عبد الرحيم تهنيء الزميل ياسر الغبيري لحصوله على جائزة التفوق الصحفي فرع القصة الإنسانية    مها الصغير تتصدر التريند بعد حكم حبسها شهرًا وتغريمها 10 آلاف جنيهًا    آسر ياسين ودينا الشربيني على موعد مع مفاجآت رمضان في "اتنين غيرنا"    «زاهي حواس» يحسم الجدل حول وجود «وادي الملوك الثاني»    بعد القلب، اكتشاف مذهل لتأثير القهوة والشاي على الجهاز التنفسي    الأرصاد تحذر من أمطار ليلة رأس السنة ومنخفض جوي يضرب السواحل الشمالية    إيداع أسباب طعن هدير عبدالرازق في قضية التعدي على القيم الأسرية    النيابة العامة تُجري تفتيشاً ل مركز إصلاح وتأهيل المنيا «3»| صور    «إسرائيل: السحر الدين الدم».. كتاب جديد يكشف الأسرار الخفية للدولة العبرية    قفزة لليفربول، ترتيب الدوري الإنجليزي بعد فوز مان سيتي وآرسنال وخسارة تشيلسي    نيجيريا تهزم تونس 3-2 وتصعد لدور ال16 بأمم إفريقيا    خبير اقتصادي يكشف توقعاته لأسعار الدولار والذهب والفائدة في 2026    عمرو أديب يتحدث عن حياته الشخصية بعد انفصاله عن لميس ويسأل خبيرة تاروت: أنا معمولي سحر ولا لأ (فيديو)    محمد معيط: المواطن سيشعر بفروق حقيقية في دخله عندما يصل التضخم ل 5% وتزيد الأجور 13%    كيف يؤثر التمر على الهضم والسكر ؟    وزير الصحة يكرم مسئولة الملف الصحي ب"فيتو" خلال احتفالية يوم الوفاء بأبطال الصحة    حرب تكسير العظام في جولة الحسم بقنا| صراع بين أنصار المرشحين على فيسبوك    محافظ قنا يوقف تنفيذ قرار إزالة ويُحيل المتورطين للنيابة الإدارية    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهم في واقعة أطفال اللبيني    أخبار × 24 ساعة.. التموين: تخفيض زمن أداء الخدمة بالمكاتب بعد التحول الرقمى    إصابة 10 أشخاص فى حادث انقلاب مينى باص بمنطقة مدينة نصر    كأس أفريقيا.. نيجيريا تتأهل بثلاثية في تونس    مدرب المصرية للاتصالات: لا أعرف سبب تفريط الأهلى فى مصطفى فوزى بهذه السهولة    طه إسماعيل: هناك لاعبون انتهت صلاحيتهم فى الأهلى وعفا عليهم الزمن    سيف زاهر: هناك عقوبات مالية كبيرة على لاعبى الأهلى عقب توديع كأس مصر    يوفنتوس يعبر اختبار بيزا الصعب بثنائية ويشعل صراع القمة في الكالتشيو    نجوم الفن ينعون المخرج داوود عبد السيد بكلمات مؤثرة    صحف الشركة المتحدة تحصد 13 جائزة فى الصحافة المصرية 2025.. اليوم السابع فى الصدارة بجوائز عدة.. الوطن تفوز بالقصة الإنسانية والتحقيق.. الدستور تفوز بجوائز الإخراج والبروفايل والمقال الاقتصادى.. صور    الإفتاء توضح حكم التعويض عند الخطأ الطبي    رابطة تجار السيارات عن إغلاق معارض بمدينة نصر: رئيس الحي خد دور البطولة وشمّع المرخص وغير المرخص    سوريا تدين بشدة الاعتراف الإسرائيلي ب«أرض الصومال»    القوات الروسية ترفع العلم الروسي فوق دميتروف في دونيتسك الشعبية    المكسرات.. كنز غذائي لصحة أفضل    خبير اقتصادي: تحسن سعر الصرف وانخفاض التضخم يحدان من موجات الغلاء    محافظ الجيزة يتابع أعمال غلق لجان انتخابات مجلس النواب في اليوم الأول لجولة الإعادة    حزم بالجمارك والضرائب العقارية قريبًا لتخفيف الأعباء على المستثمرين والمواطنين    آية عبدالرحمن: كلية القرآن الكريم بطنطا محراب علم ونور    كواليس الاجتماعات السرية قبل النكسة.. قنديل: عبد الناصر حدد موعد الضربة وعامر رد بهو كان نبي؟    خبيرة تكشف طرق الاختيار السليم للزواج وتوقعات الأبراج 2026    معهد بحوث البترول وجامعة بورسعيد يوقعان اتفاقية تعاون استراتيجية لدعم التنمية والابتكار    وزير الطاقة بجيبوتي: محطة الطاقة الشمسية في عرتا شهادة على عمق الشراكة مع مصر    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    بعزيمته قبل خطواته.. العم بهي الدين يتحدى العجز ويشارك في الانتخابات البرلمانية بدشنا في قنا    مواجهة لا تقبل القسمة على اثنين.. بث مباشر مباراة الأهلي والمصرية للاتصالات في كأس مصر من استاد السلام    افتتاح مشروعات تعليمية وخدمية في جامعة بورسعيد بتكلفة 436 مليون جنيه    تعذر وصول رئيس اللجنة 40 بمركز إيتاي البارود لتعرضه لحادث    27 ديسمبر 2025.. أسعار الحديد والاسمنت بالمصانع المحلية اليوم    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من برنامج هيكل (تجربة حياة) : طريق أكتوبر.. أن نقف ونقاتل
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 12 - 2009

هناك مقولة شهيرة هى أن التاريخ يكرر نفسه دائما، وأظن أن قائل هذه المقولة هو المؤرخ اليونانى الشهير هيردوتس، وأظنه قالها وهو فى ذهنه وقتها أساطير العالم القديم، لأن الأساطير بها بطل يواجه مصاعب خارقة للعادة ثم يستطيع أن يتغلب عليها، وبالتالى بدا لمؤرخ كهيردوتس أن التاريخ يكرر نفسه.
لكن هناك مقولة أخرى ضدها أو مقابلها قالها كارل ماركس فى عصر حركة الشعوب الكبيرة، وهى أن التاريخ لا يكرر نفسه وإذا فعل ذلك فإنها تصبح تقليدا.
وفى تجارب الشعوب وأنا هنا أتكلم عن تجربة مصر والعالم العربى فى حالة الحرب وفى استعادة الإرادة بعد ظروف فى منتهى الصعوبة وبعد صدمة قوية جدا، أظن أن كلتا المقولتين بتقول الحقيقة والتاريخ يكرر نفسه أحيانا لكن يكرر نفسه فى إيه؟.
يكرر نفسه أولا إن كل الوقائع التى حدثت تجرى على جغرافيا معينة وعلى أرض معينة وعلى بشر متقاربين، وهناك خصائص نفسية للبشر لكن هناك شيئا موجودا بين البشر مشترك وهناك عنصر لاستعمال السلاح، وهو أيضا يحدد أويقارب ما بين التصرفات هنا وهناك فى ذلك العصر بصرف النظر عن نوع السلاح لكن هناك أوجه للتشابه لأن الموارد الاقتصادية تلعب دورا، وكل شىء موجود يلعب دورا، وبالتالى هناك نوع من الشبه لكن التكرار فى اعتقادى أظنه مستحيلا لأنه فى كل أزمة لها خصائصها وكل أزمة لها أيضا قادتها وكل شعب له مزاجه وكل شعب له طبيعته وله قدراته.
عالم النفس الشهير فرويد حدد للنفس الإنسانية طريقين بيسلك أحدهما باستمرار فى اتجاه الخطر، وهو أن تقف وتقاتل أو تهرب لكى تنجو وهناك أوجه شبه كثيرة وفى نماذج فى التاريخ.
وفى اعتقادى هناك فى التاريخ الحديث مثلين شهيرين جدا وهو المدرسة الإنجليزية فى حرب 1939 الحرب العالمية الثانية، والمدرسة الفرنسية فى نفس الحرب.
كانت سنوات الحرب صدمة ضخمة لإنجلترا وعندما ذهبت فى أول الحرب لكى تقاتل فى شمال فرنسا وعندما أرسلت القوة العابرة القليلة لكى تساند فرنسا فى حربها ضد هتلر واضطرت مواجهة صدمة هزيمة الجيش الألمانى لها بأسلوب جديد مختلف وبأسلحة جديدة،واستطاعوا أن يكتسحوا كل شمال أوروبا وأن يدوروا حول خط ماجينو وأن يعزلوا الجيش البريطانى عن الجيش الفرنساوى، واضطر الجيش الإنجليزى أن يتراجع بسرعة وبدون نظام إلى دانكرك، ومنها أشياء مبعثرة من الجيش تذهب إلى إنجلترا عبر البحر فى ظروف فى منتهى القسوة.
سوف نقاتل
هذه الظروف هى التى قال فيها تشرشل مقولته الشهيرة: «سوف نقاتل عبر البحر والبر والجو وكل بيت وكل قرية وكل شارع وكل حجر إلى آخره»، وكتب عنها ماكس هيستنجز كتابه «أروع السنوات»، لأنه فى هذه السنوات استطاع تشرشل أن يستجيب لإرادة شعبه، واستطاع أن يقف ويقاتل وحده دون الاعتماد على شىء، معتمدا على أن صمود الشعب البريطانى سيصنع معجزة، والشىء الآخر أن الولايات المتحدة ستجد نفسها فى لحظة ما، إذا استمرت المقاومة البريطانية وداخلة بمواردها الهائلة لتحسم الحرب ضد هتلر وتقف مع إنجلترا حتى يوم النصر، فى مقابل أروع السنوات نجد كتاب آخر يكاد يكون بيرد عليه، والذى كتبه جوليان جاكسون «فرنسا سنوات الظلام» عن نفس اللحظة ونفس الموضوع، لكن بطبيعة الشعب الفرنسى أصبحت سنوات الظلام كما يقول جاكسون.
والفرق بين سنوات الظلام وأروع السنوات هو الفرق فى أين تتماثل وأين تتباين المواقف تجاه الحرب فى فرنسا بشكل أو بآخر بالمزاج الفرنسى بإفلاس القادة بالظروف، التى كانت موجودة بسياسة القادة والتدهور السياسى وأشياء كثيرة، ويمكن أيضا بالرفاهية الزائدة وممكن الثقافة الفرنسية، التى تأخذ أصحابها بعيدا جدا عن الواقع، وهذا مهم جدا لأننا لا يمكن أن نغير الواقع إلا بأفكار سابقة عليه، وكانت حال فرنسا وقتها غير قادرة على أن تتحمل جهدا أو صدمة وتقاوم لأنه وقتها دخل هتلر باريس ولم يكن على فرنسا إلا أن تبكى وهى ترى مشهد صدمة مذهلة، وهى غير قادرة على تحملها، لكن هناك بلدا بشكل ما آثر طبقا لنظرية فرويد أن يهرب وأن ينجو وأن ينتظر يوما آخر.
لكن فى إنجلترا كان هناك موقف آخر فلم يأخذ تشرشل موقف المقاوم الهارب لأنه كان يعرف إرادة الشعب البريطانى، وتصور موارد هذه الامبراطورية وتأكد أنه فى مقدوره أن يقاتل، ليست المسائل أبيض وأسود، لأنه فى فرنسا لما كان هناك رغبة فى الاستسلام أو قبول الأمر الواقع ظهر رجل مثل بيجون وكان وزيرا ثانيا فى وزارة الدفاع الفرنسية فى ذلك الوقت وذهب لإنجلترا فى ذلك الوقت لكى يقود مقاومة وينشئ حركة فرنسا الحرة، لكن الظروف كانت كلها ضده وكانت فرنسا كلها مستعدة أن تقبل بالأمر الواقع.
أعتقد فى حالة مصر أننا أمام صدمة مزعجة جدا هى 5 يونيو بدأت بضرب 70% من الطيران المصرى، الذى دمرته وفى اليوم الثانى عندما صدر القرار بالانسحاب فى السادسة مساء على ليلة واحدة ومرة واحدة لكل القوات أظن أن الجيش عانى بقسوة شديدة جدا ما بين تدمير الطيران، وما بين هذا الخطر من تمزق الجيش ليلة 7 يونيو أظن أن هذه الصدمة تطير عقول أى أحد، وأظن أن الشعب المصرى بالغريزة وبالإحساس فى 9 و10 يونيو أدرك هذه الصدمة لا يمكن أن تتسق مع أى حقيقة أخرى.
أمة مختلفة
ولا يعقل أن العالم العربى بحجمه وبموارده وبمواقعه، لا يمكن أن تكون هذه النتيجة التى توصلنا إليها نتيجة طبيعية، وجمال عبدالناصر الذى كان أمام الصدمة قرر أن يتنحى وأن يبتعد، فوجئ بأن هناك شعبا آخر وأمة مختلفة، فهو كان يعرف أنها نتيجة غير طبيعية وأنه لا يمكن قبولها لكن بإحساسه بالمسئولية السياسية عنها آثر أن يتنحى.
لكن خروج الناس بهذه الطريقة أعطاه كما يسمه الفرنسيون مبرر الوجود، ومبرر أن يفكر ما يتصور أنه قادر عليه، وأظن أنه فى هذه الفترة، التى تواجه فيه الأمم بين هذا الخيار بين أن تهرب وتنجو وبين أن تقف وتقاتل، أظن أن جمال عبدالناصر استطاع وأظن أنه فى 9 و10 يونيو كان يعبر عن إرادة كبيرة جدا عن 23 يوليو وأكبر بكثير من أى خيارات اجتماعية لأنها أصبحت قضية البقاء وقضية الإرادة وقضية وجود أمة توجد أو لا توجد تهرب أو تقف لكى تقاتل أو تنجو وتخرج من التاريخ، وتفكيرها فيها بهذا الشكل أظنه كان أقرب للمدرسة الإنجليزية وأظن أن اختيارات عبدالناصر وقتها كانت أقرب للمدرسة الإنجليزية مدرسة تشرشل، وأنا أقول هذا الكلام وأمامى ورقة كتبها يوم 14 يوليو، عندما قرأتها أول مرة تصورت، وفى اعتقادى أى أحد أنه مثل هذا القول خيال حتى فى نموذج تشرشل.
عندما رأيت الورقة التى كتبها عبدالناصر أول مرة كتب 7 ورقات أظنهم يستحقون، وهنا موجود الأصل الكلام الذى سأقرأه وهو نقلا منه:
«الاعتبارات السياسية والعسكرية تحتم العمل العسكرى من جميع الجبهات المحيطة بنا، مستقبل المواجهة بيننا وبين اسرائيل: القوة هى الشىء الوحيد القادر على تحريك الأمة، إسرائيل سوف تمضى فى موقفها المتعسف».
والسطر الذى يليه
«القوة العربية القادرة هى السبيل الوحيد إلى كل تغيير ممكن على خطوط المواجهة»
ونجد أساسه فى حقيقتين:
1 التفوق العسكرى كميا فى حجم السلاح ونوعيا فى مستوى التدريب والإشراف، ما زالت إسرائيل مقارنه بمثيلاتها على أى جبهة عسكرية منفردة.
2 إن ميزان القوى بين دول الجبهة المجتمعة وإسرائيل يميل لصالح الدول العربية.
ويقول إن الجبهة الشرقية تتوافر فيها شروط المواجهة، ويقول إن القوة الجوية فى الجبهة الشرقية تحتاج لهبوط فى الجبهة الغربية، فإنه يقول لكى تستطيع الطائرات أن تكون موجودة طويلا فوق هدفها تستطيع أن تذهب وتواصل رحلتها بعد ضرب إسرائيل أن تواصل رحلتها لبلد عربية للأردن أو السعودية أو لأى حد.
الجبهة الشرقية
وقال إن أخطر أهداف إسرائيل الحيوية فى الجبهة الشرقية تؤدى لشطر إسرائيل نصفين، ويقول إن العدو يعمل باستراتيجية خطوط داخلية وعليه أن تنقلب الاستراتيجية ضده إذا ما حققت الفاعلية العربية العمل السليم والخطوط الخارجية، التى يفرضها العالم الجغرافى على الاستراتيجية العربية على مسرح الحرب.
وبعد ذلك قال تحديد الهدف الاستراتيجى على أساس التفهم العميق للتكامل بين إزالة آثار عدوان يونيو 67 والتحرير الكامل لفلسطين، الأول هو المدخل الوحيد للثانى.
وبعد ذلك قال بعد تحديد الهدف الاستراتيجى السياسى، فالمهمة المطلوب تحقيقها بواسطة القوات المسلحة واضعين فى الاعتبار قدرات العدو العسكرية الاقتصادية السياسية الدورية، وطبيعة مصر عمليا، وبالتالى يمكن تقدير حجم القوات المسلحة والمطلوب أن تواجهها دول مشتركة ويدخل فى هذا اعداد مسرح الحرب ويحدد نصيب كل دولة فى الحجم المتفق عليه وفى تنفيذ إعداد مسرح العمليات ثم تتم متابعة دورية للتنفيذ، وبعد أن يتم تحديد الهدف وحجم القوات المطلوبة لابد من تحديد وقت للتنفيذ، وقرات هذا الكلام يوم 17 يونيو بعد أن أرسله عبدالمنعم رياض، الذى اختاره جمال عبدالناصر لكى يعيد تنظيم الجيش وتحويله لكتلة أخرى مقاتلة ولكى يشرف عبدالمنعم رياض على الإعداد القتالى وعلى التخطيط لعمليات رد العدوان، وأنا أجد حاجة غريبة جدا، أجد الفريق فوزى الذى أخذ هذا التوجيه وعبدالمنعم رياض، الذى أخذوا هذا التصور إلى القائد السياسى للجبهة المقاومة المصرية مطلوب منهم الإجابة عن سؤالين، حجم إجمالى القوة تقريبا؟، الموعد المقدر أو المتصور لإمكانية التنفيذ؟!.
ونجد فى تقرير محمد فوزى أنه قدم تقريرا مكتوبا فيه مطلوب تشكيلات برية مجملها خمس فرق مشاة وثلاثة فرق ميكانيكية وفرقتين مدرعتين وثلاثة ألوية مدرعة مستقلة ولواء مظلات و44 كتيبة صاعقة، و2 لواء طيار جوى.
بالنسبة للقوات الجوية مجملها 600 طائرة مقاتلة يقودها 800 طيار ذوو كفاءة عالية مشكلة فى ألوية جوية، كل لواء مخصص بطيارين أو قاعدة جوية، ومطلوب 2 لواء قاذف خفيف و2 لواء قاذف ثقيل و5 ألوية هليكوبتر و2 لواء نقل ومواصلات هذا خلاف طائرات التدريب التى نقدرها ب120 طائرة.
قوات الدفاع الجوى والبحرى أجد أن هناك هدفا استراتيجيا محددا، والغريبة أن حتى الورقة الثانية، التى كتبها عبدالناصر فى ذلك الوقت بخط يده تجربة إنجلترا موجودة فى ذهنه وتجربة تشرشل فى ذهنه، حيث قال بخط إيده أيضا معركة بريطانيا وكيف واجهت إنجلترا التفوق الألمانى، وأسلوب القيادة يحتاج لكثير من الجهود وهو إقرار واضح وثابت للجميع.
وأنا أمام شعب وأمة ترفض ما جرى وامامى قيادة تتحمل مسؤليتها التاريخية، وأنا أتكلم عن لحظة تاريخية لأن التاريخ يتحقق والتاريخ تكتبه الشعوب والتاريخ تكتبه الأمم وتحققه وتصنعه، وأهمية القيادات فى اعتقادى أنها تعبير عن تاريخ وعن وجود امتها وعن تجربة متصلة فى حياتها وعن طموحات تحركها وآمال فى المستقبل تستطيع قيادة أن تحققه وهذا ما أتصوره لازما لنا فى هذه الظروف ثم قيادة عسكرية محترفة أو موهوبة أو فاهمة أو واعية وتقول ما نريده لتحقيق الهدف وأصبح هناك تصورا لنصر.. تقف وتقاتل بأى طريقة.
الغريب أن عبدالناصر كان يرفض الاتصال فى هذا الوقت لا بالروس ولا الأمريكان لأنه فى ظنه لا نستطيع التحرك دوليا بمستوى يكفل أى قدر من الاحترام إلا إذا بدا أن قضيتنا فى أيدينا وأننا بنصف الأسلحة والمعدات التى كانت معنا.
التكنولوجيا
حد يقول لى أنه يحلم ب600 طائرة و800 طيار وجبهة شرقية كل هذا لم يكن فى مقدور أحد فى ذلك الوقت أن يتصور أنه قابل للتحقيق لكن هنا فى تأثير أن تقف الأمم وأن تقاتل ليس أن تهرب وأن تنجو وان تقف وتقاتل هو الذى دعا لهذه التصورات، التى حاولت عرضها فى هذه اللحظة وأنا أقول إن هذه قفزة كبيرة للأمام وأريد القول إن هذا بالضبط ما تم تنفيذه فى 6 أكتوبر سنة 1973، وحددت مواعيد متصورة لمعارك وأنا أعلم أنه فى الأول كان هناك تحديد لتصور أن الموعد الملائم لمعركة لا ينبغى أن يزيد فى التقديرات الأولية عن 3 سنين، وبالتالى كان مفروض أن هناك معركة قادمة فى أبريل ومايو ويونيو سنة 1970 واعتقد أنه لم يستطع لأسباب سأتحدث فيها فيما بعد، لكننا بعد ثلاث سنين من التاريخ المحدد وفى 6 أكتوبر لحقنا.. وأنا كمتابع أجد أنه بعد كل هذه السنين نجد أن فوزى وعبدالمنعم رياض والأخير كان يتحدث ومهتم جدا، ويقول إن الحرب ستلعب فيها التكنولوجيا دورا مهما جدا وإذا كان هذا هو الحال إذن أنا أحتاج بجوار الجندى المقاتل الشاب القادم من الريف والمدينة أريد حملة الشهادات العليا لأن هذه التكنولوجيا الجديدة لا أتصور أن أحققها بنجاح فى داخل المهمة المطلوبة إلا فى داخل الجيش وفى يوم 6 أكتوبر وكان فى الجيش 126 ألف شاب من حملة الشهادات العليا والمؤهلات العليا، وفى 6 أكتوبر كان هناك جهد هائل وتصورات ومشاركة، وأنا قلت كثيرا وكررت أن الرئيس السادات طلب منى إعداد التوجيه السياسى للقائد العام لما هو مطلوب منه تحقيقه من العمليات لأنه باستمرار فى العمليات هناك قيادة سياسية تحدد ما هو مطلوب، وهناك قيادة عسكرية تنفذه لكن تنفذه بعد حوار والقيادة السياسية مطلوب منها معرفة ما يمكن تحقيقه فى ظروف هى تقدرها، وهذا يتأتى بمناقشات كثيرة جدا وقد كان.
ولما طلب منى السادات مشكورا فى ذلك الوقت أن أقوم بواجب أن اكتب للقائد العام للقوات المسلحة أحمد إسماعيل التوجيه الصادر منه بتحديد هدف العمليات الغريبة جدا وما كتبته يكاد يكون بالضبط أو رد فعل أو صدى عائد لما كتبه جمال عبدالناصر وهو كسر نظرية التفوق الإسرائيلى وكسر خرافة التفوق الإسرائيلى والعودة بأوضاع الوضع الطبيعى، الذى يضع الحقائق التاريخية والحقائق الاقتصادية وحقيقة الموارد والمواقع فى موضعها الصحيح فى خدمة هدف محدد، وكل ما تحدث عنه جمال عبدالناصر فى التقدير الاستراتيجى حصل، بمعنى أنه أصبحت هناك جبهة شرقية قادرة، وأى أحد يقول إنها جبهة لم تكن قادرة فأقول إنه يجب أن نفهم أنه لم يكن ممكنا من العبور لقناة السويس يتحقق لولا وجود الجبهة السورية، وفى ليلة 6 أكتوبر مساء ونحن ننصب الجسور للعبور، الجبهة السورية كان عليها فوق 4 آلاف و200 طلعة طيران، وأنا عندى كان أقل من 900 على الجبهة المصرية، لأن الإسرائيليين أدركوا ما رآه جمال عبدالناصر أن الاندفاع السورى لقلب إسرائيل يهدد كل الأهداف من الشمال وأن الطيران السورى قادر على أن يضرب من الشمال، وأنا لا أقدر إلا على الضرب فى سيناء والجيش لا يسمح سوى بهذا فقط، واستطعنا فى تلك الليلة إقامة جسور لأن طيران الجيش الإسرائيلى كان بخمس قوتها فقط.
وعندما طلب منى الرئيس السادات أن أكتب لأحمد إسماعيل تناقشنا وناقشنى وناقشنا أناس آخرين وأناس كثيرين كانوا موجودين فى التفكير وفى التخطيط وفى التصور، ولكن قال لى يجب الاتفاق فى النص مع أحمد لأنى لا أريد أن نختلف، وبالفعل قبل أن أكتب النص ذهبت للمشير أحمد إسماعيل وكان وقتها وهو قائد ممتاز وتقليدى يسير كما يقول الكتاب وطبقا لكتاب الحرب وأعتقد أننا كنا نحتاجه فى هذا الوقت ومش عاوزنى أربطه بأهداف واسعة، ففى الأول نحن اتفقنا مع السوريين بالوصول لخط المضايق لكن اكتفى الرئيس السادات ونحن لم نخطر السوريين بهذه الأحوال.
كسر نظرية أمن
وعندما أخطرت أحمد إسماعيل قال لى لا تقيدنى بشىء وبعد المناقشات وصلنا للذى يرضيه وهو كسر نظرية الأمن الإسرائيلى، وهو التوجيه وأى شخص يقرأه والرئيس السادات بعد أن كتبته لم يعدل فيه كلمة واحدة، وصلح خطأ مطبعى فقط والذى زاد حاجة واحدة لأنه بعد أن اتفقنا على كسر نظرية الأمن الإسرائيلى تعدى الأمر إلى عمل عسكرى القوات المسلحة لم تكن موجودة، وأضافها الرئيس السادات بخطه بعد أن جلس مع أحمد إسماعيل، وكان أحمد إسماعيل قلق من أن تطلب منه السياسة فوق ما تحتمله موارده وأنا كنت أفهمه جدا، لأنه وقت التفكير ووضع الاستراتيجيات ليس مثل وقت الحرب فهو وضع آخر.
ولما أقول إن الأحلام والتصورات الأولى قادت شعبا بحاله لمدة 6 سنين، فالذى قادها (جمال عبدالناصر) لأن الشعب ولأن هذه الأمة هم الذين جعلوا فوزى وعبدالمنعم رياض يحددون حجم القوات وهو المفروض بناؤه، وأننا أمام شعب وأمة واجهت صدمة مذهلة فى يونيو 67 وعرفوا بها بالتنحى يوم 9 يونيو، لكنهم وقفوا وعملوا استجابت القيادة واستجابت القوات المسلحة.
أريد القول إن هذه القوات المسلحة وهى مسألة مهمة جدا أن هذه القوات المسلحة التى بنيت وكان فيها محمد فوزى وعبدالمنعم رياض، وتعاقب عليها أناس حتى استقرت فى يد أحمد إسماعيل وسعد الشاذلى وعبدالغنى الجمسى وأظن أنها لم ينقطع إطلاقا عملها ولم ينقطع إطلاقا استعدادها، والدليل على ذلك مسألتان مهمتان للغاية هما كيف وقعت حرب 6 أكتوبر؟، فالأسبوع الأول فيها كانت القوات المسلحة المصرية والقوات المسلحة السورية والعربية ولكن تحديدا القوات المصرية أدت دور تاريخى لا يمكن تحقيقه وإذا أراد أحد أن يقول ما الذى تقوم به القوات المسلحة أنه شعب اختار أن يقف وأن يقاتل.
مغزى بقاء ديان
ونجد كلام موشى ديان أن أحد الجنرالات الكبار موسى بيليد وهو كلام مقتطف من تقريره، قال إن وزير الدفاع موشى ديان وهو أيقونة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية قد تهاوت بشدة بعد مفاجأة الهجوم المصرى السورى فى يوم الغفران 1973، وقد بدأ يصرح لزملائه بعد ساعات من المعركة أن المعبد الثالث فى خطر أى دولة إسرائيل ولا أحد يستطيع شرح درجة اليأس التى وصل إليها أكثر من وصف الذى قدمه الجنرال بيليد قائد مجموعة الألوية على الجبهة الشمالية، وقال إن بيليد كان يشعر أنه أمامه ساعات على إنجاز مهمته وكانت قواته تندفع نحو هضبة الجولان وبالقرب من موقع الباجور رأى موشى ديان على حافة الطريق جالسا فوق صخرة ينظر فى اتجاه وادى الحولة والمرتفعات وكان بجانبه عدد من المساعدين وعلى البعد كانت تظهر ومضات القذائف والمتفجرات وأصوات المعارك قادمة من بعيد، وتوقف الجنرال بيليد الذى كان يعرف ديان منذ أيام حياة الاثنين معا فى مستطونتين متجاورتين قرب قرية نهران، والعلاقات الحميمة مما تجعل ديان يكشف عن مشاعره وقال بيلد إنه لن ينسى على الإطلاق أن ديان تحدث عن الهيكل الثالث وأنه حاول أن يربت على كتف الجنرال الشهير مواسيا لكن ما فاجئه هو وجود الدموع تنهمر من عينيه وحاول بيلد أن يهدئ ديان لكن عبثا فإن الدموع راحت تنهال.
كان ديان قد أبلغ بالفعل رئيسة الوزراء بالموقف على جبهة الجولان، وعلى سيناء بعد ان زارت الجبهتين وكان تقريره صدمة لمجلس الوزراء.
وما أريد قوله إن نحن اخترنا طريقا معينا ويوم 9 و10 اختار الشعب المصرى طريقا معينا وكان عندهم استعداد للتضحية للبناء، وعندهم استعداد للعمل بالفعل فلم يكن سهلا أن يكون 6 أكتوبر، فهناك مليون شاب تقريبا ليس سهلا لكن هنا فيه خيار واضح هو أن نقف وأن نقاتل وأنا أقول إن هذه الأمة ظلت فى صعود ونزول، فأى أمة وحياتها ليست حائط أصم لكنها فى لحظات مستعدة، لكن الأهم من هذا فى اعتقادى أن هناك طريقا محددا وقع الاختيار عليه، ووصل بتصميم مليون شخص فى مصر وهذا ليس بهزار ولا بلعب، فهى أمة وضعت أشياء كثيرة فى المعركة وكان من حقها أن تأمل فى 73 وتأمل فى تحقيق شىء ،القوات المسلحة المصرية كانت مزودة بقوة أمة بحالها وقفت وقاتلت بعد أسبوع من الهزيمة، وأثبتت أنها قادرة على المسئولية وعلى التاريخ وعلى صلة بمستقبل جديد، وعندما أنظر إلى أحوال البيوت أجد أن هناك شيئا آخر حدث تتفق بدايات أكتوبر والست سنين الموجودة، والنتائج التى نراها الآن، فعندما ننظر للعالم العربى ليس هذا شكل منتصرين. فجمال عبدالناصر كان يتحدث عن قضية فلسطين والتحرير الأرض التى احتلت سنة 67 هى المقدمة الحقيقية، وأن كسر نظام الأمن الإسرائيلى سيفتح مجالا كبيرا لهذه الأمة فى هذا الموقع التاريخى الذى تعيش فيه.
وإننا ننظر فى حال هذه الأمة أننا بعد أن حققنا هذا الكسر فإنه تحقق بإرادات هائلة وأن هذا الهدف الذى كان مطلوبا هو كسر نظرية الأمن الإسرائيلى، ومشهد موشى ديان وهو يبكى ويذهب لمجلس الوزراء قائلا إن الهيكل الثالث فى خطر ومجلس الوزراء الإسرائيلى يجتمع ومصير إسرائيل معلق.. وهذا أداء شعب وأداء أمة وكيف وصلنا لهذا.. هذا موضوع آخر. وفى هذه اللحظة وفى هذه الأمة استطاعوا أن يختاروا أن نقف ونقاتل وليس أن نهرب وننجو.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.